الأركان الخاصة للشركة

نية المشاركة.
تعدُّد الشركاء.

المساهمة في رأس المال.

اقتسام الأرباح والخسائر.

نرى كيف أنَّ اشتراط اقتسام الأرباح والخسائر هو ركن أساسيٌّ موضوعيٌ في الشركة، وكلُّ اتفاق على خلافه يقتضي بطلانها، فالحصول على الربح هو الغرض الأساسيُّ من عقدها، ولذا كان هذا الركن من أهمِّ أركانها، والمساهمة في الربح والخسارة أمرٌ تابع للشركة لا بدَّ منه، كما أنَّ هذا الركن يميز الشركة عن بعض أنواع المعاملات التي لا تعدُّ شركة.

* شركة الأسد:[39] تسمَّى الشركة شركة الأسد؛ إذا عقدت الشركة على أن لا يساهم شريك في الخسارة أو يُحرم شريك من الربح، أو يقتضي العقد تخصيص كل الأرباح لأحد الشركاء أو بعضهم دون البعض، أو شُرط في العقد أن يسترد أحد الشركاء حصته كاملة سالمة من كلِّ خسارة؛ بمعنى أن يساهم في الغنم دون الغرم، تبطل الشركة عند القانونيين بحسب الفقرة الأولى من المادة 515 من القانون المدني المصري: «إذا اتُفق على أنَّ أحد الشركاء لا يساهم في أرباح الشركة أو في خسائرها كان عقد الشركة باطلا» كما تعتبر فاسدة عند الفقهاء كما تقدم.

كيف تُحسب الخسارة إذا حصلت؟
تُخصم الخسارة أولا من الأرباح العامَّة التي حققتها الشركة، فإذا تجاوزت قيمتها حجم الأرباح اقتُصت من رأس المال، بدون أن يُحمَّل المضارب أكثر من نصيبه من الربح الذي يكون معوضا يجبر كلِّ خسارة، فإذا كان الخسران أكثر من ربح المال تعدى إلى رأس المال، وهذا ما نطقت به المادة 671 من القانون المدني: «إذا تلف شيء من مال المضاربة حُسب أولا من الربح؛

فإن جاوزه حُسب من رأس المال، فلا يضمنه المضارب سواء كانت المضاربة صحيحة أو باطلة»[40]، ويتفق ذلك مع مجلة الأحكام العدلية – التي تعتبر المرجع الأول في تقنين الفقه الإسلامي – فنصَّت المادة 1427: «إذا تلف مقدار من مال المضاربة فيُحسب في أوَّل الأمر من الربح، ولا يسري إلى رأس المال، وإذا تجاوز مقدار الربح سرى إلى رأس المال فلا يضمنه المضارب» وهو ما أكدته المادة 1428 من نفس المجلة [41] .

أخيرا، رأينا كيف أنَّ القانون الوضعيَّ ينطبق تماما في أحكامه مع الفقه الإسلامي في مسألة تضمين المضارب، فتفسد المضاربة في الفقه وتبطل الشركة في القانون الذي يرى أنَّ الاشتراك في الربح والخسارة ركن أساسيٌّ، فإذا اختلَّ هذا الركن انهدم العقد من أساسه.

مناقشة رأي فقيه إباضي معاصر[42] :

يقول شيخنا- بعد أن ساق الحكم العامَّ الذي يحكم نظام التعامل بالمال على أساس قاعدة الغنم بالغرم والخراج بالضمان، وأن على ربِّ العمل أن يتحمَّل ضياع جهده في حال الخسارة وعلى رب المال أن يتحمل خسارة رأس المال لوحده – فيقول[43]: «وهناك حالة قد ذكرها البعض – ولا مانع من ذكرها على جهة أمانة النقل للعلم – وإن كان جمهور العلماء لا يقولون بها ولا يجيزونها، وهي: أن لربِّ المال أن يشترط على مقارضه – صاحب العمل أن لا يحمِّله خسارة فيضمن له رأس المال».

ثم ساق المبرِّر لهذا الرأي وهو أنَّ هذا الشرط ليس من الربا الذي يشترط زيادة معلومة مضمونة مسبقا، ثم يعلِّق شيخنا: «أقول لو أننا ننظر ونستنطق النص الشرعي – الربا – لغة وشرعا، وقد انصب على النهي عن الربا، الزيادة التي يضمنها العامل لربِّ المال قبل أن يتحصل هو عليها ويضمنها لنفسه»، ثم يسوق مبررات أخرى دينية وخلقية واقتصادية وهي:

1.تغير القيم الخلقية ونقص الوازع الديني.

2.كثرة التلاعب بأموال الناس.

3.انتشار البطالة بسبب عدم توفُّر فرص العمل.

4.عدم إقبال أرباب الأموال على استثمار مدخراتهم، مخافة ضياعها.

ثم يصدر شيخنا رأيه مساندا قول ذلك البعض: «قلت بناء على ما سبق فإنـَّه يبدو – والله أعلم – أنـَّنا إذا أخذنا كلَّ تلك الحيثيات بالاعتبار، فإننا قد نجيز – كما أجاز من أجاز – مثل هذا النوع من التعامل في الاستثمار والتشغيل، فنرغب صاحب المال أن يستثمر ماله إذا تقدم إليه نخبة من الشباب فردا أو جماعة، يلتمسون العمل، له أن يقرضهم على أساس مقاسمة الأرباح إذا حصلت، وفق ما يتفقون عليه من نسبة تخضع لقانون العرض والطلب» ثم يضيف:

«قلت: قد لا يكون هناك مانع شرعا من اشتراط رب المال عدم تحمل الخسارة بالكلية، أو يشترط مقاسمة رب العمل له في ذلك بنسبة معينة، وله أن يشترط على رب العمل – رهانا مقبوضة أو كفيلا زعيما؛ وكيلا ضامنا بالمال أو بالوجه من ولي له أو عشيرة أو مؤسسة مالية، بل مؤسسة وشركة التأمين مثلا، وكأن هذا ما تسلكه البنوك والمؤسسات المالية المقرضة مع حرفائها غالبا أو عامة».

* ملاحظات حول هذا الرأي:

أولا: إن شيخنا لم يذكر لنا اسم هذا البعض، ولا إلى أي مذهب ينتمي، أم هو رأي شخصي، حتى يمكننا العودة إليه وتمحيص رأيه، وحجته في ذلك.

ثانيا: يؤكِّد شيخنا أنَّ جمهور الفقهاء على غير ذلك، وقد رأينا إجماع الفقهاء من الشريعة ورجال القانون على عدم تضمين العامل المضارب رأس المال، ومع ذلك تبنى هذا الرأي الشاذ وبرره وأجازه.

ثالثا: إنَّ المبررات التي ساقها، هل هي كافية لنقض قاعدة فقهية أساسية مستندة إلى أدلة شرعية؟ وهل يجوز لنا – تحت ضغط الواقع المعيشي – أن نلوي أعناق النصوص الشرعية لنجعلها تتلاءم مع أهواء الناس ومصالحهم!

*مناقشة المبررات:

1) أوَّل المبررات التي استند إليها شيخنا أنَّ شرط تضمين المضارب رأس المال ليس من الربا، فنحن نتفق معه فيما ذهب، لكن هل المحرم في المعاملات هو الربا فقط؟ أليس الظلم وأكل أموال الناس بالباطل وعدم التساوي في الحقوق والواجبات، وعدم إقامة العدل والقسط في العقود، كلها تتنافى مع نص وروح الشريعة الإسلامية التي تدعو إلى القسط والمساواة وإعطاء كلِّ ذي حقٍّ حقَّه، انظر وتأمل تفسير المعنى العام للآية الكريمة: ]ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون …[ (سورة المطففين: الآيتان 1-2).

2) أمَّا المبرِّرات الدينية والخلقية، فإنَّ الشرع الحنيف لا يسمح لنا بتضييع الأموال وإعطائها لمن لا نثق فيه وفي دينه وخلقه، بل ينبغي أن نتأكد من أمانة ونزاهة من ندفع إليه أموالنا، يقول الشيخ اطفيش في هذا الصدد[44] «وإنما ينبغي أن يدفع ماله على القراض لرجل قويٍّ كيس حاذق عارف للتجارة، ولا يعطيه للضعيف الذي لا يقوم بالبيع والشراء، ولا يحفظ المال من الضيعة، ولا لمن لايتقي الله، ولا يتقي الربا والريبة والحرام، ولا لمن يخونه، ولا لمن يخاف منه أن يجحده، ولا لمن لا يقدر عليه أن يأخذ منه حقه».

وهذه شروط واضحة ومعايير محدَّدة يجب أن تتوفر في الإنسان الذي نعهد إليه أموالنا، ولا نكتفي بشرط التقوى والأمانة، بل يجب أن تتوفر فيه القوة والكياسة والحذق في أحوال التجارة، فلا يكون ضعيفا غير خبير بأساليب التسيير والتنظيم[45]، لكن إذا عدمنا هذه الصفات في أبنائنا وشبابنا، فإنَّ هناك خللا في المجتمع، خللا في التكوين والتربية، تتحمل الأمَّة مسؤولية ذلك، لأنـَّها لم تقم بواجب تنشئة أبنائها على التقوى والأمانة والصلاح والعمارة، لنعد إلى قيمنا وسلوكنا ومناهجنا التربوية وأساليب الدعوة ووضعها في مسارها الصحيح، بدلا عن البحث عن المبررات لتبرير واقعنا العليل.

لكن مع ذلك فلا نيأس ولا نقنط، فرغم ما قيل عن تدهور في الأخلاق ورقَّة في الدين فلا تزال البقية الصالحة من الشباب الطاهر الأمين الذي يُعوَّل عليه في تحمُّل أمانة عمارة الأرض وصيانة الدين بإقامة المشاريع الاقتصادية وتسيير دواليب الحياة.

3) أمَّا المبررات الاقتصادية، من انتشار البطالة لدى الشباب وعدم إيجاد فرص العمل، وتكدُّس الأموال لدى أربابها، وعدم توظيفها خوفا من ضياعها، فإنَّ الظروف المادية والاقتصادية لم ولن تكون أبدا سببا للتطاول على النصوص الشرعية وما أجمع عليه الفقهاء الأجلاء، لأننا نؤمن الإيمان الراسخ أنَّ الله لا يشرع لنا إلاَّ ما فيه مصلحتنا في الدنيا والآخرة، وهو أعلم بما خلق، فقد خاطب الله نبيه الكريم لما أمره بمنع الكفار من دخول المسجد الحرام – ربما سبب ذلك الحظر انخفاض في التجارة وانسياب السلع والمؤن إلى مكة – فقال تعالى:

]وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء إن الله عليم حكيم[ (سورة التوبة: الآية 28).

* ما هو الحل؟

إنَّ الحيثيات والمبررات التي ساقها شيخنا، رأينا أنها مهما كانت واقعية فلن تجعلنا نفكر في إيجاد الحيل واصطناع الرخص لتجاوز النصوص الشرعية، وإنما علينا أن نفكر في الأسباب التي أدت إلى هذه الظواهر التي لم نعهدها في سلفنا الصالح، فقد تخلينا عن أعرافنا التجارية التي كانت سائدة عند آبائنا وأجدادنا، وصرنا نلهث وراء الربح السريع، مهما كان مصدره امن الحلال أمن الحرام.

ولو عدنا إلى النصوص الشرعية والأحكام التي وضعها الفقهاء في مجال استخدام الأموال والشروط والضوابط في إبرام العقود والشركات، وطبقناها لحفظنا أموالنا من الضياع، ومن هذه الشروط:

*اختيار المضارب القوي الأمين:

رأينا كيف أنَّ الفقهاء أكَّدوا على هذا الشرط وحدَّدوا الصفات التي تتوفَّر في المضارب، وهذا هو الأساس الذي يقوم عليه التعاقد في الأموال، فلا تسلَّم إلاَّ لمن توفرَّت فيه هذه المعطيات؛ لأنَّ المضارب مؤتمن ووكيل، فيسـأل عنه ويُشهِد عليه أهل التقوى، أو يختبره باستخدامه كأجير لمدَّة معينة، فإن تأكَّد صدقه وحسن أخلاقه يعهد إليه، وأمَّا أن تُسلَّم هذه الأموال كما اتفق لمن لا تُعرف أمانته ونزاهته، فذلك من التضييع الذي نهى الله عنه.

* تقييد المضارب بشروط:

يمكن لربِّ المال أن يقيد المضارب بشروط وتعليمات في كيفية استثمار مال المضاربة، كما فصَّل الفقهاء في نوع التجارة أو مكانها أو مع من يتعامل، في إطار ما حدَّده الفقه، فإذا تعدَّاها كان ضامنا لما قد ينجرُّ عن ذلك من خسائر، فكثيرا ما تضيع الأموال بسبب عدم تقييد المضارب وإعطائه الحرية المطلقة في التصرف.

*اشتراط الضامن والكفيل:

وهو ماأشار إليه شيخنا، كوسيلة تشجيع أرباب الأموال على المحافظة على أموالهم، فقد تحدَّث الفقهاء في فقه الشركات عن الربح عن طريق الضمان فأجازه أغلب الفقهاء[46].

لكن للضامن والكفيل الحقُّ في الاستفادة بجزء من الأرباح، فيصبح بذلك شريكا في المضاربة، له غنمها وعليه غرمها.

*تضمين المضارب في حالة التقصير والتعدي:

إذا ثبت أنَّّّ الخسارة التي لحقت بالشركة كانت بسبب تعدِّي وتقصير المضارب فعليه أن يتحمَّل تلك الخسارة، وهذا ما أكَّده الفقهاء، فالذي يعمد إلى أموال الشركة فيصرفها في مآربه الخاصة، أو يتعدَّى حدود سقف المصاريف المتفق عليها، أو يتخلَّى عن مسؤوليته في تسيير الشركة ويتركها لمن يعبث بها، عدَّ ذلك تقصير وتخلٍّ عن المسؤولية، فالشرع والعرف والقانون تقف إلى جانب ربِّ المال، وتلزم المضارب بتعويض الخسارة.

وإذا أضفنا إلى كلِّ هذه التدابير، الالتزام بالعرف التجاري، وضبط الحسابات فكثيرا ما يكون إفلاس الوحدات الاقتصادية بسبب عدم الالتزام بالأعراف التجارية وضبط الحسابات، بوضع دفاتر للدخل والخرج وتقييد كلِّ العمليات مهما كانت بسيطة. أمَّا إذا كان المسير منضبطا خبيرا بأساليب التسويق وحسن التعامل مع الزبائن والموردين، متتبعا لتقلبات الأسواق والأسعار وتوقعات المستقبل، فذلك أدعى للسير المريح للمؤسسة ودرء المخاطر المالية عنها.

ختاما، رأينا من خلال هذا البحث أنَّ الشريعة منبنية على القسط والعدل، وأعطت لكلِّ ذي حق حقه ]لا تظلمون ولا تُظلمون[ فضمنت حقوق ربِّ المال حتى لا تهدر أمواله ولا تبدَّد موارده، كما صانت حقوق المضارب إذا أخلص في عمله وقام بواجبه، فلا يضمن خسارة رأس المال إذا حدثت خارج نطاق إرادته، كلُّ ذلك ضمن قاعدة فقهية عامة تحكم كلَّ المعاملات وهي قاعدة: (الغنم بالغرم والخراج بالضمان». والله أعلم.

* قائمة المراجع:

1) الاستثمار واقتصاد السوق بين الأصالة والعصرنة؛ أ: محمد بن بابة الشيخ بلحاج، دار البعث، قسنطينة، ط: 1 سنة 1996 1416

2) الإيضاح، عامر بن علي الشماخي، دار الفتح، ط: 1 سنة 1974.

3) شرح النيل وشفاء العليل، الشيخ محمد بن يوسف اطفيش، مكتبة الإرشاد جده، مكتبة دار الفتح، بيروت،ط: 2، سنة 1974.

4) الشركات في الشريعة الإسلامية، د: عبد العزيز الخياط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط: 4، سنة 1994.

5) عقد المضاربة، دراسة في الاقتصاد الإسلامي، د: إبراهيم الدبو، دار عمار، ط: 1، سنة: 1418 هـ/ 1998 م.

6) الغنم بالغرم، د: حسن صالح العناني، دار نجيب، الأبيار، الجزائر.

7) القانون المدني الجزائري، وزارة العدل، الديوان الوطني للأشغال التربوية، سنة 1999 م.

8) المصَنَّف، أحمد بن عبد الله أبوبكر الكندي، وزارة التراث القومي والثقافة، سلطنة عمان، سنة 1405 هـ/ 1984 م.

9) معجم المصطلحات الاقتصادية في لغة الفقهاء، د: نزيه حماد، المعهد العالمي للفكر الإسلامي.

10) الموسوعة الفقهية، الكويت، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية.

11) نظرية الضمان في الفقه الإسلامي العام، د: محمد فوزي فيض الله، مكتبة الترا ث الإسلامي، ط: 1، سنة 1403 هـ / 1983 م.