عدم دستورية نص الفقرة الثانية من المادة 26 من قانون التعاون الزراعي الصادر بالقانون رقم 122 لسنة 1980.

المحكمة الدستورية العليا المصرية

قضية رقم 314 لسنة 23 قضائية المحكمة الدستورية العليا “دستورية”
مبادئ الحكم: جمعيات – دعوى دستورية – قانون
نص الحكم
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد 25 أغسطس سنة 2002 م، الموافق 18 جمادي الآخر سنة 1423 هـ
برئاسة السيد المستشار الدكتور/ محمد فتحي نجيب
رئيس المحكمة
والسادة المستشارين/ ماهر البحيري ومحمد علي سيف الدين وعدلي محمود منصور ومحمد عبد القادر عبد الله وأنور رشاد العاصي والدكتور حنفي علي جبالي
أعضاء
وحضور السيد المستشار/ نجيب جمال الدين علما
رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن
أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 314 لسنة 23 قضائية “دستورية”
المقامة من
السيد/ …
ضد
1- السيد/ رئيس مجلس الوزراء
2- السيد/ وزير الزراعة واستصلاح الأراضي

الإجراءات
بتاريخ الخامس والعشرين من أكتوبر سنة 2001، أودع المدعي قلم كتاب المحكمة صحيفة هذه الدعوى، طالبا الحكم بعدم دستورية نص الفقرة الثانية من المادة 26 من قانون التعاون الزراعي الصادر بالقانون رقم 122 لسنة 1980.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم أصليا: بعدم قبول الدعوى، واحتياطيا: برفضها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرا برأيها.
ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.

المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
وحيث إن الوقائع على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق تتحصل في أن النيابة العامة كانت قد أسندت إلى المدعي في القضية رقم 4348 لسنة 2001 جنح إدكو؛ أنه بدد المنقولات المملوكة له والمحجوز عليها لصالح جمعية إدكو الجديدة التعاونية الزراعية لاستصلاح الأراضي وفاء للمبالغ المالية المستحقة لها عليه، وطلبت النيابة العامة عقابه بالمادتين 341 و342 من قانون العقوبات، فقضت محكمة أول درجة بحبسه لمدة ستة أشهر، فطعن على هذا الحكم بالاستئناف رقم 2881 لسنة 2001 جنح مستأنف رشيد، وأثناء نظره دفع بعدم دستورية نص الفقرة الثانية من المادة 26 من القانون رقم 122 لسنة 1980 المشار إليه، وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية الدفع وصرحت له بإقامة دعواه الدستورية، فقد أقام الدعوى الماثلة.

وحيث إن الفقرة الثانية من المادة 26 من قانون التعاون الزراعي الصادر بالقانون رقم 122 لسنة 1980 تنص على أنه “وللجمعية الحق في تحصيل المبالغ المستحقة لها بطريق الحجز الإداري، وتبين اللائحة التنفيذية إجراءات هذا الحجز بما يتفق وقانون الحجز الإداري”.

وحيث إن هيئة قضايا الدولة قد دفعت بعدم قبول الدعوى لانعدام مصلحة المدعي؛ على سند من القول بأنه قدم إلى المحاكمة الجنائية متهما بمخالفة أحكام المادتين 341 و342 من قانون العقوبات، لقيامه بتبديد المنقولات المملوكة له والمحجوز عليها لصالح الجمعية المذكورة، مما تنتفي معه الصلة بين سند هذا الاتهام والنص الطعين المشار إليه.

وحيث إن هذا الدفع مردود، ذلك أن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن المصلحة الشخصية المباشرة وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية مناطها أن يصبح الفصل في النزاع الموضوعي كليا أو جزئيا، متوقفا على الفصل في المسائل الدستورية التي تدعى هذه المحكمة لنظرها، إذ كان ذلك وكان جوهر النزاع الموضوعي يتعلق باتهام المدعي بتبديد المنقولات المحجوز عليها بطريق الحجز الإداري الذي تم توقيعه إعمالا للنص الطعين، فإن القطع في مدى دستورية هذا النص، من شأنه أن يصبح أداة حسم النزاع الموضوعي الذي انبنى الاتهام الجنائي فيه بالتبديد على خرق مقتضيات هذا الحجز.

