المـرأة وقضـايا النفقـة فـي مصــر
موجز الدراسة

تأتي أهمية هذه الدراسة من حيث أنها تهدف إلي التعريف بالعقبات القانونية، سواء علي مستوى النص أو التطبيق، التي تواجه المرأة في قضايا النفقة. كما تهدف إلى الوصول إلي صياغة توصيات بشأن تعديل بعض نصوص القانون ودراسة إمكانية تقديم سبل الدعم للنساء ولأطفالهن لتوفير الحد الأدنى من الحياة الإنسانية. وتختص الدراسة باقتراحات من شأنها تفعيل دور بنك ناصر الاجتماعي في دفع النفقة كما نص عليه القانون.
وتضمنت الدراسة تحليل لعدد مائة وأثنين وثلاثوندعوى قضائية قامت برفعها سيدات للحصول علي نفقة لأبنائهن والبعض الأقل عدداً، لهنولأبنائهن، وذلك للوقوف علي الأسباب الإجرائية التي تعطل الحصول علي الأحكام فضلاًعن معوقات التنفيذ لأحكام النفقة. كما اشتملت علي دراسة ميدانية لعدد ستة وسبعونسيدة قمن برفع دعاوى قضائية للمطالبة بحقوقهن وحقوق أولادهن في النفقة للتعرف عليواقعهن الاجتماعي والاقتصادي. وتضمنت الدراسة أيضاً عرض لبعض نمازج الحالات لخمسةعشر سيدة فشلن في الحصول علي نفقة بسبب تعقيد إجراءات التنفيذ.

ونأمل أن تؤخذ هذه الدراسة في عين الاعتبار عند تطبيق محاكم الأسرة في نهاية هذا العام حيث أنتفعيل إجراءات التنفيذ وخاصة فيما يخص النفقة، هو أحد الأركان الأساسية لتمكين محكمة الأسرة من إحداث تغييرات إيجابية للأسرة المصرية التي أنفصل عنها الزوج.
وتظهر الدراسة أنه بالرغم من صدور القانون رقم 1 لسنة 2000 الخاص بتعديلإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية إلا أن استمرار طول إجراءات التقاضي يعدأحد أهم عوامل الإرهاق للمرأة والأسرة. فقد تأخذ الدعوى القضائية للمطالبة بالنفقةفي أغلب الحالات، أكثر من سنتين وخلال هذه الفترة تظل المرأة دون موارد، لاسيماالسيدات الفقيرات، بل تحتاج أيضاً إلى أتعاب محاماة للمحامين المباشرين للقضية. وتمتد الفترة بسبب تعقيدات التحري عن دخل الزوج وأيضاً تعقيدات إجراءات إعلانالزوج.

1. محدودية المبالغ المحكوم بها ومحدودية النسب المنصوص عليها للحجز عليذوى المرتبات والمعاشات لاستيفاء دين النفقة وصعوبة التنفيذ علي ذوى الأعمال الحرة. ويمكن الرجوع إلى الجدول لتوضيح الفرق بين الاحتياجات الأساسية للمرأة والأطفالوالمبالغ المحكوم بها في قضايا النفقة. وتشير الدراسة إلي أن 25% من المطلقات حصلنعلي نفقة أقل من 100 جنيه شهرياً و22% حصلن علي نفقة من 100 – 200 جنيهشهرياً.

2. عدم قيام بنك ناصر بالدور المناط به بتقديم النفقة المحكوم بها، سواءبشكل مؤقت أو أحكام نهائية، بحجة عدم وجود مخصصات مالية مما أدي إلي إحجام السيداتعن الذهاب للبنك.

3. تدهور الأوضاع الاجتماعية والصحية للمرأة والأبناء حالافتقادهم مصدر دخل، الأمر الذي يؤدى إلى أمراض اجتماعية غير محسوبة العواقب.

4. تسرب أبناء طالبة النفقة من التعليم في أحيان كثيرة لعدم وجود أموال لاستكمالتعليمهم ولجوءهم للعمل في سن مبكرة لمساعدة ذويهم مما يؤدي إلي شيوع ظاهرة جنوحالأطفال ووقوعهم تحت طائلة القانون.

5. لا زال السؤال الذي لم تستطع الدراسةالإجابة عليه هو “كيف تدبر طالبة النفقة العجز الدائم بين احتياجاتها الواسعة ومواردها القليلة؟”.

6. رغم التطورات التكنولوجية الحديثة، لا زال “شيخ الحارة” هو الإجراء الوحيد بل والعقيم للتحري عن دخل الزوج الذي يعمل في المهن الحرة.

7. ماذا يعني تحديد نفقة مؤقتة بمبالغ تتراوح بين 75 و 150 جنيه لزوجة وأولادها في ظلارتفاع تكاليف المعيشة بالشكل الذي عليه الآن.

8. لماذا لا تعد قرينة عدم إنفاقالزوج علي زوجته أو أولاده بمثابة اعتراف صريح بعدم مسئوليته ووجوب إلزامه عبر طرقإجرائية وقضائية سريعة بإلزامه بالإنفاق الكريم.

9. يأتي اعتماد طالبات النفقةوأولادهن علي أسرهن بآثار سلبية يعاني منها الجميع حيث يقوم الأشقاء بتأخير سنزواجهم حتى يطمئنوا علي شقيقاتهم. وتلجاء الأسر من أجل توفير نفقات أبنائهن منالمطلقات وأحفادهم إلى الاعتماد علي الدولة في سد احتياجاتهم، كلجوء بعض الأسرلتقديم قرارات علاج علي نفقة الدولة حتى في التكاليف البسيطة في محاولة لضبطميزانية الأسرة وهي الأعباء الإضافية التي تتحملها الدولة من ميزانيتها.

10. غياب دور المؤسسات الأهلية أو وزارة الشئون الاجتماعية في تقديم دعم فوري للمرأةوالأسرة حال امتناع العائل عن الأنفاق لحين الحصول على الحكم بالنفقةوتنفيذه.

11. عدم إنجاز ما نص عليه القانون رقم 1 لسنة 2000 المادة 71 منه بشأنإنشاء نظام لتأمين الأسرة.

تهدف هذه الدراسة إلي مناقشة واحدة من المعضلات التي تواجه المرأة المصرية وتشكل إحدى مصادر المعاناة لها وهى قضية النفقة التي تواجه فيها المرأة أزمة مفاجئة حال امتناع الزوج أو المطلق عن الوفاء بالتزاماته المالية حيال الزوجة أو المطلقة وأبناءهما.

وتثور قضايا النفقة في حالتين:
الأولى : هي هجر الزوج لمسكن الزوجية أو نشوب خلافات بينهما يمتنع الزوج على أثرها عن الأنفاق.
الثانية : هي تطليق الزوج لزوجته، سواء بإرادته المنفردة أو لاستحالة العشرة بينهما، عبر المحكمة وامتناعه عن إعطاء الزوجة حقوقها المالية والأنفاق على أبناءه منها.

في هاتين الحالتين تستحق الزوجة وأبناءها، في حالة وجود أبناء، النفقة من الزوج أو المطلق. وتتعقد المشكلة حينما تكون الزوجة أو المطلقة لا تعمل أو ليس لها مورد دخل أخر وتكون بيئتها الاجتماعية من المستويات الفقيرة مما يعنى أن المرأة تجد نفسها فجأة تواجه صعوبات الحياة دون موارد مالية أو مساعدة تعينها على الاستمرار في الحياة. هذه الظروف تجعلها هي والأبناء في حالة خوف شديد لاسيما الأبناء الملتحقين بالمدارس، نتيجة لعدم قدرتها علي الاستمرار في تغطية تكاليف الاحتياجات الأساسية ومن ثم يصبح من السهولة أن يقع الجميع فريسة لأي توجهات قد لا يرضى عنها المجتمع ولكنهم مجبرون علي المضي فيها ربما يحالفهم النجاح في تغطية بعض الاحتياجات. وقد أدرك المشرع أن هذه الحالة تتطلب التدخل العاجل من كافة الجهات المعنية بالمجتمع لمساندة هذه المرأة وأطفالها.

وقد نص القانون رقم 25 لسنة 1920 الخاص بأحكام الأحوال الشخصية والمعدل بالقانون رقم 100 لسنة 1985 على الحكم بنفقة مؤقتة للزوجة على سبيل الاستعجال لحين الفصل في الدعوى في شكلها النهائي. وذلك للإسراع في تغطية تكاليف الحياة اليومية والأساسية للبقاء على قيد الحياة مثل المأكل، الملبس، السكن، العلاج، الكسوة وغيرها من الاحتياجات التي في حال تغطية الحد الأدنى منها تكفل الحياة الآدمية للمرأة وأطفالها. ولكن يبقي النص معطل في معظم الأحيان نتيجة لعدم التنفيذ.
وأضاف المشرع في القانون رقم 1 لسنة 2000 بالنص على إلزام بنك ناصر بصرف المبالغ المحكوم بها كنفقة لثلاث حالات هم الزوجة، الأبناء، الوالدين مما يعنى أن هناك إدراك من المشرع بالمعضلة والمعاناة التي تواجه الأسرة حال امتناع عائلها عن الأنفاق.

وفى الواقع، فإن الأمور لا تسير وفقاً لما رسمه المشرع وإنما تأتى العقبات أمام الزوجة والأولاد لتجعل أمر صرف النفقة من الأمور شبة المستحيلة سواء لطول إجراءات التقاضي أو الامتناع عن تنفيذ بعضها بإدعاء عدم توفير مخصصات مالية لدى البنك أو عدم وجود مصدر دخل ثابت للزوج الصادر في حقه الحكم بالنفقة أو غيرها من التعقيدات الإدارية التي تحول دون حصول طالبة النفقة علي حقوقها الشرعية بموجب القانون.

لذلك تأتى أهمية هذه الدراسة التي تتناول بالفحص والبحث النصوص القانونية المعنية بموضوع النفقة وذلك بهدف التعرف على العقبات القانونية، سواء على مستوى النص أو التطبيق، آلتي تواجه المرأة في قضايا النفقة للوصول إلى صياغة لمستخلصات بشأن تعديل بعض نصوص القانون ودراسة إمكانية تقويم سبل الدعم للنساء ولأطفالهن لتوفير الحد الأدنى من الحياة الإنسانية.

وتضمنت الدراسة أيضاً تحليل لعدد مائة وأثنين وثلاثون دعوى قضائية قامت برفعها سيدات للحصول على نفقة لهن أو لأبنائهن للوقوف على الأسباب الإجرائية لتعطيل الحصول على الأحكام فضلا عن معوقات التنفيذ لأحكام النفقة. كما قام عدد من الباحثين الميدانين بعقد مقابلات ميدانية مع عدد ستة وسبعون سيدة لدراسة الواقع الاجتماعي والاقتصادي لهن ولأبنائهن وتأثير عدم الحصول على النفقات اللازمة علي حياتهن وحجم المعاناة التي تعانينها بشكل يومي ومتكرر وكذلك مدى توافر أي دعم أو مساندة تذكر من أي جهة.

ونأمل من تقديم الدراسة إلي المجلس القومي للمرأة والمتخصصين ومؤسسات المجتمع المدني أن تكون بمثابة المرشد لوضع حلول عملية لانتشال السيدات من واقع يعصف بهن وبأبنائهن ويعبث بمستقبلهم جميعاً حيث أن الخاسر في نهاية الأمر هو المجتمع بصفة عامة.