نظم قانون التنفيذ أحكاما لحبس المدين تختلف من حيث السبب والغاية عن الحبس الجنائي، وقد أطلق الفقه في مواضع كثيرة على الحبس الذي نظمه قانون التنفيذ، اسم الحبس التنفيذي، ” ويلاحظ أن التسمية غير دقيقة، فالحبس الجنائي هو: حبس تنفيذي لأنه تنفيذ للعقوبة، وكان الأجدر تسمية الحبس التنفيذي، بالحبس الإكراهي” (1) وأنا أميل إلى هذا الرأي، فأرى على الأقل تسميته بالحبس الإجرائي أو الإكراهي كتسمية أدق. والحبس…، وسيلة إكراه من أجل التنفيذ، وليس تنفيذ ا للعقوبة وخاصة أن ” عدم الوفاء بالدين لا يعتبر جريمة، وبالتالي لا يعتبر حبس المدين عقوبة جنائية، و إلا لما تم الحبس بناء على طلب الدائن، وإنما بناء على طلب النيابة العامة”(2)، ولذا فتسمية الحبس بالحبس التنفيذي قد تجد لبسا، فهو أقرب لأن يكون حبسا إجرائيا، وليس تنفيذيا، كما لا يمكن اعتباره تنفيذا للالتزام، وإنما طريقة من طرق الإجراء لتنفيذه تهدف إلى إكراه المدين، والضغط عليه من أجل التنفيذ، كذلك لا يعتبر الحبس عقوبة كما هو الحال في الجزاء ، و إن كان قد تضمن مفهوم حجز الحرية، وانما هو حالة يوضع بها المدين من أجل جبره على تنفيذ ما التزم به، وبما أنه يطال جسم المدين ذاته، فهو يتوافق مع الحبس الجزائي في الطبيعة فقط ، وليس الهدف، فالشخص الذي ارتكب جرما بحق المجتمع يوقع عليه القانون عقوبة، و تمثله النيابة العامة نيابة عن المجتمع. لذا فإن ” الحبس الإجرائي لا يعدو أن يكون مجرد وسيلة، وليس غاية،

وبالتالي لا يعتبر الحبس الإجرائي عقوبة، على عكس الحبس الجزائي، الذي يعتبر عقوبة تفرض على الشخص لارتكابه فعلا مخلا بالمجتمع” (3) فالضرر الواقع جرّاء جريمة من الجرائم التي تندرج تحت طائلة القوانين الجزائية تمس المجتمع بشكل كامل، إضافة إلى الضرر الشخصي الواقع على المجني عليه، بينما الضرر الواقع على الدائن جرّاء عدم الوفاء بالدين ضرر شخصي مباشر قد تصل أضراره إلى المجتمع بصورة غير مباشرة. ويمكننا معرفة أن قواعد الحبس الإكراهي ليست كقواعد الحبس الجزائي، فهي تتمتع بأثر فوري، معنى ذلك أن قرار الحبس الإكراهي يخضع للقانون الساري المفعول بتاريخ صدوره، حتى ولو كان التشريع الذي نشأ في ظله الالتزام مخالفا للتشريع الحالي ذلك على عكس العقوبة الجزائية، التي تستوجب تطبيق القانون الأصلح للمتهم عند تنازع القوانين. كما أوضح ذلك قانون التنفيذ الفلسطيني، حينما وضع تعريفا لمحل التنفيذ، ولو كان الحبس تنفيذا برأيي لما وضع المشرع هذا التعريف، أو لجعله شاملا لشخص المدين فالمادة 40 تنفيذ أشارت إلى أن:

1-التنفيذ لا يرد إلا على أموال المدين وفي الحدود التي يقررها القانون.

2- أموال المدين جميعها ضامنة للوفاء بديونه، وجميع الدائنين متساوون في هذا الضمان ، إلا من كان له منهم حق التقدم طبقا للقانون.

كما نصت المادة 41 من ذات القانون على أنه ” يبدأ التنفيذ على ما يملكه المدين من نقود سائلة، وعلى ما له من حقوق لدى الغير، وفي حالة عدم كفايتها يجري الحجز على أمواله المنقولة وغير المنقولة”، ومن ترتيب حالات التنفيذ الواردة في النص السابق نجد أن المشرع لم يضع التنفيذ على شخص المدين كمرحلة أخيرة، فهو ليس تنفيذا أصلا وإنما وسيلة للضغط والإكراه؛ ولذلك فقد منعت بعض الشرائع و القوانين حبس المدين المعسر نهائيا لعدم جدو ى حبسه، كالشريعة الإسلامية الغراء، والتي لا تنظر إلى الحبس كغاية، وإنما وسيلة لإكراه المدين المماطل على دفع الدين. ونظام حبس المدين بطبيعته له خصائص عدة أهمها: أن حبس المدين لا يعتبر عقوبة جنائية، إذ لا يعتبر القانون مجرد عدم الوفاء بالدين جريمة يعاقب عليها، بل ” إن الحبس يصدر كقاعدة عامة من رئيس التنفيذ بناء على عريضة تقدم من الدائن ذاته” (4) حيث أن فقهاء المسلمين أخذوا بهذه التفرقة، إذ روي عن … كثير من الصحابة، والتابعين، وقضاة الشرع، أن الحبس الإكراهي ليس تنفيذا لأي عقوبة، وإنما هو وسيلة قسرية لإجبار المحكوم عليه لإظهار ماله، إذا كان قد أخفا ه، . ولذا فإن التكييف السليم لهذا الإجراء أنه إكراه بدني وليس عقوبة” (5). وأخيرا فانه مما سبق دراسته، لا بد لي وأن أظهر الفروق التي تميز الحبس الإكراهي عن الحبس الجزائي بما يلي:

1- في الحبس الإكراهي، يعتبر الحبس وسيلة لإكراه المدين للوفاء بما هو مطلوب منه من دين ولذا فهو ليس عقوبة و إن كان يتضمن مفهوم حجز الحرية (6) أما الحبس الجزائي فهو وسيلة عقابية على ما اقترفه مرتكب الجريمة من جرم مخالف للقانون.

2- في الحبس الإكراهي، يستطيع الدائن التنازل عن حقه في طلب الحبس، وإذا تنازل عنه انتفى حقه بالمطالبة مرة أخرى بالحبس، ولا يزول أصل الحق وهو الدين ، بينما يعتبر الحبس الجزائي حقا للمجتمع تطبقه النيابة العامة باسمه ويستطيع من وقع عليه الضرر التنازل مع بقاء الحق العام قائما.

3- إن الحبس الإكراهي كوسيلة ضغط على المدين لا تزيل أصل الحق الذي من أجله كان الحبس، ولكنه ينفي إمكانية الحبس مرة أخرى لأجل ذات الدين، بينما يختلف ذلك عن الغرامة المحكوم بها جزائيا، والتي تزول إذا حكم من فرضت عليه سجنا مالم يدفعها.

4- لا تحتسب مدة التوقيف الاحتياطي عن جرم جزائي من الحبس الإجرائي لاختلاف التكييف القانوني لكل واحد منهما، في حين أن “التوقيف الاحتياطي يحسب من أصل العقوبة التي قد . يحكم بها على المتهم في جريمة جزائية” (7) .

5-لا يؤثر العفو الخاص وإعادة الاعتبار على حق المتضرر بطلب الحبس إذا كان ناتجا عن جرم جزائي، فأثره يتناول الناحية الجزائية، أما الحق الشخصي في هذه الأموال يبقى قائما، وكذلك طرق تحصيله بما فيها الحبس” (8) فالعفو الخاص يعفي المحكوم عليه من تنفيذ العقاب باعتبار العقوبة الجزائية باتت منفذة، وكذلك فإن إعادة الاعتبار تبطل بالنسبة للمستقبل مفاعيل الحكم من الناحية الجزائية، والتقادم يحول دون تنفيذ العقوبة الجزائية.

6- أما بخصوص العفو العام، فإن هناك من رأى “بأن العفو العام، ينزع الطابع الجزائي للفعل بأثر رجعي، وبالتالي لا يجوز حبس المدين لتحصيل التعويض المحكوم به، وهناك من رأى بإمكانية اللجوء إلى الحبس التنفيذي و حجتهم في ذلك أن قوانين العفو العام تحتفظ للمتضررين بحقوقهم الشخصية، ومعنى ذلك الاحتفاظ بطرق تحصيل هذه الحقوق ومنها الحبس التنفيذي”(9).

__________________

1- عبد الفتاح، عزمي: نظام قاضي التنفيذ.القاهرة: دار النهضة العربية. 1978 ..ص 129

2-عبد الله ،عبد الرزاق: حبس المدين http://www.alqabas.com 2008/4/14 الساعة 11صباحاً

3- ابو رمان،عبد الرزاق رشيد: حبس المدين في قانون الاجراء الاردني. دراسة مقارنة.( رسالة ماجستير منشورة)

. الجامعة اللبنانية . بيروت . عمان: دار وائل للنشر. 1999. ص 154

20

4- سامي ، ميلاد : حبس المدين بين العقوبة والايفاء بحق الغير . جريدة القبس الكويتية الأربعاء 19 . سبتمبر 2007 .

. Final/NewspaperWebsite/ NewspaperPublic/Article Page . عدد 12322

5- مراد، عبد الفتاح: دعوى الحبس لدين النفقة. الإسكندرية. 2001 . ص 20 دون أي بيانات أخرى.

6- استانبولي، أديب: تقنين أصول المحاكمات السوري في المواد المدنية والتجارية. الجزء الخامس. دون دار نشر. الطبعة

. الثانية. 1996 . ص 235

7- القضاة، مفلح عواد: أصول التنفيذ وفقا لقانون الاجراء دراسة مقارنة. الطبعة الثالثة. عمان: مكتبة دار الثقافة للنشر

. والتوزيع. 1997 . ص 205

8- علي ، عمار الحاج : أعمال التنفيذ .منشور على الصفحة www.barasy.com بتاريخ 20/9/ 2008. الساعة 23:00

9- أبو رمان، عبد الرزاق رشيد: حبس المدين في قانون الاجراء الاردني دراسة مقارنة. مرجع السابق. ص 157

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .