تعريف النفقة
النفقة من حيث اللغة هي ما ينفقه الإنسان علي عياله.
والنفقة شرعاً هي الطعام والكسوة والسكني وفي الطارئ في لسان أهل الشرع هي الطعام فقط، لذا يعطفون عليه الكسوة والسكني، ولذلك نجد كثيراً من الفقهاء يقولون مثلاً تجب للزوجة علي زوجها النفقة والكسوة والسكني.
وهذا التعريف لم يشمل كافة أنواع النفقة، بدليل أن الفقهاء أعطوا الزوجة أنواعاً أخري لم ترد بهذا التعريف، سنعرض لها فيما بعد.

دليل وجوب نفقة الزوجية
ثبت وجوب نفقة الزوجية بأدلة من الكتاب والسنة والإجماع والمعقول.
أما الكتاب فقوله تعالي: (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة، وعلي المولد له رزقهن وكسوتهن بالمعروف).
وقوله تعالي: ( لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما أتاه الله لا يكفي الله نفساً الا ما أتاه سيجعل الله بعد عسر يسرا).
وقوله تعالي في شأن المطلقات: (أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم، ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن وان كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن)، قد أوجب الله تعالي علي الأزواج إسكان المطلقات من حيث سكنوا حسب قدرتهم وطاقتهم وإذا وجب إسكان المطلقة فإسكان الزوجة أولي بالوجوب، حيث أن زوجيتها قائمة حقيقة وحكما، والمطلقة لم يبق لها إلا أحكامها أو بعضها فقط .. علي أن الآية أوجبت الإنفاق عموما للمطلقة الحامل.

وأما السنة فقد وردت عن النبي عليه الصلاة والسلام أحاديث كثيرة تفيد وجوب النفقة منها:
1. ماروى من أن النبي عليه السلام قال في خطبته بعرفة في حجة الوداعولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف)، وفي رواية (نفقتهن) بدلاً من
(رزقهن).
2. ما روى من أن رجلاً جاء إلي النبي عليه السلام فقال : ما حق المرأة علي زوجها؟ قال (يطعمها إذا طعم، ويكسوها إذا كسي، ولا يهجرها في المبيت، ولا يضربها ولا يقبح)
3. ما روى من أن هند بنت عتبة زوجة أبي سفيان قالت يا رسول الله ” أن أبا سفيان رجل شحيح وليس يعطني ما يكفيني وولدي إلا ما آخذ منه وهو لا يعلم، فقال عليه السلام: (خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف). فلو لم تكن النفقة واجبة علي الزوج لما أمرها النبي عليه السلام بأن تأخذ من مال زوجها بغير أذنه وبغير علمه ما يكفيها بالمعروف إذ لا يجوز أخذ شئ من أموال الناس بدون حق.

أما الإجماع، فقد أجمعت الأمة في كل العصور من عصر الرسول عليه السلام حتي الآن، علي أن نفقة الزوجة علي زوجها ولم يخالف ذلك أحد.
سبب وجوب نفقة الزوجية
سبب وجوب النفقة للزوجة هو عقد الزواج الصحيح، غير أن الوجوب لا يثبت بمجرد العقد، كما في وجوب المهر، بل لما يترتب عليه من احتباس الزوجية وقصرها نفسها علية حقيقة أو حكماً بدخولها في طاعته، والتسليم الحكمي يكون باستعدادها للدخول في طاعته عند طلبه.

أنواع النفقة في القانون
نصت الفقرة الثالثة من المادة الأولي من القانون رقم 25 لسنة 1920 (المعدلة بالقانون رقم 100 لسنة 1985) علي أن:
” وتشمل النفقة الغذاء والكسوة والمسكن ومصاريف العلاج وغير ذلك مما يقضي به الشرع “.
وهذا النص لم يضع تعريفاً جامعاً لكافة أنواع النفقة مانعاً من دخول أنواع أخري في نطاقه، وإنما اقتصر علي ذكر بعض أنواعها، وهي الغذاء والكسوة والمسكن ومصاريف العلاج، وذلك علي سبيل التمثيل لا الحصر باعتبارها أهم أنواع النفقة، والدليل علي ذلك أنه بعد تعداده للأنواع المذكورة أردف عبارة: ” وغير ذلك مما يقضي به الشرع ” .
والمقصود مما يقضي به الشرع ، كل ما يعتبره المشرع نفقة للزوجة علي زوجها أو ملحقا من ملحقاتها، ويرجع في تحديد ذلك إلي الراجح من المذهب الحنفي. والمذهب يدخل في ذلك، بدل الفرش والغطاء وأجر الخادم، واستئجار مؤنسة للزوجة اذا كانت تستوحش من المسكن.
وفي هذا قضت محكمة أول بندر طنطا للأحوال الشخصية (ولاية علي النفس) بتاريخ 12 يناير سنة 1988 في الدعوى رقم 94 لسنة 1986 بأن :
“المقرر شرعاً أنه نفقة الزوجة تجب علي زوجها من حين العقد الصحيح إذا سلمت نفسها إليه ولو حكما، موسرة كانت أم فقيرة، وهي تجب من تاريخ امتناعه عن الإنفاق عليها وتقدر بقدر يساره، ولا تسقط ألا بالأداء أو الإبراء وتشمل الغذاء والكسوة والمسكن ومصاريف العلاج وغير ذلك مما يقضي به الشرع، ولم تعرف النفقة تعريفاً جامعاً مانعاً وإنما أطلق النص فأدخل في النفقة كل ما يقضي به الشرع والراجح في المذهب الحنفي أنه تجب للزوجة نفقة خادم إذا كانت ممن يخدمون أي إذا كان لها خادم قبل أن تتزوج”.

فيما يلى أنواع النفقة بالتفصيل:
الغذاء :
وهو ما جري الفقهاء علي تسميته بالطعام، واللفظان مترادفان.
فالزوج يلتزم بأن يوفر لزوجته طعاماً تستطيع أن تأخذ منه كفايتها، فتأكل منه مع زوجها أو تأكل منه وحدها، وهذه الطريقة هي الأصل في الإنفاق علي الزوجة وهي التي تقتضيها عشرة الزوجية لما توجبه الخلطة بين الزوجين من الألفة والمودة، وتسمي طريقة التمكين.
أما إذا لم يقدم لها الزوج طعاماً تأخذ منه كفايتها أو قتر عليها، فلها أن ترفع أمرها إلي القاضي وتطلب فرض نفقة طعام بقدر كفايتها حسب حال الزوج المالية والاجتماعية. وللقاضي أن يفرض لها بقدر كفايتها حسب حال الزوج المالية والاجتماعية، كما له أن يفرض لها أصنافاً من الطعام يكلف الزوج بإحضارها أو يقدر لها مقداراً من النقود لتشتري هي به ما تحتاج إليه. وهذه الطريقة الأخيرة هي الأيسر والتي يجري عليها العمل في المحاكم. وفرض القاضي نفقة الطعام هو ما يسمي بطريقة التمليك.

الكسوة :
يجب علي الزوج كسوة زوجته بما يتفق وحالته المالية والاجتماعية. والكسوة عبارة عن كسوة في الصيف وكسوة في الشتاء أي كسوة كل ستة أشهر.
وقد وضع الفقهاء تحديداً لهذه الكسوة، وهذا كان يتماشى مع زمانها، لأن تحديد الكسوة يختلف باختلاف الأمكنة والأزمنة، ولذلك نص الفقهاء علي أن يراعي في تحديد الكسوة وتقديرها الكفاية بالمعروف في كل وقت ومكان.
ويلزم الزوج بإحضار كسوة أخري لزوجته إذا بليت كسوتها بالاستعمال العادي قبل مضي ستة أشهر. أما إذا بليت نتيجة استعمال غير عادي فأنه لا يكون ملزماً بكسوة أخرى، فإن أحضرها كان متبرعاً.
وإذا لم يحضر الزوج كسوة الزوجية عيناً، كان لها أن تطلب من القاضي فرض بدل كسوة لها. وللقاضي فرض الكسوة لها كل ستة أشهر، أو فرض مبلغ شهري نظير الكسوة وهذا ما يجري عليه العمل بالمحاكم ويعجل بدل الكسوة، فإذا فرض لمدة ستة أشهر يكون الفرض منذ بداية المدة لا في نهايتها.

المسكن :
يجب علي الزوج إعداد مسكن للزوجة لائقاً بما يتناسب وحالتها المالية والاجتماعية. فإذا امتنع عن إعداد المسكن أو أعد مسكناً غير لائق، كان للزوجة أن تطلب من القاضي إلزامه بإعداد المسكن اللائق أو فرض مبلغ من المال شهراً بدل المسكن.
ويجب أن يتوفر في المسكن الذي يعده الزوج الشروط الشرعية التي نص عليها المذهب الحنفي. وهي شروط متعددة، وإذا طلبت الزوجة أجر مسكن فلا يجوز القضاء لها بتهيئة مسكن ولا يمنع من القضاء بأجر مسكن للزوجة كونها مالكة لمسكن.

مصاريف العلاج :
نصت الفقرة الثالثة من المادة الأولي من القانون رقم 25 لسنة 1920 (المعدلة بالقانون رقم 100 لسنة 1985) علي أن : ” وتشمل النفقة الغذاء والكسوة والمسكن ومصاريف العلاج وغير ذلك بما يقضي به الشرع “.
وعلي ذلك تدخل مصاريف العلاج ضمن النفقة الواجبة للزوجة علي زوجها. وقد وردت عبارة ” مصاريف العلاج” بالنص عامة، فلا يجوز تخصيصها بغير تخصص.
فمن ناحية : تشمل نفقات علاج كافة الأمراض التي تعتري الزوجة، سواء كانت بدنية أو نفسية أو عقلية، سواء كان المرض طارئاً أو مزمناً. وتعتبر الإصابة مرضا يلتزم الزوج بنفقات علاجها، ولو كانت وليدة خطأ الزوجة.
ومن ناحية أخري : تشمل نفقات العلاج كافة أنواع العلاج وثمن الأدوية ونفقات العمليات الجراحية والإقامة بالمستشفيات وكشوف الأطباء والفحوص والأشعات والتحاليل وما شابه ذلك لأنها من وسائل العلاج متي رأي الطبيب ضرورتها.
ويدخل في الأمراض التي يلتزم الزوج مصاريف علاجها النفاس، لأن النفاس لا يعدو أن يكون مرضاً. وتشمل مصاريف علاجه ما يقره الطبيب للزوجة من غذاء يجاوز الغذاء العادي الذي يلزم به الزوج.
ويري عدد من الفقهاء أن الأشياء التي لا يدخل في مصاريف العلاج التي يلزم بها الزوج ثمن الأجهزة التعويضية كالأطراف الصناعية أو النظارات الطبية أو أطقم الأسنان. وكذلك لا يندرج فيها مصاريف عمليات التجميل لأنه لا يقصد منها علاج عله بالزوجة.
ومصاريف العلاج تكون حسب حال الزوج المالية والاجتماعية، كالشأن في أنواع النفقة الأخرى – كما سنري – لكنه ملزم بها لو كانت الزوجة موسرة.
وإلزام الزوج مصاريف العلاج – علي ما أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية للقانون – هو ما ذهب إليه مذهب الزيدية وتقتضيه نصوص فقه الإمام مالك من أن ثمن الأدوية وأجرة الطبيب من نفقة الزوجية وعدل المشرع بذلك عن مذهب الحنفية في هذا الموضوع.
فمذهب الحنفية – الذي كان معمولا به من قبل – لا يلزم الزوج بمداواة زوجته، فلا تجب عليه أجرة الطبيب أو ثمن الدواء، وإنما يكون ذلك من مالها إن كان لها مال، فإن لم يكن لها مال، فعلي من تجب عليه نفقتها لو كانت غير متزوجةمن يلزم بنفقات الولادة ؟
نصت المادة 1/3 من قانون رقم 25 لسنة 1920 ( المعدلة بالقانون رقم 100 لسنة 1985) – كما رأينا – علي أن نفقة الزوجية تشمل مصاريف العلاج. ومصاريف العلاج – كما أوضحنا – هي المصاريف اللازمة لعلاج مرض بالزوجة، والولادة لا تعتبر مرضاً، وقد فرق الفقهاء بينهما وبين النفاسوعلي ذلك لا تندرج مصاريف الولادة ضمن مصاريف العلاج التي نصت عليها الفقرة المذكورة ويلزم بها الزوج.
وإذا خلا القانون من نص علي الملزم بمصاريف ولادة الزوجة، فانه يتعين الرجوع في ذلك إلي الرأي الراجح في المذهب الحنفي عملا بالمادة 280 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية.
وفقها هذا المذهب قد نصا علي أن أجر القابلة علي من استأجرها، فإن استأجرها الزوج فعليه وأن استأجرتها الزوجة فعليها.
أما إذا جاءت القابلة دون استئجار، فقال البعض أن أجرتها علي الزوج لأنها مؤنة الجماع، وقال البعض أن أجرتها علي الزوجة كأجرة الطبيب.
وقد رجح العلامة ابن عابدين الرأي الأول لأن نفع القابلة معظمه يعود إلي الولد فيكون علي أبيه.
والشأن في الطبيب المستحضر عند الولادة أن يستقبل الولد ويقوم بجميع ما تقوم به القابلة بل أكثر منه فيكون حكمه حكمها، ويلحق بأجر القابلة الطبيب وثمن الأدوية والمستحضرات الطبية اللازمة للزوجة في الولادة لأنها أثر من آثارها.
وقد أفتت دار الإفتاء المصرية بالرأي السابق في فتوى صادرة لها – قبل العمل بالقانون رقم 100 لسنة 1985 – بتاريخ 8/6/1922، جاء بها:
” قال في رد المختار نقلاً عن الجوهرة بصحيفة 1003 من الجزء الثاني ما نصه” ويجب عليه ما تنظف به وتزيل الوسخ كالمشط والدهن والسدر والخطمي والأسنان والصابون علي عادة أهل البلد أما الخضاب والكحل فلا يلزمه بل هو علي اختياره، وأما الطبيب فيجب عليه ما يقطع به السهوكة لا غير وعليه ما تقطع به الصنان لا الدواء للمرض ولأجرة الطبيب”ـ
وأن أجر القابلة أو الطبيب للولادة ونفقات الولادة الأخرى، وإن كانت لا تدخل في مصاريف العلاج التي يلزم بها الزوج- كما أوضحنا سلفاً – إلا أنها لازمة للزوجة تماماً كمصاريف العلاج، وكحسن العشرة والمودة والرحمة التي جعلها الله تعالي رباطاً للزوجين، توجب أن يكون الزوج هو الملزم بهذه النفقات في كافة الأحوال، خاصة وأن معظمها يعود علي الولد وهو جزء منه وملزم بنفقته، ولذلك نهيب بالمشرع أن يتدخل بالنص علي إلزام الزوج بنفقات الولادة من أجر قابلة أو طبيب أو ثمن أدوية أو أجر مستشفيات وغير ذلك، لاسيما وأن هناك رأياً في المذهب المالكي يقول بذلك.

بدل الفرش والغطاء :
رأينا فيما سلف أن الأصل التزام الزوج بإعداد مسكن الزوجية من أثاث وأدوات ومفروشات وأغطية، وسواء كان الزوج- هو الذي أعد مسكن الزوجية بهذه المنقولات أو كانت الزوجة هي التي أحضرتها معها، فإن هذه المفروشات والأغطية مما تبلي بالاستعمال ويلزم تجديدها بدون الاستعمال.
فيجب علي الزوج إحضار مفروشات وأغطية جديدة عندما تبلي المفروشات والأغطية التي يجري بها الاستعمال.
وينبغي أن يكون للمرأة فراش علي حدة، فلا يكتفي بفرش واحد لهما، لأنها قد تنفرد في الحيض والمرض .
فإذا امتنع الزوج عن إحضار الفرش والغطاء للزوجة بعد أن بلي ما استعمل منه، كان لها أن تطلب من القاضي فرض بدل فرش وغطاء لها لما كان من شأن ذلك إرهاق الزوجات بالالتحاق إلي القضاء كل فترة من الزمن للمطالبة ببدل الفرش والغطاء، فقد جري القضاء علي مبلغ يسير شهرياً بدل فرش وغطاء يضاف إلي نفقة الزوجية.

أجرة الخادم :
إذا كان الزوج معسراً فأنه لا يلزم بإحضار خادم لزوجته، لأن المعسر تجب عليه نفقة الضرورة والخادم ليس ضروريا ً، وإلزامه بالخادم فوق طاقته، وعلي المرأة أن تخدم نفسها، غير أنها إذا مرضت كان علي الزوج خدمتهاأما إذا كان الزوج موسرا، وكانت زوجته ممن يخدمن في بيت أهلها، أي درج أهلها علي استئجار الخدم، فانه يجب علي الزوج إحضار خادم لها لأن كفايتها واجبه عليه والخادم من تمام كفايتها .
غير أن العرف الجاري بين الناس أن الخادم لا يعد له طعام خصيصاً وإنما هو يأكل بقايا طعام من هو في خدمته ويلبس قديم ثيابه، ويسكن تبعاً له، ومن ثم لا يفرض للخادم نفقة علي الزوج، لأن العرف له اعتباره فيما لم يرد فيه نص صريح في الكتاب أو السنة ولو عارض نصا مذهبياً منقولاً عن صاحب المذهباستئجار مؤنسة للزوجة :
إذا كانت الزوجة تستوحش من المسكن الذي أسكنها فيه زوجها بأن كان كبيرا كالدار الخالية من السكان المرتفعة الجدران ، أو كان الزوج يخرج ليلاً من البيت في عمل له في الخارج، ولم يكن لها ولد أو خادمة تستأنس بها أو لم يكن عندها من يدفع عنها اذا خشيت من اللصوص أو ذوى الفساد، كان ذلك من المضارة المنهي عنها ولاسيما اذا كانت صغيرة السن، وعلي الزوج أن يأتيها بمؤنسة أو ينقلها إلي حيث لا تستوحش.