المعاينة

تعد المعاينة من الادلة المهمة في الوقائع المادية، ويكون القاضي عن طريقها اعتقاده بملامسته للوقائع ذاتها واستخلاص الدليل من مشاهداته لا مما يقدمه له الخصوم من الاقوال والمستندات والبيانات، وهي ضرورية في بعض القضايا، اذ يتعين معاينة محل النزاع وفحص حالته لتتمكن المحكمة من تكوين اعتقاده الصحيح عن حقيقة المنازعة وكيفية استخلاص الحكم فيها (1). وان المدعي مهما بلغ في وصف المدعى به الغائب عن مجلس القضاء وتعريفه، فقد يبقى وصفه مبهما لا تتجلى فيه صورة المدعى به في ذهن القاضي، وقد يخالفه خصمه في الوصف، فلا يهتدي القاضي الى حقيقة الحال المقصورة في التحقيق والحكم، فلوجود ابهام في الوصف ومخالفة الخصم، يجد القاضي ضرورة لإجراء المعاينة على المدعى به وتقرير حالته لتكون اساسا للدعوى (2). وتنتج المعاينة ثبوتا لبعض الوقائع بمعاينة القاضي لها وقد يستخلص من المعاينة قرائن يستدل بها على امور معينة تتعلق بالدعوى (3). والاصل ان القاضي لا يجوز له الحكم بعلمه الشخصي عن وقائع الدعوى، وهذا المنع يقتصر على الوقائع المتحصلة له قبل اقامة الدعوى امامه، ولا يسري هذا المنع على قيامه بإجراء المعاينة، فبإمكانه ان يجمع بحواسه الذاتية معلومات عن الوقائع المتنازع عليها والتي تؤدي الى معرفة الحقيقة (4). وان انتقال المحكمة للمعاينة من الرخص المخولة لها، فلا معقب لسلطتها في ذلك متى وجدت في أوراق الدعوى ما يكفي لاقتناعها (5). اما في الشريعة الاسلامية فليس فيها ما يدل على ان المعاينة من وسائل الاثبات، بمعنى ان نظرية الاثبات في الفقه الاسلامي لم تتضمن قواعد منضبطة للمعاينة، كما هو الحال في القوانين الحديثة، خلافا لطرق الاثبات الاخرى كالبينة والاقرار واليمين مثلا، ولكن المعاينة كوسيلة من وسائل التعرف على الحقيقة لم تكن غريبة على القضاة المسلمين، فاذا تلونا سورة يوسف في القرآن الكريم نجد ان احد اقرباء زوجة فرعون المقيمين في القصر اعتبر حكما في النزاع الذي ثار بينها وبين النبي يوسف (عليه السلام) فرأى ان يحكم على أساس المعاينة على الطبيعة لتحديد موقف كل من الطرفين وهنا حدثت اول معاينة معروفة في (شرع من قبلنا) لمعرفة ما اذا كان النبي يوسف معتديا فيكون من الطبيعي ان يكون قميصه ممزقا من الامام نتيجة مقاومة زوجة فرعون وان كانت زوجة فرعون هي التي حاولت تحريض النبي يوسف (عليه السلام)، وحاول هو الهرب منها، فيكون من الطبيعي ان يكون قميص النبي يوسف ممزقا من الخلف، وكان نتيجة المعاينة ان قميص النبي يوسف كان ممزقا من الخلف وهنا قضى الحكم في النزاع بأنه ثبت كذب المرأة وصدق النبي يوسف (6). ولدى الرجوع الى قانون الاثبات رقم 107 لسنة 1979 نجد أن المواد 125 – 131 حددت نطاق المعاينة واجراءاتها وحجيتها.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- العلام، شرح، ج2 ص607.

2- النداوي، دور الحاكم المدني، ص455.

3- عبد الجليل برتو، شرح ص304 – 305. د. احمد مسلم، اصول المرافعات، القاهرة 1970 فقرة 588 ص634.

4- فتحي والي، قانون القضاء المدني اللبناني، ص556. وقرار محكمة النقض المصرية. الطعن رقم 8 س36 ق. نقض 16 / 4 / 1970 وقرارات اخرى. انور طلبة ص 380 – 381.

5- الصوري ج3 ص1224 – 1225 ويشير الى قرار لمحكمة النقض المصرية في 3 / 2 / 1955.

6-عبد الباسط جميعي وآخرون، الوسيط، 883 – 884.

 

المعاينة في القضاء المستعجل

ان القضاء المستعجل قرار مؤقت تتخذه المحكمة طبقا للإجراءات التي يحددها القانون للحماية من خطر التأخير في حماية حق يرجح وجوده دون التعرض لا صل الحق، وبذلك فان القضاء المستعجل يقوم على ركنين هما : الخطر العاجل، وهو خطر محدق بالمال المراد المحافظة عليه خوفاً من الضرر، وعدم المساس بأصل الحق، فالقضاء المستعجل لا يحدث تغييرا في المراكز القانونية الموضوعية للخصوم، وإنما يعمد الى اتخاذ قرار على ظاهر المستندات المقدمة لدرء الخطر المحدق، فمثلا ان القضاء المستعجل لا يقرر عائديه الأموال التي يخشى عليها من فوات الوقت، وهل هي للمدعي او للمدعى عليه (1). واجراء المعاينة في القضاء المستعجل، يكون بأن يتقدم طلبه، بدعوى اصلية ترفع امام محكمة البداءة، يطلب فيها الانتقال الى المحل المتنازع فيه، مع الاستعانة بخبير او بدونه، لكن مع وقوع ضرر محقق لا يمكن تلافيه مستقبلا، خشية ضياع معالم الواقعة المراد اثباتها (2). كأن تفيض ساقيه وتتلف مزروعات الغير، او ينفجر انبوب ماء وتتسرب المياه الى احدى الدور مع الاضرار بالاثاث، او ينهار جدار على اموال او بضاعة تعود للجار، او تثبيت حالة الفواكه والخضروات او الحبوب او الاقطان التي قد تتعرض اسعارها الى تقلبات (3). وكذلك في حالة تصادم سيارتين او سفينتين او سقوط طائرة، او تثبيت حالة الاعمال التي انجزها المقاول عن العمل، وقيمتها تمهيداً لتمكين رب العمل من الاستمرار في البناء لغرض الرجوع على المقاول بالتعويض (4).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1-النداوي، المرافعات المدنية ص309 – 310. وانظر الاسباب الموجبة لقانون المرافعات المدنية.

2-محمد علي راتب قضاء الأمور المستعجلة ط2 فقرة 309 ص190.

3-حسين المؤمن، ج4 ص264 و 267.

4-محمد علي راتب فقرة 310 ص191.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .