عدم دستورية نص البند (ب) من المادة (17) من قانون شركات المساهمة وشركات التوصية بالأسهم والشركات ذات المسئولية المحدودة

المحكمة الدستورية العليا المصرية

قضية رقم 25 لسنة 22 قضائية المحكمة الدستورية العليا “دستورية”
مبادئ الحكم: حرية الصحافة – الحق في إصدار الصحف
نص الحكم
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة 5 مايو سنة 2001 م
برئاسة السيد المستشار/ محمد ولي الدين جلال
رئيس المحكمة
والسادة المستشارين/ حمدي محمد علي وعبد الرحمن نصير والدكتور عبد المجيد فياض وماهر البحيري ومحمد علي سيف الدين وعدلي محمود منصور
أعضاء
وحضور السيد المستشار/ محمد خيري طه عبد المطلب
رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن
أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 25 لسنة 22 قضائية “دستورية”.

الإجراءات
بتاريخ التاسع والعشرين من يناير سنة 2000، ورد إلى قلم كتاب المحكمة ملف الدعوى رقم 7626 لسنة 52 قضائية، بعد أن قضت محكمة القضاء الإداري “الدائرة الأولى” بجلسة 18/1/2000 بوقف الدعوى وإحالة أوراقها إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية الفقرة “ب” من المادة (17) من قانون شركات المساهمة وشركات التوصية بالأسهم والشركات ذات المسئولية المحدودة الصادر بالقانون رقم 159 لسنة 1981- بعد تعديله بالقانون رقم 3 لسنة 1998 – فيما تضمنته من ضرورة موافقة مجلس الوزراء مسبقا على تأسيس الشركة التي يكون غرضها إصدار صحيفة.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت في ختامها الحكم، أصليا: باستبعاد القضية من رول الجلسة، واحتياطيا: بعدم قبول الدعوى، ومن قبيل الاحتياط الكلي: برفضها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرا برأيها.
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.

المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع – على ما يبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق – تتحصل في أن المدعي – بصفته وكيلا عن مؤسسي شركة الكرامة للصحافة والطباعة والنشر والتوزيع (شركة مساهمة مصرية تحت التأسيس) – كان قد أقام الدعوى رقم 7626 لسنة 52 قضائية أمام محكمة القضاء الإداري بطلب الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء قرار رئيس مجلس الوزراء بالامتناع عن الموافقة على تأسيس تلك الشركة، وما يترتب على ذلك من آثار، وقال شرحا لدعواه أنه تقدم إلى مجلس الوزراء بطلب الموافقة على تأسيس الشركة، إعمالا للفقرة (ب) من المادة 17 من قانون شركات المساهمة وشركات التوصية بالأسهم والشركات ذات المسئولية المحدودة الصادر بالقانون رقم 159 لسنة 1981 – بعد تعديله بالقانون رقم 3 لسنة 1998 – إلا أنه لم يتلق إجابة عنه، الأمر الذي يشكل من وجهة نظره قرارا إداريا سلبيا بالامتناع عن الموافقة التي يتطلبها نص هذه الفقرة وأن هذا القرار يخل بحريتي التعبير والصحافة بالمخالفة لحكم الدستور، وبجلستها المعقودة بتاريخ 18/1/2000 قررت تلك المحكمة وقف الدعوى وإحالة أوراقها إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية الفقرة (ب) من المادة (17) المشار إليها،

وذلك لما تراءى لها من أن نص هذه الفقرة إذ استلزم موافقة مجلس الوزراء على تأسيس الشركة التي غرضها إصدار الصحف – دون أن يقيد تلك الموافقة بأية ضوابط موضوعية – فإنه يكون قد خول المجلس في هذا الشأن اختصاصا تقديريا مطلقا، يعصف بحريتى التعبير والصحافة، اللتين كفلهما الدستور، مما يجعل نص تلك الفقرة بادي التصادم مع أحكام المادتين (47) و(48) والمواد من 206 إلى 211 من الدستور، التي ارتقت بحرية الصحافة لتكون في المدارج العلا من القواعد الأساسية التي يقوم عليها المجتمع، فضلا عن أن النص الطعين ظاهر التجاوز للتخوم التي استقر عليها قضاء المحكمة الدستورية العليا لمفهوم حرية الصحافة.

وحيث إن هيئة قضايا الدولة طلبت استبعاد القضية من جدول الجلسة، كما دفعت بعدم قبولها لعدم اتصالها بالمحكمة اتصالا صحيحا، ولانتفاء مصلحة المدعى فيها؛ وذلك تأسيسا على أن المحكمة الإدارية العليا قضت بجلسة 11/6/2000 في الطعن رقم 2200 لسنة 46 قضائية – المرفوع عن الحكم الصادر بوقف تنفيذ القرار محل الخصومة الموضوعية – بإلغاء حكم محكمة القضاء الإداري بالوقف والإحالة، وبعدم جواز الإحالة إلى المحكمة الدستورية العليا مع ما يترتب على ذلك من آثار، أخصها أن هذه المحكمة لا تكون قد اتصلت بالمسألة الدستورية التي طرحها عليها الحكم المطعون فيها اتصالا قانونيا سليما، وإذ كان لحكم المحكمة الإدارية العليا قوة الأمر المقضي فيه وكانت محكمة القضاء الإداري لم تسترد بعد ولايتها في الشق الموضوعي من الدعوى الموضوعية، فإن أداة اتصال المحكمة الدستورية العليا بالدعوى الماثلة تكون قد زالت وانعدم كل أثر لها، مما يقتضي أن تستبعدها من جدول الجلسة؛ أو تقضي بعدم قبولها لعدم اتصالها بها اتصالا صحيحا مطابقا للأوضاع المقررة قانونا، ولانتفاء المصلحة الشخصية المباشرة للمدعي فيها، لعدم قيام المنازعة الموضوعية التي تستنهض الحكم في المسألة الدستورية التي تثيرها.

وحيث إن ذلك الطلب وهذين الدفعين – وكلها تدور في فلك واحد غايته عدم الخوض في موضوع الدعوى – مردودة جميعها،

أولا: بما هو مقرر من أن لكل من الدعويين الموضوعية والدستورية ذاتيتها ومقوماتها، ذلك أنهما لا تختلطان ببعضهما ولا تتحدان في إجراءات أو شرائط قبولهما بل تستقل كل منهما عن الأخرى في شكلها وموضوعها؛ كما أن الفصل في شروط اتصال الدعوى الموضوعية بمحكمة الموضوع وفقا للأوضاع المقررة أمامها ليس من بين المهام التي ناطها المشرع بالمحكمة الدستورية العليا، وإنما تنحصر ولايتها فيما يعرض عليها من مسائل دستورية لتقرر صحة النصوص المطعون عليها وبطلانها، بعد تثبتها من اتصال الدعوى الدستورية بها بإجراء صحيح وفقا للأوضاع المقررة في قانونها، وليس لجهة قضائية أخرى أن تنازعها ذلك أو تحل محلها فيه.

ومردودا ثانيا: بما جرى عليه قضاء هذه المحكمة على أن اتصال الخصومة الدستورية بها من خلال رفعها إليها وفقا للقواعد وطبقا للإجراءات المنصوص عليها في قانونها يعني دخولها في حوزتها لتهيمن عليها وحدها، فلا يجوز بعد انعقادها أن تتخذ محكمة الموضوع إجراء أو تصدر حكما يحول دون الفصل في المسائل الدستورية التي تثيرها. ذلك أن قضاءها بوقف الدعوى المطروحة أمامها وبإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا لتفصل في دستورية ما استظهرت تطبيقه من نصوص قانونية – ثارت لديها شبهة عدم دستوريتها – على المنازعة المطروحة أمامها؛ يعد محركا للخصومة الدستورية، وعلى محكمة الموضوع بعد أن تعلقت المسائل الدستورية التي أثارها قرار الإحالة بالمحكمة الدستورية العليا أن تتربص قضاءها فيها باعتباره فاصلا في موضوعها كاشفا عن النصوص القانونية الصحيحة التي يتعين تطبيقها في النزاع الموضوعي، بما مؤداه أنه – فيما عدا الأحوال التي تنتفي فيها المصلحة في الخصومة الدستورية بقضاء من المحكمة الدستورية العليا، أو التي ينزل فيها خصم عن الحق في دعواه الموضوعية من خلال تركها وفقا لقواعد قانون المرافعات، أو التي يتخلى فيها عن دفع بعدم الدستورية سبق لمحكمة الموضوع تقدير جديته، أو التي يكون عدول محكمة الموضوع فيها عن تقديرها لجدية دفع بعدم الدستورية أو قرارها بالإحالة مبناه إعمالها للآثار المترتبة على قضاء للمحكمة الدستورية العليا في شأن النصوص ذاتها التي قام عليها الدفع أو انبنى عليها قرار الإحالة،

