دستورية العقاب على إلقاء مواد أو نفايات من شأنها إحداث تلوث بالبيئة المائية (التصريف

قضية رقم 183 لسنة 29 قضائية المحكمة الدستورية العليا “دستورية”

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد الرابع من نوفمبر سنة 2012م، الموافق التاسع عشر من ذى الحجة سنة 1433ه.
برئاسة السيد المستشار/ ماهر البحيرى رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين:- أنور رشاد العاصى وعبد الوهاب عبد الرازق وماهر سامى يوسف والدكتور/ عادل عمر شريف وتهانى محمد الجبالى وبولس فهمى إسكندر. نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ محمد عماد النجار رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمد ناجى عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 183 لسنة 29 قضائية “دستورية”.
المقامة من
السيد/ محمد يوسف إبراهيم
ضد
1. السيد رئيس مجلس الوزراء
2. السيد رئيس مجلس الشعب
3. السيد وزير العدل
4. النيابة العامة
الإجراءات
بتاريخ الخامس والعشرين من يوليو سنة 2007، أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طلباً للحكم بعدم دستورية نصى المادتين (69، 72) من قانون البيئة الصادر بالقانون رقم (4) لسنة 1994، وسقوط النصوص اللائحية المرتبطة بهما.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فى ختامها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
وحيث إن الوقائع –على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق- تتحصل فى أن النيابة العامة اتهمت المدعى فى القضية رقم 2039 لسنة 2006 جنح الميناء بمحافظة الإسكندرية، أنه بتاريخ 29/8/2005، بصفته المسئول عن أعمال شركة العز لصناعة حديد التسليح بميناء الإسكندرية، قام بإلقاء مواد (حديد خردة وأخشاب) فى مياة رصيف (55) جمارك، والتى من شأنها إحداث تلوث بها، وطلبت عقابه بالمواد (1، 69، 87/2، 101) من القانون رقم 4 لسنة 1994 والمادتين (57 و58) من اللائحة التنفيذية للقانون، وقدمته إلى محكمة جنح الميناء الجزئية، فقضت بتغريمه عشرين ألف جنيه، وإزالة آثار التلوث على نفقته والمصاريف، لم يرتض المدعى هذا الحكم، فطعن عليه أمام دائرة الجنح المستأنفة بمحكمة الإسكندرية الابتدائية، بالاستئناف رقم 9419 لسنة 2007، وبجلسة 8/5/2007 دفع بعدم دستورية نصى المادتين (69 و72) من قانون البيئة الصادر بالقانون رقم (4) لسنة 1994، وإذ قدرت تلك المحكمة جدية الدفع، وصرحت للمدعى بإقامة الدعوى الدستورية، فقد أقام الدعوى الماثلة.
وحيث إن نص المادة (69) من قانون البيئة الصادر بالقانون رقم (4) لسنة 1994 نصت على أن “يحظر على جميع المنشآت بما فى ذلك المحال العامة والمنشآت التجارية والصناعية والسياحية والخدمية تصريف أو إلقاء أية مواد أو نفايات أو سوائل غير معالجة من شأنها إحداث تلوث فى الشواطئ المصرية أو المياه المتاخمة لها سواء تم ذلك بطريقة إرادية أو غير إرادية مباشرة أو غير مباشرة، ويعتبر كل يوم من استمرار التصريف المحظور، مخالفة منفصلة”.
وتنص المادة (72) من القانون ذاته، قبل استبدالها بالقانون رقم (9) لسنة 2009 على أنه “مع مراعاة أحكام المادة (96) من هذا القانون، يكون ممثل الشخص الاعتباري أو المعهود إليه بإدارة المنشآت المنصوص عليها فى المادة (69) التى تصرف فى البيئة المائية مسئولاً عما يقع من العاملين بالمخالفة لأحكام المادة المذكورة، وعن توفير وسائل المعالجة طبقًا للمعايير والمواصفات الواردة باللائحة التنفيذية لهذا القانون. وتوقع عليه العقوبات المنصوص عليها فى المادة (87) من هذا القانون”.

وحيث إن المقرر فى قضاء المحكمة الدستورية العليا أن المصلحة الشخصية المباشرة وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية، بما مؤداه أن تفصل المحكمة الدستورية العليا فى الخصومة من جوانبها العملية وليس من معطياتها النظرية أو تصوراتها المجردة، وهو ما يقيد تدخلها فى تلك الخصومة القضائية، ويرسم تخوم ولايتها، فلا تمتد لغير المطاعن التى يؤثر الحكم بصحتها، أو بطلانها على النزاع الموضوعى، وبالقدر اللازم للفصل فيها، بما مؤداه ألا تقبل الخصومة الدستورية من غير الأشخاص الذين يمسهم الضرر من جراء سريان النص المطعون فيه عليهم سواء أكان هذا الضرر وشيكاً يتهددهم، أم كان قد وقع فعلاً، ويتعين دومًا أن يكون الضرر منفصلاً عن مجرد مخالفة النص المطعون فيه للدستور، مستقلاً بالعناصر التى يقوم عليها، ممكنًا تحديده وتسويته بالترضية القضائية، عائدًا فى مصدره إلى النص المطعون فيه.

متى كان ما تقدم، وكانت الواقعة التى أسندتها النيابة العامة للمدعى، والتى أدين عنها فى قضاء أول درجة، حاصلها أنه، وبصفته ممثلاً لشخص اعتبارى من المخاطبين بنص المادة (69) من قانون البيئة، ألقى موادًا صلبة ملوثة للبيئة المائية، مخالفًا الحظر المبين بتلك المادة والمعاقب عليه بالفقرة الثانية من المادة (87) من القانون ذاته، ومن ثم فإن المصلحة الشخصية المباشرة للمدعى تتحقق بالطعن على ما نصت عليه المادة المذكورة من حظر الإلقاء الإرادى المباشر لمواد ملوثة للبيئة المائية، دون باقى أحكام ذلك النص، كما تنحسر مصلحة المدعى عن الطعن على سائر أحكام نص المادة (72) من القانون سالف الذكر، والتى ينصرف حكمها إلى المنشآت التى تصرف فى البيئة المائية “والتصريف” كما هو وارد بنص المادة رقم (1) بند (26) من قانون البيئة، -قبل استبداله بالقانون رقم (9) لسنة 2009- هو التخلص من ملوثات البيئة المائية بوسائل صناعية، ممايختلف عن “الإلقاء” الذى يعنى التخلى الإرادى عن هذه الملوثات بطرق مادية بحته, وهو ما تنحصر فيه وقائع الدعوى الموضوعية.
وحيث إن قضاء المحكمة الدستورية العليا قد جرى على أن هيمنتها على الخصومة الدستورية وتوجيهها لإجراءاتها، وبمراعاة ما قصده المدعى منها، يقتضيها أن تُدخل فى نطاق المسائل الدستورية التى تدعى للفصل فيها، ما يكون من النصوص القانونية مرتبطًا ارتباطًا لازمًا بالنصوص المطعون عليها؛ وكان من المقرر أن كل اتهام بجريمة يعنى أن مرتكبها قد أتى فعلاً معاقبًا عليه قانونًا؛ وكانت الفقرة الثانية من المادة (87) من قانون البيئة، -قبل استبداله بالقانون رقم 9 لسنة 2009 قد نصت على أنه” ويعاقب بغرامة لا تقل عن مائتى جنيه ولا تزيد عن عشرين ألف جنيه كل من خالف أحكام المواد 38 ، 41 ، 69 ، 70 من هذا القانون” ومن ثم، فإن نطاق الدعوى الدستورية المعروضة يتعين أن يمتد ليشمل نص الفقرة الثانية من المادة (87) من قانون البيئة فى مجال ارتباطه بالمادة (69) من القانون ذاته، ذلك أن الأفعال التى حظرها المشرع بنص المادة الأخيرة، لم تنتقل إلى دائرة التجريم إلا بنص الفقرة الثانية من المادة (87) المشار إليها بما يحقق الارتباط اللازم بينهما.
وحيث إن ما ينعاه المدعى على نص المادة (69) المطعون عليها، إخلاله بمبدأ المساواة، وعدم التزامه بالأصول والمبادىء العامة فى صياغة النصوص العقابية، والتفاته عن مراعاة أحكام المسئولية الجنائية فى شأن شخصية الجريمة والعقوبة، ومناقضته لمبدأ أصل البراءة، مخالفاً فى ذلك نصوص المواد 40 و66 و67 من دستور سنة 1971.
وحيث إن الرقابة على دستورية القوانين، من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التى تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، إذ إن هذه الرقابة إنما تستهدف أصلاً – وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة- صون الدستور القائم وحمايته من الخروج على أحكامه، وأن نصوص هذا الدستور تمثل دائمًا القواعد والأصول التى يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التى يتعين التزامها، ومراعاتها، وإهدار ما يخالفها من تشريعات، باعتبارها أسمى القواعد الآمرة.
وحيث إنه بالبناء على ما تقدم، فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على نصى المادتين (69) و(87/2) –محددان نطاقًا على النحو المتقدم- من خلال أحكام الإعلان الدستورى الصادر بتاريخ 30 مارس سنة 2011، باعتباره الوثيقة الدستورية التى تحكم البلاد، إلى أن يتم الانتهاء من إعداد الدستور الجديد، وإقراره.
وحيث إن الإعلان الدستورى المشار إليه قد تبنى –بحصر اللفظ- النصوص الثلاثة المشار إليها فى دستور سنة 1971، فجاءت المادة (7) منه مرددة لنص المادة (40) التى تكفل مبدأ المساواة، وأوردت المادة (19) ما نصت عليه المادة (66) بشأن شخصية الجريمة والعقوبة، كما أكدت المادة (20) على أصل البراءة، وضمانات المحاكمة المنصفة بالمقابلة لنص المادة (67).
وحيث إن المقرر فى قضاء المحكمة الدستورية العليا أن القيود التى تفرضها القوانين الجزائية على الحرية الشخصية تقتضى أن تصاغ أحكامها بما يقطع كل جدل فى شأن حقيقة محتواها ليبلغ اليقين بها حدًا يعصمها من الجدل، وبما يحول بين رجال السلطة العامة وتطبيقها بصورة انتقائية، وفق معايير شخصية، تخالطها الأهواء، وتنال من الأبرياء لافتقارها إلى الأسس الموضوعية اللازمة لضبطها.
لما كان ذلك، وكان نص المادة (69) من قانون البيئة – محددًا نطاقاً على النحو المتقدم- جاء قاطعًا فى عبارته، وحاسمًا فى دلالته على حظر إلقاء الجهات المخاطبة بحكمه أية مواد من شأنها إحداث تلوث فى الشواطىء المصرية، وقد عين لتمام الجريمة الأسلوب الإرادى فى إشارة صريحة وواضحة إلى العمد، واعتد بالطرق المباشرة فى ارتكاب هذه الجريمة، فإنه يكون نصًا قاطعًا فى عبارته، واضحًا فى دلالته، لايثير لبسًا ولا غموضًا فى تطبيقه، وهو الأمر الذى يبرأ معه هذا النص من عيب عدم التحديد والانضباط. كما ينحل النعى عليه بمساواة الأفعال غير الإرادية بالأفعال الإرادية، وغير المباشرة بالمباشرة إلى جدل نظرى لايؤثر على المركز القانونى للمدعى فى الدعوى الموضوعية، التى تحدد نطاق الاتهام المسند إليه فيها بفعل الإلقاء الإرادى المباشر لمواد من شأنها التأثير فى البيئة المائية، الأمر الذى تنتفى معه مخالفة نص مادة الاتهام المذكورة لنص المادة (7) من الإعلان الدستورى.
وحيث إن المقرر فى قضاء المحكمة الدستورية العليا ” أن الأصل فى الجريمة أن عقوبتها لا يتحمل بها إلا من أدين باعتباره مسئولاً عنها، وهى بعد عقوبة يجب أن تتوازن وطأتها مع طبيعة الجريمة وموضوعها. بما مؤداه أن الشخص لا يزر غير سوء عمله، وأن جريرة الجريمة لا يؤخذ بها إلا جناتها، ولا ينال عقابها إلا من قارفها، وأن شخصية العقوبة وتناسبها مع الجريمة محلها مرتبطان بمن يعد مسئولاً عن ارتكابها، ومن ثم تفترض شخصية العقوبة -التى كفلها الإعلان الدستورى بنص المادة (19) منه – شخصية المسئولية الجنائية، بما يؤكد تلازمهما.
وحيث إن قانون العقوبات فى المادة (39) قد نص على أن “يعد فاعلاً للجريمة (أولاً) من يرتكبها وحده أو مع غيره – (ثانيًا) من يدخل فى ارتكابها إذا كانت تتكون من جملة أعمال فيأتى عمدًا عملاً من الأعمال المكونة لها.
وحيث إنه من المقرر قانونًا أن الفاعل إما أن ينفرد بجريمته أو يسهم معه غيره فى ارتكابها، فإذا أسهم فإما أن يصدق على فعله وصف الجريمة التامة، وإما أن يأتى عمدًا عملاً تنفيذيًا فيها، إذا كانت الجريمة تتكون من جملة أفعال، سواء بحسب طبيعتها أو طبقًا لخطة تنفيذها، وحينئذ يكون فاعلاً مع غيره، إذا صحت لديه نية التدخل فى ارتكابها، ولو أن الجريمة لم تتم بفعله وحده، بل تمت بفعل واحد أو أكثر تداخلوا فيها.
وحيث إنه وترتبيًا على ما تقدم، فإن الجريمة المنصوص عليها فى المادة (69) من قانون البيئة –وفق نطاقها المبين سلفًا- ولئن حظرت على الأشخاص الإعتبارية المبينة بها إلقاء مواد ملوثة للبيئة المائية- إلا أنه لما كانت مخالفة هذا الحظر لا تقع إلا من أشخاص طبيعين سواء كانوا ممثلين للشخص الاعتبارى أو قائمين بإدارته فعليًا، أو تابعين له، إذا ما ارتكب أحدهم الركن المادى للجريمة وحده، أو أتى عملاً تنفيذيًا فيها مع غيره، واقترن ذلك بنية عمدية جوهرها علم من قارفها بالوقائع التى يقوم عليها كيان الجريمة، واتجاه إرادته إلى الاعتداء على المصلحة التى يحميها القانون، مخالفًا بذلك الحظر المفروض بنص مادة الاتهام على الشخص الاعتبارى الذى يرتبط به، فإن هذا النص يكون قد التزم ضوابط الشرعية الدستورية فى شأن المسئولية الجنائية، وقوامها، أن الشخص لايكون مسئولاً عن الجريمة، ولا تفرض عليه عقوبتها، إلا باعتباره فاعلاً أو شريكًا فيها، ويضحى من ثم نعى المدعى فى شأن مخالفة نص مادة الاتهام – المطعون عليها- أحكام المسئولية الجنائية، مفتقرًا سنده، خليقًا بالالتفات عنه.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن شرعية الجزاء، جنائيًا كان، أو مدنيًا أو تأديبيًا، مناطها أن يكون متناسبًا مع الأفعال التى أثمها المشرع، أو حظرها أو قيد مباشرتها. وأن الأصل فى العقوبة هو معقوليتها، فلا يكون التدخل بها إلا بقدر ما يكون من الجزاء ملائماً لجريمة بذاتها، ينبغى أن يتحدد على ضوء درجة خطورتها ونوع المصالح التى ترتبط بها، وبمراعاة أن الجزاء الجنائى لا يكون مخالفًا للدستور إلا إذا اختل التعادل بصورة ظاهرة بين مداه وطبيعة الجريمة التى تعلق بها، ودون ذلك يعنى إحلال هذه المحكمة لإرادتها محل تقدير متوازن من السلطة التشريعية للعقوبة التى فرضتها.

إذ كان ذلك، وكانت جريمة إلقاء مواد أو نفايات من شأنها إحداث تلوث بالبيئة المائية المنصوص عليها فى المادة (69) من قانون البيئة، قد رصد لها المشرع عقوبة أوردها نص المادة (87/2) من القانون ذاته – قبل إستبداله- تتمثل فى عقوبة الغرامة التى لاتقل عن مائتى جنيه ولا تتجاوز عشرين ألف جنيه، تاركًا للقاضى تقدير مبلغ الغرامة بين هذين الحدين بما يتناسب وظروف المخالفة المسندة للمتهم ارتكابها، ومن ثم يكون الجزاء الوارد بذلك النص متناسبًا مع طبيعة الجريمة التى تعلق بها بما ليس فيه مخالفة لنص المادة (19) من الإعلان الدستورى المشار إليه.
وحيث إن المقرر فى قضاء المحكمة الدستورية العليا أن افتراض براءة المتهم يمثل أصلاً ثابتًا يتعلق بالتهمة الجنائية من ناحية إثباتها، وليس بنوع العقوبة المقررة لها، وينسحب إلى الدعوى الجنائية فى جميع مراحلها، وعلى امتداد إجراءاتها، فقد كان من الحتم أن يرتب الدستور على افتراض البراءة عدم جواز نقضها بغير الأدلة الجازمة التى تخلص إليها المحكمة، وتتكون من جماعها عقيدتها. ولازم ذلك، أن تطرح هذه الأدلة عليها، وأن تقول هى وحدها كلمتها فيها، وألا تفرض عليها أية جهة أخرى مفهومًا محددًا لدليل بعينه، وأن يكون مرد الأمر دائمًا إلى ما استخلصته هى من وقائع الدعوى، وحصلته من أوراقها، ملتزمة أحكام المسئولية الجنائية حسبما ينظمها القانون, غير مقيدة بوجهة نظر النيابة العامة أو الدفاع بشأنها.

متى كان ذلك، وكان البين من نص المادة (69) المطعون عليه، أنه لم يتضمن أية قرينة على نسبة الجريمة الواردة به إلى فاعل بعينه، ولم يعف النيابة العامة من واجبها المقرر بمقتضى القوانين فى إقامة الأدلة على صحة التهمة التى تنسبها إلى مرتكب هذه الجريمة، فاعلاً أصليًا لها أو شريكًا فيها، ولم يهدر حق المتهم فى التمتع بافتراض براءته إلى أن تثبت التهمة قبله بحكم نهائى، كما لم يغمط حقه فى محاكمة عادلة وفق القواعد الإجرائية الصحيحة التى يتاح له فيها بسط حججه، وينعقد للمحكمة تقييم هذه الحجج بطريقة عادلة ومنصفة، ومن ثم فإن النص المطعون عليه – فى نطاقه المبين سلفًا- يكون قد سلم من قالة الافتئات على أصل البراءة، ومظنة اصطناع القرائن التى تحد من حرية القاضى فى تكوين عقيدته من بين عناصر الاتهام الجنائى المطروح عليه، مما تنتفى معه مخالفة النص المطعون عليه لنص المادة (20) من الإعلان الدستورى.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان نصا المادتين (69) و(87/2) من قانون البيئة الصادر بالقانون رقم 4 لسنة 1994 –فى نطاقهما المبين سلفًا- لا يتعارضان مع أى نص آخر من نصوص الإعلان الدستورى الصادر فى 30 مارس سنة 2011، فإن الحكم برفض الدعوى يكون متعينًا. وإذ كان ما تقدم، فإن طلب المدعى بسقوط النصوص اللائحية المرتبطة بنص المادة (69) من القانون سالف الذكر يغدو غير ذى موضوع، متعينًا الالتفات عنه.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعى المصروفات ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة.