تداول أسهم الشركات المساهمة بيعاً وشراء
الحمد لله وحده وصلى الله وسلم على من لا نبي بعده محمد وعلى آله وصحبه وبعد: فنظراً إلى أن التجارة في الأسهم أصبحت من أهم المجالات التجارية للأفراد والمؤسسات، وحيث إن السهم في الشركة عبارة عن حصة معينة في حجم الشركة مشاعة في عمومها.

ونظراً إلى أن تداول الأسهم بيعاً وشراءً يخضع لشروط البيع ومنها إباحة المبيع، وأن يكون معلوماً برؤية أو صفة، وأن يكون مقدوراً على تسليمه، وحيث إن بعض هذه الشروط قد يشك في تحققها فقد ظهرت الاستفتاءات من جهات متعددة عن حكم تداول أسهم الشركات المساهمة بيعاً وشراءً وتوسطاً في ذلك وتملكاً وتمليكاً، فرأيت الإسهام في الإجابة عن ذلك استجابة لجهة معينة واجب علي التعاون معها مستمداً من الله التوفيق والسداد.

الشركة المساهمة عبارة عن شخصية اعتبارية لها ذمة مالية محدودة قابلة للإلزام والالتزام، تزاول نشاطاً استثمارياً قد يكون مباحاً في أصله كالشركات الزراعية والصناعية والتجارية فيما تجوز التجارة فيه بيعاً وشراءً ونحو ذلك مما تشمله التجارة، وقد يكون الاستثمار التجاري أو الصناعي أو الزراعي محظوراً في أصله كالبنوك الربوية أو صناعة المحرمات من الخمور والمخدرات وغير ذلك مما لا تجوز صناعته، ولا التجارة فيه، ولا استهلاكه، ومثل زراعة الحشيش ومواد المخدرات وتربية الخنازير، وغير ذلك مما تحرم زراعته والاستثمار في أنواعه وأجناسه ومستلزماته.

وتأسيساً على هذا نستطيع القول بأن شركات المساهمة تنقسم قسمين: قسماً لا يجوز للمسلم الدخول فيه بيعاً وشراءً وتوسطاً في ذلك وتملكاً وتمليكاً، وهو الشركات المساهمة مما محل الاستثمار فيها محرم كالبنوك الربوية وشركات التجارة والصناعة والزراعة فيما هو محرم بأصل الشرع مما مر التمثيل عليه. وقسماً لا محظور على المسلم في مزاولة الاستثمار عن طريقه كالشركات التجارية والصناعية والزراعية مما هو محل الاستثمار فيها مباح في أصل الشرع.

وبهذا التقسيم نستطيع تحديد موضوع البحث، وهو النظر في حكم تداول أسهم الشركات المساهمة المباحة مجالات الاستثمار فيها بأصل الشرع. وقبل الدخول في التعرف على حكم بيع أسهم هذه الشركات وشرائها والتوسط في ذلك وتملكها وتمليكها، نرى أن من كمال التصور لوضع هذه الشركات التعرف على واقعها، فإن الحكم على الشيء فرع من تصوره.

لاشك أن كل شركة من هذه الشركات عبارة عن أصول ثابتة وأصول متحركة وأثمان سائلة مهيأة للتمويل، وديون على الغير، وقيمة معنوية، وأن السهم في هذه الشركة عبارة عن حصة شائعة في كامل حجم الشركة، وإذا جرى بيع هذه الحصة أو شراؤها فإن المشتري يشتري هذه الحصة بمالها من أصول ونقود وديون وقيمة اعتبارية.

وهو في الواقع لا يعرف حجم محتويات هذه الشركة على سبيل التفصيل، وإن كان يعرف ذلك على سبيل الإجمال. وقد تساهل الكثير في المجالس الإدارية لهذه الشركات في التقدم للبنوك الربوية بأخذ تسهيلات تمويلية لبعض مشاريعها عند الاحتياج وبفوائد ربوية وإذا صار عندها فائض من النقود استباحت لنفسها أن تودعها في هذه البنوك بفوائد ربوية تحسبها من مواردها. هذا الواقع لهذه الشركات يعطينا الملاحظات التالية على حكم تداول أسهمها بيعاً وشراءً.

الأولى: أن المشتري لا يستطيع أن يعلم ما اشتراه من أسهمها علماً تفصيلياً عنها، وإنما يعلم عنها وضعها المالي، وما يسجل في ميزانيتها من وصف قد يعجز عن إدراك كامله غالب الناس، فهل يؤثر هذا على تحقق اشتراط أن يكون المبيع معلوماً للمشتري بوصف أو رؤية؟.

الثانية: أن السهم وهو حصة شائعة في الشركة بمعنى تملك مالكها لجزئه من أصول الشركة، ولجزئه من النقود الموجودة فيها وبالتالي فإن بيع هذه الحصة يعني بيع جزء من الأصول وجزء من النقود، ولا يخفى أن بيع النقود بالنقود يعتبر صرفاً يشترط له التماثل والتقابض بين الجنس الواحد والتقابض عند اختلاف الجنس.

فهل يؤثر هذا على جواز بيع السهم في الشركة سواء اتحد الجنس أو اختلف؟.

الثالثة: إن السهم في الشركة وهو حصة شائعة فيها يعني أن جزء منه يمثل ديناً للشركة، وقد يكون ثمن هذا السهم المبيع مؤجلاً فيصير في الصفقة بيع دين بدين، وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم النهي عن بيع الكالئ بالكالئ. فهل يؤثر هذا على صحة بيع السهم في الشركة؟.

الرابعة: إن السهم المبيع هو حصة شائعة من شركة تجاوز مجلس إدارتها صلاحيته المشروعة فاتجه إلى البنك الربوي لأخذ تسهيلات تمويلية لبعض مشاريعها بفوائد ربوية أو إلى إيداع ما لديها من فائض نقدي لدى أحد البنوك الربوية وأخذ فائدة على الإيداع يضاف إلى موارد هذه الشركة، فهل يؤثر هذا على إباحة التملك في هذه الشركة وجواز بيع وشراء أسهمها؟.

هذه أربع ملاحظات قد تورد على القول بجواز بيع أسهم هذه الشركات أو شرائها أو التوسط في ذلك أو تملكها.

والذي يظهر لي أن هذه الملاحظات لا تؤثر على القول بجواز تداول هذه الأسهم بيعاً وشراءً، وهو الأظهر والأصح إن شاء الله، وأما الجواب عن هذه الملاحظات الأربع فيتضح فيما يلي: أما الملاحظات الأولى والثانية والثالثة فقد صدر من سماحة شيخنا العلامة الشيخ محمد بن إبراهيم مفتي الديار السعودية رحمه الله فتوى بجواز تداول أسهم الشركات الوطنية كشركات الكهرباء والأسمنت بيعاً وشراءً وتملكاً وقد أجاب في فتواه عن هذه الملاحظات الثلاث إجابة تتوفر فيها القناعة والاطمئنان وفيما يلي نصها: الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد .

ورد إلينا استفتاء عن هذه الشركات المساهمة كشركة الكهرباء والأسمنت والغاز ونحوها مما يشترك فيه المساهمون ثم يرغب بعضهم ببيع شيء من سهامهم بمثل ثمنها أو أقل أو أكثر حسب نجاح تلك الشركات وضده وذكر المستفتي أن الشركة عبارة عن رؤوس أموال بعضها نقد وبعضها ديون لها وعليها وبعضها قيم ممتلكات وأدوات مما لا يمكن ضبطه بالرؤية ولا بالوصف واستشكل السائل القول بجواز بيع تلك السهام لأن المنصوص اشتراط معروفة المتبايعين المبيع، كما أنه لا يجوز بيع الذي في الذمم وذكر أن هذا مما عمت به البلوى.

وهذا حاصل السؤال منه ومن غيره عن حكم هذه المسألة. والجواب. الحمد لله: لا يخفى أن الشريعة الإسلامية كفيلة ببيان كل ما يحتاج الناس إليه في معاشهم ومعادهم وقال تعالى: ) ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء.

والكلام على هذا مبني على معرفة حكم عقد هذه الشركة ومساهمة الناس فسها ولا ريب في جواز ذلك ولا نعلم أصلاً من أصول الشرع يمنعه وينافيه، ولا أحداً من العلماء نازع فيه.

إذا عرف هذا فإنه إذا كان للإنسان أسهم في شركة وأراد بيع أسهمه فلا مانع في بيعها بشرط معرفة الثمن، وأن يكون أصل ما فيه اشتراك معلوما وأن تكون أسهمه منها معلومة أيضاً. فإن قيل إن فيها جهالة لعدم معرفة أعيان ممتلكات الشركة وصفاتها، فيقال إن العلم في كل شيء بحسبه فلابد أن يطلع المشتري على ما يمكن الاطلاع عليه بلا حرج ولا مشقة ولابد أن يكون هناك معرفة عن حال الشركة ونجاحها وأرباحها وهذا مما لا يتعذر علمه في الغالب لأن الشركة تصدر في كل سنة نشرات توضح فيها بيان أرباحها وخسائرها كما تبين ممتلكاتها من عقارات ومكائن وأرصدة كما هو معلوم من الواقع فالمعرفة الكلية ممكنة ولابد، وتتبع الجزئيات في مثل هذا فيه حرج ومشقة ومن القواعد المقررة أن المشقة تجلب التيسير وقد صرح العلماء رحمهم الله باغتفار الجهالة في مسائل معروفة متفرقة مثل جهالة أساس الحيطان وغير ذلك.

فإن قيل إن في هذه الشركات نقوداً وبيع النقد بنقد لا يصح إلا بشرطه. فيقال إن النقود هنا تابعة غير مقصودة وإذا كانت بهذه المثابة فليس لها حكم مستقل، فانتفى محذور الربا كما سيأتي في حديث ابن عمر.

فإن قيل إن للشركة ديوناً في ذمم الغير أو أن على تلك السهام المبيعة قسطاً من الديون التي قد تكون على أصل الشركة وبيع الدين في الذمم لا يجوز إلا لمن هو عليه بشرطه. فيقال وهذا أيضاً من الأشياء التابعة التي لا تستقل بحكم بل هي تابعة لغيرها، والقاعدة أنه يثبت تبعاً ما لا يثبت استقلالاً، ويدل على ذلك حديث ابن عمر مرفوعاً: من باع عبداً وله مال فماله للبائع إلا أن يشترك المبتاع.

فعموم الحديث يتناول مال العبد الموجود والذي له في ذمم الناس ويدل عليه أيضاً حديث ابن عمر الآخر: من باع نخلاً بعد أن يؤبر فثمرتها للذي باعها إلا أن يشترط المبتاع. متفق عليه .

ووجه الدلالة أن بيع الثمرة قبل بدو صلاحها لا يجوز لكن لما كانت تابعة لأصلها اغتفر فيها ما لم يغتفر لو كانت مستقلة بالعقد.

ومما يوضح ما ذكر أن هذه الشركات ليس المقصود منها موجوداتها المالية، وليست زيادتها أو نقصها بحسب ممتلكاتها وأقيامها الحاضرة، وإنما المقصود منها أمر وراء ذلك وهو نجاحها ومستقبلها وقوة الأمل في إنتاجها والحصول على أرباحها المستثمرة غالباً. ومما ذكر يتضح وجه القول بجواز بيعها على هذه الصفة والله سبحانه وتعالى أعلم.

أهـ. ولسماحته رحمه الله فتوى أخرى فقد سئل رحمه الله عن بيع الدكان بما فيه وفيه نقود فأجاب بأنه يشترط العلم بما في الدكان فإن حصل العلم به فلا بأس وأجاب عن اشتمال الدكان على نقود فقال: أما مجرد وجود النقود فيه فلا يخل بصحة البيع إذا كانت النقود تابعة غير مجهولة كما صرحوا به فيمن باع عبداً وله مال. اهـ .

ففي هذه الفتاوى من شيخنا رحمه الله إجابة واضحة وسديدة مسددة عن الملاحظات الثلاث المتقدم ذكرها وتوضيحها بما فيه تصورها التصور الكامل. وأما الجواب على الملاحظة الرابعة فيتضح إن شاء الله من استعراض الواقع الاقتصادي المعاصر والتغير الاجتماعي العالمي من حيث المعيشة وأنماط الحياة وإمكان تطبيق ذلك على القواعد الشرعية الموجبة للتيسير والتسهيل.

لاشك أن الشركات المساهمة في عصرنا الحاضر تشكل عنصراً اقتصادياً مهماً في حياتنا المعاصرة فلا غنى لكل أمة ولكل دولة عن قيام هذه الشركات، لما تحتاجه تلك الأمم وتلك الدول من مشاريع الخدمات العامة والإنتاج الشامل، مما يعجز عن الوفاء بمتطلباتها الكثير من ميزانيات تلك الدول، لاسيما الدول محدودة المدخل، ومنها مشاريع الري والصرف والكهرباء والمواصلات العامة من برية وبحرية وجوية وسلكية ولا سلكية وتجهيزات الإنتاج الصناعي والزراعي والحيواني.

تقوم هذه الشركات عند تأسيسها على تجميع رؤوس أموال تفي بمتطلباتها في الحال وفي المستقبل، وتوزع على وحدات صغيرة حتى يتمكن بواسطتها المواطنون والمستثمرون من الاشتراك في هذه الشركات كل على قدر طاقته ورغبته، ليتمكنوا من استثمار مدخراتهم العاجزة في الغالب عن الاستقلال بمشاريع استثمارية.

وفي حال عجز أحدهم عن اشتراك في إحدى هذه الشركات عند التأسيس أو الاكتتاب ثم قدرته بعد ذلك يستطيع الحصول على ما يريده من هذه الوحدات عن طريق الشراء ليتمكن من استثمار مدخراته. وهذا يعني أن هذه الشركات المساهمة أصبحت حاجة ملحة في حياة الأمم والدول لا مناص لأي دولة تريد الاستفادة من منجزات العلم والصناعة والثقافة وهذا ضرب من عمارة الأرض التي أمر الله بها عباده.

فإذا كان الواقع الاقتصادي يلح على الأمم والشعوب للأخذ بهذا الاتجاه الاستثماري والإنتاجي. وإذا كان الواقع الاقتصادي يقلل من قدرة الفرد على الاستقلال باستثمار مدخراته، لاسيما إذا كانت صغيرة.

وإذا كان الواقع الاقتصادي يحصر الخبرة الاستثمارية في الغالب في فئات معينة من أفراد الأمم من ذوي الخبرات الاقتصادية من مجالات الاستثمار والإنتاج، وإذا كان الواقع الاقتصادي بعزل مجموعة كبيرة من أبناء الأمم والشعوب عن القدرة على الاستثمار والإنتاج، إما لضعف إمكانياتهم المادية، أو لتخلفهم عن المستوى المؤهل للقدرة على الاستثمار والإنتاج.

إذا كان الواقع الاقتصادي كذلك فإن مجموعة كبيرة من أبناء الأمم والشعوب تمتلك بمجموعها ثروات ضخمة يعتبر انضمامها إلى رؤوس أموال هذه الشركات سنداً قوياً بقدرة هذه الشركات على التضلع بمسؤولياتها الاقتصادية، والوفاء بالأغراض التي أنشأت لأجلها في نفس الوقت يجد أبناء هذه الأمم والشعوب طريقاً للاستثمار التعاوني لا يضيق به أية مساهمة في هذا السبيل مهما كان حجمها المادي.

وهذا يعني ضرورة تيسير أمر انضمام هذه الأموال إلى رؤوس أموال هذه الشركات التي هي في الأصل والاتجاه شركات استثمار وإنتاج مباح، لا يرد عليها من الشبه والتشكيك في مشروعياتها إلا مثل هذه الملاحظات، وأهمها الملاحظة الرابعة التي قد يتبدد ضبابها في ضوء القواعد الشرعية التالي ذكرها وذكر وجه الاستدلال بها على التيسير والتسهيل.

1- يجوز تبعاً ما لا يجوز استقلالاً: لهذه القاعدة مجموعة تطبيقات منها: جواز بيع العبد مع ما له من مال فيبيعه سيده ومعه ماله بثمن نقدي، هذا الثمن هو ثمن العبد وماله، فهذا المال للعبد يعتبر تبعاً للعبد الذي يجوز بيعه استقلالاً ولا يجوز بيع ماله استقلالاً إلا بشروط الصرف، ولتبعيته للعبد جاز بيعه بغض النظر عن توفر شروط الصرف في هذا المال.

والأصل في جوازه حديثا ابن عمر في بيع العبد ومعه ماله وبيع الثمر قبل تأبيره. ومنها جواز بيع الحامل سواءً أكانت أمة أو حيواناً، ولا يخفى أنه لا يجوز بيع الحمل في بطن أمه إلا أن يكون تبعاً غير مقصود فيجوز ذلك إذ يغتفر في التبعية ما لا يغتفر في الاستقلال.

ويمكن اعتبار بيع سهم في شركة تجاوز مجلس إدارتها صلاحيته الشرعية فتأخذ الربا من البنوك الربوية أو تعطيه حيث يعتبر ذلك يسيراً ومغموساً في حجم الشركة ذات الأغراض المباحة يمكن اعتبار ذلك من جزئيات هذه القاعدة إذ الغالب على هذه الشركة الاستثمار بطرق مباحة، وما طرأ عليها من تجاوز إداري آثم في الأخذ من البنوك بفائدة أو إعطائها بفائدة يعتبر يسيراً وهو في حجم السهم المباع تبعاً ويغتفر في التبعية ما لا يغتفر في الاستقلال.

وفيما يلي نصوص من أقوال أهل العلم في تطبيق جزئيات لهذه القاعدة: قال ابن قدامة رحمه الله في كتابه المقنع: ولا يجوز بيع جنس فيه الربا بعضه ببعض، ومع أحدهما أو معهما من غير جنسهما كمد عجوة ودرهم بمدين أو بدرهمين أو بمد درهم، وعنه يجوز بشرط أن يكون المفرد أكثر من الذي معه غيره. اهـ. وقال في الحاشية: قوله وعنه يجوز .

ألخ اختاره الشيخ تقي الدين رحمه الله تعالى .

– إلى أن قال – وعنه رواية ثالثة يجوز إن لم يكن الذي معه مقصوداً اختاره الشيخ تقي الدين رحمه الله تعالى وذكره ظاهر المذهب، ونصره صاحب الفائق. وقال في الموطأ في باب المساقاة: وذلك أن من أمور الناس أن يباع المصحف أو السيف وفيهما الحلية من الوَرِق بالوَرِق أو القلادة والخاتم فيهما الفصوص والذهب بالدنانير، ولم تزل هذه البيوع جائزة يتبايعها الناس ويبتاعونها ولم يأت في ذلك شيء موصوف موقوف عليه إذا هو بلغه كان حراماً أو قصر عنه كان حلالاً والأمر في ذلك عندنا الذي عمل به الناس.

وأجازوه بينهم أنه إذا كان الشيء من الشيء من ذلك الوَرِق أو الذهب تبعاً لها هو فيه جاز بيعه وذلك أن يكون الفضل أو المصحف أو الفصوص قيمته الثلثان أو أكثر والحلية قيمتها الثلث أو أقل. انتهى.

وقال البهوتي رحمه الله: ” ولا يصح بيع الحمل أيضاً بأن يعقد مع أمه عليه معها أي مع أمه ومطلق البيع أي إذا باع الحامل ولم يتعرض للحمل فالعقد يشمله تبعاً لأمه إن كان مالكها متحداً وإلا بطل. قال في شرح المنتهى كالبيض واللبن قياساً على الحائط ويغتفر في التبعية ما لا يغتفر في الاستقلال ” اهـ ج3 ص 166 من كشاف القناع.

وقال الأستاذ الدكتور الصديق الضرير في كتابه الغرر وأثره في العقود: ” الغرر الذي يؤثر في صحة العقد هو ما كان في المعقود عليه أصالة، أما الغرر في التابع أي فيما يكون تابعاً للمقصود بالعقد فإنه لا يؤثر في العقد ومن القواعد المعروفة يغتفر في التوابع ما لا يغتفر في غيرها ” اهـ ص 594.

2- الحاجة العامة تنزل منزلة الضرورة الخاصة: هذه القاعدة ذكرها كثير من علماء الفقه والأصول وذكروا لها جزئيات منها إباحة العرايا للحاجة العامة بالرغم من أن العرايا بيع مال ربوي بجنسه غير متحقق تماثلها.

وفيما يلي بعض نصوصهم في ذلك: قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ” الشريعة جميعها مبنية على أن المفسدة المقتضية للتحريم إذا عارضتها حاجة راجحة أبيح المحرم”.

وقال: ” يجوز للحاجة ما لا يجوز بدونها كما جاز بيع العرايا بالتمر ” .

وقال: ” الشارع لا يحرم ما يحتاج الناس إليه في البيع لأجل نوع من الغرر بل يبيح ما يحتاج إليه في ذلك “.

قال الزركشي: ” الحاجة العامة تنزل منزلة الضرورة الخاصة في حق آحاد الناس ( ). وفي مجلة الأحكام العدلية: ” الحاجة تنزل منزلة الضرورة عامة كانت أو خاصة ” المادة 32 من المجلة.

وقال الجويني: ” الحاجة في حق الناس كافة تنزل منزلة الضرورة في حق الواحد المضطر ” .

ووجه الاستدلال بهذه القاعدة على القول بجواز تداول أسهم الشركات المباحة في الأصل بيعاً وشراءً بأن حاجة الناس تقتضي الإسهام في هذه الشركات الاستثمارية لاستثمار مدخراتهم فيما لا يستطيعون الاستقلال بالاستثمار فيه، كما أن حاجة الدولة تقتضي توجيه الثروة الشعبية إلى استخدامها فيما يعود على البلاد والعباد بالرفاهية والرخاء، وفيما يحفظ لها أمنها داخل البلاد وخارجها، فلو قلنا بمنع بيع الأسهم أو شرائها لأدى ذلك إلى إيقاع أفراد المجتمع في حرج وضيق حينما يجدون أنفسهم عاجزين عن استثمار ما بأيديهم من مدخرات،

كما أن الدولة قد تكون في وضع ملجئ إلى التقدم للبنوك الربوية لتمويل مشروعاتها العامة حينما تحجب عنها ثروة شعبية يكون مصيرها بعد الحجب والحرمان الجمود. وحول هذا المعنى يقول العز بن عبد السلام ما نصه: لو عم الحرام الأرض بحيث لا يوجد فيه حلال جاز أن يستحل من ذلك ما تدعو إليه الحاجة ولا يقف تحليل ذلك على الضرورات، لأنه لو وقف عليها لأدى إلى ضعف العباد، واستيلاء أهل الكفر والعناد على بلاد الإسلام، ولا نقطع الناس عن الحرف والنصائح والأسباب التي تقوم بمصالح الأنام. ” اهـ . وأصل قاعدة الحاجة مستمد من كتاب الله تعالى قال تعالى: ) وما جعل عليكم في الدين من حرج.

ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نهى عن قطع الشجر والحشيش من حرم مكة المكرمة. قالوا له: إنهم يحتاجون الإذخر لأجل سقوف بيوتهم ودفن موتاهم.

فقال لهم: إلا الإذخر. فهذا الاستثناء يعني اعتبار الحاجة ولاشك أن الأحكام الشرعية تدور حول رعاية المقاصد الشرعية من ضرورية وحاجية وتحسينية، وللشاطبي رحمه الله بحث مستفيض في كتابه القيم الموافقات تحدث فيه عن المقاصد الشرعية ومنها الحاجيات، وأن الحظر إذا أتى على العباد بما يحرجهم ويضيق عليهم أبيح منه ما يرفع الحرج ويدفع المشقة، ومن ذلك العرايا واستثناء الإذخر من شجر مكة وحشيشها وغير ذلك مما يعود على العباد بالتيسير وتحقيق المصالح العامة للأنام.

3- اختلاط جزء محرم بالكثير المباح: هذه المسألة ذكرها علماء الفقه والأصول وتوصل غالبهم إلى القول بجواز التصرف في هذا المال المختلط إذا كان المحرم فيه قليلاً فيجوز بيعه وشراؤه وتملكه وغير ذلك من أنواع التصرفات الشرعية، وأسهم الشركات التي هي موضوع بحثنا من هذا النوع، فإن جزءً يسيراً فيها حرام والباقي منها – وهو الكثير – مباح وأصل الحرمة جاءت من أخذ التسهيلات الربوية أو إعطائها.

وفيما يلي بعض من نصوصهم في ذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ” الحرام إذا اختلط بالحلال فهذا نوعان:

أحدهما: أن يكون محرماً لعينه كالميتة فإذا اشتبه المذكي بالميتة حَرُمَا جميعاً.

الثاني: ما حرم لكونه غصباً أو المقبوض بعقود محرمة كالربا والميسر فهذا إذا اشتبه واختلط بغيره لم يحرم الجميع، بل يميز قدر هذا من قدر هذا إلى مستحقه وهذا إلى مستحقه “.

ويذكر ابن القيم رحمه الله في مسألة الاشتباه في الدراهم بين المباح منها مع المحرم بسبب غصب أو سرقة ونحو ذلك، بأن هذا التحريم جاء عن طريق الكسب لا أن الدرهم حرام بعينه فقال: هذا لا يوجب اجتناب الحلال ولا تحريمه البتة، بل إذا خالط ماله درهم حرام أو أكثر منه أخرج مقدار الحرام، وحل له الباقي بلا كراهة، سواء كان المخرج عين الحرام أو نظيره لأن التحريم لم يتعلق بذات الدرهم وجوهره وإنما تعلق بجهة الكسب فيه فإذا خرج نظيره من كل وجه لم يبق لتحريم ما عداه معنى – وقال – وهذا هو الصحيح في هذا النوع ولا تقوم مصالح الخلق إلا به. اهـ “.

وقال الكاساني: كل شيء أفسده الحرام والغالب عليه الحلال فلا بأس ببيعه اهـ.

وقال ابن نجيم: إذا غلب على ظنه أن أكثر بياعات أهل السوق لا تخلو عن الفساد فإن كان الغالب هو الحرام تنزه عن شرائه ولكن مع هذا لو اشتراه يطيب له اهـ

وقال أيضاً: إذا اختلط الحلال بالحرام في البلد فإنه يجوز الشراء والأخذ إلا أن تقوم دلالة على أنه من الحرام اهـ.

وقال العز بن عبد السلام: وإن غلب الحلال بأن اختلط درهم حرام بألف درهم حلال جازت المعاملة كما لو اختلطت أخته من الرضاع بألف امرأة أجنبية اهـ .

وقال الزركشي: لو اختلط درهم أو دراهم حرام بدراهم له، ودهن بدهن ونحوه من المثليات ولم يتميز فصل قدر الحرام وصرفه لمن هو له والباقي له اهـ.

وفي ضوء ما ذكر نستطيع تخريج مسألتنا – تداول أسهم الشركات بيعاً وشراءً على مسألة اختلاط الحرام اليسير بالحلال الكثير وقد تقدم توجيه ذلك وظهر لنا من أقوال أهل العلم جواز التعامل بهذا المال المختلط ويزيد في توضيح ذلك المسألة التالية:

4- للأكثر حكم الكل: قد يعبر عن هذه المسألة بتعبير آخر هو الحكم للأغلب وهذه المسألة ذكرها علماء الفقه والأصول وخرجوا عليها مجموعة من الجزئيات ومنها بيع العبد وله مال وبيع الحامل وغيرهما. وفيما يلي جملة من نصوصهم في هذه المسألة.

قال البعلي الحنبلي: الأكل من مال من ماله حرام هل يجوز أم لا؟ في المسألة أربعة أقوال . الثالث منها إذا كان الأكثر الحرام حرم. وإلا فلا. إقامة للأكثر مقام الكل قطع به ابن الجوزي في المنهاج اهـ .

وقال ابن مفلح نحو هذا في كتابه الآداب الشرعية والمنح المرعية.

وقال البهوتي: لا يحرم ما كان من حرير وغيره إذا استويا ظهوراً ووزناً أو كان الحرير أكثر وزناً والظهور لغيره وكذا إذا استويا ظهوراً لأن الحرير ليس بأغلب وإذا انتفى دليل الحرمة بقي أصل الإباحة – وقال أيضاً – إنما غالبه حرير ظهوراً يحرم استعماله كالخالص لأن الأكثر ملحق بالكل في أكثر الأحكام اهـ .

وقال الحصني الشافعي: إذا ركب الحرير مع غيره مما يباح استعماله كالكتان وغيره ما حكمه؟ ينظر إن كان الأغلب الحرير حرم، وإن كان الأغلب غيره حل تغليباً لجانب الأكثر إذ الكثرة من أسباب الترجيح اهـ.

ويمكن أن يكون من جزئيات هذه المسألة بيع الشجر وعليه ثمره الذي لم يبد صلاحه، إذ لا يخفى أنه لا يجوز بيع الثمر إلا بعد بدو صلاحه ولكن لما كانت الثمرة تابعة للأصل وهي قليلة القيمة بجانب قيمة الأصل جاز ذلك إذ الحكم للأغلب ويجوز تبعاً ما لا يجوز استقلالاً ولهذه المسألة جزئيات كثيرة في أبواب العبادات والمعاملات.

ونظراً إلى أن الغالب على الأسهم موضوع البحث الإباحة والحرام فيها قليل بالنسبة لإباحة غالبها فإن تخريج حكم التعامل بهذه الأسهم بيعاً وشراءً وتملكاً على مسألة الحكم للأغلب ظاهر لا يحتاج إلى مزيد من التوجيه والتحرير، وما قدمناه من نصوص فقهية قد يكفي في القناعة بجواز تملك ذلك وبيعه وشرائه ما دام الغالب والأكثر فيها مباحاً. 5

– ما لا يجوز التحرز منه فهو عفو: هذه المسألة ذكرها علماء الفقه والأصول وفرعوا عليها الكثير من الجزئيات في العبادات والمعاملات واعتبروا ما ينطبق عليها من الأمور المعفو عنها.

وتقريراً لهذه المسألة يحسن بنا إيراد بعض من نصوص الفقهاء ليتسنى لنا بعد التسليم بها وبما ينطبق عليها من جزئيات تخريج مسألتنا – تداول أسهم الشركات – عليها فنقول:

قال السرخسي: إذا انتضح عليه من البول مثل رؤوس الإبر لم يلزمه غسله لأنه فيه بلوى فإن من بال في يوم ريح لابد أن يصيبه ذلك خصوصاً في الصحاري وقد بينا أن ما لا يستطاع الامتناع عنه يكون عفواً اهـ.

وقال في الهداية مع شرحه: القليل لا يمكن الاحتراز عنه ولا يستطاع الامتناع عنه فسقط اعتباره دفعاً للحرج كقليل النجاسة وقليل الانكشاف اهـ.

وقال الباجي: ما لا يمكن الاحتراز فمعفو عنه. وقال البهوتي: إن ما يشق نزحه كمصانع طريق مكة لا ينجس بالبول ولا بغيره حتى يتغير اهـ.

وقال في موضع آخر: ويعفى عن يسير طين شارع تحققت نجاسته لمشقة التحرز منه ويعفى عن يسير سلس بول مع كمال التحفظ منه للمشقة، ويعفى عن يسير دخان نجاسة وغبارها وبخارها ما لم يظهر له صفة في الشيء الطاهر. وقال جماعة ما لم يتكاثف لعسر التحرز عن ذلك اهـ.

وقال في موضع آخر: ثياب الفقراء لا تخلو من خرق غالباً والاحتراز عن ذلك يشق فمعفي عنه اهـ.

وقال في موضع آخر: لا يصح أن يبيع الوكيل نسأ – إلى أن قال – أما ما يتغابن الناس بمثله عادة كالدرهم في العشرة فمعفو عنه لا يضمن الوكيل ولا المضارب لأنه لا يمكن التحرز عنه اهـ.

وقال في موضع آخر: لا تصح شركة عنان ومضاربة بمغشوش من النقدين غشاً كثيراً عرفاً، لأنه لا ينضبط غشه فلا يتأتى رد مثله، لأن قيمته تزيد وتنقص فهي كالعروض.

ولا فلوس ولا نافقة لأنها عروض. ولا نقرة وهي التي لم تضرب، لأن قيمتها تزيد وتنقص فأشبهت العروض. ولا أثر هنا أي في شركة العنان والمضاربة ولا في الربا وغيره كالصرف والقرض لغش يسير لمصلحة كحبة فضة ونحوها في دينار لأنه لا يمكن التحرز منه اهـ.

وقال النووي: الأصل أن بيع الغرر باطل للحديث والمراد ما كان فيه غرر ظاهر يمكن التحرز عنه فأما ما تدعو إليه الحاجة ولا يمكن الاحتراز عنه كأساس الدار وشراء الحامل مع احتمال أن الحمل واحد أو أكثر وذكر أو أنثى وكامل الأعضاء أو ناقصها، وكشراء الشاة التي في ضرعها لبن ونحو ذلك فهذا يصح بيعه بالإجماع اهـ. لاشك أنه باستعراض واقع الشركات المساهمة وأثرها لمحسوس في المساهمة في تأمين الخدمات العامة للمجتمعات واعتبارها بذلك عنصراً فعالاً في المجال الاقتصادي للبلاد، واعتبارها بذلك سنداً قوياً للدول في قدرتها على توفير أسباب الرفاهية والرخاء لشعوبها.

إننا باستعراضنا واقع هذه الشركات يتضح لنا أنها تعتبر في الكيان الاقتصادي للبلاد حاجة ملحة لا غنى لأي دولة عنها كما أن اللجوء إليها من قبل الأفراد لاستثمار مدخراتهم فيها حاجة تتصف بالإلحاح البالغ.

وإذا كانت تجاوزات مجالس إدارتها توجهها إلى الاقتراض من البنوك الربوية، وإلى إيداع ما لديها من سيولة في البنوك الربوية لاستثمارها بطريق الربا، فهذا التوجه وما يؤثره من نتائج محرمة فإن أثر التحريم في كيان الشركة يعتبر يسيراً وهذا يعني إمكان تطبيق هذا الجزء اليسير المحرم على القواعد التي جرى ذكرها في بحثنا هذا وجرى ذكر أمثلة لجزئياتها المخرجة عليها وجرى إيراد نصوص بعض الفقهاء عنها وبالتالي جواز إمكان تخريج حكم تداول أسهم هذه الشركات بيعاً وشراءً وتملكاً على هذه القواعد، واعتبار تداول هذه الأسهم جزئية من جزئيات هذه القواعد.

فلئن كانت هذه الأسهم ممزوجة بشيء يسير من الحرام وغالبها حلال فإن الحاجة العامة لتداول هذه الأسهم قائمة وملحة، وهي تقتضي اغتفار هذا اليسير المحرم في حجم السهم وعدم تأثيره على جواز تداوله.

 

كما أن هذا الجزء اليسير المحرم يعتبر تبعاً لغالبه الحلال كتبعية الثمار التي لم يبد صلاحها للأصول في جواز بيعها مع أصلها مع أنها منفردة لا يجوز بيعها حتى يتم صلاحها، فيجوز تبعاً ما لا يجوز استقلالاً.

وحيث أن الحكم للغالب إباحة أو حظراً فإن الغالب على السهم في الشركة موضوع بحثنا الإباحة. وتأسيساً على أن اختلاط القليل المحرم بالكثير المباح لا يؤثر على صحة تداول هذا المال المختلط بيعاً وشراءً وتملكاً فإن السهم في الشركة مال مختلط غالبه حلال وقليله حرام والعبرة للغالب تحريماً أو تحليلاً، وحيث إن الغالب في السهم المختلط حلال، والحرام فيه يسير، فإن تطبيق مسألة الحكم للغالب على تداول هذه الأسهم ظاهر يتضح منه الجواز.

ونظراً إلى أن الحاجة العامة سواء أكانت للمجتمع أو للدولة تنزل منزلة الضرورة للأفراد فإن حاجة المجتمع إلى تداول أسهم هذه الشركات بيعاً وشراءً وتملكاً حاجة ملحة ظاهرة لا ينكرها ذو نظر عادل وفقه دقيق. كما أن حاجة الدولة إلى توجيه الثروات الشعبية للإسهام في توفير الخدمات العامة لأفرادها حاجة تفرضها عليها مسئولياتها تجاه شعبها، والغالب أن عجزها منفردة عن تحقيق ذلك قائم ؛ لذلك كله نستطيع القول بجواز تداول أسهم هذه الشركات بيعاً وشراءً وتوسطاً وتملكاً، وإن كان السهم في هذه الشركات مختلطاً بحرام يسير مغموس في حلال كثير، فالحكم للغالب.

والحاجة العامة بمنزلة الضرورة الفردية. وختاماً لهذا البحث وإكمالاً لتصوره وتصويره وتقييداً لما قد يكون فيه من إطلاق أُورد ما يلي:

أولاً: حينما نقول بجواز تملك هذه الأسهم من الشركات موضوع بحثنا، وجواز التصرف فيها بيعاً وشراءً وتملكاً وغير ذلك من أنواع التصرفات الشرعية، فإنه لا يصح لمن تملك شيئاً من هذه الأسهم بأي طريق من طرق التملك أن يدخل في ماله كسب هذا الجزء المحرم من السهم في الشركة ولا أن يحتسبه من زكاته ولا صدقة تعبدية، ولا يخرجه مما يعتبر وقاية لماله بأي وجه من الوجوه المعتبرة شرعاً، بل يجب عليه حينما يقبض ربح السهم أن يقدر منه الكسب الحرام فيبعده عن ماله بإنفاقه في أي وجه من وجوه البر على سبيل التخلص منه.

ولا يقال بأن هذا الجزء الحرام مختلط بالجزء الحلال اختلاطاً لا يتميز أحدهما عن الآخر، فإن هذا الإيراد، قد أجاب عنه ابن العربي رحمه الله في كتابه أحكام القرآن على قوله تعالى: ) يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين.

قال: ذهب بعض الغلاة من أرباب الورع إلى أن المال الحلال إذا خالطه حرام حتى لم يتميز ثم أخرج منه مقدار الحرام المختلط به لم يحل، ولم يطب، لأنه يمكن أن يكون الذي بقي هو الحرام، وهذا غلو في الدين، فإن كلما لم يتميز فالمقصود منه ماليته لا عينه ولو تلف لقام المثل مقامه فالاختلاط إتلاف لتميزه، كما أن الإهلاك إتلاف لعينه، وإن المثل قائم مقام الذاهب وهذا بين حساً ومعنى والله أعلم اهـ .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ” من اختلط بماله الحلال الحرام أخرج قدر الحرام والباقي حلال له اهـ “.

ويقول ابن القيم رحمه الله: ” إذا خالط ماله درهم حرام أو أكثر منه أخرج مقدار الحرام وحل له الباقي بلا كراهة سواء كان المخرج عين الحرام أو نظيره لأن التحريم لم يتعلق بذات الدرهم وجوهره، وإنما تعلق بجهة الكسب فيه، فإذا خرج نظيره من كل وجه لم يبق لتحريم ما عداه معنى اهـ “.

ثانياً: إن المساهم وحده مهما كان حريصاً على التورع والتنزه عن المكاسب المشبوهة الحرام، لا يستطيع أن يمنع الشركة من مزاولتها النشاط مع البنوك الربوية لأخذ قروض منها بفائدة أو إيداعها ما لديها من سيولة لاستثمارها فيها بفائدة حتى اقتضاء سحبها منها، وهو بين أمرين لا ثالث لهما إما أن يعزل نفسه من الدخول في المساهمة في الشركات وفي هذا ما فيه من إيقاع الناس في حرج ومشقة حينما يقال بذلك، وإما أن يدخل مساهماً فيها ويتحرز عن الكسب الحرام بالاجتهاد في تقديره ثم إخراجه عن ماله وصرفه في مصارف البر والإحسان وهذا هو الظاهر والصحيح إن شاء الله.

وبهذا نستطيع القول بأن الفرد من المواطنين محتاج إلى استثمار ما ادخره من مال فيما يستطيع الاستقلال باستثماره بنفسه كما أنه محتاج إلى استثمار ذلك في حال عجزه عن الاستقلال باستثماره وذلك بمجموعة طرق أضمنها وأسهلها الإسهام في هذه الشركات وهو في نفس الأمر عاجز عن منع الشركة من الاستثمار في وجوه مختلطة بالحلال والحرام.

ثالثاً: إننا حينما نقول بجواز تداول أسهم الشركات موضوع بحثنا بيعاً وشراءً وتوسطاً وتملكاً وتمليكاً، فهذا القول لا يعني أن ما تقدم عليه المجالس الإدارية لهذه الشركات من التقدم للبنوك الربوية بأخذ تسهيلات تمويلية لمشاريعها، أو بإيداع ما لديها من سيولة لاستثمارها بطريق المراباة نقول: إن هذا لا يعني جواز ذلك من هذه المجالس بل هي آثمة في صنيعها داخل كل عضو من أعضائها في اللعنة التي ذكرها صلى الله عليه وسلم حينما قال: ” لعن الله آكل الربا وموكله وشاهده وكاتبه “.

فعضو إدارة مجلس أي شركة من شركات المساهمة التي تأخذ من البنوك وتعطيها بالفوائد الربوية حينما يعطي صوته في قرار يتخذه مجلس الإدارة بذلك يعتبر آكلاً الربا حينما تأخذ شركته فوائد بنكية تضاف إلى موارد هذه الشركة، كما يعتبر موكلاً الربا حينما تعطي شركته فوائد بنكية وهو باشتراكه في إعداد قرار من مجلس الإدارة بذلك مستحق للعنتين لعنة الأكل ولعنة التأكيل.

فليتق الله رؤساء وأعضاء هذه المجالس وليعلموا أن الدنيا لن تغني عن الآخرة وأن من أظلم الناس من ظلم الناس للناس، وأن الشركة ومساهميها لن تكون وقاية لواحدهم حينما يقف أمام رب العالمين محفوفاً باللعنة والإبعاد عن رحمة الله. وله في الخروج عن التأثيم واللعن طريق التحفظ في قرار يعده المجلس بالتعامل مع البنوك أخذاً أو إعطاءً وذلك بمعارضته القرار والتحفظ على إقراره.

قد يقول أحد أعضاء شركة من هذه الشركات المساهمة ما دامت الحاجة مبرراً لتداول أسهم الشركة والحال أنها تأخذ من البنك وتعطيه، إن تداول هذه الأسهم بيعاً وشراءً وغير ذلك من أنواع التصرفات الشرعية لا يعتبر داخلاً في اللعن الوارد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا كراهة في ذلك بعد إخراج الجزء الحرام من الربح وصرفه في وجوه الخير فإن الشركات المساهمة لا تلجأ إلى البنوك إلا تحت طائلة الحاجة الملحة، كما أنها لا تجد مجالاً لاستثمار ما لديها من سيولة إلا عن طريق البنوك، فلماذا لا تكون هذه الحاجة مبرراً لصنيع هذه الشركات في دخولها مع البنوك الربوية في الأخذ والعطاء بطريق الفائدة؟.

والجواب بأن هناك فرقاً بين المساهم والشركة ممثلة في مجلس إدارتها، ذلك أن المساهم لا قدرة له في تخليص الشركة عن التعامل بالربا وهو محتاج حاجة ملحة إلى استثمار مدخراته فيما لا يستطيع الاستقلال باستثماره بنفسه، أما الشركة ممثلة في مجلس إدارتها فلديها خيارات عديدة تستطيع الاستعاضة بها عن الدخول مع البنوك في معاملات ربوية، أهم هذه الخيارات الدخول مع كبار المستثمرين من أبناء الإسلام ومع البنوك الإسلامية في عقود السلم والمرابحة والمشاركة والتأجير وعقود الاستصناع.

ووجود المصارف الإسلامية ومجموعاتها يقطع حجة أي شركة تتعلل باضطرارها إلى اللجوء إلى البنوك الربوية. ) ومن يتق الله يجعل له مخرجاً. ويرزقه من حيث لا يحتسب.

ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه والله المستعان.

رابعاً: إن الحاجة المبررة لتداول هذه الأسهم لا تعتبر ما دامت مجرد دعوى حتى تثبت، فمتى استطاع الفرد أن يجد مجال استثمار في وجه من وجوه الاستثمار لا شبهة في كسبه ولا غبار على التوجه بالاستثمار عن طريقه، وكان عنصر المخاطرة في هذا المجال ضعيفاً فيجب على الفرد أن يستبرأ لدينه وعرضه وأن يكتفي بما هو حلال محض عما فيه الاشتباه والارتياب، فرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ” الحلال بين، والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه، ألا وأن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه”.

أما من لا يحسن الاستثمار أو لا يجد مجالاً يستطيع الاستقلال باستثمار ما لديه من مال، أو كان وصياً على قصار أو أيتام يلزمه الاتجار بأموالهم حتى لا تأكلها الصدقة، فإن قواعد الشريعة وأصولها تجيز لهذا الصنف من الناس الاكتتاب في هذه الشركات وتداول أسهمها بيعاً وشراءً وتملكاً وتمليكاً مع الأخذ في اعتبار التحرز عن الكسب الحرام بالاجتهاد في تقديره ثم صرفه في مصارف البر والإحسان على سبيل التخلص منه.

خامساً: انطلاقاً من مبدأ الأمر بالتعاون على البر والتقوى والنهي عن التعاون على الإثم والعدوان، وضرورة الإسهام من كل مسلم بقدر طاقته واستطاعته في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونظراً إلى أن الربا من أعظم الخطايا والكبائر ولم يتوعد الله أحداً من أهل الكبائر بالحرب كما توعد بحرب من أصر على الربا أكلاً وتأكيلاً. قال تعالى: ) يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين. فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله.

وحيث قامت مصارف إسلامية أخذت على نفسها البعد عن الربا ما أمكنها ذلك، وجعلت في تشكيلاتها الإدارية هيئات رقابة شرعية ترجع إليها في التأكد من سلامة نشاطها الاقتصادي، وتعطيها حق الرقابة على ذلك النشاط. فإن على الشركات المساهمة ممثلة في مجالس إدارتها التعاون مع هذه المصارف الإسلامية وإيثارها على غيرها بالدخول معها في نشاطات اقتصادية سواء أكان ذلك مشاركة أو مرابحة أو سَلَماً واحتساب ذلك عند الله عملاً صالحاً يثابون عليه فضلاً عن اعتبار ذلك من ثمار التقوى وأسباب الرزق الواسع والكسب الحلال،

وانطلاقاً من مبدأ كمال الدين بالنصيحة لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم، فإن المصارف الإسلامية تعتبر مرفقاً اقتصادياً إسلامياً يجب على كل مسلم بذل النصح لهذه المصارف فيما يجده عليها من ملاحظات وذلك، بإبلاغ هذه الملاحظات إلى هيئات الرقابة الشرعية فيها، مدعومة بما يثبتها، وفي حال انتفاء الملاحظة عليها الدخول معها في الاستثمار والإيداع والبعد عن البنوك الربوية تعاوناً على البر والتقوى واستعاضة بالذي هو خير عن الذي هو أدنى وأحط.

سادساً: يكثر من المواطنين طرح استفتاءات عن حكم الإيداع في البنوك الربوية بقصد حفظ النقود فيها دون استثمارها ربوياً، وتصدر الفتاوى بجواز ذلك بشرط ألا يجد المودع غيرها.

وحيث إن الإيداع في البنوك الربوية يساعدها على توسيع نشاطها الربوي أخذاً وعطاءً ويعتبر المودع متعاوناً مع هذه البنوك من حيث الحقيقة والواقع، وإن لم يقصد ذلك، فإن كانت الحاجة قائمة بحيث لا يوجد مصرف إسلامي محل ثقة واطمئنان يقبل الوديعة، فلا بأس بذلك تنزيلاً للحاجة العامة منزلة الضرورة للفرد.

ولكن بعد وجود المصارف الإسلامية لا سيما شركة الراجحي المصرفية للاستثمار المضمونة من قبل الدولة كضمان البنوك الأخرى في البلاد ؛ بعد وجود هذه المصارف لم تكن الحاجة للإيداع في البنوك الربوية قائمة.

وعليه فإن القول بعدم جواز الإيداع في هذه البنوك الربوية متجه لما فيه من التعاون على الإثم والعدوان، وإذا كان لأحد ملاحظة على هذه المصارف الإسلامية فإن هذه الملاحظة لا تجيز إيثار البنوك الربوية عليها، بل يتعين إيثارها في الإيداع على هذه البنوك الربوية وتقديم الملاحظات عليها إلى هيئات الرقابة الشرعية فيها.

سابعاً: إذا كانت شركة المساهمة في طور التأسيس وقد نص في نظامها على أن للشركة الحق في أخذ تسهيلات من البنوك الربوية أو إيداع ما لديها من سيولة وأخذ وإعطاء فوائد ربوية في مقابل هذا التعامل من الشركة مع البنوك فأرى أن الدخول مع هذه الشركة في اشتراك تأسيها سواء أكان المشترك مساهماً أو مؤسساً أرى أن ذلك من قبيل التعاون على الإثم والعدوان لأن النص في نظامها على أخذ الربا وإعطائه يعتبر إثماً وعدواناً وانتهاكاً لحرمة من أخطر وأعظم المحرمات التي حرمها الله.

ودخول المشترك فيها مؤسساً أو مساهماً يعني رضاه وقبوله لنظام الشركة بما في ذلك هذا النص الآثم حيث دخل فيه مشتركاً وهو يعلم أن نظامها التعامل الربوي أخذاً أو إعطاءً وسواء أكان دخوله في هذه الشركة مساهماً أو مؤسساً بقليل من الأسهام فيها أو بكثير فإن حكمه عدم الجواز سواء.

ولعل مستشكلاً يقول: لقد أجزت للمساهم أن يشترك في تملك ما يريده من شركات المساهمة ولو كان منها تعامل مع البنوك الربوية فما وجه الفرق بين القول بمنع الاشتراك في شركة في طور التأسيس وفي نظامها إجازة التعامل مع البنوك الربوية وبين القول بإجازة التملك في شركات مساهمة قائمة تتعامل مع البنوك الربوية؟.

والجواب عن ذلك بأن شركات المساهمة القائمة نشترط لجواز تملك أسهمها أن يكون نظامها خالياً من النص على التعامل عن ذلك بأن شركات المساهمة القائمة تشترط لجواز تملك أسهمها أن يكون نظامها خاليا من النص على التعامل مع البنوك الربوية فإذا أجمع أعضاء مجالس إدارتها أو صدرت قراراتهم بالأكثر بمنع التعامل مع البنوك الربوية كان لهم الحق في ذلك من الجانب الشرعي ومن الجانب النظامي حيث إنهم في منعهم الشركة من التعامل مع البنوك لم يخالفوا نظام الشركة وإذا كان من أحد أعضاء مجلس الإدارة اعتراض على إجازة قرار يصدر من مجلس الإدارة بالتعامل مع البنوك الربوية بريق الربا كان له الحق في ذلك شرعا ونظاما ولا يعتبر في موقفه السلبي مخالفا لنظام الشركة هذا من جانب ومن جانب آخر فإن الشركة في حال إقدامها على التعامل مع البنوك الربوية فإننا نشترط لجواز تملك أسهمها والتصرف فيها بيعا وشراء أن يكون المردود الربوي من التعامل مع البنوك قليلا بالنسبة للحركة الاستثمارية المباحة للشركة.

أما المساهمة في الشركة في طور التأسيس ينص نظامها على جواز التعامل مع البنوك الربوية إيداعا أو اقتراضا بطريق الفائدة فالمساهم سواء كان مؤسسا أو كان مساهما قد دخل في الشركة على علم من عدوانها وتأثيمها فقد تعاون معها على الإثم والعدوان وهو في نفس الأمر لا سيما إن كان مؤسسا أو كان عضو مجلس إدارة الشركة لا يستطيع أن يقف من تعاملها مع البنوك موقفا معارضا لأنه بدخوله مع الشركة ملتزم بنظامها وفي ذلك النظام النص على جواز تعاملها مع البنوك بالربا فهذا وجه التفريق بين القولين وهو وجه له أثر في اختلاف الحكم.

ثامنا إذا كانت شركة المساهمة تحت سلطة غير المسلم كشركة يهودية أو نصرانية أو غير ذلك من الأديان الأخرى غير الإسلام فإن كان المساهم لا يستطيع بدخوله في الشركة أن يغير من سياستها المالية والاستثمارية شيئا فلا يظهر لي جواز تملك شيء من أسهمها لأن القائمين على هذا النوع من الشركات ليسوا أهلا للثقة والاطمئنان بحكم كفرهم بالله وعدم التزامهم بأوامره ونواهيه لا سيما فيما يتعلق بالربا مع البنوك ومع العملاء سواء في البيع والشراء والإقراض والإيداع والصرف وما يمتزج بالعقود التي تجريها الشركة من الجهالة والغرر والشروط الموجبة للفساد أو البطلان

وهذا يعني أن مكاسب هذا النوع من الشركات كلها موضع نظر وحذر ففيها ما هو كسب آثم خبيث وهو الربا الصريح وما كان من مكاسبها من غير ذلك فهو كسب مشبوه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام. أما إذا كان المساهم فيها له قدرة على تغيير سياستها المالية بما يتفق مع القواعد والأصول والأحكام الإسلامية فإن هذا مساهمته في التملك فيها واشتراكها في إدارتها والحال إنه قادر وعازم على فرض إرادته المتفقة مع المقتضيات الشرعية إن دخوله في هذا النوع من الشركات يعتبر حسنة من الحسنات التي يثاب عليها كما يعتبر إسهاما في إحقاق الحق وإزهاق الباطل.

وأذكر أنني اشتركت في ندوة علمية في بنك التنمية الإسلامي وكان موضوع الندوة بحث حكم تملك أسهم في شركات مساهمة أصل نشاطها الاقتصادي مباح وقد كان من جملة حضور هذه الندوة سعادة الوجه صالح كامل فذكر أن مجموعة البركة ساهمت في شركات أجنبية فيها تجاوزات محرمة ومشبوهة وأنه استطاع أن يحول أكثر من خمسين شركة مساهمة إلى الالتزام بالأحكام الشرعية حيث إن مركزه المالي مكنه من فرض إرادته الشرعية على مجالس إدارتها وأنه بالفعل زاول هذا الاتجاه عن طريق تلويحه بالانسحاب منها إذا لم يخضعوا لإرادته لإرادته المتمثلة في تحويل اتجاه هذه الشركات إلى منعطفات شرعية إسلامية فتم له ما أراد. فإذا كان المساهم في هذه الشركات على هذا المستوى من القدرة على التأثير على هذا الاتجاه وذلك بتحويله إلى اتجاه سليم فإن تغييره المنكر في هذه الشركات لا يتم إلا بدخوله فيها مساهما ولا شك أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب والأعمال بالنيات.

فمن كان كذلك فيجوز له الدخول في هذه الشركات مساهما ومؤسسا ولكن بشرطين أحدهما خلو أنظمتها من النص على التعامل بالربا والثاني غلبة الظن على دخوله في هذا النوع من الشركات سيكون له تأثير في تحويل سياستها المالية والاستثمارية إلى ما يتفق مع المقتضيات الشرعية وبشرط أن ينسحب منها إذا وجد نفسه عاجزا عن التأثير على مجالس إدارتها بالتزامها المنهج الإسلامي في وجوه الاستثمار. والله من وراء القصد هذا ما تيسر إيراده وبالله التوفيق وصلى الله عليه نبيه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين