_ أولاً : الفقه في الشريعة الاسلامية : 

يحتل الفقه الاسلامي مكانة بارزة في الشريعة الاسلامية ، ويتمثل دور الفقه من خلال الاجماع من جهة والاجتهاد من جهة أخرى . ويضم الفقه الاسلامي ثروة عظيمة من الأحكام التفصيلية المستنبطة من القرآن والسنة . ويبرهن ذلك على مرونة ورحابة الشريعة الاسلامية وقدرتها على مواجهة احتياجات كل عصر اذا ما تم اتباع أصول الاجتهاد واستنباط الأحكام الشرعية ، وقد كان لتعدد المذاهب الفقهية أثره الواضح على اثراء الفقه الاسلامي واظهار مرونة وسماحة الشريعة الاسلامية حيث تباينت الأحكام في العبادات والمعاملات دون العقيدة ولعل أشهر المذاهب هى المذهب الحنفي ، المذهب المالكي ، المذهب الشافعي ، المذهب الحنبلي . وهناك مذاهب أخرى مثل الشيعة الامامية ، والشيعة الزيدية .

_ ثانياً : دور الفقه في القانون المعاصر :  

تختلف مكانة الفقه باختلاف النظم القانونية ، فدور الفقه ضئيل في القانون الانجليزي لأنه قانون قضائي يقوم على السوابق القضائية ويرتكن الى الحقائق الواقعية ومن ثم فانه يتسم بالطابع العملي ويبتعد عن النظريات الفقهية والتفكير المنطقي . ولم يظهر للفقه أثر ملموس في تكوين القانون الانجليزي الذي اقتصر على الجانب العملي أكثر من الجانب العلمي . واحتل القضاء والقضاة المكانة الرئيسية في النظام القانوني الانجليزي وتتمتع مؤلفات القضاة و آراؤهم بحجية حقيقية فيه .

أما القانون الأمريكي قد تمتع الفقه فيه بمكانة بارزة حيث يلعب دوراً جوهرياً في اظهار بعض القواعد القانونية الهامة من جهة ويمارس تأثيراً كبيراً على القضاء في حالات كثيرة من جهة أخرى . ولعل من الأمثلة البارزة لدور الفقه ظهور الحق في احترام الحياة الخاصة حيث ترجع نشأته الى مقالة نشرت في أواخر القرن الماضي فكان لها تأثيراً كبيراً على القضاء الذي انتهى الى الاعتراف بهذا الحق .

وبالنسبة للقانون المصري لا يعتبر الفقه كقاعدة عامة مصدراً رسمياً للقانون ، الا أنه يلعب دوراً هاماً فيما يتعلق بشرح القانون واستنباط أحكامه ، لذا فان الفقه يعتبر مصدراً يسترشد به القضاء عند الفصل في المنازعات . ولكن يلاحظ أن الفقه يعتبر المصدر الرسمي للقانون في مسائل الأحوال الشخصية التي لم يتم تقنينها بواسطة المشرع . يلتزم القاضي المصري بالفصل في منازعات الأحوال الشخصية بين المسلمين التي لم ينظمها المشرع ” مسائل الأسرة ” طبقاً لأرجح الأقوال في المذهب الحنفي أي أن القضاء يطبق الشريعة الاسلامية كما يستنبطها الفقه الحنفي . ونفس الحكم اذا كان النزاع بين غير مسلمين يختلفان في الطائفة أو الملة أو الديانة . والمرجع في صياغة هذه القواعد هو فقه رجال الدين في كل طائفة .

ويلعب الفقه بصفة عامة دوراً هاماً في خدمة القانون والعدالة عن طريق الدراسات القانونية حيث :

1- يقوم الفقه بشرح القوانين وبيان معناها والكشف عن أحكامها وشروط تطبيقها ويقوم الفقهاء بعملية تجميع القوانين وتقريبها لاستخلاص الاتجاه العام للتشريع وتطوره ، ويقوم الفقه أخيراً بانتقاد التشريع من النواحي الفنية والاجتماعية والمثالية ، أي تقييم الصياغة الفنية للقواعد القانونية وبيان النتائج التي تترتب على تطبيقها في العلاقات الاجتماعية ومدى توافقها مع القيم الدينية ومبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة .

2- يقوم الفقه بتحليل أحكام القضاء ودراستها واستخلاص الاتجاه العام الذي تسير عليه المحاكم المختلفة وتطور أحكامها ، ويقوم الفقه بتقييم أحكام القضاء لبيان مدى توفيقها في تطبيق حكم القانون على الواقع .

3- تلعب الدراسات القانونية الفقهية للتشريعات و أحكام القضاء دوراً هاماً بالنسبة للقضاة ، اذ يغلب أن يسترشد القاضي بآراء الفقهاء في استخلاص الأحكام وتفسير القواعد القانونية وتقصي مفهومها ، بمعنى أن القاضي يسترشد بالفقه في أغلب الأحوال العملية لمعرفة حكم القانون بصدد المنازعات المعروضة أمامه ، وبصفة خاصة في حالات وجود نقص أو عيب في القانون . ولكن ينبغي ملاحظة أن استعانة القضاء بالفقه يكون على سبيل الاستئناس دون الالزام بمعنى أن القاضي يستأنس بالفقه كمصدر تفسيري للقانون ، الا أنه لا يلتزم باتباع آراء الفقهاء .

4- تلعب الدراسات القانونية الفقهية دوراً هاماً على الصعيد التشريعي وذلك من خلال بيان عيوب التشريع وأوجه النقص فيه والدعوة الى تعديله . ويساعد الفقه المشرع في القيام بدوره التشريعي حيث يمده بالمبادئ العامة التي يستطيع أن يستخلص منها قواعد تفصيلية ويقدم له دراسة القانون المقارن و أحكام القوانين الأجنبية عله يأخذ بالمناسب منها والاستفادة من تجاربه .