عدم دستورية نص المادة الأولى من القانون رقم 76 لسنة 1947

قضية رقم279لسنة25 قضائية المحكمة الدستوريةالعليا”دستورية”

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد الموافق الثالث من فبراير سنة 2008، الموافق السادس والعشرين من المحرم سنة 1429ه .
برئاسة السيد المستشار / ماهر عبد الواحد رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: ماهر البحيرى ومحمد عبد القادر عبد الله وأنور رشاد العاصى وماهر سامى يوسف ومحمد خيرى طه والدكتور عادل عمر شريف.
وحضور السيد المستشار / رجب عبد الحكيم سليم رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / ناصر إمام محمد حسن أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 241 لسنة 24 قضائية “دستورية”.. المحالة من المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الأولى) بحكمها الصادر بجلسة 13/4/2002 فى الطعن رقم 6023 لسنة 42 قضائية عليا.
المقامة من
السيد/ أنيس أمين خليل المشالى
ضد
1- السيد وزير التربية والتعليم
2-السيد وكيل وزارة التربية والتعليم بشبين الكوم
3-السيد مدير مدرسة عبد العزيز فهمى الاعدادية بشبين الكوم
الإجراءات
بتاريخ السابع والعشرين من يوليو سنة 2002 ورد إلى المحكمة الدستورية العليا ملف الطعن رقم 6023 لسنة 42 قضائية عليا تنفيذاً للحكم الصادر من المحكمة الادارية العليا الصادر بتاريخ 13/4/2002 بوقف الطعن وإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل فى دستورية المادة الأولى من القانون رقم 76 لسنة1947 فيما تضمنته من جواز الاستيلاء على عقارات المواطنين المملوكه لهم ملكية خاصة لمدد غير محدده.
قدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونُظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم .
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
وحيث إن الوقائع -حسبما يتبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق- تتحصل فى أن بتاريخ 10/9/1952 كان قد صدر قرار وزير المعارف العمومية رقم 10859 بالاستيلاء على أرض مملوكه للسيد/ أنيس أمين خليل المشالى وآخر للانتفاع بها فى أغراض التعليم. وامتد هذا الاستيلاء دون أن تتخذ بشأنه إجراءات نزع الملكية، مما حدا بذوى الشأن إلى رفع الدعوى رقم 5784 لسنة 1992 مدنى شبين الكوم طلباً للحكم بطرد المدعى عليهم وإلزامهم متضامنين بأداء مبلغ أربعين الف جنيه تعويض. والمحكمة بعد أن ندبت خبيراً وأودع تقريره حكمت بعدم أختصاصها ولائياً بنظر الدعوى وإحالتها إلى محكمة القضاء الإدارى بالقاهرة التى أحالتها بدورها إلى محكمة القضاء الإدارى بطنطا وقيدت برقم 9365 لسنة واحد قضائية وحكمت المحكمة بعدم قبول طلب إلغاء قرار وزير المعارف العمومية شكلاً ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات.

طعن المدعى على هذا الحكم أمام المحكمة الإدارية العليا بالطعن رقم 6023 لسنة 42 قضائية عليا، وبجلسة 13/4/2002 قضت تلك المحكمة بوقف الطعن وإحالته إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل فى دستورية المادة الأولى من القانون رقم 76 لسنة 1947 بتخويل وزير المعارف العمومية سلطة الاستيلاء على العقارات اللازمه للوزارة ومعاهد التعليم.
وحيث إن حكم الإحالة قد أورد فى مدوناته سنداً لقضائه، أن المحكمة الدستورية العليا سبق أن استقر قضاؤها فى الدعويين رقمى 5 لسنة 18 قضائية “دستورية” و108 لسنة 18 قضائية “دستورية” بأنه لا يجوز الاستيلاء على عقار لمدة غير محددة. “واستندت إلى ذلك فى قضائها بعدم دستورية نص المادة الأولى من القانون رقم 521 لسنة 1955 ونص البند (5) من المادة الأولى من القانون رقم 95 لسنة 45 الخاص بشئون التموين. وقد جاء النص المطعون عليه مماثلاً لتلك النصوص إذ أجاز الاستيلاء الدائم للعقارات، وهو الأمر الذى يعد مخالفة لحكم المادة 34 من الدستور.
وحيث إن الدولة القانونية – على ضوء أحكام المواد 1 و 3 و 4 و 65 من الدستور- هى التى تتقيد فى كل تصرفاتها وأعمالها بقواعد قانونية تعلو عليها، فلا يستقيم نشاطها بمجاوزتها، وكان خضوعها للقانون على هذا النحو، يقتضيها ألا يكون الاستيلاء على أموال بذواتها منتهياً إلى رصدها نهائياً على أغراض محددة ربطها المشرع بها ولا تزايلها، فلا تعود لأصحابها أبداً ، ولا يكون اختيارهم لغرض استغلالها ممكناً مما يقوض دعائمها. فالأصل فى سلطة الاستيلاء على العقار أنها استثنائية ينبغى أن تتم فى أضيق الحدود، ولمواجهة ظروف ملحة لا تحتمل التأخير ، وأن يكون مداها موقوتاً بمدة محددة، فإذا استطال زمن الاستيلاء، وصار ممتداً دون قيد، انقلب عدواناً على الملكية الخاصة التى كفل الدستور صونها بعناصرها جميعاً،

ويندرج تحتها استعمال واستغلال المالك للشئ فى كل الأغراض التى أعد لها، جنياً لثماره، بل إن أثر هذا النوع من الاستيلاء لا يقتصر على تعطيل هذين العنصرين اللذين لا يتصور بقاء حق الملكية كاملاً بدونهما، بل يتعداه إلى إنهاء فرص التعامل فى الأموال المستولى عليها بعد انحدار قيمتها، وهو ما يعتبر عدواناً عليها، وإخلالاً بحرية التعاقد التى يندرج مفهومها تحت الحرية الشخصية التى صانها الدستور، مرتقياً بها إلى مدارج الحقوق الطبيعية، ونكولاً- فوق هذا- عن ضوابط الشرعية الدستورية التى يجب أن تلتزمها الدولة القانونية فى اعمالها وتصرفاتها.
وحيث إن التنظيم العام لسلطة الاستيلاء المؤقت على العقار. تقرر من خلال قانونين هما القانون رقم 577 سنة 1954، والقانون رقم 10 لسنة 1990 بشأن نزع الملكية وقد حدد أولهما مده الاستيلاء بما لا يجاوز سنين ثلاثاً، يبدأ سريانها من تاريخ الاستيلاء الفعلى على العقار، على أن يعود بعد انتهائها إلى أصحابه بالحالة التى كان عليها عند الاستيلاء، ولا يجوز مد هذه المدة إلا عند الضرورة، وباتفاق ذوى الشأن على المدة الزائدة، فإذا صار هذا الاتفاق متعذراً، تعين قبل انقضاء المدة الأصلية بوقت ملائم، أن تتخذ الجهة الادارية الاجراءات التى يقتضيها نزع ملكية العقار، وقد اعتنق القانون الثانى هذه القواعد ذاتها باستثناء أن مدة الاستيلاء تعتبر منتهية بانتهاء الأغراض التى توخاها أو بمضى ثلاث سنين من تاريخ الاستيلاء الفعلى أيهما أقرب.

ومؤدى ذلك أن هذا التنظيم العام لسلطة الاستيلاء على العقار- حتى مع قيام حالة الضرورة الملجئة التى تسوغ مباشرتها- يعارض استمرار اثارها إلى غير حد. ويجعل توقيتها شرطاً جوهرياً لازماً لممارستها، فلا يكون تراميها فى الزمان ملتئماً مع طبيعتها بل منافياً للأصل فيها، كافلاً عملاً نزع ملكية الأموال محلها بغير الوسائل التى رسمها القانون لهذا الغرض.
وحيث إن النص المطعون فيه قد نقض هذا الأصل المشار إليه سلفاً فى شأن العقارات التى تحتاجها وزارة المعارف العمومية- فى حينه- حيث خول وزير المعارف العمومية سلطة الاستيلاء عليها دون تقيد بزمن معين، ذلك أن البين من ذلك النص ، أن الاستيلاء وفقاً لأحكامه، ليس موقوتاً، بل متراخياً إلى غير حد، وموكولاً انتهاؤه إلى السلطة التقديرية للوزير ، فتخرج الأموال التى يرد عليها الاستيلاء بتمامها من السلطة الفعلية لأصحابها مع حرمانهم من كل فائدة اقتصادية يمكن أن تعود عليهم منها وبما يعطل وظائفها عملاً، وهو ما يعدل- فى الآثار التى يرتبها- نزع الملكية من أصحابها دون تعويض ، وفى غير الأحوال التى نص عليها القانون. وبعيداً عن القواعد الإجرائية التى رسمها، بل يعتبر غصباً لها يحيل أصلها عدماً. بل إن اغتيالها على هذا النحو يمثل أسوأ صور العدوان عليها، لاتخاذه الشرعية ثوباً وإطاراً، وانحرافه عنها قصداً ومعنى، فلا تكون الملكية التى كفل الدستور صونها إلا سراباً أو وهماً.
وحيث إنه على ضوء ما تقدم يكون نص المادة الأولى من القانون رقم 76 لسنة 1947 مخالفاً لأحكام المواد 32 و 34 و 64 و 65 من الدستور.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية نص المادة الأولى من القانون رقم 76 لسنة 1947، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماه.