الوضع القانوني لمياه النيل و أثره على الأمن المائي في السودان

قدمت الخبيرة بموضوعات مياه النيل والأمن المائي بالسودان الدكتورة إكرام محمد صالح دقاش محاضرة عن “الوضع القانوني لمياه النيل وأثره على الأمن المائي في السودان”، بقاعة مركز ركائز المعرفة للدراسات والبحوث في يوم الثلاثاء 1 ديسمبر 2015 ، وحضرها عدد مقدر من الباحثين في مجالات الدراسات السياسية والاستراتيجية والعلاقات الدولية وعدد من المهتمين.

قسمت المحاضرة الى جزئين:-

الأول:مياه النيل واتفاقياتها – ومعها اتفاقية عنتبي للمياه.

الثاني:تناول وضعية جنوب السودان القانوني باعتباره قد أصبح دولة ذات سيادة ، وقيام سد النهضة ووضعه القانوني دوليا.

مدخل:-

أهمية المياه بالنسبة للإنسان بإعتبارها هبة ربانية – الأنهار والبحار:

أولا : الأنهار :-

تنقسم الأنهار الى جزئين ، نهر وطني وهو النهر الذي يكون داخل الدولة والثاني هو النهر الدولي أي ذلك النهر الذي تشترك فيه أكثر من دولة.وما يهمنا هنا هو النوع الثاني الذي يقع ضمنه نهر النيل.

لاتوجد اتفاقيات للأنهار لعدة أسباب منها:

1- كثرة الأنهار وتعددها واختلافات مساراتها بالمقارنة بالبحار.نهر الفرات مثلا يمر بثلاث دول ، كما أن هنالك أنهار تمر بعدد كبير من الدول مثل نهر النيل الذي يمر بإحدى عشرة دولة.

2- السبب الثاني هو عدم إكتمال اللجنة التي أنشأتها المنظمة الدولية لتحديد الإتفاقيات في الأنهار.

نوعية المشاكل التي تختص بالأنهار:-

هناك دول ليست لديها اتفاقيات أصلاً ،وهناك دول لديها اتفاقيات ثنائية فيما بينها ،وتتمثل الاشكاليات في هذه الاتفاقيات الثنائية نفسها، وهنا لا يمكن حل المشكلة عندما تحدث سوى بطريقتين إما المحكمة الدولية أو خرق الاتفاقية.

العالم النامي – ونحن منه – ليس له اتفاقيات تحل المشاكل بل هنالك مبادئ ونظريات دولية منصوص عليها في القانون الدولي، مثال لها: –

نظرية السيادة المطلقة:

وهذه النظرية قديمة ولكن يمكن الاستناد عليها برغم أن السيادة المطلقة نفسها قد انتهت (الأمم المتحدة – القواعد الرئيسة للاتفاقيات- هلسنكي).

وأهم المبادئ التي يمكن الاستناد عليها، الآتي:

– مبدأ الاستخدام المنصف والمعقول.

– مبدأ عدم إحداث الضرر.

– مبدأ التغيير الجوهري في الظروف.

ويمكن الإستهداء كذلك بمجموعة من العوامل للاستصحاب بها لكنها غير مُلزمة.

اتفاقيات مياه النيل :-

كل اتفاقيات مياه النيل وضعها الاستعمار ،جاء ذلك بعد مؤتمر برلين الذي قَسَّم الدول بالنسبة للمستعمر.كما أن مصطلح دولتَي المصب صنعَه المصريون.

الواقع أن نهر النيل يختلف عن كل أنهار العالم فهو:

– يجري من الجنوب إلى الشمال.

– يقطع عدد كبير من الدول.

– يمر بعدد من المناخات.

– لا يصلح للملاحة.

– يصلح للزراعة والصناعة وتوليد الطاقة الكهربائية.

اتفاقية عام 1929م:

وقعتها بريطانيا نيابة عن السودان وتنجانيقا “دول حوض النيل كينيا ويوغندا ..” ووقعت مصر كطرف لوحدها.ونصت بحق الفيتو لمصر في كل الاستخدامات وأعطت السودان 14.5 مليار متر مكعب ولمصر الباقي.

اتفاقية 1959م – ثنائية بين السودان ومصر:

رُفضت الإتفاقية من قبل الحكومات السودانية ووقعها الفريق عبود تحت ضغط الحصول على إعتراف بحكومته. ومن المعلوم أن أكثر من نسبة 85% من مياه النيل تأتي من الهضبة الأثيوبية ووزعت الأنصبة في هذه الاتفاقية 55.5 مليار متر مكعب لمصر و 18 مليار متر مكعب للسودان ، وطلبت مصر سلفية من مياة السودان ولم يتم ارجاعها للسودان حتى الان.

الاتفاقية بها بند مهم وهو ضرورة الاعتراف باتفاقية 1929م .

اتفاقية فيينا تنص الأتي:

– نظرية الاستخلاف الدولي الكامل وتقول بأن الدولة ترث كل الاتفاقيات الدولية التي أبرمتها الدول المستعمرة ، وهو ما أخذت به دول مصر والسودان.

– نظرية الصفحة البيضاء ،وتقول بأن الدولة ليست لها أية التزامات،واتفاقية عام 1929م بنيت على مبدأ الإكراه وما بني على باطل فهو باطل لذا فعدد من الدول لم تعترف بها.

– النظرية الثالثة في الاستخلاف الدولي قالت بأن الدول مخيرة في مصالحها ولها أن تأخذ ما ينفعها وأن تترك ما يضرها.وقد قال الامبراطور هيلاسلاسي “لن نلتزم باتفاقية لسنا طرفاً فيها”.

على ماذا استندت اثيوبيا:-

استندت اثيوبيا على نظرية التغيير الجوهري للظروف ، وهي نظرية مبنية على قاعدة بقاء الشيء على حاله،ومراعاة الظروف التي عقدت فيها الاتفاقية.

اتفاقية 1929م أملتها ظروف بناء السد العالي في مصر ،واتفاقية 1959م أيضا اتفاقية ظالمة وبها السلفية المائية لمصر وهناك 18.5 مليار متر مكعب فقط للسودان ونصت على بنود تقول:

“إذا طلبت أية دولة جديدة مياه تتم بالمناصفة بين السودان ومصر”. واذا انفصل الجنوب يكون الرأي استشاري بالتشاور مع الهيئة الاستشارية للاتفاقية.

لكن الواقع يقول أن الدول الأخرى لها مراكز بحوث وقادرة على توظيف قدراتها وفق مصالحها لذا فإن كل الدول لم تتوقف عن بناء السدود وفق احتياجاتها الخاصة قبل عمل اتفاقيات.

حركة الاتفاقيات بين دول حوض النيل:-

تم الاتفاق في العام 2000 على أن تسمي كل دولة من دول الحوض عدد ثلاثة للتباحث والاتفاق حول مبادرة حوض النيل لوضع إطار قانوني ينظم العمل فاختلفوا في الجزئية D3 ، الفقرة 39 اتفقوا فيها واختلفوا عند “15 – أ” وهي عدم المساس بالاتفاقيات الثلاث ، ورفضت الدول لأن الخبراء رأوا أن ذلك غير صحيح واجتمعوا على شرط الإجماع الكامل وجرت بعد ذلك عدد من المباحثات بكل من مدن (أديس أبابا ،كيجالي 2007 ،بوجمبورا ،الاسكندرية ،القاهرة ،كينشاسا 2010 ،شرم الشيخ ) جرت كل هذه المباحثات والمؤتمرات وفي النهاية اتفقت الدول الأخرى في عنتبي 14 مايو 2010 وتم إلغاء الاتفاقيات القديمة وتحذير الدولتين مصر والسودان مع فتح فرصة للتعاون والانضمام للدولتين متى ما هم أرادوا الانضمام،ولم تضع الاتفاقية إطار محاصصة وانما كانت الدول أربع وانضمت لهم رواندا وبورندي.

وكان يوم 21 مايو 1997 م تاريخا مهما لأن الدول اجتمعت لصنع قانون دولي للاتفاقيات ولم يكتمل القانون الدولي لان هناك دول اعترضت ورفضت التوقيع وكان السودان ضمن الموافقين على وضع قانون جديد بينما اعترضت مصر ضمن 34 دولة أخرى وكان آخر صك وضعته دولة فيتنام في تاريخ 18 أغسطس 2014 وبذا اكتمل القانون واصبح بامكان الدول التي ليست لها اتفاقيات ان ستحتكم بهذا القانون الدولي الجديد.

وتم طرح عدد من الأسئلة مثل عدد السكان ودورهم وطول الممرات بالنسبة للانهار بالدول،فالسكان بالتأكيد لهم دور كبير في وضع وتنفيذ الاتفاقيات لكنهم غير ملزمين واثيوبيا مثلا سكانها أكثر من مصر والسودان أطول دولة يمر بها النيل في مساره ودار حديث مطول عن حقوق دول المنبع ،الممر ودول المصب.

وترى الدكتورة إكرام أن دول الخليج مثلا حباها الله بالبترول أما هذه الدول الأخرى فهي ليست لها استفادة من الموارد الطبيعية أو أية معادن تستخرجها وتصدرها غير هذه الكهرباء التي يمكن استخراجها من المياه وهم في احتياج لتصديرها للإستفادة منها لأن الأمطار التي تهطل على أراضيهم غزيرة وهم ليسوا بدول زراعية بسبب التضاريس وعدم توفر الأراضي المناسبة للزراعة ومن حقهم الاستفادة وفق هذه الرؤية وبناء سد النهضة خير مثال لذلك،وتقول بأن أهم قرار تم إصداره بالسودان كان فصل إدارة السدود عن الري والكهرباء، وبرأيها أن من مصلحة السودان أن ينضم لاتفاقية عنتبي والموافقة على بناء سد النهضة لانه في مصلحة البلاد.

* باحث في العلاقات الدولية، ركائز المعرفة للدراسات والبحوث