عدم دستورية حرمان العامل بصندوق دعم صناعة الغزل والمنسوجات من مقابل رصيد أجازاته – مصر

قضية رقم 162 لسنة 25 قضائية المحكمة الدستورية العليا “دستورية”

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد 13 فبراير سنة 2005 م ، الموافق 4 من المحرم سنة 1426 ه .
برئاسة السيد المستشار / ممدوح مرعى رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين : حمدى محمد على وماهر البحيرى ومحمد على سيف الدين وعدلى محمود منصور وسعيد مرعى عمرو والدكتور عادل عمر شريف
وحضور السيد المستشار / نجيب جمال الدين علما رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / ناصر إمام محمد حسن أمين السر

أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 162 لسنة 25 قضائية ” دستورية ” . بعد أن أحالت محكمة القضاء الإدارى ملف الدعوى رقم 4114 لسنة 54 قضائية .
المقامة من
السيد / محمد محمد سالم

ضد
1 – السيد رئيس اللجنة الدائمة لصندوق دعم صناعة الغزل والمنسوجات
2 – السيد رئيس مجلس الوزراء
الإجراءات
بتاريخ الرابع والعشرين من مايو سنة 2003 ، ورد إلى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا ملف الدعوى رقم 4114 لسنة 54 قضائية ، تنفيذاً للحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى فى 12/5/2003 ، القاضى بوقف الفصل فى الدعوى وإحالتها إلى هذه المحكمة للفصل فى دستورية المادة (102) من اللائحة التنظيمية للعاملين بصندوق دعم صناعة الغزل والمنسوجات القطنية .

وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم بعدم اختصاص المحكمة .
وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها .
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم .

المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق ، والمداولة .

حيث إن الوقائع على ما يبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق تتحصل فى أن المدعى كان قد أقام الدعوى رقم 4114 لسنة 54 قضائية ، أمام محكمة القضاء الإدارى ، طالباً الحكم بأحقيته فى صرف المقابل النقدى لرصيد إجازاته الاعتيادية التى لم يحصل عليها خلال فترة عمله ، والتى تبلغ 497 يوماً ، بعد انتهاء خدمته لبلوغه سن المعاش ،

وبجلسة 12/5/2003 تراءى للمحكمة عدم دستورية المادة (102) من اللائحة التنظيمية للعاملين بصندوق دعم صناعة الغزل والمنسوجات القطنية ، فيما وضعته من حد أقصى لرصيد الإجازات الذى يصرف عنه المقابل النقدى عند انتهاء خدمة العامل ، وذلك لمخالفته نص المادة (13) من الدستور ، ولأن نص المادة (102) من اللائحة المذكورة ، هو المقابل لنص المادة (65) من نظام العاملين المدنيين بالدولة ، الذى سبق للمحكمة الدستورية العليا أن قضت بعدم دستوريته .

وحيث إنه عن الدفع بعدم اختصاص المحكمة الدستورية العليا بنظر الدعوى ، فهو فى غير محله ، ذلك أنه باستعراض نصوص القانون رقم 251 لسنة 1953 بإنشاء صندوق دعم صناعة الغزل والمنسوجات القطنية ، يبين أن هذا الصندوق يقوم على مرفق عام ، يستهدف أغراضاً ذات نفع عام ، وهى تشجيع تصريف الغزل والمنسوجات القطنية فى الأسواق الداخلية والخارجية ، ودعم هذه الصناعة .

وقد أسبغ عليه المشرع شخصية اعتبارية مستقلة ، كما خوله نصيباً من السلطة العامة ، يتمثل فى تمويله عن طريق فرض رسم تؤديه مصانع غزل القطن على النحو المبين فى المادة الثامنة من القانون ، كما تتمثل فى تحصيله بطريق الحجز الإدارى ، وعهد بإدارته إلى لجنة دائمة يشترك فى عضويتها خمسة من كبار موظفى الدولة بحكم وظائفهم التى تتصل اتصالاً وثيقاً بأغراض الصندوق .

وبذلك فإن الصندوق المذكور يجمع كافة عناصر الهيئات العامة ، ومؤدى ذلك أن العاملين بهذا الصندوق موظفون عموميون ، يرتبطون به بعلاقة تنظيمية بحكم تبعيتهم لشخص من أشخاص القانون العام ، وتسرى عليهم أحكام القوانين المتعلقة بالوظائف العامة فيما لم يرد بشأنه نص خاص فى لائحة شئون العاملين به ، ومن ثم فإن اللائحة التنظيمية لهؤلاء العاملين تعتبر تشريعاً مما تمتد إليه الرقابة الدستورية لهذه المحكمة .

وحيث إن المادة (102) من اللائحة المشار إليها تنص على أنه :-” يحتفظ العامل برصيد إجازاته الاعتيادية ، ولا يجوز أن يحصل على إجازة اعتيادية من هذا الرصيد إلا فى حالتى السفر للخارج أو المرض ، وبما لا يجاوز ستين يوماً فى السنة ، بعد استنفاد رصيده من الإجازات الاعتيادية المستحقة له عن تلك السنة .

فإذا انتهت خدمة العامل قبل استنفاد رصيده من الإجازات الاعتيادية ، استحق عن هذا الرصيد أجره الأساسى الذى كان يتقاضاه عند انتهاء خدمته ، مضافاً إليه العلاوات الخاصة ، وذلك بما لا يجاوز أجر أربعة أشهر ” .

وحيث إن نطاق الدعوى الدستورية إنما يتحدد بما يكون لازماً للفصل فى الطلبات الموضوعية ، وهو ما تتحقق به المصلحة الشخصية للمدعى .

لما كان ذلك ، وكان النزاع الموضوعى يدور حول حق المدعى فى المقابل النقدى لرصيد إجازاته فيما زاد عن أجر أربعة أشهر ، فإن نطاق الدعوى الماثلة ينحصر فيما نصت عليه المادة (102) سالف الذكر ” وذلك بما لا يجاوز أجر أربعة أشهر ” وحيث إنه من المقرر فى قضاء هذه المحكمة ، أن لكل حق أوضاعاً يقتضيها ،

وأثاراً يرتبها ، من بينها – فى مجال حق العمل – ضمان الشروط التى يكون أداء العمل فى نطاقها منصفاً وإنسانياً ومواتياً ، فلا تنتزع هذه الشروط قسراً من محيطها ، ولا ترهق بفحواها بيئة العمل ذاتها ، أو تناقض بأثرها ما ينبغى أن يرتبط حقاً وعقلاً بالشروط الضرورية لأداء العمل بصورة طبيعية لا تحامل فيها ، ومن ثم لا يجوز أن تنفصل الشروط التى يتطلبها المشرع لمباشرة عمل أو أعمال بذواتها عن متطلبات ممارستها ، وإلا كان تقريرها انحرافاً بها عن غايتها ، يستوى فى ذلك أن يكون سندها علاقة عقدية أو رابطة لائحية .

وحيث إن الدستور وإن خول السلطة التشريعية بنص المادة (13) تنظيم حق العمل ، إلا أنه لا يجوز لها أن تعطل جوهره ، ولا أن تتخذ من حمايتها للعامل موطئاً لإهدار حقوق يملكها ، وعلى الأخص تلك التى تتصل بالأوضاع التى ينبغى أن يمارس العمل فيها ،

ويندرج تحتها الحق فى الإجازة السنوية التى لا يجوز لجهة العمل أن تحجبها عن عامل يستحقها ، وإلا كان ذلك منها عدواناً على صحته البدنية والنفسية ، وإخلالاً بأحد التزاماتها الجوهرية التى لا يجوز للعامل بدوره أن يتسامح فيها ، ونكولاً عن الحدود المنطقية التى ينبغى – وفقاً للدستور – أن تكون إطاراً لحق العمل ، واستتاراً بتنظيم هذا الحق للحد من مداه .

وحيث إن المشرع قد صاغ فى الإطار السابق بيانه بنص المادة (65) من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 – وهو القانون العام بالنسبة للعاملين فى الدولة وهيئاتها العامة – حق العامل فى الإجازة السنوية ، فغدا بذلك حقاً مقرراً له بنص القانون ، يظل قائماً ما بقيت الرابطة الوظيفية قائمة ،

وقد نقلت عنه اللائحة التنظيمية للعاملين بصندوق دعم صناعة الغزل والمنسوجات القطنية ، حيث أجاز نص المادة (102) منها للعامل أن يحتفظ بما قد يكون له من رصيد الإجازات الاعتيادية السنوية ، مع وضع ضوابط معينة للحصول عليها ،

بحيث لا يجوز له الحصول على إجازة من هذا الرصيد تزيد عن ستين يوماً فى السنة الواحدة ، فإذا انتهت خدمة العامل ، وكان له رصيد من تلك الإجازات ، حق له اقتضاء بدل نقدى عن هذا الرصيد ، بيد أنه قيد اقتضاء هذا البدل بأن لا تتجاوز مدة الرصيد الذى يستحق عنه البدل النقدى أربعة اشهر .

وحيث إن المشرع تغيا من ضمان حق العامل فى إجازة سنوية بالشروط التى حددها ، أن يستعيد العامل خلالها قواه المادية والمعنوية ، ولا يجوز بالتالى أن ينزل عنها العامل ،

ولو كان هذا النزول ضمنياً بالامتناع عن طلبها ، إذ هى فريضة اقتضاها المشرع من كل من العامل وجهة الإدارة ، فلا يملك أيهما إهدارها كلياً أو جزئياً إلا لأسباب قوية تقتضيها مصلحة العمل ، ولا أن يدعى العامل أنه بالخيار بين طلبها أو تركها ، وإلا كان التخلى عنها إنهاكاً لقواه ، وتبديداً لطاقاته ، وإضراراً بمصلحة العمل ذاتها التى يتعذر صونها مع الاستمرار فيه دون انقطاع .

بل إن المشرع اعتبر حصول العامل على إجازة اعتيادية لمدة ستة أيام متصلة كل سنة أمراً لا يجوز الترخص فيه ، أو التذرع دون تمامه بدواعى مصلحة العمل ، وهو ما يقطع بأن الحق فى الإجازة السنوية يتصل بقيمة العمل وجدواه وينعكس بالضرورة ، على كيان الجماعة ويمس مصالحها العليا ، صوناً لقوتها الإنتاجية البشرية .

وحيث إن المشرع قد دل بالمادة (102) المشار إليها ، على أن العامل لا يجوز أن يتخذ من الإجازة السنوية وعاءً ادخارياً من خلال ترحيل مددها التى تراخى فى استعمالها ، ثم تجميعها ليحصل بعد انتهاء خدمته على ما يقابلها من الأجر ، وكان ضمان المشرع لمصلحة العمل ذاتها قد اقتضاه أن يرد على العامل سوء قصده ، فلم يجز له أن يحصل على ما يساوى أجر هذا الرصيد إلا عن مدة لا تجاوز أربعة أشهر ،

وهى تعد مدة قدر المشرع أن قصرها يعتبر كافلاً للإجازة السنوية غايتها ، فلا تفقد مقوماتها أو تتعطل وظائفها ، بيد أن هذا الحكم لا ينبغى أن يسرى على إطلاقه ، بما مؤداه أنه كلما كان فوات الإجازة راجعاً إلى جهة العمل أو لأسباب اقتضتها ظروف أدائه دون أن يكون لإرادة العامل دخل فيها ،

كانت جهة العمل مسئولة عن تعويضه عنها ، فيجوز للعامل عندئذ – وكأصل عام – أن يطلبها جملة فيما جاوز ستة أيام كل سنة ، إذا كان اقتضاء ما تجمع من إجازاته السنوية على هذا النحو ممكناً عيناً ، وإلا كان التعويض النقدى عنها واجباً ،

تقديراً بأن المدة التى امتد إليها الحرمان من استعمال تلك الإجازة مردها إلى جهة العمل ، فكان لزاماً أن تتحمل وحدها تبعة ذلك .

وحيث إن الحق فى التعويض لا يعدو أن يكون من العناصر الإيجابية للذمة المالية للعامل ، مما يندرج فى إطار الحقوق التى تكفلها المادتان (32 ، 34 ) من الدستور ، اللتان صان بهما الملكية الخاصة والتى جرى قضاء هذه المحكمة على اتساعها للأموال بوجه عام ، وانصرافها بالتالى إلى الحقوق الشخصية والعينية جميعها .

متى كان ذلك ، فإن حرمان العامل من التعويض المكافئ للضرر والجابر له ، يكون مخالفاً للحماية الدستورية المقررة للملكية الخاصة .

فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية نص المادة (102) من اللائحة التنظيمية للعاملين بصندوق دعم صناعة الغزل والمنسوجات القطنية ، فيما تضمنه من حرمان العامل من البدل النقدى لرصيد إجازاته الاعتيادية فيما جاوز أجر أربعة أشهر ، متى كان عدم الحصول على هذا الرصيد راجعاً إلى أسباب تقتضيها مصلحة العمل