من غير المتصور قيام مشروع تجاري فردي أو جماعي بنشاطه التجاري دون تنظيم لحساباته ومعرفة ما له من حقوق وما عليه من التزامات تجاه الغير . ثم إن تنظيم التوازن المالي وبيان حساب الربح والخسارة يعد في الواقع التجاري ، مبدأ جوهرياً والدفاتر التجارية هي الوسيلة الفعالة لتحقيق مبدأ تنظيم الحسابات والتوازن المالي ومن ثم تنظيم سير عمل المشروع التجاري أو التاجر على أسس علمية سليمة . فهي في الواقع نوع من أنواع الرقابة الحسابية تطور إمساكها تدريجياً من ” علم بسيط الى علم دقيق هو علم المحابة ” وضبط الحسابات (1). وقد جعل المشرع إمساك الدفاتر التجارية واجباً قانونياً بالنسبة للتاجر سواء كان فرداً أو شركة . ويبرر هذا الإلزام القانوني بما للدفاتر التجارية من أهمية علمية تتضح من خلال الوظائف المتعددة التي تؤديها داخل الإطار القانوني وخارجه .

ويمكن إجمال تلك الوظائف بما يلي :

1. تعتبر الدفاتر التجارية أولاً الأداة التي تسمح للتاجر تقييم نشاطه التجاري وتحديد مركزه المالي وموقف أصوله وخصومه وما لديه من سيولة نقدية لمواجهة التزاماته تجاه الغير .

2. تفيد الدفاتر التجارية في إثبات المعاملات التجارية . إذ يمكن الاستعانة بقيودها ومندرجاتها في حل النزاعات التي قد تنشأ نتيجة التعامل التجاري .

3. تمكن الدفاتر التجارية المنتظمة من التقدير الغير الاعتباطي للضرائب المالية المقررة على التاجر قانوناً – ضريبة الدخل – فتحول بذلك دون التقدير الجزافي لهذه الضرائب في حالة عدم وجودها.

4. تعتبر الدفاتر التجارية أخيراً سنداً له أهميته عند تعرض التاجر للإفلاس (الإعسار بمفهوم قانون التجارة النافذ) إذ يمكنه إذا كانت دفاتره منتظمة أن يثبت حسن نيته عند توقفه عن أداء ديونه التجارية وطلب منحه الصلح الواقي .

وفي حالة إشهار إفلاسه فإن في إمكانه اللجوء الى هذه الدفاتر لغرض التخلص من عقوبة الإفلاس التقصيري أو الأحتيالي إذ اتضح منها أن الافلاس كان نتيجة ظروف طارئة .

____________________

1 . انظر : Paul Didier: op. cit p. 260 et s.

د. محمود سمير الشرقاوي ، القانون التجاري ، 1978 ص 144 .

د. أكثم الخولي ، دروس في القانون التجاري ، 1968 ص 212 .

الدفاتر التجارية وحجيتها في الإثبات :

يحدد قانون الإثبات وهو القانون رقم 107 لسنة 1979 ، القواعد الخاصة بدور الدفاتر التجارية في الإثبات وتجدر الإشارة هنا الى ان هذا القانون قد صدر تنفيذاً لأحكام قانون إصلاح النظام القانوني رقم 35 لسنة 1977 الذي أوجب توحيد قواعد الإثبات في المسائل المدنية والتجارية في قانون خاص . وقد ألغى القانون المذكور أعلاه الباب السادس من الكتاب الاول من القانون المدني من المادة 444-505 – المتعلق بإثبات الالتزام بالإضافة الى بعض الأحكام التي يتضمنها قانون التجارة الملغى رقم 149 لسنة 1970 (المواد : 37 و 38 و 41 والمواد 103 – 107 والمادة 564) وقانون المرافعات المدنية رقم 83 لسنة 1969 (المادتان 9 و 8 والباب الرابع المتضمن المواد 98-140). وتضمن قانون الإثبات تعديلات مهمة بخصوص دور الدفاتر التجارية ومدى حجيتها في الإثبات ويتضح من القواعد الخاصة التي وردت بها الشأن أن قيمة الدفاتر التجارية في الإثبات تختلف تبعاً لما إذا كان الإثبات لمصلحة صاحبها (التاجر) أو ضده وذلك حسب التفصيل التالي :

1. الاحتجاج بالدفاتر التجارية على الغير .

تنص الفقرة الأولى من المادة 28 من قانون الإثبات على أنه : ” لا تكون القيود الواردة في الدفاتر التي يوجب القانون مسكها سواء كانت منتظمة أم غير منتظمة حجة لصاحبها ” وتقتضي الفقرة الأولى من المادة 29 من القانون نفسه بما يلي : ” لا تكون القيود الواردة في الدفاتر غير الإلزامية والدفاتر والأوراق الخاصة حجة لصاحبها ” . يتبين من هذه النصوص أنه ليس للدفاتر التجارية الإلزامية وغير الإلزامية – حجة على الغير وليس فيها قوة الإثبات سواء كان هذا الغير تاجراً أم غير تاجر . وللقضاء رفضها في حالة تقديمها من قبل صاحبها لغرض الإفادة من القيود المدونة فيها في الإثبات ضد خصمه . ومن غير المتصور كما نرى أن تكون الدفاتر التجارية بداية دليل للإثبات ، استناداً الى المفهوم المخالف لنص المادة 77 من القانون التي تقول : ” يجوز إثبات وجود التصرف القانوني أو انقضائه بالشهادة إذا كانت قيمته لا تزيد على خمسين ديناراً (1) . صحيح أن هذا النص قد يعطي انطباعاً بأنه من الممكن الاستعانة بالدفاتر التجارية للإثبات في جميع الأحوال التي تتجاوز فيها قيمة التصرف القانوني خمسين ديناراً ، إلا أن هذا الحكم لا يمكن أن يعارض بأي حال نصوص الفقرة الأولى من المادتين 28 و 29 من القانون ، وهي نصوص امرة وواضحة تمنع صراحة إمكانية التمسك بالدفاتر التجارية الإلزامية وغير الإلزامية منتظمة كانت أم غير منتظمة ضد الغير فالمنع القانوني هنا لا يحتاج الى تأويل أو تخفيف أو استثناء . فهو منع بات . والقول بخلاف ذلك سوف يؤدي الى خلق استثناء يتعارض مع القاعدة ويخالف مبرراتها القائمة على المبادئ العامة التي تقضي بأنه لا يجوز للشخص أن ينشئ أو يصطنع دليلاً لنفسه . وبناء عليه فإنه لا يمكن في ضوء أحكام قانون الإثبات أن يحتج بالدفاتر التجارية على الغير سواء كان هذا الغير تاجراً أم شخصاً عادياً (2) .

2. احتجاج الغير بالدفاتر التجارية .

للغير أن يتمسك بما ورد من قيود في الدفاتر التجارية الإلزامية لخصمه ، منتظمة كانت أم غير منتظمة لغرض إثبات التصرف القانوني سواء كان هذا التصرف تجارياً أم مدنياً وسواء كانت الدعوى بين تاجر وتاجر أم بين تاجر وغير تاجر . إذ تقرر الفقرة الثانية من المادة التاسعة والعشرين من قانون الإثبات أنه يجوز أن تكون القيود الواردة في الدفاتر التي يوجب القانون مسكها سواء كانت منتظمة أم غير منتظمة ” حجة على صاحبها شريطة عدم تجزئة الإقرار المثبت فيها ” (3) . وعلة ذلك أن القيود التي تكون واردة في الدفاتر التجارية تقوم مقام الاعتراف (الإقرار) الكتابي . فيجوز إذن تمسك الغير بهذا الاعتراف لمصلحة فيطلب من القضاء إلزام صاحب الدفاتر بتقديمها لاستخلاص ما ورد فيها من أدلة لمصلحته بيد أنه لا يمكن للخصم الذي يحتج بالدفاتر تجزئة هذا الإقرار بحيث يتمسك بما ورد فيها لمصلحته ويستبعد ما كان في غير مصلحته فلو ذكر في الدفتر التجاري أن التاجر قد اشترى بضاعة من شخص ما ودفع الثمن ، فلا يجوز لهذا الأخير أن يقبل بالقيد الأول ويرفض القيد الثاني بل عليه أن يقر بما جاء في الدفتر كاملاً أو يطرحه كاملاً . أما بالنسبة للدفاتر غير الإلزامية ” الاختيارية ” فلا يكون للبيانات الواردة فيها حجة على صاحبها إلا في حالتين (4) :

أ- إذا ذكر فيها صراحة أنه استوفى دينا .

ب- إذا ذكر فيها صراحة أنه قصد بما دون فيها أن تقوم مقام السند لمن أثبتت حقاً لمصلحته .

وعليه يجوز للغير إذا تحقق شرط الحالة الأولى ” استفياء دين ما ” أو شرط الحالة الثانية أن يتمسك بالدفاتر بالغير الإلزامية لخصمه ويستخلص منها دليلاً لمصلحته في الإثبات . بيد أن للمحكمة إذا رأت ذلك ضرورياً لاستكمال قناعتها بشأن ما ورد في الدفاتر التجارية من قيود ، أو توجه اليمين المتممة لمن يتمسك بتلك الدفاتر وقيودها (5) ويجوز كذلك لصاحب الدفاتر التجارية إلزامية كانت أم اختيارية ان يثبت عكس ما ورد في القيود التي يتمسك بها خصمه عليه ، بكافة طرق الإثبات (6) .

____________________________

1 . انظر خلاف ذلك : د. طالب حسن موسى ، الإثبات التجاري وقانون الإثبات العراقي 1979 ص 10 .

2 . يختلف هذا الحكم تماماً عن حكم المادة 150 الملغاة من قانون التجارة والتي كان تحيز للتاجر التمسك بدفاتره ضد خصمه التاجر ، وعن حكم المادة 458 الملغاة من القانون المدني والتي كان تسمح استثناء للتاجر التمسك بدفاتره ضد غير التاجر ، على أن توجه المحكمة اليمين المتممة له .

3 . يقابل هذا النص حكم الفقرة الأولى من المادة 15 . الملغاة من قانون التجارة الملغى

4 . انظر نص المادة 29 من قانون الإثبات .

5 . انظر نص المادة 29 من قانون الإثبات .

6. انظر نص المادة 30 من نفس القانون .

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .