ليس من السهل التصور أن للتوقيع القدرة على بعث القيمة القانونية في محرر مكتوب ليتحول مضمونه من مجرد تدوين كتابي الى تصرف قانوني حقيقي وجدي وملزم للأطراف المتعاقدة ومن مجرد محرر مكتوب الى كيان قانوني مكتمل يتميز من مشروع العقد(1) ما لم تفسر قدرة التوقيع هذه تفسيراً قانونياً سليماً ، بقول اخر لابد ان يجسد التوقيع أهم ركن من أركان التصرف القانوني المثبت في المحرر وهو ركن الرضا ، فالتوقيع تجسيد مادي لرغبه نفسية لا محل لاعتبارها والاعتداد بها ما لم تجد طريقها الى حيز المحسوسات . ومن خلاله يعلن الملتزم عن رغبته ورضاه بارادته على الالتزام بمضمون هذا المحرر ومن ثم لا يستطيع التخلص من التزامه الا بادعاء التزوير في حالة المحرر الرسمي او انكار التوقيع في حالة المحرر العادي ، ومن هذا قيل أن للتوقيع معنى الإقرار من جانب الموقع في أنشاء المحرر وشاهدا” على نية الالتزام بمضمون المحرر الموقع عليه . ودليلا” ماديا” مباشرا” على واقعة وجود شخص في مكان و زمان معينين كما يؤكد صدوره ممن وقعه أيضاً.

اذن نفترض حتماًً خلق صلة ما بين مضمون المحرر و صاحب التوقيع ومفاد هذه الصلة علم الموقع وإدراكه بما يترتب على مضمون السند من نتائج واثار قانونية تتمثل بالالتزامات والحقوق ومن ثم رضائه بها ، فإذا انعدمت تلك الصلة ، أصبح التوقيع قاصراً عن أداء هذه الوظيفة القانونية ومن ثم لا يستطيع التمتع بمزية القوة الثبوتية على أن هذه الصلة بنظر جانب من الفقه تنقطع بثلاث حالات

الأولى إنكار الخصم لما هو منسوب إليه من توقيع من شأنه ان يحجب القوة القانونية عن المحرر لحين التثبت من صحة الادعاء(2)

والحالة الثانية امية التوقيع بأن يكون الموقع جاهلا بمضمون السند وله من الأدلة ما يؤيد ادعاءه(3)

والحالة الأخيرة اذا ما تم التوقيع بأسلوب لا يعتد قانونياً.

في ظل ذلك نتساءل عن مدى إمكانية التوقيع الالكتروني في التعبير عن نية الالتزام بمضمون المحرر الالكتروني على ضوء ما يتخذه الاجتهاد الفقهي والقضائي من دلائل على أداء هذه الوظيفة من اشتراط التوقيع بخط اليد ولصق التوقيع في نهاية المحرر مكان التوقيع – وضرورة وضع التوقيع بعد تثبيت محتوى التصرف – زمان التوقيع – ليتسنى للموقع الإطلاع على محتويات المحرر ومن ثم وضع التوقيع عن علم وادراك بما يترتب على ذلك من اثار قانونية ،بمقابل التوقيع الالكتروني الذي يشتمل على مجموعة من الإجراءات تفضي في النهاية الى نتيجة معروفة مسبقا ،

إذن كيف ومتى يستطيع التوقيع الالكتروني تجسيد عنصر الرضا ؟

اذا ما امعنا النظر فيما يذهب اليه غالبية الفقه من حيث ضرورة تذييل نهاية المحرر بتوقيع مخطوط ،فأن ذلك لا يعد من مستلزمات التوقيع ، اذ لم يرد بشأنه نص قانوني يلزم القيام بذلك بل انها جاءت على سبيل تكريس احتياطات تضمن التأكد بشكل كامل من الالتزام بجميع محتوى العقد المكتوب .

وإزاء تنوع وتغاير أشكال التوقيع الالكتروني ، ذهب البعض إلى انه ومنذ اللحظة التي يتم فيها إدخال مفتاح الترميز بشكل إرادي وشخصي ، وباستثناء أي عملية اتوماتيكية ، من قبل صاحب المحرر الالكتروني ، يمكن عد ذلك موافقة على كامل مضمون ومحتوى العقد ، فحينما يأخذ التوقيع المعلوماتي شكل أرقام سرية أو رموز محددة تحفظ في حوزة صاحبها ، ومن ثم لا يعلمها غيره ، فإذا استخدمت هذه الأرقام ، أي وقّع صاحبها ، فأن مجرد توقيعه هذا يدل على موافقته على البيانات والمعلومات التي وقع عليها وانه يرغب الالتزام بها ،بالتالي يجد الموقع نفسه ملتزما بمجرد كبسة زر ودون أية شكلية !

إذن أين التوقيع الالكتروني من مقتضيات أداء هذا الدور الوظيفي ، فالتوقيع التقليدي يقترن بوجود مادي لشخص الموقع بالتالي يفترض إدراك ما هو مقبل عليه من التزامات قانونية منذ اللحظة التي يوقع فيها المحرر بحيث يلتمس وجود التصرف ! بمعنى آخر هل نحتاج إلى احاطة عملية التوقيع الالكتروني بضمانات مثل إجراءات تحذيرية للموقع من خلال عبارات تنبه الموقع بأنه مقبل على إبرام تصرف أو على انشغال ذمته بالتزام قبل الغير أو سحب مبلغ نقدي وما إلى ذلك !

والواقع اننا نعتقد ان إجراءات التوقيع الالكتروني من التعقيد بمكان أن تكون بحد ذاتها محاطة تلقائيا بضمانات ، لأنه يتكون من جملة إجراءات ، مما يعني منح الموقع عدة لحظات للتأمل بما هو مقبل عليه واخذ ما يحتاج إليه من احتياطات لتحديد ما يلتزم به.

لهذا نحن نتفق مع الفقه المصري والفرنسي ممن يرى بوقوع هذه الوظيفة ضمن حدود إمكانيات التوقيع الالكتروني .

_____________________

1 -يعبر عن هذه بأن التوقيع يؤدي وظيفة الاكتمال ،

Digital Signature Tutorial Internet

http://www.comerce.state.ut.us/digsig/tutorl.htm

Digital Signature Guidelines ، Tutorial ، American Bar association ، section of saenle and technology ، Information security committee

http://www.alanet.org/scitech/ec/dsg-tutorial.html

2- تنص المادة (40) من قانون الأثبات العراقي رقم ( 107 ) لسنة 1979 على انه (( اذا أنكر من نسب اليه السند خطه أو امضاءه أو بصمة ابهامه او انكر ذلك من يقوم مقامه او ادعى الوارث الجهل به وكان لسند منتجا بالدعوى قررت المحكمة اجراء المضاهات مع ايداع السند في صندوق المحكمة بعد تثبيت حالته وأوصافه والتوقيع عليه من القاضي او رئيس الهيئة ما لم يكن بأمكان القاضي الفصل بالدعوى دون الاعتداد بالمحرر )) يقابلها نص المادة 16/1 اثبات مصري .

3 – لقد قضي بأبطال الكفالة لان الكفيل كان ريفيا يسكن منطقة ريفية ويجهل الكتابة والقراءة مما عد دليلا” على عدم درايته بمضمون المحرر، كما قضي بان مجرد التوقيع على كشوف المرتبات من قبل عامل أمي لا ينهض دليلا” كافيا” على قبضه المرتب الوارد في الكشف ، د. ثروت عبد الحميد : التوقيع الالكتروني – الطبعة الثانية – مكتبة الجلاء الجديدة – المنصورة – 2002 -ص 42 .

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .