ان اول تقنين لاحكام الشريعة المتمثل بمجلة الاحكام العدلية اخذ بما ذهب اليه ابو حنيفة اذ اعتبر رؤية الوكيل بالشراء والوكيل بالقبض مسقطة لخيار رؤية الموكل وان اشترى الوكيل شيئاً رآه موكله بقصد الشراء ولم يكن الوكيل يعلم بذلك فللوكيل خيار الرؤية شريطة ان لا يكون المعقود عليه معيناً اما لو كان معيناً فالخيار يكون للموكل لا للوكيل والمجلة اعتبرت رؤية الرسول للمعقود عليه غير مؤثرة بخيار رؤية المرسل ومعنى ذلك ان الخيار يبقى للمرسل عند رؤية المعقود عليه (1). والقانون المدني العراقي اوجب توافر عدة امور كي تكون الوكالة منتجه لاثارها ومن هذه الامور ان يكون الموكل به معلوم للوكيل كي يستطيع ان يحقق ما قصد الموكل تحقيقه من خلال اقامة الوكيل مقام نفسه في اجراء التصرف (2). سواء كان التوكل بالشراء ام بالقبض وحسن نية من صدر له تصرف الوكيل مع عدم علمه بعزل الموكل لوكيله يعني بقاء التصرف نافذاً كما يشترط المشرع العراقي في الموكل به ان يكون قابلاً للنيابة ولما كان البيع من التصرفات التي تقبل الانابة أي اقامة المتعاقد غيره مقام نفسه في اجراء التصرف(3).

فالمشرع العراقي اخذ بما ذهب اليه ابو حنيفة اذ جعل خيار الرؤية وامكانية استعماله للوكيل بالشراء والوكيل بالقبض فاستعمال ايً منهما لخياره عند رؤية المعقود عليه لا يدع مجالاً لقيام خيار الرؤية للموكل في القانون المدني العراقي (4). ولما كان جوهر التزام الوكيل بالقبض هو القيام بعمل يتمثل بقبض المعقود عليه نيابة عن موكله فنحن لا نرى فرقاً كبيراً بينما يقوم به الوكيل بالقبض من عمل وبينما يقوم به الرسول بالقبض من عمل ولما كان الرسول بالقبض لا خيار له بموجب القانون المدني العراقي ولما كانت حجج الامامين ابي يوسف ومحمد في مناقشة المسألة موضوع البحث اكثر وجاهةً وقبولاً مما ذهب اليه الامام ابو حنيفه اذ اعتبران الوكيل بالقبض لا خيار له مثله في ذلك مثل الرسول لذا نؤيد الانتقاد الذي وجه للمشرع العراقي في حكم هذه المسألة وصولاً لما هو اجدى (5)، ونعود للتأكيد على ان القانون المدني العراقي لم يمنح للرسول الحق في الخيار عند رؤية المعقود عليه بل جعل ذلك الخيار لمرسله اذا رأى المعقود عليه (6). والقانون المدني اليمني نص على ان رؤية الوكيل بالشراء او بالقبض للمعقود عليه ورضاؤه به تسقط خيار الموكل أي انه اثبت الخيار مع امكانية استعمال الوكيل ولا خيار لموكله (7). مع ملاحظة ان القانون المدني اليمني لم يورد حكماً ينظم فيه ما يتعلق برؤية الرسول للمعقود عليه ومدى تأثير تلك الرؤية على خيار رؤية المرسل .

اما القانون المدني الاردني فمع تضمن نصوصه لاحكام الخيار فلم يتطرق لمسألة توكيل المتعاقد لغيره بالشراء او بالقبض او ارساله له لاداء العمل نفسه ومدى تأثير رؤية الوكيل او الرسول على خيار رؤية موكله او مرسله (8). ولا نرى ما يمنع من الاخذ بما ذهب اليه القانون المدني العراقي او اليمني في هذه المسألة اذ ان الشريعة الاسلامية هي الاصل الذي استمدت منه هذه القوانين نصوصها المتضمنة لاحكام الخيار والقانون المدني المصري الملغي اورد حكم اقامة المتعاقد غيره مقام نفسه مع امكانية اجراء معاينة المعقود عليه ويرى بعض شراح هذا القانون ان رؤية من وكل بابرام العقد وشراء المعقود عليه لا يمكن معها اظهار الموكل لاعتراضه اما ان كان الوكيل مخول بتسلم المعقود عليه فأن لرؤية الموكل اهمية كبيرة ان ابدى رضاه بالمعقود عليه في بقاء العقد قائماً(9).

اما في القانون المدني المصري الحالي فنجد المشرع المصري قد اورد شرط العلم بالمبيع واصله احكام الخيار المعروف في الشريعة الاسلامية محاولاً تقريبه من قواعد القانون الحديث لم يبين صراحةً موقفه من اقامة المتعاقد غيره مقام نفسه في شراء المعقود عليه او قبضه بقدر ما يتعلق الامر بالمسألة موضوع البحث الا ان اغلب شراح هذا القانون يذهبون الى القول بأن التفسير الاعم لمصطلح العلم بالمبيع لا يقتصر على الرؤية وانما يتعدى ذلك الى غيرها من الحواس التي يمكن استعمالها في ادراك ما هية المعقود عليه وهذا الفعل لا يمكن حصره بالمتعاقد نفسه بل ان له ان ينيب غيره للقيام بذلك التصرف خصوصاً وان ذلك الغير قد يكون صاحب خبرة بما يحقق مصلحة المتعاقد (10). ويذهب بعض شراح هذا القانون الى القول بأن المشرع المصري ترك حكم المسألة موضوع البحث الى القواعد العامة لكونها تفي بالغرض (11). ومن خلال البحث فيما نصت عليه القوانين المدنية العربية كالقانونين السوري والكويتي اللذين استمدا حكم العلم بالمبيع من القانون المدني المصري اتضح ان هذه القوانين تركت حكم هذه المسألة للقواعد العامة(12). .

ويمكن من خلال ما تقدم ان نستنتج ما يلي :

ان مجلة الاحكام العدلية اعتمدت رأي الامام أبي حنيفه في جعل خيار الرؤية للوكيل بالشراء والوكيل بالقبض اما الرسول فلا خيار له ان رأى المعقود عليه والخيار يكون لمرسله . ان القوانين المدنية في البلاد العربية انقسمت في معالجة حكم رؤية الوكيل والرسول الى اتجاهين :

الاتجاه الاول : نص صراحة على حكم خيار رؤية الوكيل والرسول فجعل الخيار للوكيل بالشراء والوكيل بالقبض آخذاً بما ذهب اليه الامام ابو حنيفه وهو اتجاه القانونين المدنيين العراقي واليمني مع تصريح القانون المدني العراقي بعدم تأثير رؤية الرسول للمعقود عليه على قيام خيار رؤية المرسل وخلو القانون المدني اليمني
من هذا الحكم وكذلك القانون المدني الاردني مع ايراده لاحكام الخيار نجده خالياً من ايراد حكم يعالج رؤية الوكيل والرسول ونعتقد بعدم وجود ما يمنع من الرجوع لاراء فقهاء المسلمين في هذه المسألة .

الاتجاه الثاني : وذهب الى اعتماد الاحكام التي تتضمنها القواعد العامة للقانون لمعالجة توكيل المتعاقد غيره في اجراء التصرف علماً بوجود اتجاه لشراح هذه القوانين يذهب الى القول بأن الاحكام التي اوردها فقهاء المسلمين تصلح للتطبيق هنا وهو اتجاه القانون المدني المصري والسوري وغيرها من القوانين المدنية الاخرى التي تضمنت حكم العلم بالمبيع وفي تصوري ان الاتجاه الاول هو الارجح والاكثر توفيقاً فيما ذهب اليه من ايراد حكم خاص لهذه المسألة ووضع الحلول الملائمة لها كي لا يواجه القاضي ما يمكن ان يؤخر سير الدعوى ويتيسر له حسم الدعاوى المنظورة امامه كما ان هذا الحكم ادعى لاستقرار المعاملات .

___________________

1- نصت المادة (333) من مجلة الاحكام العدلية على انه ( الوكيل بشراء شيء والوكيل بقبضه تكون رؤيتهما لذلك الشيء كرؤية الاصيل ) وجاء في نص المادة (334) من المجلة ( الرسول يعني من ارسله المشتري لاخذ المبيع وارساله فقط لا تسقط رؤيته خيار المشتري ) لمزيد من المناقشة راجع سليم رستم باز اللبناني ، شرح المجلة ، ط3 ، المطبعة الادبية ، بيروت ، 1923م – ص177 ; علي حيدر ، درر الحكام شرح مجلة الاحكام ، تعريب المحامي فهمي الحسيني ، منشورات مكتبة النصر ، بيروت – بغداد ، بدون سنة طبع – ص278-279 ; محمد سعيد المحاسني ، شرح مجلة الاحكام العدلية ، مطبعة الترقي ، دمشق ، 1346هـ ، 1927م – ص268 .

2- د. محمد رضا عبد الجبار العاني – الوكالة في الشريعة والقانون – مطبعةالعاني – بغداد سنة 1975م-1395هـ – ص210 .

3- د. محمد رضا العاني – مصدر سابق – ص211 ; وذهبت محكمة التمييز في احد قراراتها الى انه ( اذا عزل الوكيل وتبلغ بالعزل لا يطعن في صحة التصرف الذي اجراه بعد العزل انهاء العلاقة بينه وبين موكله ولا يحتج على الغير حسن النيه الذي تعاقد مع الوكيل المعزول استناداً الى وكالة قانونية استخرجت صورتها من الكاتب العدل وكان على الموكل اخطار الكاتب العدل بالعزل وليؤثر ذلك في تسجيله ويمتنع عن تزويد الوكيل بصورة الوكالة وعلى الموكل في هذه الحالة اثبات علم المتعاقد مع الوكيل بأنه معزول عن الوكالة رقم (759/مدنية اولى/1977 تاريخ القرار 4/6/1978 منشور في مجموعة الاحكام العدلية العدد الثاني السنة التاسعة 1978)) ص59-60 .

4- نصت المادة (521) من القانون المدني العراقي على انه ( الوكيل بشراء شيء والوكيل بقبضه رؤيتهما كرؤية الاصيل اما الرسول فلا تسقط رؤيته خيار المشتري ) راجع في بيان ذلك شراح القانون المدني العراقي ; د. سعدون العامري ، الوجيز في شرح العقود المسماة في البيع والايجار ، ط3 ، مطبعة العاني ، بغداد ، 1974م – ص40 ; د. جعفر الفضلي ، الوجيز في شرح العقود المدنية البيع والايجار والمقاولة دراسة في ضوء التطور القانوني معززة بالقرارات القضائية ، دار الكتب للطباعة والنشر ، 1989م ص35 ; د. عباس حسن الصراف ، عقدي البيع والايجار في القانون المدني العراقي ، مطبعة الاهالي ، بغداد ، 1956م – ص84-85 ; د. غني حسون طه ، الوجيز في نظرية الالتزام الكتاب الاول مصادر الالتزام ، بغداد ، 1971م – ص76 .

5- د. عزيز كاظم جبر ، خيار الرؤية بين نظرية الغلط وقواعد تعيين البيع ، بحث منشور في مجلة العلوم القانونية ، المجلد السابع عشر ، العدد الاول والثاني ، 2003م ، ص240-241 .

6- د. سعيد مبارك ، طه الملا حويش ، صاحب عبيد الفتلاوي ، الوجيز في العقود المسماة البيع والمقاولة ، دار الحكمة للطباعة والنشر ، بغداد ، 1992،1993م – ص32 ; د. كمال ثروت الونداوي ، شرح احكام عقد البيع ، دراسة مقارنة مع مجموعة من التشريعات العربية والاجنبية ، ط1 ، مطبعة دار السلام ، بغداد ، 1973م – ص65 ; د. الذنون شرح القانون المدني العراقي العقود المسماة (عقد البيع) ، بدون سنة طبع – ص65-66 .

7- نصت المادة (484) من القانون المدني اليمني على انه ( يصح البيع لما يراه المشتري حال العقد بشرط ذكر جنسه ووصفه او بشرط الاشارة الى المبيع او الى مكانه او لما يكون المشتري قد رآه قبل العقد قاصداً شراءه ثم اشتراه عالماً انه مرئية السابق ورضي به على هذا الاساس وتكون رؤية الوكيل المفوض في الشراء وقبضه المبيع ورضاه به كرؤية الاصيل وقبضة ورضاه ) .

8- راجع نصوص المواد (184-188) من القانون المدني الاردني وانظر د. علي هادي العبيدي ، العقود المسماة في البيع والايجار ، ط1 ، جامعة اربد ، القاهرة ، 1997م – ص41 .

9- د. احمد نجيب الهلالي ، شرح القانون المدني في العقود المسماة ( البيع والحوالة والمقايضة ) ، مطبعة الاعتماد ، مصر ، 1925م – ص94 ; وراجع مؤلفة مع د. حامد زكي ، شرح القانون المدني (البيع والحوالة والمقايضة ) ، ط3 ، مطبعة الفجالة الجديدة ، 1954م – ص78،81 ; د. سليمان مرقص ، د. محمد علي امام ، عقد البيع في التقنين المدني الجديد ، مطبعة نهضة مصر بالفجالة ، 1955م ص161 .

10- د. انور سلطان ، د. جلال العدوي ، العقود المسماة عقد البيع ، دار المعارف للنشر ، بدون سنة طبع ص169-170 ; د. خميس خضير ، البيع في القانون المدني ، الناشر مكتبة القاهرة الحديثة ، 1969م ص51،53 ; د. سليمان مرقص ، عقد البيع شرح القانون المدني ، مطبعة النهضة الجديدة ، 1968م – ص222 .

11- د. جميل الشرقاوي ، شرح العقود المدنية البيع والمقايضة ، دار النهضة العربية ، بدون سنة طبع – ص44 ; د. اسماعيل غانم ، مذكرات في العقود المسماة عقد البيع ، مطبعة الكتاب العربي ، مصر ، 1958م – ص69 .

12- د. مصطفى احمد الزرقاء ، شرح القانون المدني السوري العقود المسماة عقد البيع والمقايضة ، ط6 ، مطابع فتى العرب ، دمشق ، 1384هـ،1965م – ص48-49 ; د. الصراف –شرح عقد البيع في القانون المدني الكويتي دار البحوث العلمية ، الكويت ، بدون سنة طبع – ص248 .

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .