بحث ودراسة قانونية توضح دور المراكز الاسلامية في الدول غير الاسلامية في توثيق الزواج و الطلاق

أ.د. عبدالحميد المجالي

المقدمة:

يعتبر تسجيل عقد الزواج من القضايا المهمة والتي تحتاج إلى مزيد بحث ودراسة وخصوصاً بأن عقود الزواج إلى عهد قريب في البلاد الإسلامية لم تلق الاهتمام تبعاً للظروف وأحوال الدولة الإسلامية، أما وقد تغيرت الظروف وأصبح تسجيل عقد الزواج من القضايا التي يترتب عليها الكثير من المصالح بحسب طبيعة الحياة المعاصرة. والتي تقتضي على سبيل الوجوب تسجيل تلك العقود لدى الجهات المختصة لما يترتب على عدم التسجيل من أضرار ومفاسد تترتب على صور العقود المدنية الموجودة هذه الأيام.
والجاليات الإسلامية في شتى أنحاء العالم بحاجة إلى مثل هذه الإجراءات حيث طبيعة حياة الجالية تقتضي إجراء العقود، فبعض الدول سهلت هذه القضية بأن اعتمدت سفاراتها لإجراء العقود وتبقى القضية في بعض أفراد الجالية الذين لا يوجد لهم سفارات في تلك البلاد وهذا البحث يناقش هذه القضية الهامة. والله الموفق وهو الهادي إلى سواء السبيل.

إجراءات عقد الزواج لدى الجاليات الإسلامية

المطلب الأول : توثيق عقد الزواج .

نقصد بتوثيق عقد الزواج اكتتابه لدى القاضي كجهة مختصة في اجراءات عقد النكاح أو أي جهة يفوضها القاضي لاجراء كتابة العقد وتوثيقه كما هو الحال في أيامنا هذه، والناظر في كتب الفقهاء القدامى في هذه المسألة وبحسب طبيعة المجتمع المسلم السابق وطبيعة اجراءات الدولة في ذلك الزمان يجد أن الفقهاء لم يشترطوا توثيق العقد على يد قاضي أو عالم ويستطيع العاقدان إجراء العقد بنفسيهما من غير احتياج إلى وسيط يقوم بإجرائه ويكفي في انعقاده النطق بالايجاب والقبول مشافهة بحضور الشهود، ولم يكن يطالب المسلمون بتسجيل عقد الزواج، كل ما طلبته الشريعة الاشهاد عليه واستحب اعلانه وإشهاره .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية (ولا يفتقر تزويج الولي المرأة إلى حاكم باتفاق العلماء ) 0
وابتدأت كتابة العقود عندما بدأ المسلمون يؤخرون المهر أو شيئاً منه وأصبحت هذه الوثائق التي يدون فيها مؤخر الصداق أحياناً وثيقة لاثبات الزواج .

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- : “لم يكن الصحابة يكتبون صداقات لأنهم لم يكونوا يتزوجون على مؤخر، بل يعجلون المهر وإن أخروه فهو معروف، فلما صار الناس يزوجون على المؤخر والمدة تطول وينسى صاروا يكتبون المؤخر، وصار ذلك حجة في اثبات الصداق وفي أنها زوجة له .
وعلى هذا، فتسجيل العقد وتوثيقه أمر لا تشترطه الشريعة الإسلامية لصحة العقد، فالتصور الإسلامي من حيث المبدأ لا يفرض شكلاً من الأشكال لإتمام الزواج، فعقد الزواج شأن سائر العقود يتم كما ذكرنا بمجرد الإيجاب والقبول، ولا يتوقف وجوده وثبوته على بينة كتابية بل تكفي فيه البينة الشخصية لإثباته سواء كان ذلك فيما يتعلق بنفس العقد أو آثاره من مهر ونفقة وما إلى ذلك من الحقوق .

هذا عند الفقهاء القدامى أما اليوم وفي زمن يختلف من جميع النواحي حيث اقتضت طبيعة الحياة أن يكون هناك وثائق اثبات وجوازات سفر وشهادات ميلاد ودفتر عائلة كلها وثائق رسمية لدخول المدارس والجامعات والوظائف الحكومية والخدمة العسكرية، كذلك الضرورة تقتضي اجراء مسح للسكان من أجل التخطيط والتنظيم،ودراسة الموارد والمصارف والتي تعتمد في أغلبها على عدد السكان فهذه الظروف المعاصرة وغيرها اقتضت ضرورة تسجيل عقد النكاح وتوثيقه رسمياً لدى الجهات المختصة في الدولة وإن كان المعاصرين من الفقهاء قد اعتبروا هذه الإجراءات تنظيمات شكلية أو ادارية بقصد تحقيق الأهداف والغايات التي ذكرت أو بقصد حماية الزوجية، والمحافظة على مصالح العقد، ولا يوجد ما يمنع شرعاً من تلك الإجراءات التي من شأنها أن تحقق مصالح الدولة والأفراد والمجتمع بشكل عام فلا مانع شرعاً من وضع الضوابط والشروط الشرعية التي لا صلة لها بالصحة الشرعية للعقد من أجل اتمام التوثيق والكتابة هذا عند بعض الفقهاء المعاصرين حيث ذهبوا إلى القول بأنه لا يترتب على تسجيل العقد أو عدمه أي أثر ديني .

والحقيقة أن هذا الحكم من وجهة نظري محل نظر إذا ما نظرنا إلى المصالح التي يحققها تسجيل العقد وتوثيقه لدى الدوائر الرسمية في وقت أصبح التسجيل ضرورة ملزمة إذ لا تستقيم الحياة أبداً ومن المستحيل اجراء أي معاملة رسمية في دوائر الدولة دون أن يكون هناك وثائق تعرف بصاحبها وهذه الوثائق تعتمد في أساسها على عقد الزواج الذي بموجبه تكون شهادة الميلاد والرقم الوطني وبطاقة الأحوال وجواز السفر وبهذه الوثائق يدخل المدرسة والجامعة وأي وظيفة حكومية أو معاملة رسمية.

هذا بالاضافة على دفع الشبهة واثبات النسب وقيام الزوجية الصحيحة من هنا أرى بأن تسجيل العقدة تنفيذاً لأمر ولي الأمر أخذاً من قول الله تعالى (وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) وجرياً على قاعدة أمر الأمير في المباح واجب، وحيث تتحقق المصلحة في توثيق العقد وتندفع مجموعة مفاسد في ذلك فإنني وبناء على ذلك أرى بأن تسجيل عقد النكاح واجب شرعي اقتضته طبيعة الحياة المعاصرة وأن مخالفة ولي الأمر في هذه المسألة الهامة توجب المؤاخذة في الدنيا كذلك الاثم الأخروي خلافاً لما ذكر بعض المعاصرين من أن تسجيل عقد النكاح شرط قضائي ولا علاقة لها بأي أمر ديني .
ولهذا الرأي مبرراته وأهدافه وأهمها :

1- المحافظة على حقوق الزوجين والأولاد ممثلة بالنسب والنفقة والميراث والحضانة من أن نتعرض للضياع والعبث والجحود .
2- ضعف الوازع الديني في النفوس، وما ترتب عليه من انتشار الكذب وتفشي الدعاوي الزوجية الباطلة زوراً وبهتاناً من قبل ذوي المقاصد السيئة، إخفاء للعلاقات غير الشرعية، أو وصولاً إلى الكسب غير المشروع للمال رغبة في التشهير، معتمدين في اثبات الدعاوى على شهود الزور الذين قد يكون اشتراء ضمائرهم سهلاً وميسوراً .
3- الحاجة إلى هذا التوثيق كما ذكرنا في المعاملات الرسمية المختلفة .

المطلب الثاني : توثيق عقد النكاح في قانون الأحوال الشخصية الأردني والبلاد العربية .

نصت معظم قوانين الأحوال الشخصية في البلاد الإسلامية على وجوب توثيق عقد الزواج، واشترطت شروطاً لا بد من توافرها لإجراء العقد، حيث أوجبت المادة السابعة عشرة تسجيل عقد النكاح وبينت من الذي له الحق في الإذن بالزواج، ومن الذي يقوم بإجرائه، وحددت عقوبة من يجري العقد من غير إذن، أو بدون وثيقة رسمية كما حددت الجهة التي من حقها اختيار مأذوني عقود الزواج، وبينت الجهة التي تقوم بإجراء عقود الزواج خارج المملكة .

نصت المادة (17) على ما يلي :
(أ‌) يجب على الخاطب مراجعة القاضي أو نائبه لإجراء العقد .
(ب‌) يجري عقد الزواج من مأذون القاضي بموجب وثيقة رسمية وللقاضي بحكم وظيفته في الحالات الاستثنائية أن يتولى ذلك بنفسه بإذن من قاضي القضاة .
(جـ) وإذا جرى الزواج بدون وثيقة رسمية فيعاقب كل من العاقد والزوجين
والشهود بالعقوبة المنصوص عليها في قانون العقوبات الأردني،وبغرامة
على كل منهم لا تزيد على مائة دينار .
(د‌) وكل مأذون لا يسجل العقد في الوثيقة الرسمية بعد استيفاء الرسم يعاقب بالعقوبتين المشار إليهما في الفقرة السابقة مع العزل من الوظيفة .
(هـ) يعين القاضي الشرعي مأذون عقود الزواج بموافقة قاضي القضاة ولقاضي القضاة إصدار التعليمات التي يراها لتنظيم أعمال المأذونيين .
(و‌) يتولى قناصل المملكة الأردنية الهاشمية المسلمون في خارج المملكة إجراء عقود الزواج وسماع تقارير الطلاق للرعايا الأردنيين الموجودين في خارج المملكة وتسجيل هذه الوثائق في سجلاتها الخاصة .
(ز‌) تشمل كلمة قنصل وزراء المملكة الأردنية الهاشمية المفوضين والقائمين بأعمال هذه المفوضيات ومستشاريها أو من يقوم مقامهم .

ونص هذه المادة هام لموضوع البحث الذي أقدم وذلك لأن الرعايا الأردنيين خارج البلاد وإن عدوا من الجاليات الإسلامية فإن القضية بالنسبة لهم معروف مرجعيتها وإجراءاتها وذلك بمراجعة السفارات الأردنية التي لديها توكيل من قاضي القضاة باتمام اجراءات عقد النكاح .

توثيق العقد في القانون السوري :

مادة (4-1) يقدم طلب الزواج لقاضي المنطقة مع الوثائق الآتية :
أ‌- شهادة من مختار وعرفاء المحلة باسم كل من الخاطب والمخطوبة وسنه ومحل إقامته واسم وليه وأنه لا يمنع من هذا الزواج مانع شرعي .
ب‌- صورة مصدقة عن قيد النفوس الطرفين وأحوالهما الشخصية .
جـ شهادة من طبيب يختاره الطرفان بخلوهما من الأمراض السارية ومن الموانع الصحيحة للزواج، وللقاضي التثبت من ذلك بمعرفة طبيب يختاره.
د‌- رخصة بالزواج للعسكريين ولمن هم في سن الجندية الإجبارية .
هـ- موافقة مديرية الأمن العام إن كان أحد الزوجين أجنبياً .
2- لا يجوز تثبيت الزواج المعقود خارج المحكمة إلا بعد استيفاء هذه الإجراءات ولا يمنع ذلك من ايقاع العقوبة القانونية .
مادة (41) يأذن القاضي باجراء العقد فوراً بعد استكمال هذه الوثائق وله عند الاشتباه تأخيره لاعلانه مدة عشرة أيام والقاضي يختار طريق الإعلان ؟
مادة (42) إذا لم يجر العقد خلال ستة أشهر يعتبر الاذن ملغي .
مادة (43) يقوم القاضي أو من يأذن له من مساعدي المحكمة بإجراء العقد .
مادة (44) يجب أن يشمل صك الزواج :
أ‌- أسماء الطرفين كاملة وموطن كل منهما .
ب‌- وقوع العقد وتاريخه ومكانه .
جـ الشهود والوكلاء كاملة وموطن كل منهم .
د – ر المهر المعجل والمؤجل وهل قبض المعجل أم لا .
هـ توقيع أصحاب العلاقة والمأذون وتصديق القاضي .
مادة (45)
1- يسجل المساعد الزواج في سجله المخصوص ويبعث بصورة عنه لدائرة الأحوال المدنية خلال عشرة أيام من تاريخ الزواج .
2- تغني هذه الصورة عن إخبار الطرفين دائرة الأحوال المدنية بالزواج ويكون المساعد مسؤولاً عن إهمال إرسال الصورة .
مادة (46) تعفى معاملات الزواج من كل رسم .

المطلب الثالث : الزواج العرفي أو المدني :

وفيه المسائل التالية :

المسألة الأولى :الزواج العرفي أو المدني الذي يتم خارج المحكمة بشهود وايجاب وقبول وولي وعلى اعتبار أن طبيعة الحياة المعاصرة اقتضت وجوب تسجيل عقد الزواج في المحاكم الشرعية ولدى الجهات الرسمية لما يترتب عليه من مصالح فإن العقد العرفي يعتبر مخالفاً وفيه من المفاسد ما يكفي لمنعه، والفتوى بعدم جوازه.
علماً بأنه ونتيجة للظروف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والانفتاح العالمي والعلاقة بين الشرق والغرب اخذت الأصوات تتعالى في بعض الأوساط داعية إليها، ويتولى كبر هذه الدعوة ملحدون أو مسلمون مضللون، أو رجال دين مسيحي في العالم الإسلامي متسترين وراء شعارات زائفة كالعدالة، وإتاحة الفرصة لإقامة مجتمع متجانس تلتغي في الفوارق بين طوائف المجتمع على اساس من التسامح الديني، وإتاحة الفرصة للأقليات التي تعيش في المجتمع وهي لا تعترف بدين لكي يعترف بها كحقيقة واقعة، وتحقيقاً لهذه الأغراض تبنى أصحاب هذه الدعوات فكرة الزواج المدني أو العرفي .

المسألة الثانية : صور الزواج العرفي :
الصورة الأولى : إفساح المجال لكل من الرجل والمرأة أن يختار احدهما الآخر، وأن يمارسا العلاقات الجنسية دون التقيد بشرط التوافق الديني بين الزوجين، وعليه يكون بمقدور الرجل الزواج من أية امرأة مسلمة كانت أو كتابية أو وثنية. دون تفريق، كما تستطيع المرأة أن تتزوج من أي رجل مسلماً كان أو غير مسلم .
ويعني هذا الزواج بالتالي عدم التزام الزوج بتطبيق الأحكام الشرعية من حيث النفقة وضمان النواحي المالية للزوجة والأولاد .
وهذا النوع من الزواج غير مقبول شرعاً وذلك للاعتبارات التالية :
1- ان التوافق الديني بين المسلمة وزوجها شرط أساسي لصحة الزواج لا يقبل التنازل ، فلا يصح للمرأة المسلمة الزواج بغير المسلم بأية حال ولاي ظرف أو سبب .
2- أن الصورة المذكورة للزواج تلحق ضرراً بالغاً بثمرة الزواج وأهم مقاصده وهم الأولاد حيث ينشأون بعيداً عن الانتماء الإسلامي أو الديني عامة وكفى بذلك ضرراً وضياعاً .
3- أن حملة لواء هذه الدعوة أناس ذوي غايات خبيثة ومشبوهة يخفونها وراء أهداف نبيلة الظاهر كالعدالة والتسامح الديني والتجانس الوطني والاجتماعي، وهذ الدعاوى مرفوضة، لأن العدل ما وافق الشرع واستمد منه تعاليمه، لا ما خالفه وجافاهن ولأن الإسلام غير ملزم باختفاء الصبغة الشرعية على التصرفات البعيدة عنه كما أن الزواج القائم على أسس الدينية لا يمس الوحدة الوطنية والاجتماعية بأي ضرر .
4- أن تشجيع فكرة الزواج المدني في المجتمعات الإسلامية التي تعيش بين ظهرانيها أقليات دينية غير مسلمة، أو ملحدة يعصف بالصبغة الإسلامية والطابع الديني للمجتمع المسلم .
5- إن هذا الزواج يفتح الباب أمام المسلم ليتزوج من غير المسلمة وأما المسلمة للزواج من غير المسلم، ومثل هذا الزواج لا يحقق غاياته وأغراضه لأنه يعوزه عنصر الانسجام الفكري والروحي المستمد من العقيدة والذي يمثل الدعامة الأساسية لاستقرار البيت، وهذا النوع من الزواج ينتشر في البلاد الأوروبية التي فيها الانحلال الخلقي وعدم الاهتمام بالبيت والأسرة من قبل كثير من أفراده .
الصورة الثانية : الزواج العرفي الذي كان معروفاً لدى المسلمين الى عهد قريب بحيث يتم الايجاب والقبول بين الرجل والمرأة مباشرة مع حضور الشهود، دونما حاجة إلى أن يجري بحضور المأذون الشرعي أو من يمثل القاضي أو الجهات الرسمية، وإلى عهد قريب في بلاد المسلمين وغياب الدولة في المفهوم الحديث كانت كل حالات الزواج تتم بهذه الطريقة المتعارف عليها بين الناس إذ لا توثيق ولا سجلات، كذلك نشأت هذه الفكرة في أوروبا للتحرر من سلطان الكنيسة التي كانت تستأثر لنفسها بحق إجراء الزواج، بحيث تعتبره لاغياً إذا لم يتم عن طريقها، ومنسجماً مع تعاليمها، وقد عبرت المجتمعات الأوروبية عن ثورتها على هيمنة الكنيسة بأن استحدثت فكرة الزواج المدني، وعلى ضوئها يجري عقد الزواج في مراكز الأحوال المدنية دونما الرجوع إلى الكنيسة .
والزواج المدني بهذا المعنى صحيح من الناحية الشرعية وتترتب عليه كامل آثار العقد الصحيح لكن ضرورة الحياة المعاصرة اقتضت وجوب تسجيل العقد لدى الجهات الرسمية لما يترتب عليه من مصالح فرضتها طبيعة الحياة المعاصرة ودرءاً للمفاسد التي تترتب على عدم التسجيل من تضييع للحقوق في حالة التناكر والاختلاف وغيرها من المفاسد التي سبق الإشارة إليها .

الصورة الثالثة : هي الصورة التي تظهر في مجتمعات المسلمين تأثراً بالفكر الغر بي ونتيجة لذيوع وانتشار ثقافة الجنس عن طريق المحطات الفضائية التي ملئت الدنيا ووسائل الأعلام الأخرى المسموعة والمقروءة والاختلاط في الجامعات والعمل، والظروف الاقتصادية المعقدة وغلاء المعيشة وفقدان السكن وتدني الدخول والاجور ظهرت صورة جديدة تقوم على إتاحة الفرصة لكل من المرأة والرجل للالتقاء بالرضى والموافقة واشهاد صوري على العقد يتبعها اشباع الجنس بدون عقد شرعي اكتفاء بتراضيهما وبدون أي التزام لحقوق بين الزوجين كما يرتبها العقد الصحيح .
والزواج بهذه الصورة باطل ومرفوض شرعاً للأسباب التالية :

1- أن العقد شرط اساسي في إنشاء العلاقة الزوجية، ولا يكفي لصحته مجرد الاتفاق الرضائي، ولما كان الزواج المدني بالصفة السابقة يفتقر إلى الإيجاب والقبول بحضور الولي، لم يكن له أثر في إيجاد علاقة مشورعة بين رجل ومرأة .
2- أن الإسلام يحرص على اضفاء طابع القدسية على الرابطة الزوجية صبغاً لها بالصبغة الإنسانية، وسمواً بها عن التصرف البهيمي، وهذه المعاني جميعاً تتحقق بقيام هذه العلاقة .
3- أن الزواج المدني يتبعه الطلاق المدني بحيث يكون لكل من الزوجين حق فصم عرى هذه العلاقة متى شاء، مع أن الأصل أن يكون الطلاق بيد الرجل دون المرأة، ومن شأن هذا الوضع أن يسرع في تصدع الأسرة، وما يتبع ذلك من تشرد الأبناء .
4- أن صورة العقد بهذا الشكل تفقده الحقوق المترتبة على العقد الصحيح من الناحية الشرعية وتجعل الزواج علاقة تستهدف المتعة العابرة وتنحدر به عن أهدافه السامية، ووسائلة المشروعة، فهذه الصورة أشبه ما تكون بالزنا بالتراضي بين الطرفين حسب القوانين الغربية والمستورة للبلاد الإسلامية بحيث لا عقوبة يرتبها القانون والحال هذه .
وفتح الباب بصحة هذا العقد في زمن الاختلاط والتعري والفسق والظروف الاقتصادية القاسية معناه فتح باب الزنا على مصراعيه للأجيال الكاملة أسوة بالدول الغربية التي لا تقيم وزناً للأسرة والعائلة والحياة الزوجية .

المطلب الرابع: إجراءات تسجيل عقود النكاح لدى الجاليات الإسلامية

عقود الزواج لدى الجاليات والأقليات المسلمة في أوروبا (أيطاليا نموذجاً)

1-يمكن الإشارة إلى قدم وتنوع أشكال الجاليات الإسلامية في أوروبا، أما من أهل البلاد الأصليين كما هو الحال مثلاً في البوسنه أو من الوافدين من العالم الإسلامي. والوافدون إلى أوروبا من المسلمين إما قدامى، وقدوا مع الاستعمار الأوروبي، فقد وفد من شبه القارة الهندية وأفغانستان واليمن وإيران وبعض البلاد العربية جماعات من المسلمين واستقروا في المملكة المتحدة. في حين وفد مسلمون من مناطق أفريقيا من الجزائر والمغرب وتونس والسنغال وسواها من مناطق أفريقيا إلى فرنسا. كما وفد مسلمون من الصومال وأرتيريا وأثيوبيا وليبيا إلى إيطاليا. ومثل ذلك وفد مسلمون من أندونسيا وجنوب شرق أسيا إلى هولندا أو من الأتراك الذين وفدوا إلى ألمانيا.

أما في النصف الثاني من القرن العشرين فقد وفد إلى بلدان أوروبا من العالم الإسلامي عادة فئات متنوعة، وصلت إلى أوروبا بأهداف أو دوافع متعددة. فهم إما عمال ذهبوا لكسب لقمة العيش فوصلوا بطرق شرعية وأحياناً غير شرعية وهي الهجرة غير القانونية التي يجري الحديث عنها في الإعلام الأوروبي. وإما طلباً للعلم، لتزود بصنوف المعرفة المختلفة التي تفوقت بها أوروبا في العصور الأخيرة. وإما طلباً للأمن وقراراً من العسف والظلم الذي ظهر في بعض الدول العربية والإسلامية التي استبد حكامها بالشعب أيما استبداد. وإما اعجاباً بالغرب ومخترعاته ونظمه ومجتمعاته الذي ما طفقت دعايته تملئ الآفاق.
……. ومتفاوته، مما يمكن معه وجود مؤسسات معترف بها من عدمه، وأن يكون النشاط الإسلامي القانوني أو أن يكون هذا الوجود الإسلامي ليس أكثر من نشاط خاص تراقبه الحكومات الغربية وتحذره دون أن تعترف به أو تمنحه صفة قانونية.
3-الملاحظة الثالثة هي أن نشاط البعثات الدبلوماسية العربية والإسلامية في العواصم الغربية ليس بالمستوى المطلوب في رعاية شؤون المسلمين وحتى رعاياها. بما فيها شؤون الزواج والطلاق وإجراء العقود، ولا شك أن السفارات الأردنية والسعودية والليبية والإنسانية إلى جانب البعثات الخليجية عامة والباكستانية تبدي بعض الاهتمام أحياناً بالشؤون الإسلامية أو الشرقية.
4-الحالة التي أقدم عنها بعض المعلومات التفصيلية هي عقود الزواج لدى الجالية الإسلامية في ايطاليا وفي ما يلي الملاحظات التالية بهذا الخصوص:

أ-يجب أن يغيب عن البال أن ايطاليا تضم معقل الكنيسة الكاثوليكية في العالم، المتمثل في دولة الفتيكان في روما. وقد كان لهذا الاعتبار دور كبير في تعقيد ذلك إلى قريب وفي إقامة المسجد الرئيسي في روما أو المراكز الإسلامية الأخرى.
ب-في سنوات الستينيات إلى الثمانينيات من القرن العشرين لم يكن الوجود الإسلامي سوى بضعة آلاف جلهم الذين اعتنقوا الإسلام لسبب أو آخر. ولم تكن هناك جهة أو مؤسسة ترعى هؤلاء أو أولئك إلى أن ظهر اتحاد الطلبة المسلمين (USMI) الذي ما لبث أن ضم فروعاً منتشرة في المدن الإيطالية الكبرى وفي تجمعات الطلبة في الجامعات كانت فروع الاتحاد ترعى بشكل أساسي إقامة صلاة الجمعة وأحياناً صلاة الجماعة في الأوقات الأخرى. في مصليات أو مساجد مستأجرة أو غرف خاصة في بيوت الطلبة وكما كانت ترعى الشؤون الإسلامية عامة. وقد ظهر في هذه المرحلة بعض المراكز الإسلامية من مثل المركز الإسلامي في أوروبا الذي مثل الوجود الرسمي في العاصمة الإيطالية وكانت ترعى هذا المركز السفارة السعودية، من خلال رابطة العالم الإسلامي. كما ظهر المركز الإسلامي في ميلانو، الذي يعد أحد انجازات بعد العاصمة روما، كما وجد مركز لبى في مدينة كتانيا في جزيرة صقلية. وقد كانت العقود الإسلامية غالباً أن توثق في مركز روما أو مركز ميلانو.
ج-المرحلة الثانية للوجود الإسلامي في ايطاليا: التسعينات وبداية القرن الجديد، فقد أصبحت الجالية الإسلامية، في ايطاليا قرابة المليونين، وأصبح غالبها من العمال ، وليس من الطلاب، وهم عمال في الغالب من أقطار الشمال الأفريقي، ومع هذه الطفرة الكبيرة في الأعداد كثرت المراكز الإسلامية والمساجد والمصليات لتصل إلى بضعة آلاف ويضم عدد كبير منها اتحاد المراكز والهيئات الإسلامية في ايطاليا) (U.C.O.I) ومقره في مدينة بولونيا في وسط ايطاليا. وبظهور هذا الاتحاد أصبح هو الجهة الرسمية التي تمثل الوجود الإسلامي في ايطاليا وأصبح يتولى تصديق العقود، من الجهات الرسمية الإيطالية.
د-يجب الإشارة إلى أن بعض أبناء الجالية الإسلامية هم من مواليد ايطاليا ذكوراً وإناثاً. وقد بلغوا سن الزواج، وهم يعيشون في ايطاليا، وقاموا كذلك ولا يعرفون لهم وطناً ينتمون إليه سوى ايطاليا، ويحملون الجنسية الايطالية وحدها وأحياناً بعضهم الجنسية الإسلامية التي كان يحملها أباؤهم.

هـ-يمكن النظر في حالات الزواج التي تقسم والعقود التي توثق في الحالات التالية:
1-بين مسلم ومسلمة وافدين إلى ايطاليا.
2-بين مسلم ومسلمة ايطالييين.
3-بين مسلم وافد وايطالية مسلمة.
4-بين مسلم وافد وايطالية غير مسلمة.
5-بين فتاة مسلمة وافدة وايطالي غير مسلم.

الحالة الأولى غالباً ما يتم تسجيل عقد الزواج حسب الأصول الشرعية في أحد المراكز الإسلامية المعتمدة من قبل اتحاد المراكز والهيئات الإسلامية (UCOI)، وكذلك مثلها الحالة الثانية والثالثة. أما الحالة الرابعة التي يتم الزواج بين شاب مسلم وافد إلى ايطاليا وفتاة ايطالية غير مسلمة وهي الحالة الأكثر شيوعاً، وغالباً ما تكون امتداد لحالة صداقة بين هذا الشباب وهذه الفتاة، وقد تتخلها علاقات غير شرعية أحياناً. لكن الأمر يصبح على درجة من الأهمية الدينية عندما يجرى الحديث عن زواج وعقد قران فغالباً من ينجه بعض هؤلاء الشباب لسبب أو أخر إلى توثيق عقد الزواج وفق الأصول الإسلامية وقد كان سابقاً في الستينات والسبعينات والثمانينات ما يتم هذا العقد بحضور شاب متدين مع شهود ثم يصدق العقد من المركز الإسلامي في روما أن في المرحلة الأخيرة فقد أصبح اتحاد المراكز والهيئات الإسلامية (UCOI) هو الجهة المخولة بتوثيق وتصديق العقود.
أما الحالة الأخيرة وهي زواج فتاة مسلمة من شاب ايطالي غير مسلم، وهي حالات قليلة وهي لا تخرج عن أحد وجهين. الأول: أن يتم توثيق عقد الزواج وفق رغبة الشاب الإيطالي وعلى الطريقة الإيطالية التي تسمع بتثبيت عقد الزواج إما لدى الجهات المختصة المدنية وهي دار البلدية أو الجهات الدينية وهي الكنيسة. أو وفق رغبة الفتاة الذي لابد أن يعلن إسلامه أولاً، وقد يشترط بعضهن في حالات قليلة ذلك وغالب ما يكون اعلان الإسلام في حالات من هذا النوع أمر شكلياً. ويتم عقد الزواج لدى أحد المراكز المعتمدة في اتحاد المراكز والهيئات الإسلامية(UCOI) .

ظهر مع توافد العمال العرب المسلمين من شمال أفريقيا إلى ايطاليا، هؤلاء العمال بعضهم من الفتيات غير المتزوجات اللواتي ينتهي ببعضهن الأمر لإقامة صداقة مع بعض الشباب الإيطالي.
كما يمكن الإشارة إلى حالات من النوعين الاخيرين زواج شاب مسلم وافد من فتاة ايطالية غير مسلمة، أو زواج فتاة مسلمة وافدة من شاب ايطالي غير مسلم، أن يتم زواج بعض هذه الحالات على النحو الرسمي الذي يتم لدى الجهات المختصة الايطالية إما في دار البلدية إما كان زواجاً مدنياً أو لدى الكنيسة إن كان زواجاً دينياً.
إلى جانب ذلك يمكن الإشارة إلى حالات من النوعين الأخيرين لا يجرى فيها توثيق الزواج بعقد أو أي شكل من أشكال التوثيق بل تبقى العلاقة قائمة بين الطرفين على نحو ما هو موجود في المجتمع الايطالي هو ما يعرف لديهم بالزواج أو الزوج أو الثنائي المقترح.

أما إجراءات العقود في المراكز الإسلامية في الولايات المتحدة الأمريكية، فقد ذكر بعض الأخوة العائدين من هناك بعد الإقامة في أمريكيا بأن المراكز الإسلامية اعتمدت من يقوم بتسجيل عقد الزواج على غرار ما يجري في البلاد الإسلامية بشروط وأركان عقد النكاح وسماع الإيجاب والقبول وصياغة العقد والتوقيع عليه من المعنيين ثم توثيق هذا العقد على ضوء اختام المركز الإسلامي من المحكمة المدنية ثم السفارات المعنية أو من أي جهة تعتمدها حكومة الولاية لتوثيق العقد.

الخاتمة والنتائج:

مما تقدم يتبين لنا أن مسألة تسجيل عقد النكاح لدى الجهات المختصة من الأهمية بحيث يحتاج على مزيد من الدراسة والبحث وأن تكون الأحكام الصادرة بهذا الخصوص تراعي طبيعة العصر ومقتضياته. والمصالح المترتبة على تسجيل العقد والمفاسد المتأتية من عدم التسجيل خصوصاً مع انتشار صور مختلفة لعقود الأنكحة المدنية والتي ترتب عليها كثير من المفاسد. لذا على العلماء والباحثين من وجهة نظري اعتماد الفتوى بأن تسجيل عقد النكاح لا يكفي القول فيها بأنها مجرد إجراء إداري بل هي واجب شرعي اقتضته ظروف الزمان ومتغيرات العصر.
كذلك تصحيح إجراءات تسجيل عقود الأنكحة لدى الجاليات الإسلامي التي اقتضتها طبيعة عيش هذه الجاليات في الدول المختلفة. ولا شك بأن القائمين على المراكز الإسلامية في الدول الأجنبية لديهم من الحرص والتفاني والعلم الشرعي ما يؤهلهم لمناقشة القضايا المستجدة التي تواجه الجاليات الإسلامية بفقه واقع عندهم لا يتعارض من الثوابت الشرعية والله أعلم.