إحكام العقود والأعمال التجارية
د . عبد المحسن بن محمد المحرج
محامي ومستشار قانوني
mohsen_mh@
جاء عند أهل اللغة أن العقد يُطلق على معانٍ عدة منها : الإحكام، بيد أن عنوان هذا المقال أعني به : زيادة الحبك والتجويد عند صياغة العقد.

لقد حرصت شريعتنا الغرّاء على حفظ الحقوق والحث على احترام الوسائل التي تحقق ذلك، وعند تأمل نصوص الشريعة، وشروحات الفقهاء، نلحظ أن العقود قد تأتي بإرادة منفردة يلتزم فيه المرء بفعل يقوم به : كاليمين مثلاً أو العتق، وقد يكون فعلاً يطال الغير وتتعدد فيه الأطراف : كالشركة والبيع وغيرهما .

استقر لدى الناس أن كلمة (عقد ) عند الإطلاق تتجه بالأذهان نحو العقد بمعنى : توافق إرادتين على إنشاء التزام أو نقله أو تعديله أو إنهائه.

وهذا الالتزام يجب أن يكون له أثر، وإلا فليس له ثمرة حينئذ، مثاله : لو دعاك جارك إلى وليمة على سبيل المجاملة وقبلت، فتخلّف أحدكما، فلا يصح أن يقال بوقوع مسؤولية على أحد الطرفين، بخلاف العقد المقصود والذي تنتج عنه التزامات .

هذه التوطئة تمهّد لفكرة طالما تكررت ورأيت أن أطرحها بين أيديكم، فعند الاطلاع على كثير من العقود تجدها حُررت بنَفَسٍ قصير، روعيت فيها مصالح العميل الأنيّة، وكأن العقد خدمة تُقدّم وتنتهي بانتهائها، ومما أنصح به نفسي ومن يتولى الصياغة أن يراعي مآلات هذا التعاقد، وأهميته وحساسيته للجميع وليس فقط لعميله، وأجزم بأن من تأمل بعقلانية المصلحة المشتركة، واستصحب المعنى من العقد لدى الطرفين، لأوصله ذلك لتطويع المبنى لصالح المعنى .

وعند الحديث عن العقود التجارية فيجب أن نذكّر بأن من طبيعتها وخصائصها( السرعة والإنجاز )، فإذا استحضرنا ذلك انعكس أثره على طريقة صياغتنا للعقود التجارية، إذ العقد لا ينفك عن الظروف التي تحيط به، بل سيمتد أثره باتساع فكر المحامي ومراعاته لتخصصات أخرى.

قد يثار إيراد على هذا الكلام بأن مهمة المحامي والمستشار منصبة على إحكام الصياغة وتقديم العقد للعميل مُغلق الثغرات! وأقول : مهمة المحامي أبعد من ذلك وأعمق، فالعميل أو المستفيد من المحامي يحتاج للخدمة القانونية الوقائية التي تسبق ثبوت الالتزام وإتمام الصفقة، ويحتاج للخدمة المتزامنة لتنفيذ الالتزام، ويحتاج للخدمة حال حدوث نزاع أو إخفاق في تنفيذ الالتزام من أحد المتعاقدين .

إذا أدرك المحامي ذلك سعى عند الصياغة لحفظ حقوق عميله، وإيصال الأطراف لشاطئ السلامة والتنفيذ، ولا يعني ذلك أن يتساهل في إتقان العبارة وسبكها، بل يحرص على تحقيق مصلحة عميله، دون أن يدفعه حرصه إلى جذب الأطراف نحو عقود تشبه عقود الإذعان .

إن كثيراً من رجال الأعمال الذين قابلتهم لَيُكْبِرون المحامي الذي يراعي مصلحة استمرار العمل، ويحجزهم عن الظلم، وينبههم لما قد يطرأ على عقودهم من قوادح، لا الذي يؤيدهم في كل رغباتهم، وتؤسس كتابته على ما يرغبه العميل لا على ما يحقق المصلحة في هذا العقد.

إن مهمة المحامي أو المستشار لا تنحسر في ورقة تُكتب وتُسلّم للعميل، بل هي خدمة تمتد وتتغيا إنجاح هذا الالتزام، فالتاجر لا يهتم كثيراً لعقدٍ صيغت بنوده – كلها أو أغلبها – وفق رغبته مع إجحاف أو إثقال لكاهل الطرف الثاني واحتمال عجزه عن الوفاء بالتزاماته، بل إن من التجار من يدفع من ماله مقابل ( السرعة والإنجاز )، وفي الموانئ التجارية شواهد وقصص.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت