بحث قانوني و دراسة حول المشكلات المتعلّقة بالحقوق الفكرية في مجال الحاسوب

بسم الله الرحمن الرحيم

الملكية الفكرية في مجال الحاسوب
حول هذا المستند
هذا البحث هو محاولةٌ ناقصة لتوضيح المشكلات المتعلّقة بالحقوق الفكرية ، وعرضٌ لمختلف الآراء فيه ، فمنذ ما يقارب العامين وشؤون ‘ الملكية الفكرية ‘ تشغل بالي ، وإنّ البحث والقراءة المطوّلان لم ينتهيا بي إلى قناعة راسخة أطمئن لصحتها في هذا الموضوع ، سوى قناعةٍ واحدة ، وهي أنّه لابد من إبداع صيغة جديدة لقانون يخصّ المنتجات الفكرية ، يجمع إيجابيات الرخص المتوفّرة اليوم ، ولا ينطوي على مشكلاتها .

لكن وإلى أن تتوافر مثل هذه الصيغة فلابد من الأخذ بصيغة ما متوفّرة ، وعلى الرغم من بعض الملاحظات التي ستؤخذ علينا لأخذنا بهذه الرخصة أو تلك ، فحسبنا أننا اجتهدنا ما في وسعنا ، واخترنا ما نراه الأنسب ، أي الأكثر نفعًا والأقل ضررًا .

خطّة البحث هنا أن أبدأ فأعرّف ما نقصده بمصطلح ‘ الملكيّة الفكريّة ‘ ، وماذا نعني بكل مصطلحٍ من مصطلحاتها ، فإنّ تعريف المصطلحات سيزيل اللبس والغموض ، ويجعل موضوعنا أقرب للوضوح ، ثم سأنتقل لأذكر كلاً من إيجابيات وسلبيات تطبيق قوانين حماية الملكية الفكرية كما هي عليه اليوم ، ونناقش ما في هذه السلبيات والإيجابيات من ثغراتٍ وهفوات .

فإذا انتهيتُ من مناقشة الصيغة الحاليّة لقوانين الملكية الفكرية ، عرضتُ رخصة الإبداع المشاع ، أو ما يعرف بالحقوق المتروكة , وذكرت طرفًا من الملاحظات عليها .

وعرضتُ بعد ذلك لآراء الفقهاء في هذه المسألة ، وهم قد انقسموا إلى ثلاث مجموعات ، فعرضتُ مقالتهم وحججهم ، فإذا انتيهتُ من ذلك عرّجت على رخصة وقف العامّة ,
وختمتُ بكلمة صغيرة أوجز بها بعض الأفكار والإقتراحات .

الملكيّة الفكريّة … تعريفها ومفاهيهمها
الملكيّة الفكريّة حسب منظمة ‘ الويبو ‘ ( المنظمة العالمية للملكية الفكرية ) هي :

حقوق امتلاك شخص ما لأعمال الفكر الإبداعية أي الاختراعات والمصنّفات الأدبية والفنية والرموز والأسماء والصور والنماذج والرسوم الصناعية ، التي يقوم بتأليفها أو إنتاجها .

وتنقسم الملكية الفكرية إلى فئتين هما الملكية الصناعية التي تشمل الاختراعات ( البراءات ) والعلامات التجارية والرسوم والنماذج الصناعية وبيانات المصدر الجغرافية من جهة وحق المؤلف الذي يضم المصنفات الأدبية والفنية كالروايات والقصائد والمسرحيات والأفلام والألحان الموسيقية والرسوم واللوحات والصور الشمسية والتماثيل والتصميمات الهندسية من جهة أخرى .

وتتضمن الحقوق المجاورة لحق المؤلف حقوق فناني الأداء المتعلقة بأدائهم وحقوق منتجي التسجيلات الصوتية المرتبطة بتسجيلاتهم وحقوق هيئات الإذاعة المتصلة ببرامج الراديو والتلفزيون .1

ويرجع تاريخ حقوق الملكية الفكرية إلى سنة 1873 م , وبالتحديد في المعرض الدولي للاختراعات بفيينا حيث حدثت صدمة للقائمين على المعرض وللجمهور عندما امتنع عدد كبير من المخترعين الأجانب عن المشاركة .

وكان السبب في الامتناع هو خشية هؤلاء المخترعين من أن تتعرض أفكارهم للنهب والاستغلال التجاري في بلدان أخرى …. لقد أظهرت هذه الحادثة الحاجة إلى توفير الحماية الدولية لبراءات الاختراع ( وللملكية الفكرية بوجه عام ) ، الأمر الذي كانت نتيجته انبثاق أول معاهدة دولية مهمة ترمي إلى منح مواطني بلد معين حق حماية أعمالهم الفكرية في بلدان أخرى .

إنها اتفاقية باريس بشأن حماية الملكية الصناعية والتي صدرت في 23 مارس عام 1883 ، ودخلت حيز التنفيذ في العام التالي ، وأصبح بمقتضاها للملكية الصناعية حماية تتخذ شكل حقوق تعرف بمصطلحات محددة ، وهي :

« براءات الاختراع » ، و « العلامات التجارية » و «الرسوم الصناعية »..

كانت اتفاقية باريس مجرد البداية التي توالت بعدها الاتفاقيات والترتيبات على المستوى الدولي من أجل حماية الملكية الفكرية في شتى صورها ( مصنفات فنية وأدبية .. الخ ) ، حتى أصبح لكافة شؤون الملكية الفكرية منظمة دولية مكلفة بإدارتها ، بإقرار من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، بدءاً من 17 ديسمبر 1974 ، وهي المنظمة العالمية للملكية الفكرية ( والتي يشار إليها بالفرنسية بالمختصر OMPI وبالإنجليزية بالمختصر WIPO ) .

ثم فوجئت الدول الأعضاء في مفاوضات اتفاقيات الجات بورقة مقدمة من الشركات العملاقة متعددة الجنسيات إلى سكرتارية الجات في جنيف ( في يونيو 1988 ) بخصوص تضمين اتفاقيات الجات اتفاقية خاصّة بما يسمى :

« حقوق الملكية الفكرية المرتبطة بالتجارة » .

والجدير بالانتباه هنا أن هذه الشركات فرضت ورقتها على المفاوضات رغم عدم عضويتها في تلك المفاوضات ، حيث إن العضوية للدول .

والجدير بالانتباه أيضًا أن ذلك قد تم من وراء منظمة ويبو ( المنظمة العالمية للملكية الفكرية والتابعة للأمم المتحدة ) .

كانت الشركات ذات النشاط الدولي ترغب في تأمين مستويات أعلى من الحماية للملكية الفكرية ( وعلى وجه الخصوص لبراءات الاختراع والعلامات التجارية ) ، وصدرت – بالفعل – اتفاقيات الجات متضمنة اتفاقية لحقوق الملكية الفكرية المرتبطة بالتجارة .

والتي يطلق عليها اختصاراً اتفاقية « تريبس ».

ووقعت اتفاقيات الجات في إبريل 1994 ، ونشأت بموجبها منظمة التجارة العالمية World Trade Organization حيث بدأت مع أول يناير 1995 ممارسة أعمالها في السهر على ( أو حراسة ) تنفيذ اتفاقيات الجات ، والتي صارت تعرف الآن باتفاقيات التجارة العالمية . 1
إنَّ جميع الكتب والمراجع والأبحاث والفتاوي العربية التي تناولت موضوع “ الملكية الفكرية ” والتي عثرتُ عليها ، لم تبحث في أصل مصطلح “ الملكية الفكرية ” وكيفية نشأته ؟ باستثناء مرجع وحيد2 ..

لنرى كيف سارت الأمور ؟ تقسم الأشياء التي يمكننا إدراكها إلى صنفين : مادية ومعنوية .

فالمادية هي كل ما وقع تحت سلطان الحواس ، والمعنوية هي كل ما لا يمكن للحواس أن تطاله ، كالمفاهيم المجردة والعواطف الإنسانية والاجتهادات الفكرية وغير ذلك ..
وكما يدرك كل عاقل ، فلا يمكن التعامل مع المعنويات كما نتعامل مع الماديات ، فلا يمكننا حساب وزن الروح ، أو ثقل الكراهية ، أو طول الإبداع ! كما لا يمكننا بيع الحب ، أو إقراض الذكاء ، أو حتى امتلاك الأفكار !!

نعم هذا لم يكن ممكناً حتى ظهور مصطلح “ المادة الفكرية ” ( Intellectual material ) على أيدي منظمة الـ SPA أو ( اتحاد ناشري البرامج ) 2 ، ليس المقصود بهذا المصطلح “ المنتجات الفكرية ” التي هي الوسائط المادية التي تُخزّن عليها الأفكار ، كالكتب ، والأقراص الليزرية ، وشرائط الكاسيت ، بل إنه التسمية الجديدة للفكرة ذاتها !

قد يبدو هذا صعب التقبل للوهلة الأولى ، فالمقصود بـ” المادة الفكرية ” هو الفكرة ذاتها ، التي تسكن دماغاً ما ، وقد يعبّر عنها شفويًا أو بشكل مكتوب وقد تترجم إلى منتج مادي ، الفكرة نفسها أصبحت تسمى بــ “ مادة ” ، ولأول مرة في تاريخ البشرية تم إعطاء صفة مادية لشيء معنوي .

الآن أصبحت الأفكار عبارة عن مادة أخرى ، الآن أصبح بإمكاننا الحديث عن “ الملكية الفكرية ” Intellectual Property ، لأن الفكر هو الآخر أصبح “ مادة ” فلمَ لا يتم الحديث عن امتلاكه وبيعه … والأهم من ذلك احتكاره …

لم يظهر مصطلح “ الملكية الفكرية ” أولاً ، في البداية كان يتوجب تحويل الفكر إلى مادة فتم وضع مصطلح “ المادة الفكرية ” الذي لم يكن أحدٌ على الإطلاق يتخيل وجوده في يوم ما ، فعندما يتوقف الربح والمزيد من الربح على بيع المعنويات ، سنجد من يحول هذه المعنويات إلى أشياء مادية ليسهل بيعها ، غدًا قد نجد من يروج لمصطلح “ المادة العاطفية ” تمهيداً لمصطلح “ الملكية العاطفية ” !! شيءٌ كهذا يبدو سخيفًا في نظرنا اليوم ، سيصبح غدًا موضوع النقاشات ، وستُألف حوله كتب فقه النوازل ! لن يكون هذا مستغربًا عندما نقرأ حول افتتاح أول متجر في الصين “ لبيع الحب ” ! 3
قبل أن نتناقش في “ مَن يملك الفكرة ؟ وما حدود ذلك ؟ والخ .. ” ، ألا يجدر بنا أن نتساءل “ هل يمكن للأفكار أن تُمتلك أصلاً ؟ “ وهذا السؤال مهمل تمامًا ….

لقد سلّم جميع الباحثون والمفكرون والفقهاء بصحة مصطلح “ الملكية الفكرية ” دون أن يناقشه أحدٌ البتّة ، رغم أن هذا المصطلح استند في وجوده إلى تحويل الفكر إلى مادة عن طريق “ المادة الفكرية ” .

لم يكن “ امتلاك ” الأفكار مطروحًا قبل مصطلح “ المادة الفكرية ” ، اليوم لا أحد يناقش هذا المصطلح … لكن الحقيقة التي لا يمكن تجاهلها أن الفكر أصلاً ليس بمادة ، الفكر غير موجود في الحيز المادي ، نعم المنتجات الفكرية ( كالكتب مثلاً ) هي أشياء مادية ، ويجوز الحديث عن “ امتلاكها ” ، لكن الأمر أعمق من ذلك بكثير ، الحديث هنا عن الفكرة ذاتها والتساؤل يدور حول ( من يمتلكها ؟ ) .

في هذه الدراسة سنسلم – افتراضًا – بصحة مصطلح “ المادة الفكرية ” ( متجاهلين أن الفكر لا يملك طبيعة مادية ) ، وذلك حتى نتمكن من مناقشة أفكار “ الملكية الفكرية ” وعرضها …

ما هي الحقوق التي يضمنها قانون الملكية الفكرية ؟

بالنسبة للكتب : “ يمنع طبع هذا الكتاب أو جزء منه بكل طرق الطبع والتصوير والنقل والترجمة والتسجيل المرئي والمسموع والحاسوبي وغيرها من الحقوق إلا بإذن خطي من … “

بالنسبة للبرامج فإن اتفاقية المستخدم الأخير ( eula ) تضم العديد من البنود ، فهي تضمن كتم الكود المصدري للبرامج4 وتجريم كشفه أو نشره أو تعديله5 ، كما أنها تعطي المستخدم حق “ استخدام ” البرنامج وليس “ امتلاك ” البرنامج ، وهي تجبر المستخدم على شراء عدة نسخ من البرنامج عند الحاجة ، فإن من يملك في منزله ثلاثة أجهزة كمبيوتر أو في شركته مئة جهاز فعليه شراء مئة ترخيص في الحالة الثانية وثلاثة في الحالة الأولى ، وهنا نحن نتحدث عن شراء التراخيص وليس شراء البرنامج ! إن اتفاقية المستخدم الأخير ( الأكثر شهرة ضمن اتفاقيات ترخيص البرامج ) تضمن أن المستخدم لن يعطي البرنامج لصديقه أو جاره ( حتى لو لم يكن جاره يملك ثمن نسخة أصلية ) كما أنها تمنع المستخدم من تطوير البرنامج أو تعديله ….. باختصار فإن هذه الرخصة تتيح لك استخدام البرنامج فقط6

بالنسبة للشرائط الصوتية والمرئية فإنه يمنع نسخها أو نقلها إلى الكمبيوتر أو توزيعها ..

بعض الرخص تذهب لأكثر من ذلك ، لكن ما ذكرناه هو الشائع، أحيانًا تمنع شروط الملكية الفكرية الاقتباس من الكتاب إلا بإذن خطي ! وبالنسبة للبرامج تباع أحيانًا رخصة استخدامه لمدة زمنية معينة كعام أو عامين مثلاً ثم يجب تجديدها !!

لماذا يجب تطبيق قوانين الملكية الفكرية ؟

أو : ما هي إيجابيات تطبيق قوانين الملكية الفكرية ، وحماية تلك الحقوق ؟ آخذين بعين الاعتبار أن الأطراف المعنية بهذه القوانين أربعة :

المؤلف ( أو المبرمج ، أو المغني ، أو الملحن ، أو المحاضر) ، الناشر ( مطبعة ، دار ، استوديو ، موقع على النت ) ، القارئ ( أو المستخدم أو المستمع أو المشاهد ) ، و المجتمع , وسيتم الإشارة إلى هذه الأطراف تحت مسمى “ الأضلاع الأربعة ” .

1. إنَّ اختراع منتجات جديدة أو جهاز صناعي جديد يعتبر استثماراً مكلفاً ، ففي مجال الطب مثلاً تصل كلفة إنتاج دواء جديد إلى 800 مليون دولار7 .

فإذا كان بالإمكان نسخه أو تقليده مجانًا لأمكن للشركات المنافسة استخدامه وبيعه بدون أية أتعاب أو مقابل مادي ، مما يؤدي إلى عدم الاستثمار في البحث والتطوير ويتدنى مستوى التجديد والابتكار .

لذا فإن قانون الملكية الفكرية يضمن سيطرة أو احتكار مؤقت للاختراع بحيث يسمح للمخترعين الانتفاع بعوائد الاحتكار لتغطية المصروفات .

2. إنَّ الفرد يجب أن يحصل على مكافأة لمجهوداته وهذا حق طبيعي ومعروف .
3. إنَّ الملكيّة الخاصة وسيلة لدعم الخصوصية والاستقلاليّة الفرديّة .
4. منح حقوق الملكيّة الفكريّة يعمل على تشجيع خلق أفكار جديدة ، والفكرة هي أن الملكيّة الفكريّة تقدم حوافز مادية لتوليد أفكار .
5. البعض يخشى من الانتحـال وادّعاء أعمال الغير ويـقولون بأن قـانون المـلكيّة الفكريّة يمنع وقوع ذلك .
6. يؤدي النهوض بالملكيّة الفكريّة وحمايتها إلى دفع عجلة التقدم الاقتصادي , ويتيح فرص عمل وصناعات جديدة , ويرفع من نوعية الحياة وإمكانية التمتع بها .
7. ليس من حق من لا يملك سعر المادة الفكرية الحصول على هذه المادة مجانًا .
8. إنّ قانون الملكية الفكرية يضمن للناشر حقوقه المالية المبذولة في العمل الفكري ، وكذا للمؤلف .

لكن هناك من ردّ على ذلك ، وذكر عدداً من الملحوظات حول هذه المبررات7 :

1. الابتكار الجديد يتطلب استثمارًا مكلفًا :

ويرد على ذلك بقولنا : إن الإنسان يستحق الاستفادة من مجهوداته ولكن قيمة المنتجات الفردية ليست بكاملها نتاج جهد فردي وإنما هي منتجات مجتمعية بطبيعتها ، فإذا اخترعت اختراعاً أو كتبت كتاباً مثلاً ، فإنّ عملك الذهني لا يكمن في الخلاء وليس بالإمكان لما كتب أو اخترع أن يجد له طريقاً بدون أعمال أخرى سابقة له وللعديد من الناس سواء كانت تلك الأعمال فكرية أم غير فكرية ، وهي تتألف من مؤلفين ومخترعين قدّموا الأساس لما تقدمه أنت من مساهمة ، وبالتالي لا يحق للذين لديهم إسهامات في أيامنا هذه الاستيلاء على الفضل بأكمله أو ينسب لهم كامل الملكية ويُمنع الآخرون من استخدام اختراعهم أو كتاباتهم .

ثمّ إنّه بالإمكان حصر حقوق النشر والتوزيع عند الجهة الأم لمدّة عامين أو ثلاثة مثلاً ، لضمان تحقيق الربح ، لكنّ أحد الناشرين العرب8 ، تحدّث مرةً عن توقه لحصر حقوق نشر كتابٍ ما لمدة75 عاماً من تاريخ وفاة المؤلف ، ولا أدري أيّ فائدة سيجنيها المؤلف إن بقيت كتبه محتكرة بعد وفاته بـ 75 عامًا !

2. الأعمال الفكرية لم تكن نتيجةً للمجهودات فحسب ، ولكن المواهب الطبيعية والمنح الإلهية تلعب دوراً مهماً في عملية الإبداع الفكري .

3. إن تنمية الأفكار تأتي من خلال زيادة حرية الناس في استخدامها وليس العكس ، إن المشاركة في المعلومات وما ينتج عنه من تراكمية يخفض الزمن اللازم والتكاليف اللازمة والجهود اللازمة للتوصل إلى اختراع جديد .

4. الخشية من انتحال أعمال الغير توجب سن قانون جديد يلزم بنسبة الفضل لأهله وحسب .

البعض يضرب الأمثلة على سلبيات تطبيق قوانين الملكية الفكرية
فقد عملت شركة AT&T في أمريكا في القرن التاسع عشر إلى تجميع براءات الاختراع لضمان احتكار الهواتف وأخّرت بذلك إظهار واستخدام جهاز الإذاعة المسموعة ( الراديو ) لحوالي 20 عام .

وبصورة مشابهة سيطرت شركة General Electric على احتكار براءات اختراع لتأجيل إنتاج مصابيح فلورسنت Florescent والتي كانت تعتبر تهديدا لمبيعاتها من المصباح المتوهج Incandescent .

وتعتبر المعلومات الحيوية biological information نوعاً جديداً من الملكية الفكرية ، ففي الولايات المتحدة تجيز المحاكم امتلاك براءة اختراع لمتواليات جينية حتى وان وجدت هذه السلاسل أو المتواليات في الطبيعة ، طالما تم استخدام وسائل اصطناعية لعزلها ، وأدى ذلك إلى تسابق الشركات للحصول على براءات اختراع للعديد من التدوينات ( الشيفرات ) الجينية Genetic Codes ، وفي بعض الأحوال ضمنت البراءات تغطية لكافة أشكال ما بعد الجيناتTransgenic لأجناس بأكملها كالقطن و فول الصويا مسببة جدال هائل .

واحد العواقب لذلك هو الكبح الشديد للبحث لغير مالكي البراءة ، وقد يتطور الأمر إلى امتلاك الشركات العابرة للقارات لبراءات لمواد جينية توجد بالنباتات والحيوانات في العالم غير المتقدم ( العالم الثالث ) مما يؤدي بسكانه إلى دفع مقابل مادي لاستخدام حبوب أو مواد جينية أخرى تعودوا على توفرها مجانا لقرون عديده .

ويعتقد البعض أن الملكية الفكرية هي وسيله أخرى للدول الغنية تعمل بواسطتها على انتزاع الثروة من الدول الفقيرة وبالتالي تكون الملكية الفكرية ذات قيمه فقط لأولئك الذين يملكون القوة والثروة .

لقد وصلنا اليوم إلى درجات خطيرة من الاحتكار ، الألوف يموتون في الدول الفقيرة والتي لا تملك ثمن العقاقير المكلفة وهي محرومة في الوقت نفسه من تصنيع الدواء بسبب حقوق الملكية !!

إن قانون الملكية الفكرية يجّرم عملاً مثل توصل شركة إفريقية ما لطريقة تصنيع الدواء – دون سرقة أو تجسس على شركة أخرى – في حال تمكنت الأخيرة من تصنيع هذا الدواء قبل الأولى !!

يقال إن العوائد المالية المحتملة من الملكية الفكرية تقدم عوناً وتشجيعاً للأفراد والجماعات للخلق والابتكار ، ولكن من الناحية العملية فان أغلب المبدعين والمبتكرين لا يتحصلوا على الكثير من الملكية الفكرية ، فهم عادة مُهملون أو مُستغلون ، فعند امتلاك موظفي الحكومة او مؤسسة لأفكار تستحق الحماية عادة تُحمى أو تؤخذ لها براءة عن طريق المؤسسة أو الشركة وليس الموظف نفسه .

ونظرا لأن الملكية الفكرية يمكن أن تُباع فالمشتري دوما هو الغني والقوي الذي يمكن له ان يستفيد من وراءها ونادرا ما يكون للأخير جهد فكري او ذهني لخلق أفكار جديدة .

إن مشاكل الخصخصة لمعلومات الحكومة وكبح براءات الاختراع وملكية المعلومات الوراثية وملكية المعلومات من أطراف ليسوا هم المبتكرون الحقيقيون لها يُعدّها البعض أعراض لمشكلة أعمق تتعلق بنشأة وأصل مفهوم الملكية الفكرية ، فالملكية الفكرية هي محاولة لخلق ندرة اصطناعية للأفكار ومنح مزايا للقليل من الناس على حساب الكثرة من الجماهير ، وهي بالتالي تزيد من الفروقات وعدم المساواة ، وهي تدعم المنافسة في المعلومات والأفكار في حين يمكن أن يكون التعاون اكثر قبولا .

وهذه بعض الأمثلة على سوء استخدام قوّة المعلومات الناتجة عن احتكار المعلومات :

1- تستخدم شجرة نيم Neem Tree بالهند في العلاج ومنع الحمل والزراعة ، وتطور استخدامها بمرور الزمن ولكنها لم ترخص من خلال براءة اختراع Patent ، وفي منتصف الثمانينات من القرن الماضي حصلت العديد من الشركات الأمريكية واليابانية على عدد من براءات الاختراع على مواد مستخلصة من الشجرة ، وبهذه الطريقة فإن المعرفة التي تم تجميعها محلياً لدى الباحثين الهنود والقرويين تم سلبها من طرف أناس خارج الهند الذين أضافوا شيئا قليلا للعملية بأكملها .

2- في عام 1980 نشر كتاب للمؤلف George Munster بعنوان Documents on Australian defence and foreign policy 1968-1975 وأظهر الكتاب العديد من النشرات والإيجازات الحكومية السرية ووثائق أخرى تتعلق بتفاعل الحكومة الأسترالية مع حرب فيتنام وأحداث أخرى أحرجت الحكومة الاسترالية بشكل كبير مما اضطرها الى رفع قضيه استنادا إلى قانون الملكية الفكرية وتم وقف بيع الكتاب .

3- حادثة أخرى تتعلق بديانة وضعية تعرف باسم Scientology تلقت نقداً من بعض من انتموا إلى هذه الجماعة ثم خرجوا منها ، من خلال وثائق سرية تم نشرها على الشبكة المعلوماتية ، وكرد فعل لذلك عمل مسئولو الكنيسة لهذه الجماعة على رفع دعوى قضائيه استناداً الى قانون حماية المطبوعات وصادرت الشرطة الأمريكية منازل الناقدين وحجزت حواسيبهم الشخصية والأسطوانات ومعدات اخرى ، ورغم أن قانون حق النشر غرضه الأساسي هو تشجيع الإنتاج الفكري فقد استخدم في هذه الحالة لحجب المعلومات .

4- قامت الصحيفة الإسكتلندية The sheland time برفع دعوى قضائية لإيقاف خدمات الأخبار المباشرة Online news ومنعها من توفير وصلة بموقعها إلى موقع الصحيفة بدون إذن منها بحُجّة أن ذلك يعتبر غير شرعي ، ونرى أن مثل هذه القناعة قد تُعرقل او تُدمّر الشبكة المعلوماتية برُمّتها .9

إن قانون الملكية الفكرية بوضعه الحالي يضمن تحقيق منفعة عالية للمؤلف والناشر على حساب الضرر الذي يلحق بالقارئ والمجتمع .

على سبيل المثال لا يحق لمن لا يمتلك ثمن الكتاب الأصلي أن يقوم بتصوير الكتاب من صديقه ، ولا يمكن لمن لا يملك ثمن البرنامج أن يقوم باستعمال نسخة جاره .

إن واضعي قانون الملكية الفكرية يتحدثون عن “ خسائر مادية فادحة ” في حال لو سمحوا رسمياً بتصوير الكتب بشكل شخصي أو نسخ البرامج ، ناسين ( أو متناسين ) بأن معظم من يحصل على نسخ مصورة أو منسوخة هو في الأساس لن يكون قادرًا على دفع ثمن النسخة الأصلية في حال لم يحصل على تلك النسخة التي يسمونها “ مقرصنة ” ، فهو في الحالين ليس زبوناً مفترضاً .

دعونا نتساءل : ماذا سيحدث لو حصلت إحدى الشركات على براءة اختراع وحقوق ملكية للخبز الذي نتناوله اليوم ؟

كيف يمكننا التميز والتفريق بين كتم العلم ( المحرّم شرعاً ) ومنع العلم المصدري ( كالكود البرمجي في حال البرامج ، أو مخططات الدوائر الإلكترونية والكهربائية في حالة الأجهزة ، أو وصفات صناعة الأدوية في الطب ) ؟ شراء المنتج ألا يعني امتلاكه وامتلاك حرية التصرف الشخصي به ؟

لماذا تحقق شركات البرامج مفتوحة المصدر رواجاً هائلاً وأرباحاً عالية جدًا ؟
لماذا حقق كتاب “ الخيميائي ” مبيع 65 مليون نسخة في أكثر من 150 بلد ( وبذا يكون الكتاب أحد أكثر الكتب مبيعاً على مر التاريخ )10 رغم أن الرواية متوفرة للتحميل المجاني من موقع المؤلف نفسه ؟ لماذا تحقق المؤلفة “أحلام مستغانمي” مبيعات خيالية ( 3 مليون نسخة لكتاب واحد فقط ! ) في العالم العربي10 رغم أن جميع مؤلفاتها متوافرة للتحميل المجاني ؟

ثورة العالم الجديدة …. الحقوق المتروكة

” عندما يحين الدفاع عن حرية الآخرين ، فأن تكذب وألا تفعل شيئا هو نوع من الضعف ، لا التواضع“ ريتشارد ستولمان “

بدأت هذه الثورة عام 1983 عندما قرر ريتشارد ستولمان تأسيس “ مؤسسة البرمجيات الحرة ” fsf ، حيث قال ستولمان أن البرمجيات يجب أن تكون “ حرة ” ، وهي تكون كذلك عندما تضمن للمستخدم الحريات الأربعة التالية :

* حرية تشغيل البرنامج ، لأي غرض .
* حرية دراسة كيفية عمل البرنامج ، وتكييفها مع احتياجاتك ، الوصول إلى الشيفرة المصدرية لازم لهذا .
* حرية إعادة توزيع نسخ وعندها ستتمكن من مساعدة جارك .
* حرية تحسين البرنامج ، وإصدار تحسيناتك ( والنسخ المعدّلة بشكل عام ) للعامة ، وعندها يستفيد المجتمع كله ، الوصول إلى الشيفرة المصدرية لازم لهذا .

يصبح البرنامج حرا إذا امتلك مستخدموه كل هذه الحريات ، لذلك ، يجب أن تكون حراً في إعادة توزيع نسخ ، سواءً مع أو بدون تعديلات ، سواءً مجانا أو بمقابل أجر للتوزيع ، لأي شخص في أي مكان ، كونك حراً لفعل هذه الأشياء يعني ضمن ما يعنيه أنك لا تطالب بالدفع لأجل الإذن .

البرنامج الحر لا يعني أنه مجاني ، أنت قد تدفع للحصول على برنامج حر ، لكن عند دفعك للثمن فأنت تمتلك حريتك الكاملة في التصرف كما تريد بالبرنامج ، كنشره أو توزيعه أو تعديله أو غير ذلك .

عند الحديث عن البرمجيات الحرة ، الأفضل تجاوز استخدام مصطلحات مثل “ هدية ” أو “ بالمجان ” ، لأن هذه المصطلحات تدل على أن القضية حول السعر ، وليست الحرية .

الحقوق المتروكة هي أسلوب عام لجعل برنامج أو عمل آخر حر ، وتطالب كل النسخ المعدلة والمُوسّعة من البرنامج أن تكون حرة أيضا .

مطوّرو البرمجيات الاحتكارية يستخدمون حقوق النشر لأخذ حرية المستخدمين ؛ نحن نستخدم حقوق النشر لضمان حريتهم ، لهذا قلبنا الاسم ، بتغيير ” حقوق النشر “ إلى ” الحقوق المتروكة “ .

الحقوق المتروكة طريقة لاستخدام حقوق النشر على البرنامج ، لا تعني التخلي عن حقوق النشر ؛ في الحقيقة ، فعل ذلك يجعل الحقوق المتروكة مستحيلة ، الكلمة ” ترك “ في ” الحقوق المتروكة “ لا تشير إلى الفعل ” ينبذ “ — فقط في اتجاه عكس ” النشر “ . 11

الهدف الحقيقي من استخدام البرمجة الحرة هو غرض اجتماعي بالدرجة الأولى وهو حرية المستخدم ، أي أن المستخدم هو الذي يكتب الشيفرة وهو الذي يعدلها وهو الذي يطورها وهو الذي يوزعها بين إخوانه وأهله وأصدقائه وجيرانه ولا يخضعهم لشروط استخدام مجحفة ، البرمجيات الامتلاكية تفرض شروطا على مستخدميها بعدم مشاركة البرمجيات على عدة أجهزة والإبلاغ عن من يقوم بفعل هذا حتى لو كانت هذه البرمجية عبارة عن لعبة إلكترونية أعطاها أب لابنه الصغير على جهازه ليتسلى بها وإلا فانه سيكون بذلك خارقا لبنود الاتفاقية وعليه أن يقدم نفسه لدفع التعويضات الملائمة .

اليوم : زلايين ( ما بعد الملايين والبلايين ) البرامج مرخصة بشكل حر12 ، وعشرات الشركات التجارية الربحية قائمة على هذه المبادئ ، ما يعني أن التكسب من البرنامج لا ينافي جعله حراً ، متاحٌ للجميع نسخه ونشره واستخدامه ، يذكر على سبيل المثال أن سعر سهم شركة ريدهات ( القائمة على فلسفة المصادر المفتوحة ) أعلى من سعر شركة مايكروسوفت ( وهي قائمة على مبدأ احتكار الكود المصدري واحتكار توزيع البرنامج والحد من الحريات ) ، رغم أن مجموع الأسهم الكلي يعود لصالح الثانية13.

تُعتبر فلسفة المصادر الحرة البديل الأفضل للصراع حول الملكية الفكرية ، وهل نطبقها أم نتجاوزها ، وما هي حدودها ؟ وكيف لا تتحول إلى وسيلة للاحتكار ؟ وغير ذلك …

انتقلت فكرة الحرية إلى الكتب والوثائق بعد ذلك ، فيما بات يعرف بــ “ رخصة الإبداع العمومي ” ، حيث يمكن نسخ الكتب الحرة ، ونشرها وتوزيعها وترجمتها وبناء كتب بالاعتماد عليها ، ( بشرط النشر بالمثل ونسبة الفضل إلى أهله وعدم الاستخدام التجاري من قبل الآخرين ) 14 اليوم توجد ألوف الكتب الحرة ، ( يتجاوز مجموع صفحات الكتب العربية الحرة 3500 صفحة ، بالإضافة إلى المجلات العربية الحرة مثل مجلة مجتمع لينكس العرب ، والمواقع والمنتديات والمدونات الحرة )15 … إن أسلوب الحقوق المتروكة يلقى رواجًا عالميًا ….

يعتبر مشروع ويكيبيديا ( وهو مشروع ضخم ، لإتاحة التعليم ومصادره بشكل حر على الإنترنت، ومتوفر بأكثر من 250 لغة ) أحد أكثر عشرة مواقع زيارةً في العالم ، وأحد أبرز النماذج التي تجسد مفهوم الحرية .

أيضًا تجدر الإشارة إلى موسوعة المعرفة ، وهي موسوعة معرفيّة مجانيّة تعنى بإثراء المحتوى العربي على الشبكة والذي يخضع للرخص الحرّة .

ما هي إيجابيات ترخيص البرامج بأسلوب حر ؟

1. الحرية تتضمن نشر الكود وإمكانية الإطلاع عليه ، بخلاف البرامج الإحتكارية التي هي أشبه بالصندوق الأسود .. لا يمكن لأحد على الإطلاق أن يقدّم لك ضمان يكفل بألا تحتوي البرمجيات الإحتكارية التي تستخدمها على هاتفك النقال وجهاز الحاسب لديك أجزاء تجسسية ، يمكن بسهولة أن يُتجسس عليك .

مايكروسوفت ويندوز يتجسس على المستخدمين ، على سبيل المثال ، يرسل الكلمات التي يبحث المستخدم عنها في ملفاته الخاصة ، وما هي البرامج الأخرى المثبتة ، ريل بلير ( RealPlayer) يتجسس أيضا16 ، إنه يرسل ما يشغله المستخدم .

الهواتف المحمولة مملوءة بالبرمجيات غير الحرة ، والتي تتجسس ، الهواتف المحمولة ترسل إشارات موضعة حتى عندما تكون ‘ مغلقة ‘ ، يمكن للعديد أن يرسلوا موقعك العالمي الدقيق سواء رغبت أو لا ، وبعض النماذج يمكن تشغيلها عن بعد كأجهزة تنصت ، لا يمكن للمستخدمين إصلاح هذه الميزات الخبيثة لأنهم لا يملكون السيطرة عليها .

الطريقة الوحيدة للتأكد من أن برمجيتك تعمل لأجلك هي بإصرارك على البرمجية الحرة / المجانية ، وهذا يعني أن المستخدمين الذين يحصلون على الشفرة المصدرية ، أحرار في دراستها وتغييرها .

2. في حال كونك مبرمجاً ، تعتبر البرمجيات الحرة البيئة الأمثل لتنمية قدراتك وإمكانياتك ، بإستطاعتك الإطلاع على الأكواد المصدرية لمئات الآلاف من البرامج ، يمكنك المساهمة في تطوير أضخم المشاريع البرمجية الحرة بعد ذلك ، كل هذا سيصقل مهاراتك وسيزيد من خبرتك ومعارفك .

3. استخدام البرمجيات الحرة يعزز فيك أسلوب الحياة الذي يعود بالنفع على المجتمع ككل ، لأن الكل قادر على الحصول على البرنامج ، الجميع قادر على الإطلاع على الكود المصدري ، الجميع متاحة لهم الفرصة للمشاركة بتطوير هذه البرمجيات … تلك الميزات غير محصورة بفئة معينة بالمجتمع ، لا مكان لـ “ كهنة التكنولوجيا ” في مجتمع البرمجيات الحرة … التعلم متاح للجميع ولا يحق لأحد إحتكاره ، إن استخدام البرمجيات الحرة ومشاركتها مع أصدقائك ستعزز فيك هذه الروح .

4. البرمجيات الحرة تعتبر خيار مجدي اقتصادياً سواءً على مستوى الأفراد أو المدارس أو الجمعيات الخيرية أو حتى الحكومات ، حيث تكون أسعارها معقولة غالباً ، ثم إنه يمكن الحصول على هذه البرمجيات بشكل مجاني من أي أحد قام بشراء البرنامج ، فضلاً عن أن معظم البرمجيات الحرة مجانية !

5. إن إبقاء مصدر البرنامج متاحاً للعموم ، جعل مئات الألوف من المبرمجين حول العالم يقبلون على تطوير هذه البرامج ، الأمر الذي جعل هذه البرامج أكثر قوة واستقراراً وتطوراً من البرامج المغلقة المصدر التي لا يقف خلف تطويرها أكثر من فريق معدود من المبرمجين .

6. لن نضطر إلى إعادة اختراع العجلة في كل مرة نصنع بها سيارة ، وهذا يعني أن توافر الكود المصدري للعموم يجعل من الأفكار والشيفرات تتمتع بميزة “ التراكمية ” ، في المنتج المغلق المصدر ( أي الاحتكاري ) أنا لا املك أي مادة خام ، وبالتالي عندما أكتب كود محرر نصوص فسأبدأ من الصفر ، وفي كل مرة سيفكر أحد بكتابة كود محرر نصوص سيبدأ كذلك من الصفر ، أما في البرمجيات الحرة فهناك العديد من الشيفرات المصدرية ولا داعي لأن أبدأ من الصفر كل ما علي فعله هو إضافة أفكاري وتطويراتي على الكود الموجود أصلاً ، وهكذا يساهم الجميع بالمزيد والمزيد من التحسين على الكود وتتراكم المعارف والأفكار ، وهذا يضمن أيضاً تطور للبرمجيات الحرة أسرع بكثير من تطور البرمجيات الإحتكارية ، إذ كانت الثانية تبدأ من الصفر دائماً والأولى تبدأ من حيث انتهى الآخرون .

7. البرمجيات الحرة تتيح مجالاً واسعاً لدعم اللغة العربية ، فتوافر الكود المصدري للعموم ، يتيح لنا وبسهولة دعم اللغة العربية في البرامج بل وتعريب واجهات هذه البرامج وإضافة كل ما يحتاجه المستخدم العربي من ميزات ، أنا هنا لا أتحدث عن “ إمكانية ” فعل ذلك ، لكن هناك مجموعات وفرق برمجية تقوم فعلاً بتعريب البرمجيات الحرة … فريق “ عرب آيز ” على سبيل المثال ، وجهودهم في هذا المجال جبارة حقيقةً .

8. البرمجيات الحرة تؤمن المزيد والمزيد من فرص العمل ( المدفوع الأجر ) ، كيف؟ بأكثر من سبيل ، أحدها : أنه مع البرمجيات الاحتكارية فهناك وجود لطرفين فقط طرف يستهلك البرنامج وآخر يحتكر تقديم الدعم والتحديثات .. مع البرمجيات الحرة يمكن لأي شخص أن يقدم دعمه ومساعدته المدفوعة الثمن حول برمجيات لم يقم بإنتاجها لكنه يحترفها ويعرف مشاكلها ..

انتشار البرمجيات الحرة سوف يعني حاجة الشركات والقطاعات الخاصة والدوائر الحكومية التي ستستخدم هذه البرمجيات إلى دخول دورات تعليمية للتعامل مع النظام ومع البرامج التي ستلزم في تلك القطاعات … أسعار الدورات من شركات البرمجيات الحرة ستكون مرتفعة الثمن مقارنة مع أي دورة يقوم بها أخصائي وطني .. أيضاً : الشركات التي ستستخدم البرنامج سيعوزها باستمرار تطويره وتحديثه بما يواكب تطور عملها ، وهنا ممكن لأي فريق برمجي وطني مختص أن يقدم خدمات الدعم الفني هذه بأسعار منافسة للشركات الأم الأصلية .. وهذا يعني أيضا المزيد من فرص العمل ( المدفوع الأجر ) شيوع البرمجيات الحرة في السوق سيؤمن حتما الكثير من فرص العمل للمبرمجين ، بالإضافة إلى إيجابيات تتعلق بالجانب التقني لا مجال لذكرها هنا .

إن الترخيص بشكل حر، يحقق للقارئ والمجتمع منفعة عالية جدًا ، حيث يصبح انتشار المعرفة وتوزيع مصادرها أمراً متيسراً ومتاحاً بسهولة ، مما يضمن انتشار أوسع للعلم ، بالإضافة إلى إتاحة الفرصة للجميع للمساهمة بالعملية الإبداعية بشكل تشاركي وتعاوني ملفت للنظر ، إن إتاحة المصادر العلمية للمنتجات تختصر الوقت والجهد والمال اللازم للعملية الابتكارية .

إن الناشرين بشكل حر يحققون أرباحاً ملفتة للنظر خلافاً لما يشاع ، فشركات البرامج الحرة التي تقدم برامجها ( مع الكود المصدري ) بشكل مجاني وتتيح للجميع نسخها وتوزيعها وتعديلها تتربح عن طرق الدعم الفني المدفوع الثمن سواءً للأفراد أو للشركات ، لقد أثبتت هذه الطريقة نجاعتها بشكل قاطع ، إن التربح من بيع البرامج قد ولى زمنه كما تقول تلك الشركات .

فضلاً عن التطور التقني لهذه البرامج حيث يكون “الجميع” مشارك بعملية التطوير
ودور النشر التي تنشر كتبها بشكل حر ، بحيث تتوافر النسخ للتحميل المجاني من الشبكة أو تصوير الكتاب من صديق ، تتبع أسلوب جديد بالطباعة ، وهو الطبع عند الطلب ، حيث توفر الماكينات الحديثة في تلك الدور ، النسخة من الكتاب خلال 20 دقيقة ، وبالتالي لن يكون هناك أي خسائر ، وقد وجدت هذه الدور أن الإقبال يتضاعف على الكتب التي تنشر على الشبكة بشكل مجاني ، حيث يزداد عدد القراء بشكل خيالي وبالتالي تزداد ( بشكل طردي ) الشريحة القادرة على دفع ثمن الكتاب ، والتي تشتري الكتاب لإهدائه أو حتى للاحتفاظ به ، دار للنشر الحر ( مثل لولو ) تحقق مبيعات وأرباح منافسة ، بينما توقع لها الجميع بالفشل .

آراء فقهية

قبل الدخول في التعقيدات الفقهية ، التي سأحاول النأي عنها هنا ، فإن هناك نقطة مهمة يجب الإشارة إليها ، وهي أن معظم الفقهاء الذين يستجد أمامهم شيئًا من القضايا دائماً ما يرجعون إلى كتب الفقه من التراث يبحثون وينقبون فيها علّهم يجدون شيئًا ما يبنون عليه ، وكأن الجرأة لا تتملك أحدهم لأن يعود إلى مصدر هذا التراث ( القرآن والسنة ) حيث سيجد ضالته هناك ، ليعلن فتوى لم يقل بها أحدٌ من قبل ، أو وكأن نسب الفتاوي إلى كتب التراث والأئمة يعطيها من الحصانة والقداسة ما لا يدع لأحد مجالا للبحث معه ، أو وكأن الله ضمن لنا في كتب التراث من المعاني المتجددة ما لا ينضب ! ورحم الله السلف عندما كانوا في اجتهاداتهم يقولون خذوا من حيث نأخذ .

الرأي الأول : ” الملكية الفكرية ” : الوجوب وحرمانية المخالفة

وهو الذي قالت به المجامع الفقهية الرسمية ومنها : قرار المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة :
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ، أمَّا بعد :
فإنَّ مجلس المجمع الفقهي الإسلامي في دورته التاسعة ، المنعقدة بمبنى رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة في الفترة من يوم السبت 12 رجب 1406هـ إلى يوم السبت 19 رجب 1406هـ ، قد نظر في موضوع حقوق التأليف لمؤلفي الكتب والبحوث والرسائل العلمية : هل هي حقوق ثابتة مملوكة لأصحابها ، وهل يجوز شرعاً الاعتياض عنها ، والتعاقد مع الناشرين عليها ، وهل يجوز لأحدٍ غير المؤلف أن ينشر كتبه وبحوثه ويبيعها دون إذنه ، على أنَّها مباحة لكلِّ أحدٍ ، أو لا يجوز ؟
وعرض على المجلس التقارير والدراسات التي هيأها في هذا الشأن بعض أعضاء المجلس ، وناقش المجلس أيضاً رأي بعض الباحثين المعاصرين ، من أنَّ المؤلف ليس له حقٌّ مالي مشروع فيما يؤلِّفه أو ينشره من كتب علمية ، بحجَّة أنَّ العلم لا يجوز شرعاً حجره عن الناس ، بل يجب على العلماء بذله ، ومن كتم علماً ألْجَمَهُ الله تعالى يوم القيامة بلجام من نارٍ ، فلكلِّ من وصل إلى يده بطريق مشروع نسخة من كتابٍ لأحد المؤلفين ، أن ينسخه كتابةً ، وأن ينشره ويتاجر بتمويل نشره ، وبيع نسخه كما يشاء ، وليس للمؤلف حقُّ منعه .
ونظر المجلس في الرأي المقابل، وما نشر فيه عن حقوق الابتكار ، وما يسمى الملكية الأدبية والملكية الصناعية ، من أنَّ كل مؤلف لكتاب أو بحث أو عمل فنيٍّ أو مخترعٍ لآلة نافعة له الحق وحده في استثمار مؤلَّفه أو اختراعه ، نشراً وإنتاجاً وبيعاً ، وأن يتنازل عنه لمن شاء بعوض أو غيره ، وبالشروط التي يوافق عليها ، وليس لأحدٍ أن ينشر الكتاب المؤلَّف أو البحث المكتوب بدون إذن صاحبه ، ولا أن يُقَلِّد الاختراع ويتاجر به دون رضى مخترعه ، وانتهى المجلس بعد المناقشة المستفيضة إلى القرار التالي :
أولاً : إنَّ الكتب والبحوث قبل ابتكار طرق النشر بالمطابع التي تخرج منه الآلاف المؤلَّفة من النسخ ، حين لم يكن في الماضي وسيلة لنشر الكتاب إلاَّ الاستنساخ باليد ، وقد يقضي الناسخ سنوات في استنساخ كتابٍ كبير ليخرج منه نسخة واحدة، كان الناسخ إذ ذاك يخدم العالم المؤلِّف حينما ينسخ بقلمه نسخة أو عدَّة نسخ لولاها لبقي الكتاب على نسخة المؤلِّف الأصلية معرَّضاً للضياع الأبدي إذا تلفت النسخة الأصلية ، فلم يكن نسخ الكتاب عدواناً على المؤلِّف ، واستثماراً من الناسخ لجهود غيره وعلمه ، بل بالعكس ، كان خدمة له وشهرة لعلمه وجهوده .
ثانياً : أمَّا بعد ظهور المطابع فقد أصبح الأمر معكوساً تماماً ، فقد يقضي المؤلِّف معظم عمره في تأليف كتاب نافعٍ ، وينشره ليبيعه ، فيأخذ شخصٌ آخر نسخة منه فينشرها بالوسائل الحديثة طبعاً وتصويراً ، ويبيعه مزاحماً مؤلِّفَهُ ومنافساً له ، أو يوزِّعه مجاناً ليكسب بتوزيعه شهرة ، فيضيع تعب المؤلِّف وجهوده ، ومثل ذلك يقال في المخترع .
وهذا مما يثبط همم ذوي العلم والذكاء في التأليف والاختراع ، حيث يرون أنَّ جهودهم سينهبها سواهم متى ظهرت ونزلت الميدان ، ويتاجر بها منافساً لهم من لم يبذل شيئاً مما بذلوه هم في التأليف أو الابتكار .
فقد تغيَّر الوضع بتغيُّر الزمن وظهور المستجدات فيه ، مما له التأثير الأساسي بين ما كان وما صار، مما يوجب نظراً جديداً يحفظ لكل ذي جهد جهده وحقَّه .
فيجب أن يعتبر للمؤلِّف والمُخْتَرِعِ حقٌّ فيما ألَّف أو ابتكر ، وهذا الحقُّ هو ملك له شرعاً ، لا يجوز لأحدٍ أن يسطو عليه دون إذنه ، وذلك بشرط أن يكون الكتاب أو البحث ليس فيه دعوة إلى منكر شرعاً ، أو بدعة أو أيِّ ضلالة تنافي شريعة الإسلام ، وإلاَّ فإنَّه حينئذٍ يجب إتلافه ، ولا يجوز نشره .
وكذلك ليس للناشر الذي يتَّفق معه المؤلِّف ولا لغيره تعديل شيءٍ في مضمون الكتاب ، أو تغيير شيءٍ دون موافقة المؤلِّف ، وهذا الحقُّ يورث عن صاحبه ، ويتقيَّد بما تقيِّده به المعاهدات الدولية والنظم والأعراف التي لا تخالف الشريعة ، والتي تنظِّم هذا الحق وتحدِّده بعد وفاة صاحبه تنظيماً ، وجمعاً بين حقِّه الخاصِّ والحقِّ العامِّ ؛ لأنَّ كل مؤلِّف أو مخترعٍ يستعين بأفكار ونتاج من سبقوه ، ولو في المعلومات العامة، والوسائل القائمة قبله .
أمَّا المؤلِّف أو المخترع الذي يكون مستأجراً من إحدى دور النشر ليؤلِّف لها كتاباً ، أو من إحدى المؤسسات ليخترع لها شيئاً لغاية ما ، فإنَّ ما ينتجه يكون من حقِّ الجهة المستأجرة له ، ويتبع في حقِّه الشروط المتَّفق عليها بينهما ، مما تقبله قواعد التعاقد .
والله ولي التوفيق، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه . 17

الرأي الثاني : يضع ضوابط

وإذا وصلنا النظر في العصر الحديث لدى رواد تجديد الفكر الإسلامي الشمولي الحركي لدى الشيخ / حسن البنا نجده في مجال الاقتصاد يقرر حرمة المال واحترام الملكية الفكرية الفردية الخاصة ما لم تتعارض مع المصلحة العامة18.
فحق الناس المحتاجين لهذه الملكية يحتم وضع قيود عن هذه الحقوق الفردية، وعليه يكون حبسها المطلق وكأن في الأمر احتكارًا .
لذا رأت التشريعات المختلفة وضع قيود على هذه الحقوق ، وهي قيود ضرورية تحد من أخطار الملكية المطلقة وتوجيهها الوجهة الصحيحة ، نجد هذا في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة يمنع الضرر ، ( لا ضرر ولا ضرار ) وغيرها من القواعد الشرعية ، لذا فلا يجوز للملكية الفردية عمومًا أن تنمو نموًا يلحق الضرر بالمصالح الجماعية .
لذا فإذا نمت الملكية الفردية بطرق تخالف المبادئ الأخلاقية التي أوجب الإسلام رعايتها فلوَلي الأمر حينئذ تقييد هذه الملكية لتحقيق المصلحة العام ، ومن ثم تجد هذه الملكية في إطار تلك القيود الحماية القانونية والشرعية .
بعدها نتساءل: هل في هذه الحماية المطلقة للملكية الفكرية شبهة احتكار؟
جاء في المصباح : “ احتكر فلان الطعام : إذا حبسه إرادة الغلاء و( الحَكْر ) بمعنى الاحتكار .
وفي الاصطلاح الفقهي يعرّف : “ حبس السلع أو جمعها من الأسواق حتى تشتد حاجة الناس إليها ”.
ويقول: الحَصْكَفِي في شرح الدر المنتهي : “ إن الاحتكار شرعاً اشتراء الطعام ونحوه إلى الغلاء لمدة اختلفوا في تقديرها .
وكلمة “ نحو” في التعريف تجعل الاحتكار شاملاً للقوت وغيره مما يحتاج إليه الناس .
بالنظر لهذه التعريفات وخاصة التعريف الموسّع للسلع باعتبارها كل ما يحتاج إليه الإنسان ربما أدخل ذلك الملكية الفكرية في مفهوم السلع ، وبالتالي إمكانية تصور الاحتكار فيها .
بل تلحق هذه الشبه حتى إذا اعتبرنا حق الملكية الفكرية هي أعمال ، إذ من المعروف أن الاحتكار يمكن أن يلحق بالأعمال في حالة قيام المشتغلين في المهن أو الحِرَف استغلال أعمالهم قصرًا عليهم بقصد أن يكسبوا كسبًا كبيرًا دون الآخرين .

وإذا أعملنا القواعد الشرعية العامة كقاعدة : ( أن الأحكام – ولا سيما في المعاملات – معلّلة بجلب المصالح ودفع المفاسد ) ، وقاعدة : ( لا ضرر ولا ضرار ) ، وعموم الحديث الشريف : ( من احتكر فهو خاطئ ) ؛ نخلص إلى أن الحماية المطلقة للملكية الفكرية ربما تحقق معها معنى الاحتكار .
ولعل هذا ما دفع التشريعات لتحديد فترة الانتفاع بهذه الحقوق حداً ومنعاً للاحتكار ، ونحن نضع في ذهننا مفهوم الإسلام للعدالة الاجتماعية حيث تسامى بمدلولاته على أن تكون مجرد قوانين محددة تحمي أو تقيد حق الملكية الفكرية ، إنما النظرة تتعدى إلى تحقيق هذه العدالة الاجتماعية بموازنة بين حق الفرد من ناحية ، وحق المجتمع في الانتفاع بهذه الأفكار والمبتكرات .
والنظر والإقرار كذلك عند تنظيم هذه الملكيات بأنها ليس فقط لمجرر توزيع هذه الثروة المتحققة من عائد هذه المؤلفات والابتكارات الفكرية إنما تتعدى المسألة إلى حق العلم ونشره كوسيلة لقضاء الحوائج لتبادل المنافع .
ومن منظور العدالة ؛ فإن المبتكر أو المؤلف قد بذل جهدًا كبيرًا في إعداد مؤلفه أو مبتكره ، وبالتالي يكون أحق الناس به ، سواء فيما يمثل الجانب المادي وهي الفائدة المادية المرجوة من عمله ، أو الجانب المعنوي وهو نسبة العمل إليه ، حيث يظل هذا الحق المزدوج خالصًا له ثم لورثته .
وبناءً عليه يعتبر حق تقليد المبتكر أو إعادة طبع مؤلف أو نسخه اعتداء على الملكية الفكرية وسرقة توجب الإثم ، ورتب حق تعويض للمؤلف المعتدى عليه وإتلاف أو مصادرة النسخ المطبوعة .
لقد ثار جدل في شأن تحديد طبيعة حق المؤلف هل هو حق ملكية بالمعنى الصحيح ؟ إن تشبيه حق المؤلف بحق الملكية قد أتى من الاعتقاد في أنّ كل ما يبتكر أو ينتج شيئًا يملكه .
يرى البعض أن استعمال لفظ ( المِلْك ) أو ( المِلْكِية ) هو استعمال مجازي ، حيث من المعروف أن الأشياء المادية هي التي يمكن أن تقبل بطبيعتها لأن تكون محلاً للملكية ويصح حيازتها .
أما الأفكار والحقوق المعنوية عموماً بطبيعتها لا تقبل الاستئثار والحيازة باعتبار أنها لمجرد إذاعتها ونشرها تَخرُج من صاحبها وتشيع في المجتمع ، وفي إشاعتها هذه ربما تصادف هوى في نفس صاحبها حيث يصبح الذيوع والشيوع لهذه الأفكار دليلاً لنجاح صاحبها ، لذا يبررون هذه النظرية بأنّ المؤلف أصلاً لا يقصد أن تظل هذه الأفكار مقصورة إنما يقصد نشرها .

ثم إنّ حق المؤلف حق مؤقت على خلاف الملكية ، فإذا رد بأن حق الملكية قد تزن في بعض صورها مؤقتة فإن ذلك التوقيت هو أمر استثنائي ، ولهذه الأسباب يرى أصحاب هذا الاتجاه بأن حق الملكية الفكرية لا يعتبر حق ملكية.
وقد ذهب البعض إلى اعتبار حق المؤلف نوعًا من الحقوق العينية لأنه يخول صاحبه القدرة على القيام بأعمال معينة كحق الاستعمال والاستغلال والتصرف كصاحب الحق العيني سواء بسواء .
وبالطبع هذا يخالف النظرة التقليدية للحق العيني الذي لا يقع إلا على الأشياء المادية .
ثم إنّ هذا الحق لا يمكن اعتباره من الحقوق الشخصية كحق الدائن قبل مدينه ، لأنه لا يوجد رابطة بين صاحبه وبين شخص أو اشخاص معينين ، وليس محله عملاً من الأعمال .
ويرى البعض أنّ حق المؤلف حق من نوع خاص لا يندرج تحت التقسيم التقليدي للحقوق ، هذا ما سارت عليه محكمة النقض الفرنسية حيث وضعت في أحد أحكامها ( أنّ حقوق المؤلف والاحتكار الذي تخوله تسمى خطأ سواء في اللغة التجارية أو لغة القانون باسم الملكية كما عرّفها ونظمها التقنين المدني بالنسبة للمنقولات والعقارات ، فهي تقتصر على إعطاء صاحبها امتيازاً مقصوراً عليه في استغلالها استغلالا مؤقتًا ) .
ويرجع البعض أن صعوبة تحديد طبيعة حق المؤلف تأتي في صورة استغلال هذا الإنتاج الفكري ( الحق الأدبي ) حيث بموجب الحق الأدبي المجرد يصبح للمؤلف وحده تقرير مدى صلاحية الفكرة للنشر أو لا .
ومتى ما نشرت الفكرة يجب أن تُنسب دائمًا إليه .
كما يجب أيضًا أن تبقى الفكرة في الصورة التي أعرب عنها دون تغيير أو حذف . ولاحظ أن هذا الحق دائم وإن انتهى الحق المالي للمؤلف ، وهذا يعني أن هذا الحق لا يجوز التصرف فيه ولا حيازته ولا رهنه أو الحجز عليه ، لأن الحق الأدبي لا يدخل في حساب الذمة المالية ، أما الشق الآخر وهو الحق المالي ، فهو الذي يتمثل في إمكان الفرد من استغلال لهذه الأفكار حيث يستفيد المؤلف من هذه الحقوق المالية التي تدخل في الذمة خلاف الحق الأدبي ، لذا يجوز التصرف فيه ورهنه والحجز عليه .
وبهذا المعنى يرون بأن حق المؤلف هو حق مزدوج .19

الرأي الثالث : لم يعترف بملكية للفكر

ومنهم القرافي الذي ذكر في كتابه “ الفروق ” أن الاجتهادات ( الأفكار ) لا تُملك وليست حقاً لمبتكرها ، وإلا فما فائدة التفكير والاجتهاد والقراءة في ذلك والاستماع إليه .
ومنهم مفتي باكستان الشيخ محمد شفيع رحمه الله ، فقد سُئٍلَ20 :
1- ُيسجّل المصنفون كتبهم لئلا ينشرها أحد غيرهم ، هل هذا التسجيل جائز شرعاً أم لا ؟
2- ما حكم البيع والشراء لحق التصنيف والاختراع ؟
الجواب :
“لا يجوز المنع عن النشر والصانعة لمن يسجل تأليفه أو اختراعه ؛ لأن منع أحد عن التصرف في الأمر المباح لا يخلو من وجهين :
أحدهما : أن يتم التصرف في ملك الآخر بلا إذنه .
والآخر: أن يؤدي هذا التصرف إلى إلحاق ضرر للفرد أو الجماعة .
والمسألة التي نحن بصددها تفقد هذين الوجهين لأن الناشر أو الصانع لا يتصرف في ملك أحد ، بل يقوم بالكتابة وتوفير الأوراق ودفع أجرة الطباعة من عنده ، هذا وأن ما ينقل منه إما أن يشتريه أو يحصل عليه من أي طريق مباح .
وأما حق التصنيف فليس بمال ، ولا يصلح أن يكون ملكاً لأحد .
والوجه الثاني مفقود كذلك لأن الناشر لا يمنع المصنف ولا أحد عن النشر الذي هو سبب في إلحاق الضرر بل النشر يؤدي إلى حرمان المصنف أو المبتكر من الغلاء ولا يضر الناس على منفعتهم الشخصية – فهذا ليس بضرر بل تقليل للنفع ، والفرق ظاهر بين الضرر وتقليل النفع .
ولعل منع المُصنِّف أو المبتكِر لأحد عن الطباعة والنشر إنما يحتمل أن يقرر نسبة ربح أكثر من العادة أو ألا تكون المنافع التجارية إلا له ، وأن لا يستفيد الآخرون من ربح هذه الصفقة التجارية وبهذا يتضرر الناس ، ولأن النفع الفردي الذي يكون سببًا لإضرار عامة الناس فالشرع لا يبيحه ، وقد ورد النهي عن الاحتكار في الأحاديث الصحيحة .
وهناك قاعدة ( الضرر يزال ) في كتاب الأشباه والنظائر ، وهي مستنبطة من الكتاب والسنة ، فالحاصل أنه يتحمل أحياناً خسائر فردية لإزالة الضرر عن الجماعة .
وخلاصة الأمر أن حق التصنيف والابتكار ليس بشيء قابل أن يكون ملكاً لأحد ، فلو طبع أحد كتاباً أو نقله أو قلّد صناعة بجهوده فالمنع عن ذلك ليس بامر مباح ، بل هذا من حقه ، فلا يخفى أن المنع ظلم لا ينبغي والله سبحانه وتعالى اعلم ” أ.هـ
وهناك آخرون ذكروا مزيدَ تفصيلٍ على هذا ، لكن المقام لا يسمح بأكثر من ذلك .

ثورة العالم القادمة … رخصة “ وقف ” العامة

إضافةً لقوانين الملكية الفكرية ، والحرية الفكرية ، فإن بعض التقنيين والقانونيين العرب يعملون الآن لبلورة مفهوم “ الوقف ” للبرمجيات والأعمال الفكرية الأخرى ، إنهم يرون أن الوقف من المعاملات الإسلامية التي ازدهرت في فترة ازدهار الدولة الإسلامية ، وخمدت وتشوهت في الفترات الأخرى ، كما أنهم يرون أن تطبيق مفهوم الوقف لا يجب أن ينحصر في المباني والأراضي وخلافه ، وإنما يجب أن ينتقل إلى الأعمال الفكرية ، في عصر يتسابق فيه الجميع على الاحتكار ..

كل ما سيرد الآن حول رخصة “ وقف ” هو من موقع أعجوبة ، الواضع لهذه الرخصة :
“ إننا نرى أن هذه الاتفاقيات ( الرخص المملوكة ) مجحفة جدا لكننا ندرك أن قبول اتفاقية معينة ( مثل رخص البرامج المملوكة ) وأنت تضمر مسبقا خرقها أمر غير أخلاقي .

لهذا فنحن لا نحل المشكلة بمشكلة أخرى بل نقدم البديل ، نحن لدينا رؤية مختلفة حيث أننا نقدم أعمالنا الفكرية من برامج حاسوبية وغيرها ابتغاء وجه الله ، والتي هي الركيزة الأساسية لهذه الرخصة التي تميزها عن الرخص المملوكة وعلى أي غاية أخرى ( مثل نشر العلم النافع أو جني الأرباح ) أن تتحقق بوسيلة لا تخالف هذا الهدف الأسمى .

و في قناعتنا – التي لا نلزم أحدا بها والتي لا يضيرك أن لا تشترك معنا فيها – أن الإسلام يحرم وبشكل قطعي حكر العلم والمعرفة والإنتاج الفكري على وجه العموم ، وهذا التحريم يأتي من عدة أوجه :
الحديث النبوي الشريف : “ من كتم علما ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار ” وقد جاءت كلمة العلم نكرة في سياق العموم فهي تنطبق على كل علم ينتفع الناس به سواء علم ديني أو دنيوي .

لسنا بحاجة لابتداع شيء لنشر العلم لأن الأعمال الفكرية ليست محدثة وأن قرون الخير الأولى نشرت العلم دون تملكها .

حبس المعرفة والعلم عمن يحتاجه هو إضرار بالناس لصالح قلة منهم ، وهذا مما نهى عنه الشارع ولا يبرر هكذا فعل إلا من يؤمن بالرأسمالية الذاتية التي تطرفت في تعظيم مصلحة الفرد .