سواء بتقرير هذه المحكمة لصحتها أو بطلانها – فإن على محاكم الموضوع – على اختلاف درجاتها – أن تلتزم قضاءها بالإحالة، فلا تنحيه وإلا كان ذلك نكولا من جانبها عن التقيد بنص المادة (175) من الدستور التي تخول المحكمة الدستورية العليا دون غيرها الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح، وتسليطا لقضاء أدنى على قضاء أعلى بما يناقض الأسس الجوهرية التي يقوم التقاضي عليها، وتعطيلا للضمانة المنصوص عليها في المادة (68) من الدستور وما يتصل بها من حق اللجوء إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في المسائل الدستورية التي اختصها الدستور بها، بوصفها قاضيها الطبيعي، ولأن القواعد التي ينتظمها الدستور هي التي يتعين ترجيحها دائما متى عارضتها قاعدة قانونية أدنى نزولا على مبدأ خضوع الدولة للقانون على ما تقضي به المادة (65) من الدستور.

ومردودا ثالثا: بأن المحكمة الدستورية العليا تستمد ولايتها في الرقابة القضائية على الدستورية من نصوص الدستور مباشرة. وإذ كان قانون هذه المحكمة – بتفويض من الدستور – قد رسم لاتصالها بالدعوى الدستورية طرقا ثلاثة – على سبيل الحصر – من بينها الإحالة بحكم من محكمة الموضوع بعد وقف الدعوى المطروحة عليها، فإن ذلك الحكم – حال صدوره – لا يعكس صورة نمطية من صور الحكم بوقف الدعوى تعليقا المنصوص عليه في قانون المرافعات، والذي يجوز الطعن فيه على استقلال قبل صدور الحكم المنهي للخصومة الموضوعية بتمامها، إذ أن أحكام قانون المرافعات لا تسري – كأصل عام – إلا بالقدر الذي لا يتعارض مع طبيعة اختصاص هذه المحكمة بالرقابة على دستورية النصوص التشريعية. ولازم ذلك أن الحكم الصادر من محكمة الموضوع بوقف الدعوى الموضوعية، وإحالة أوراقها إلى هذه المحكمة للفصل في دستورية نص تشريعي، يمتنع الطعن عليه بأي طريق من طرق الطعن المنصوص عليها في القانون المنظم له، بما مؤداه، أن المحكمة الدستورية العليا، يتحتم عليها وجوبا النظر في دستورية هذا النص؛ والفصل فيه، ولو ثبت لديها أن حكم الوقف قد طعن فيه، أو أنه قد ألغي أمام محكمة الطعن – رغم عدم جواز ذلك – وإلا كانت متسلبة من اختصاص نيط بها، ولرانت شبهة إنكار العدالة على تسلبها هذا.

ومردودا رابعا: بأنه متى كان إعمال نصوص الدستور السابق بيانها يقتضي ألا تعاق المحكمة الدستورية العليا بقرار من محاكم الموضوع عن مباشرة ولايتها التي لا يجوز لها أن تتخلى عنها، وإلا كان ذلك منها تحريفا لاختصاصها وإهدارا لموقعها من البنيان القانوني للنظام القضائي في مصر، وتنصلا من مسئولياتها التي أولاها الدستور أمانتها، فإن الحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا – وهي محكمة موضوع في مفهوم المادة 29 من قانون المحكمة الدستورية العليا، فلا تنفك عنها هذه الصفة حتى مع كونها محكمة طعن – وإن قضى بإلغاء قرار الإحالة المحرك للدعوى الدستورية الراهنة، إلا أن تعلقها بالمحكمة الدستورية العليا قبل هذا الحكم واتصالها بها وفقا للقواعد وطبقا للإجراءات المقررة في قانونها، والتزامها دستوريا بأن تقول كلمتها فيها، يقتضي أن تنحى أي عقبة – ولو كانت قانونية – وأن تمضي في نظرها وترفض الطلبات والدفوع المثارة، وتفصل فيما تعرضه من مسائل دستورية،

غير عابئة بذلك الحكم، لما يشكله من عدوان على ولايتها في الرقابة القضائية على الشرعية الدستورية التي اختصها الدستور بها، ولتفصل المحكمة المحيلة في طلب إلغاء القرار المطعون فيه – الذي ما زال مطروحا عليها – على ضوء قضاء هذه المحكمة في الدعوى الماثلة، ذلك أن بحث محكمة الموضوع لمشروعية القرار محل طلب الإلغاء الذي لم تنفك عنه بقضاء حاسم منها، يقتضي أن تقول المحكمة الدستورية العليا أولا كلمتها في شأن ما أثارته محكمة الموضوع من شبهات حول دستورية نص القانون الذي صدر ذلك القرار استنادا إليه؛ وبالتالي فإن مصلحة المدعي في الدعوى الراهنة وبقدر اتصالها بطلب الإلغاء المطروح في الدعوى الموضوعية تكون قائمة.

وحيث إن المادة (17) من قانون شركات المساهمة وشركات التوصية بالأسهم والشركات ذات المسئولية المحدودة الصادرة بالقانون رقم 159 لسنة 1981 – بعد تعديلها بالقانون رقم 3 لسنة 1998- تنص على ما يأتي: “على المؤسسين أو من ينوب عنهم إخطار الجهة المختصة بإنشاء الشركة، ويجب أن يرفق بالإخطار المحررات الآتية: (أ) … (ب) موافقة مجلس الوزراء على تأسيس الشركة إذا كان غرضها أو من بين أغراضها… إصدار الصحف…”

وحيث إن الأعمال التحضيرية لمشروع قانون رقم 3 لسنة 1998 – المشار إليه – لم تكشف عن المبررات التي اقتضت ضرورة النص على اشتراط موافقة مجلس الوزراء على تأسيس الشركة التي يكون غرضها أو من بين أغراضها إصدار الصحف؛ بل إن البين من مضبطة مجلس الشعب بجلسته المعقودة بتاريخ 17 من يناير سنة 1998 لمناقشة ذلك المشروع، أن هذا الشرط قد استحوذ على جدال أعضاء المجلس حتى اعتبره بعضهم شرطا تحكميا غير منضبط، ينال من الحرية التي كفلها الدستور للصحافة؛ ويتعارض كذلك مع حرية الرأي والنشر والفكر وطلبوا حذف النص الطعين من مشروع القانون، لما يمثله من خطورة على الحرية والديموقراطية وإخلال بأحكام الدستور.

وحيث إن من المقرر أن الدستور هو القانون الأساسي الأعلى الذي يرسي القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم، ويحدد السلطات العامة ويرسم لهم وظائفها ويضع الحدود والقيود الضابطة لنشاطها، ويقرر الحريات والحقوق العامة ويرتب الضمانات الأساسية لحمايتها، ومن ثم فقد تميز الدستور بطبيعة خاصة تضفي عليه السيادة والسمو بحسبانه كفيل الحريات وموئلها وعماد الحياة الدستورية وأساس نظامها، وحق لقواعده أن تستوي على القمة من البناء القانوني للدولة وتتبوأ مقام الصدارة بين قواعد النظام العام باعتبارها أسمى القواعد الآمرة التي يتعين على الدولة التزامها في تشريعها وفي قضائها وفيما تمارسه من سلطات تنفيذية، دون أية تفرقة أو تمييز في مجال الالتزام بها – بين السلطات العامة الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية،

وإذ كان خضوع الدولة بجميع سلطاتها لمبدأ سيادة الدستور أصلا مقررا وحكما لازما لكل نظام ديمقراطي سليم، فإنه يتعين على كل سلطة عامة أيا كان شأنها وأيا كانت وظيفتها وطبيعة الاختصاصات المسندة إليها أن تنزل على قواعد الدستور ومبادئه وأن تلتزم حدوده وقيوده، فإن هي خالفتها أو تجاوزتها شاب عملها عيب مخالفة الدستور وخضع – متى انصبت المخالفة على قانون أو لائحة – للرقابة القضائية التي عهد بها الدستور إلى المحكمة الدستورية العليا بوصفها الهيئة القضائية العليا التي اختصها دون غيرها بالفصل في دستورية القوانين واللوائح بغية الحفاظ على أحكام الدستور وصونها وحمايتها من الخروج عليها.

وحيث إن الدساتير المصرية المتعاقبة قد حرصت جميعها – منذ دستور سنة 1923 – على تقرير الحريات والحقوق العامة في صلبها قصدا من المشرع الدستوري أن يكون النص عليها في الدستور قيدا على المشرع العادي فيما يسنه من قواعد وأحكام وفي حدود ما أراده الدستور لكل منها من حيث إطلاقها أو جواز تنظيمها تشريعيا، فإذا خرج المشرع فيما يقرره من تشريعات على هذا الضمان الدستوري، بأن قيد حرية أو حقا ورد في الدستور مطلقا أو أهدر أو انتقص من أيهما تحت ستار التنظيم الجائز دستوريا، وقع عمله التشريعي مخالفا للدستور.

وحيث إن ضمان الدستور القائم – بنص المادة 47 التي رددت ما اجتمعت عليه الدساتير المقارنة – لحرية التعبير عن الآراء والتمكين من عرضها ونشرها سواء بالقول أو بالتصوير أو بطباعتها أبو بتدوينها وغير ذلك من وسائل التعبير، قد تقرر بوصفها الحرية الأصل التي لا يتم الحوار المفتوح إلا في نطاقها، ذلك أن ما توخاه الدستور من خلال ضمان حرية التعبير- وعلى ما اطرد عليه قضاء هذه المحكمة – هو أن يكون التماس الآراء والأفكار وتلقيها عن الغير ونقلها غير منحصر في مصادر بذواتها تحد من قنواتها، بل قصد أن تترامى آفاقها، وأن تتعدد مواردها وأدواتها،

سعيا لتعدد الآراء، ومحورا لكل اتجاه، بل أن حرية التعبير أبلغ ما تكون أثرا في مجال اتصالها بالشئون العامة، وعرض أوضاعها تبيانا لنواحي التقصير فيها، فقد أراد الدستور بضمانها أن تهيمن على مظاهر الحياة في أعماق منابتها، بما يحول بين السلطة وفرض وصايتها على العقل العام، وألا تكون معاييرها مرجعا لتقييم الآراء التي تتصل بتكوينه ولا عائقا دون تدفقها، ومن ثم لم يعد جائزا تقييد حرية التعبير وتفاعل الآراء التي تتولد عنها بأغلال تعوق ممارستها، سواء من ناحية فرض قيود مسبقة على نشرها أو من ناحية العقوبة اللاحقة التي تتوخى قمعها، إذ يتعين أن ينقل المواطنون من خلالها – وعلانية – تلك الأفكار التي تجول في عقولهم ويطرحونها عزما – ولو عارضتها السلطة العامة – إحداثا من جانبهم – وبالوسائل السلمية – لتغيير قد يكون مطلوبا، ومن ثم وجب القول بأن حرية التعبير التي كفلها الدستور هي القاعدة في كل تنظيم ديمقراطي، فلا يقوم إلا بها، ولا ينهض مستويا إلا عليها؛ وما الحق في الرقابة الشعبية النابعة من يقظة المواطنين المعنيين بالشئون العامة، الحريصين على متابعة جوانبها، وتقرير موقفهم من سلبياتها إلا فرع من حرية التعبير ونتاج لها، وهي التي ترتد في حقيقتها إلى الحرية الأم وهي الحرية الشخصية التي فطر الله الناس عليها لا تبديل لخلق الله؛ ومن أجل هذا جعلها الدستور مصونة فلا تمس.

وحيث إن حرية الصحافة تعد من صور حرية التعبير الأكثر أهمية والأبلغ أثرا ومن ثم فقد كفلها الدستور – بنص المادة 48 – وحظر الرقابة على الصحف أو إنذارها أو وقفها أو إلغاءها بالطريق الإداري واعتبرها – بنص المادة 206- سلطة شعبية مستقلة تمارس رسالتها على الوجه المبين في الدستور والقانون، كما أكد الدستور بنص المادتين 207 و208 – المضافتين إليه ضمن مواد أخرى نتيجة الاستفتاء على تعديله سنة 1980- مبدأ حرية الصحافة واستقلالها في مباشرة رسالتها محددا لها أطرها التي يلزم الاهتداء بها، وبما لا يجاوز تخومها، أو ينحرف عن مقتضياتها فاستلزم أن تؤدي الصحافة رسالتها في خدمة المجتمع، تعبيرا عن اتجاهات الرأي العام وإسهاما في تكوينه وتوجيهه، في إطار المقومات الأساسية للمجتمع والحفاظ على الحريات والحقوق والواجبات العامة واحترام الحياة الخاصة للمواطنين؛ بل لقد بلغ من عناية الدستور بحرية الصحافة حد أن ردد مجددا – في حفاوة غير مسبوقة – بنص المادة 208 صدر المادة 48 منه فيما تضمنته من كفالة حرية الصحافة وحظر الرقابة على الصحف أو إنذارها أو وقفها أو إلغاءها إداريا.

وحيث إنه إدراكا من الدستور بأن حرية الصحافة تغدو خاليا وفاضها، خاويا وعاؤها، مجردة من أي قيمة، إذا لم تقترن بحق الأشخاص في إصدار الصحف، فقد ضمن – بنص المادة 209 – للأشخاص الاعتبارية العامة والخاصة وللأحزاب السياسية حرية إصدار الصحف وملكيتها طبقا للقانون، وأخضع الصحف في ملكيتها وتمويلها والأموال المملوكة لها لرقابة الشعب على الوجه المبين في الدستور والقانون وأقام على شئونها بنص المادة 211 مجلسا أعلى فوض السلطة التشريعية في أن تحدد طريقة تشكيله واختصاصاته وعلاقاته بسلطات الدولة، وذلك في إطار ما ألزم به الدستور هذا المجلس من أن يمارس اختصاصه بما يدعم حرية الصحافة واستقلالها ويحقق الحفاظ على المقومات الأساسية للمجتمع ويضمن سلامة الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي، وذلك على النحو المبين في الدستور والقانون؛ ومن ثم أضحى المجلس الأعلى للصحافة الجهة الإدارية القائمة على شئون الصحافة، سواء ما تعلق بإصدار الصحف واستمرارها أو مباشرة مهنة الصحافة ذاتها، مقيدا – في ذلك كله – بألا يهدر عمله الحرية التي كفلها الدستور لهذه وتلك أو يفتئت على الاستقلال المقرر لها.

وحيث إن الدستور قد تغيا – بنصوصه سالفة الذكر – إرساء أصل عام يعزز للصحافة – إصدارا وممارسة – ضمانات حريتها – من خلال الأطر التي قررها – بما يجعلها طليقة من أية قيود جائرة ترهق رسالتها، أو تحد – بغير ضرورة – من فرص إصدارها أو أضعافها بتقليص دورها في بناء المجتمع وتطويره، وليؤمن من خلالها أفضل الفرص التي تكفل تدفق الآراء والأنباء والأفكار ونقلها إلى القطاع الأعرض من الجماهير، متوخيا دوما أن يكرس بالصحافة قيما جوهرية يتصدرها أن يكون النقاش العام الذي يدور فوق منابرها بديلا عن الانغلاق والقمع والتسلط، ونافذة لإطلال المواطنين على الحقائق التي لا يجوز حجبها عنهم، ومدخلا لتعميق معلوماتهم، فلا يجوز طمسها أو تلوينها؛ خاصة في عصر أذن احتكار المعلومة فيه بالغروب، واستحال الحجر عليها، بعد أن تنوعت مصادرها وباتت المعرفة مطلبا ضروريا لكل الناس، وغدت حرية الأفراد في التعبير والقول أمرا لازما لتكفل للمواطن نهرا فياضا بالآراء والمعلومات ودورا فاعلا – من خلال الفرص التي تتيحها – في التعبير عن تلك الآراء التي يؤمن بها، ويحقق بها تكامل شخصيته.