وحيث إن المدعي ينعى على النص الطعين المشار إليه مخالفته مبدأ مساواة المواطنين في الحقوق والواجبات المقرر بنص المادة (40) من الدستور تأسيسا على أنه آثر الجمعيات التعاونية الزراعية بالرغم من كونها من أشخاص القانون الخاص بميزة تحصيل مستحقاتها بطريق الحجز الإداري، وإخلاله كذلك بمبدأ سيادة القانون وبمبدأ خضوع الدولة للقانون المنصوص عليهما في المادتين (64) و(65) من الدستور، استنادا إلى أن الحجز الإداري يعتبر ميزة يقتصر الحق في استعمالها على جهة الإدارة ولا يجوز مدها إلى أشخاص القانون الخاص، وإهداره كذلك أحكام المادة (68) من الدستور تأسيسا على أن مؤدى حق التقاضي الذي قررته هذه المادة أن يكون اقتضاء الحق من خلال المحاكم التي تعمل نظرتها المحايدة فصلا فيما يثور من نزاع في شأنها، وذلك خلافا للحجز الإداري الذي يقيم الدائن خصما وحكما في آن واحد.

وحيث إن هذا النعي في جملته صحيح، ذلك أن المادة (1) من القانون رقم 122 لسنة 1980 المشار إليه تنص على أن الجمعيات التعاونية الزراعية وحدات اقتصادية واجتماعية تهدف إلى تطوير الزراعة في مجالاتها المختلفة كما تسهم في التنمية الريفية في مناطق عملها، وتنص المادة (2) منه على أن تعتبر جمعية تعاونية تشهر طبقا لأحكام هذا القانون كل جماعة تتكون من الأشخاص الطبيعيين أو المعنويين المشتغلين بالعمل الزراعي في مجالاته المختلفة باختيارهم، كما نصت المادة (9) على أن المؤسسين هم الذين يشتركون في إنشاء جمعية تعاونية ويوقعون عقد تأسيسها ويتولون إعداد نظامها الداخلي، وتنص المادة (10) على أن تكتسب الجمعية الشخصية الاعتبارية بشهر عقد تأسيسها بالجهة الإدارية المختصة ونشر نظامها الداخلي في الوقائع المصرية، وتنص المادة (12) على أن للجمعية التعاونية تملك واستئجار واستصلاح وإدارة الأراضي الزراعية بما يحقق أغراضها، ونصت المادة (19) على أن أموال الجمعية تتكون من رأس المال المسهم ويتكون من عدد غير محدود من الأسهم يكون الاكتتاب فيها بين حائزي الأراضي الزراعية بالقرية،

ويجوز للأعضاء الاشتراك بحصص عينية أو نقدية علاوة على الأسهم، والودائع والمدخرات التي تقبلها الجمعية من أعضائها، وما يتحقق من فائض أنشطة الجمعية خلال العام، والقروض اللازمة لمباشرة نشاطها، والهبات والوصايا المحلية التي تقبلها ولا تتضمن شروطا تتعارض مع أغراضها، فضلا عما تخصصه الدولة ووحدات الإدارة المحلية والأشخاص الاعتبارية العامة من مبالغ لدعم تلك الجمعيات، كما تنص المادة (29) على أنه في تطبيق أحكام قانون العقوبات تعتبر أموال الجمعية في حكم الأموال العامة، ويعتبر العاملون بها أو أعضاء مجالس إدارتها في حكم الموظفين العموميين، كما تعتبر أوراق الجمعية وسجلاتها وأختامها في حكم الأوراق والأختام والسجلات الرسمية.

وحيث إنه من حاصل النصوص التشريعية المتقدمة يبين أن الجمعيات التعاونية الزراعية إن هي إلا أشخاص اعتبارية خاصة، تخرج عن نطاق الأشخاص الاعتبارية العامة في مفهوم المادة 87 من القانون المدني، تأسيسا على أن إنشاءها يقوم على تلاقي مجموع من الإرادات الفردية الخاصة، تكسب شخصيتها الاعتبارية باستيفائها لأوضاع إجرائية معينة، ثم يدار هذا الكيان وقد كسب الشخصية الاعتبارية وفقا للنظام الداخلي الذي يضعه مؤسسوها، وتباشر نشاطها في استقلالية تنبو عن الخضوع لتبعية حكومية معينة، إذ كان ذلك وكانت الطبيعة القانونية للشخص الاعتباري إنما تتحدد بما سلف من أركان تتعلق بإرادة تأسيسه وكيفيته، وقواعد الإدارة فيه بعد إنشائه ومدى استقلاليته في مباشرة نشاطه، فإن وسائل الحماية المدنية أو الجنائية التي يقررها المشرع للشخص الاعتباري، من بعد، لا تتداخل مع الأركان التي تحدد طبيعته القانونية، ومن ثم فإن النص على اعتبار أموال هذه الجمعيات أموالا عامة في مجال تطبيق أحكام قانون العقوبات، وكذا اعتبار أوراقها وسجلاتها وأختامها في حكم الأوراق والسجلات والأختام الرسمية، لا يمثل إلا وسائل حماية ليس لها من أثر على جوهر الطبيعة القانونية الذي استمدت الجمعيات التعاونية الزراعية منه كيانها كأشخاص اعتبارية خاصة.

وحيث إن الأصل المقرر في قانون المرافعات المدنية والتجارية أن التنفيذ جبرا على أموال المدين بما له من آثار خطيرة عليه، لا يكون إلا بسند تنفيذي استظل به دائنه قبل التنفيذ ولم يبلغه إلا بطريق تحقق به دينه وصحته وصار حقيقة قانونية أو قضائية يجوز التنفيذ بمقتضاها، وخروجا على هذا الأصل العام جاءت أحكام قانون الحجز الإداري رقم 308 لسنة 1955 بأوضاع استثنائية، منها أنها جعلت الأمر المكتوب الصادر من الوزير أو رئيس المصلحة أو المحافظ أو المدير أو ممثل الشخص الاعتباري العام حسب الأحوال، أو من ينيبه كل من هؤلاء كتابة، معادلا للسند التنفيذي الذي يجوز التنفيذ به وفقا لأحكام قانون المرافعات المدنية والتجارية، وهذا الاستثناء الوارد على حظر التنفيذ على أموال المدين قبل الحصول على سند تنفيذي حقيقي على نحو ما سلف لا تبرره إلا المصلحة العامة في أن تتوافر لدى أشخاص القانون العام وسائل ميسرة تمكنها من تحصيل حقوقها على النحو الذي يحقق سير المرافق العامة وانتظامها، وهو بذلك استثناء بحت لا يجوز نقله إلى غير مجاله، كما لا يجوز إعماله في غير نطاقه الضيق الذي يتحدد باستهدافه حسن سير المرافق العامة وانتظامها.

إذ كان ذلك، وكان النص الطعين قد خرج عن ذلك كله فأعطى صلاحية توقيع الحجز الإداري للجمعيات التعاونية الزراعية وهي من الأشخاص الاعتبارية الخاصة، فجعل مدينيها وهم في نفس المركز القانوني لمديني أي شخص طبيعي أو اعتباري خاص، يتجردون من الضمانات المقررة للأخيرين، فإنه بذلك يكون قد خالف مبدأ المساواة المنصوص عليه في المادة 40 من الدستور، كما خالف نص المادة 65 من الدستور الذي يفترض بما نص عليه من مبدأ خضوع الدولة للقانون تقيد أشخاص القانون الخاص في مجالات أنشطتها ومعاملاتها بقواعد وإجراءات هذا القانون دون غيرها، وهذه المخالفة وتلك توقع النص في حمأة المخالفة الدستورية، بما يوجب القضاء بعدم دستوريته.

وحيث إن الفقرة الثانية من المادة 28 من اللائحة التنفيذية للقانون رقم 122 لسنة 1980 المشار إليه، الصادرة بقرار وزير الزراعة والأمن الغذائي رقم 388 لسنة 1984، تنص على أن “وللجمعية الحق في تحصيل المبالغ المستحقة لها بطريق الحجز الإداري، وفقا للإجراءات المنصوص عليها بالقانون رقم 308 لسنة 1955 في شأن الحجز الإداري وتعديلاته، وذلك بموجب أمر يصدر من ممثل الجهة الإدارية المختصة أو من ينيبه في إصدار الأمر كتابة، ويتم تنفيذه بواسطة مندوب حجز إداري يتم اختياره بمعرفة الجمعية. هذا ويقع الحجز على أموال المدين أيا كان نوعها، ولا يخل توقيع الحجز على المنقولات بالحق في الحجز على العقار، وفي حالة عدم أداء المبالغ المستحقة بهذا الحجز؛ يحجز على أي منقول أو عقار يملكه المدين أيا كان مكانه”. ولما كان هذا النص قد بين إجراءات الحجز الإداري وفقا للنص الطعين المشار إليه، فإن القضاء بعدم دستوريته يترتب عليه لزوما سقوط نص الفقرة الثانية من المادة 28 من اللائحة التنفيذية للقانون رقم 122 لسنة 1980 المشار إليه.

فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة:
أولا: بعدم دستورية نص الفقرة الثانية من المادة 26 من قانون التعاون الزراعي الصادر بالقانون رقم 122 لسنة 1980.
ثانيا: بسقوط نص الفقرة الثانية من المادة 28 من اللائحة التنفيذية للقانون رقم 122 لسنة 1980 المشار إليه، والصادرة بقرار وزير الزراعة والأمن الغذائي رقم 388 لسنة 1984.
ثالثا: بإلزام الحكومة المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.