انتفاء مبرر المصلحة إذا وجدت طرق لنشر الأعمال الفكرية والتربح منها دون كتمها ،
لهذا جاءت رخصة “ وقف ” العامة ( كما غيرها الكثير من رخص التوزيع المضادة لحكر التوزيع ) ، فهي وضعت لكي تؤكد لمستهلك العمل الفكري أن لا قيد يفرضه صاحب العمل على استخدام منتجه والإفادة منه أو إعادة إنتاجه وتوزيعه .

أي أن تجعل حقوق الطبع والتوزيع “ ممنوحة ” أو مرفوعة وليس “ محفوظة ” ( وبالإنجليزية يشار لها باسم copyleft أو copy-wrong تهكما على copyright )

وهنا يجدر الوقوف عند مسألتين :
الأولى ، أن الحق الأدبي لصاحب العمل يبقى للمبتكر الأصلي على كل الأحوال ، فلا يجوز لأحد أن يأخذ هذا العمل وينتحله ويدعيه لنفسه .

والثانية ، أن لصحاب العمل ولغيره ( ممن عندهم الكفاية ) الإفادة المادية من العمل كأن يطلب أتعابا أو يتقاضى أجرا عن تحسينه أو تطويره أو أجرا عن تدريسه وهكذا ، ولكن ما وراء ذلك فلا يحق له ادعاء ملكيته للفكرة أو العمل في صورته المعنوية ولا يحق له منع الآخرين من إعادة نشرها والاستفادة منها، وهذا لا يتناقض مع كون العمل موقوفا لأن الموقوف هو أصل العمل الفكري بصورته المعنوية وليس الوسيط أو الخدمة .

بنود الرخصة

رخصة وقف العامة ، يرمز لها اختصارا بـ “ وقف ” ، هي رخصة لتوزيع العمل الفكري ( من برمجيات أو مؤلفات مكتوبة أو إنتاج فني على سبيل المثال لا الحصر ) .

تتشابه هذه الرخصة في أهدافها مع رخص البرمجيات الحرة والتوثيق الحر ورخصة الإنتاج المشترك ، ولكنها تزيد عليها ببعض الجوانب المتعلقة بالهدف من وراء الإنتاج وحدود الاستخدام .

رخصة وقف وكما يقترح الاسم هي إقرار من صاحب العمل بأن هذا العمل هو وقف لله تعالى ويتقصد به نوال رضاه من خلال انتفاع الناس به ، أي أن هذا العمل هو صدقة جارية لوجه الله تعالى ، وبذلك فإن رخصة وقف تقر بأن للمنتفع – أيا كان جنسه أو لونه أو عقيدته – الحق في الإفادة من العمل وإعادة توزيعه وحتى تطويره ضمن الشروط التالية :

أولا – أوجه الاستخدام :
يحق للمنتفع استخدام العمل ضمن أي غرض فيه منفعة ولا يجوز استخدامه فيما يسئ للآخرين أو يخالف مبادئ الإسلام السمحة ، مع ملاحظة أن الأعمال التي يغلب الظن أنها الضارة لا يجوز أن توضع تحت هذه الرخصة أصلا .

ثانيا – حق التوزيع :
يحق للمنتفع إعادة توزيع العمل بصورته الأصلية ودون تعديل وتحت شروط رخصة وقف ، بالكم الذي يريد مع صون ذكر الحق الأدبي لصاحب العمل .

ثالثا – حق التعديل :
يحق للمنتفع الحصول على النسخة المصدرية للعمل كما ويحق له التعديل عليها بما يناسب احتياجاته وضمن الحدود الموضحة في بند أولا .

رابعا – حق توزيع النسخة المُعدّلة :
يحق للمنتفع إعادة توزيع العمل المعدّل فقط تحت رخصة وقف العامة وعلى أن يذكر أصل العمل المعدل وطبيعة التعديل وأن يكون واضحا بما لا يدع مجالا للبس أن هذه النسخة معدلة وليست هي النسخة الأصلية التي انتجها صاحب العمل الأول .

خامسا – عدم المسؤولية :
لا يتحمل صاحب العمل أية مسؤولية لا قانونية ولا أخلاقية عن حسن أو إساءة استخدام العمل أو الأضرار المباشرة أو غير المباشرة الناتجة عنه إلى أقصى حد يسمح به القانون ، وصاحب العمل بهذا لا يقدم أية ضمانة لا ضمنا ولا تصريحا بقدرة المنتج على تحقيق أي غرض ، المسؤولية الكاملة تقع على عاتق المنتفع والضمانة الوحيدة المقدمة له هي مصدر العمل .

تعقيبٌ شخصي : ويتضح أنّ رخصة وقف كالرخص الحرّة لا تعتبر مجدية من الناحية الماديّة ، لكنها ترقى إلى مستويات عالية في نشر العلم والعمل على عدم كتمه

الخاتمة

في عام 1998 وقّع الرئيس الأمريكي بيل كلينتون على قانون يسمى DMCA يجعل إنتاج أدوات الهندسة العكسية أو استخدامها عمل إجرامي يعاقب عليه القانون ، والهندسة العكسية هي أن تختبر أي جهاز أو برنامج لتعرف طريقة عمله الداخلية فتقوم بتعديلها أو إنشاء منتج مماثل يؤدي نفس الوظائف .

يقول الكاتب الإماراتي : عبد الله المهيري :
“ ثلاثة أشياء كانت في الماضي أموراً بديهية يمكن لأي شخص أن يمارسها بدون أي خوف من القانون أصبحت الآن أعمالاً إجرامية :
معرفة طريقة عمل الأشياء .
تعديل المنتج لكي يؤدي وظائف مختلفة لم يصمم من أجلها أول مرة .
نشر التعديلات للآخرين . “

بعد سنتين من القراءة والمشاركة في النقاش الدائر حول قضايا “ الملكية الفكرية ” ، تزداد قناعتي بأنه لا يمكن لمجتمع معرفي تشاركي تعاوني أن يتحقق في ظروف معيقة كالتي تفرضها قوانين “ الملكية الفكرية ” ، اليوم انتقلت فكرة “ الحرية الفكرية ” لمصانع إنتاج الدواء ، حيث تتيح تلك المصانع الوصفات والطرق التي تنتج بها الأدوية ، وهناك المصانع التي تنتج أجهزة حرة ، أي تنشر مخططات الدوائر الإلكترونية والكهربائية لمنتجاتها (مثل Daisy و MintyBoost USB Charger Kit ومعالجات صن sparc ).
إن العائق الرئيسي الذي لاحظته أثناء النقاشات في الترويج لمبدأ الحرية الفكرية ، أن الكثيرين يخلطون بين المنتج الحر والمنتج المجاني ، إن طرق التربح من المنتجات الحرة والأمثلة الساطعة لشركات قدرت على تحقيق نتائج مدهشة بحق ، هو ما يجب أن يتم إيصاله لكل ناشر ولكل مبرمج ولكل شركة ….
ويبقى الذي نحتاج إليه بحق ، إبداع قانون جديد ، يجمع بين مزايا هذه القوانين ، التي عرضنا طرفاً منها ، وعدم الإكتفاء بما هو موجود فعلاً …. ما أكثر ما ترك الأول للآخر !!!

المصدر : وثائق أعجوبة
ساهم في تحرير هذه الوثيقة :أبو حفصة – محمد طريف مندو

المراجع

1 (حماية حقوق الملكية الفكرية) د. خالد بن سعد النجار .
2 من وثائق أعجوبة.
3. تناقلت وكالات الأنباء مؤخراً ، خبراً مفاده افتتاح متجر في الصين لبيع الحب والحظ !
4.الكود المصدري للبرنامج هو مجموعة التعليمات البرمجية التي تشكّل برنامج ما ، وإن تعديل برنامج ما يستلزم الوصول إلى هذا الكود .
5. إن التوصل إلى الكود المصدري لبرنامج ما محمي بقوانين الملكية الفكرية يعد عملاً إجرامياً يعاقب عليه القانون في الولايات المتحدة الأمريكية .
6. Sample EULA من موقع مايكروسوفت .
7. ( الملكية الفكرية وبرمجيات الحاسوب ) ، د. محمد ابو القاسم الرتيمي
8. وهو الأستاذ عدنان سالم مدير دار الفكر ، في مقالةٍ له على موقعه على الإنترنت .
9. ( الملكية الفكرية وبرمجيات الحاسوب ) ، د. محمد ابو القاسم الرتيمي
10. المصدر : ويكيبيديا
11. موقع مشروع “ جنو ” التابع لمؤسسة FSF على الإنترنت
12. المصدر : كتاب “ لينكس الشامل ” ، تأليف مؤيد السعدي
13. المصدر : موقع “ وادي التقنية ” ، ورد الخبر مترجماً من عدة وكالات أنباء .
14.رخصة الإبداع العمومي ، من موقعها الرسمي على شبكة الإنترنت
15. المركز التعليمي في موقع “ وادي التقنية ” يضم لوحده عشرات الكتب المرخصة بشكل حر .
16. المصدر : موقع مشروع جنو على الإنترنت .
17. موقع الإسلام سؤال وجواب
18.الملكية الفكرية في الفقه الإسلامي ، د. أسامة محمد عثمان خليل
19..الملكية الفكرية في الفقه الإسلامي ، د. أسامة محمد عثمان خليل
20. فقه النوازل ، الجزء الثاني ، بكر بن عبد الله أبو زيد