ولتؤتي ثمارها في بناء قيم الفرد والجماعة وتنمية روافد الديمقراطية، وتأكيد الهوية المصرية الأصيلة، والتأليف بين منابع التراث وتيارات الحداثة والمعاصرة. وتكريسا لحرية الصحافة – التي كفل الدستور ممارستها بكل الوسائل – أطلق الدستور قدراتها في مجال التعبير ليظل عطاؤها متدفقا تتصل روافده دون انقطاع، فلا تكون القيود الجائرة عليها إلا عدوانا على رسالتها يهيئ لانفراط عقدها ومدخلا للتسلط والهيمنة عليها، وإيذانا بانتكاسها. ولئن كان الدستور قد أجاز فرض رقابة محدودة عليها فإن ذلك لا يكون إلا في الأحوال الاستثنائية ولمواجهة تلك المخاطر الداهمة التي حددتها المادة 48 منه، ضمانا لأن تكون الرقابة عليها موقوتة زمنيا ومحددة غائيا، فلا تنفلت من كوابحها. ومن ثم، فقد صار متعينا على المشرع أن يضع من القواعد القانونية ما يصون للصحافة – إصدارا وممارسة – حريتها، ويكفل عدم تجاوز هذه الحرية – في الوقت ذاته – لأطرها الدستورية المقررة، بما يضمن عدم إخلالها بما اعتبره الدستور من مقومات المجتمع ومساسها بما تضمنه من حقوق وحريات وواجبات عامة؛ وأصبح الأفراد ومؤسسات المجتمع المدني جميعا مطالبين – في نشر أفكارهم وآرائهم ونتاج إبداعهم – بمراعاة هذه القيم الدستورية – لا ينحرفون عنها، ولا يتناقضون معها، وإلا غدت حرية التعبير وما يقترن بها فوضى لا عاصم من جموحها، وعصت بشططها ثوابت المجتمع.

وحيث إن حق الأفراد في إصدار الصحف إنما يستصحب بالضرورة حقوقهم وحرياتهم العامة الأخرى التي كفلها الدستور، يباشرونها متآلفة فيما بينها، متجانسة مضمونها، متضافرة توجهاتها، تتساند معان ويعضد كل منها الآخر في نسيج متكامل، وكان من المقرر أن السلطة التي يملكها المشرع في مجال تنظيم الحقوق حدها قواعد الدستور التي تبين تخوم الدائرة التي لا يجوز اقتحامها، بما ينال من الحق محل الحماية أو يؤثر في محتواه، ذلك أن لكل حق دائرة يعمل فيها ولا يتنفس إلا من خلالها، فلا يجوز تنظيمه إلا فيما وراء حدودها الخارجية، فإذا اقتحمها المشرع، كان ذلك أدخل إلى مصادرة الحق أو تقييده، بما يفضي بالضرورة إلى الانتقاص من الحريات والحقوق المرتبطة به؛ متى كان ذلك، وكان اتخاذ الصحف التي تصدرها الأشخاص الاعتبارية الخاصة – على النحو المبين في قانون تنظيم الصحافة الصادر بالقانون رقم 96 لسنة 1996 – شكل شركة المساهمة أو التوصية بالأسهم ما هو إلا أداة ووسيلة لممارسة الأفراد حريتهم في إصدار الصحف، الأمر الذي اختص المشرع – بتفويض من الدستور – المجلس الأعلى للصحافة بالنظر فيه،

فإن النص الطعين فيما اشترطه من موافقة مجلس الوزراء على تأسيس هذه الشركة يكون قد أقحم هذا المجلس – بغير سند دستوري – على مجال إصدار الصحف، وتمادى فأطلق لسلطة مجلس الوزراء عنانها، دون تحديدها بضوابط موضوعية ينزل على مقتضاها، بما يضمن مساحة كافية لممارسة هذه الحرية، وكان النص الطعين – بهذه المثابة – منبت الصلة بأطرها التي قررها الدستور على النحو المتقدم، فإنه يتمحض إحكاما لقبضة السلطة التنفيذية على عملية إصدار الأشخاص الاعتبارية الخاصة للصحف؛ وإخضاع تلك العملية لمطلق إرادتها، وجعلها رهن مشيئتها وهو ما يفرع الحق الدستوري في إصدار الصحف وملكيتها من مضمونه، مقوضا جوهره، عاصفا بحريتي التعبير والصحافة، ومخالفا – بالتالي – لنصوص المواد 47 و48 و206 و208 و209 و211 من الدستور.

فلهذه الأسباب
 حكمت المحكمة عدم دستورية نص البند (ب) من المادة (17) من قانون شركات المساهمة وشركات التوصية بالأسهم والشركات ذات المسئولية المحدودة الصادر بالقانون رقم 159 لسنة 1981 – بعد تعديله بالقانون رقم 3 لسنة 1998 – وذلك فيما تضمنه من اشتراط موافقة مجلس الوزراء على تأسيس الشركة التي يكون غرضها أو من بين أغراضها إصدار الصحف.