دراسة توضيحية لماهية الغنائم البحرية

الغنائم البحرية
بحث لحضرة صاحب السعادة الأستاذ أحمد صفوت باشا المحامي

مجلة المحاماة – العدد الأول
السنة الحادية والثلاثون

المصدر : مجلة المحاماة – مصر سنة 1950

لم تعرف الغنائم البحرية في الشرق الأوسط ولا في التاريخ الإسلامي لأن فتوحات بلاد الإسلام كانت كلها برية حتى استتبت الدولة العثمانية في قارة أوروبا وصار لها أسطول بحري.
ولم تعرف في مصر إلا في عهد محمد علي فقد جاء ذكرها في كتاب صفحة من تاريخ مصر في عهد محمد علي (الجيش المصري البري والبحري) للأمير عمر طوسون في صفحة 132 في الكلام على السفن والتجارة ما يأتي:
(فانتظمت طوائف السفائن وصارت نظاماتها تحاكي النظامات البحرية بالأساطيل الأوروبية ونقل ما كان بتلك السفن من الملاحين الغير النظاميين إلى سفنه المسماة بميزة قرصان التي حصل لها إدارة خاصة).
وكان بين إنجلترا والممالك الشمالية بأوروبا وأمريكا أيضًا وبين أمير الجزائر (المسلم) معاهدة حتى آخر القرن الثامن عشر على أن يحمي أمير الجزائر مراكبها في البحر الأبيض المتوسط من القرصان مقابل جزية سنوية تدفعها إليه بريطانيا.
لكن يظهر أن الغنائم البحرية وقتئذٍ كانت تؤخذ أسلابًا فلم تكن لها صفة الغنائم البحرية في المعنى الحديث التي يجب أن يحكم بصحتها.

ما هية الغنائم البحرية:

تقضي قواعد الحرب الحديثة باحترام الملكية الفردية في الحرب البرية دون البحرية.
ففي الحروب البحرية يجوز ضبط أموال أفراد الأعداء في البحار وأيضًا أموال المحايدين الموجهة إلى بلاد العدو.
أما في الحرب البرية فيجب عدم الاعتداء على أملاك جميع الأفراد في البلاد المحتلة سواء كانوا من الأعداء أم من المحايدين وعدم الاستيلاء عليها إلا مقابل دفع تعويض عنها.
وتتميز الغنائم عن الأسلاب بأن الأسلاب Butin هي ما يؤخذ من أموال العدو في المواقع الحربية بحرية كانت أو برية وهذه تنتقل فيها الملكية بالاستيلاء عليها.
أما الغنائم البحرية فهي حالة ضبط أموال أفراد العدو (لا الدولة المحاربة)، وأيضًا أموال المحايدين الموجهة إلى بلاد العدو.
وضبط أموال أفراد العدو وأموال المحايدين في البحار مقيد الآن بقيود كثيرة تحدد الأحوال التي يجوز فيها هذا الضبط والأحوال التي لا يجوز فيها، ولذلك أصبح واجبًا على من يضبط غنيمة أن يعرض أمرها على محكمة الغنائم في الدولة التابع هو لها لتحكم بصحة الضبط والاغتنام أو بعدم صحته فإذا حكم بصحة الضبط والاغتنام أصبحت الغنيمة الآن ملكًا للدولة – وكانت قديمًا تصبح ملكًا للفرد الذي ضبطها.
والحكم صحة الضبط والاغتنام ينقل ملكيتها إلى الغانم وينزعها من ملك صاحبها الأصلي، فيعتبر الحكم سندًا منشئًا لملكيتها للغانم ضد صاحبها وضد الكافة تحترمه محاكم سائر الدول وبدون صدور حكم بذلك من محكمة غنائم تبقى ملكيتها لصاحبها الأصلي.
وإذا حكم بعدم صحة الضبط يفرج عن الغنيمة وتسلم لصاحبها الأصلي.

وأصبح ذلك قاعدة مقررة في الغنائم فيقال (لا غنيمة إلا بحكم) فيجب الحكم بها:

  • أولاً: ليثبت الغانم سندًا لملكيته بالحكم حتى يمكنه التصرف في الغنيمة بالبيع للغير.
  • ثانيًا: ليطمئن ذوي الحقوق على الغنيمة بالمحاكم على أن حقوقهم لا تغتصب بل تؤخذ طبقًا لقواعد مقررة.
  • ثالثًا: رعاية لحسن العلاقات بين الدول فلا تتعدى دولة على حقوق رعايا غيرها في غير الأحوال التي يجيزها القانون الدولي.
  • رابعًا: وثمت سبب رابع كان له الأهمية العظمى في نشوء هذه القاعدة وهو أن أمراء البحار كان له عشرها فلكي يتحصلوا على هذا العشر يجب أن يحكم بصحة الغنيمة في مواجهتهم بأنهم ضبطوها ويحكم لهم بالقدر المقررة من ثمنها الذي يستحقونه.
    وقد نشأت هذه القاعدة بالعادة تدريجيًا من زمن قديم في أوائل العصور الوسطى منذ القرن الثاني عشر أو قبل ذلك.

وأساسها أن البحار لم تكن تخضع إلى سلطة تحفظ الأمن فيها بين السفن وكانت التجارة البحرية محاطة بمخاطر جسيمة من جراء لصوص البحار في السلم ومن جراء مراكب العدو في الحرب.
وكان من عادة الملوك والأمراء إذا كان لهم حق قبل الغير لم يصلوا إليه بالطرق السلمية أن يبيحوا أموال أعدائهم لرعاياهم وأن يفوضوهم بالانتقام للملك ولأنفسهم من العدو باستباحة أمواله فيكون الأفراد من بينهم جماعة يجهزون سفنًا ويخرجون في البحر للتعرض لتجارة العدو وأمواله.
وكان هذا التفويض يصدر من الأمير في حالة الحرب أمرًا عامًا لجميع رعاياه، وفي أحوال السلم يصدر إلى جماعة من رعاياه مقيدًا لمدة من الزمن محددة للحصول من أموال العدو على قدر معين يفي بالضرر الذي أوجب الأخذ بالثأر، فلم يكن الغرض منه الاعتداء ابتداءً على أموال العدو بل الاستيلاء عليها تعويضًا لضرر سبق أن حصل من قبل هذا العدو من الأمير نفسه أو من قبل رعاياه ولم يعدل فيه من قبل الأمير العدو أو من قبل محاكمة ولم يعوض الضرر الذي نتج عنه.
وكان الأمر في حالة الحرب يسمى (نفيرًا) lettres de marques والتفويض في حالة السلم يسمى (ثأرًا) lettres de represailles.
ولم يكن ذلك من أول الأمر قاصرًا على البحار بل يشمل في الحالتين أموال العدو في البر والبحر.

التعدي

النفير في حالة الحرب

إذا قامت حرب نفر أهل كل إمارة إليها فيجهز أفراد منهم على حسابهم حملة بحرية على أموال العدو يأسرونها وعلى تجارة المحايدين معه يمنعونها وكان هؤلاء يسمون Corsaires ومنها جاء لفظ القرصان إلا أنهم يتميزون عن لصوص البحار Pirates بأنهم:

1 – يحملون أمرًا من أميرهم، واللصوص لا يحملون أمرًا.
2 – أنهم لا ينفرون إلا في حالة حرب، ولصوص البحر يقطعونه في السلم والحرب معًا.
3 – أنهم يتبعون التعليمات والقواعد الرعية في هذا الشأن فلا يتعرضون إلا لأموال العدو ولتجارة المحايدين غير الجائزة مع العدو، في حين أن اللصوص يتعرضون لأموال جميع التجار ولا يتبعون قانونًا.
4 – عليهم أن يقدموا مغانمهم إلي ديوان البحرية، أما اللصوص فيمتلكون ما يسرقونه.

لكن هؤلاء القرصان ما كانوا ينفرون إلى الحرب بدافع الوطنية بل بدافع المصلحة الشخصية في الغنائم، ولذلك انحط كثيرون منهم في أعمالهم إلى درجة اللصوص فارتكبوا مآثم كثيرة روعت بعضها كثيرًا من الممالك.
وكان القائمون بتجهيز المراكب لهذا الغرض أحيانًا يحلفون البحارة قبل استخدامهم إيمانًا مغلظة أن لا يشهدوا على مآثمهم ولا يفشوا أسرارهم وكان من أحطها أن يتفاهم هؤلاء القرصان مع مركب من أعدائهم فيأسرونها برضائها حتى إذا حكم لهم باغتناها اقتسموها مع بحارتها.

ولم يكونوا مسؤولين عن أعمالهم إلا إذا انحطوا إلى درجة اللصوصية وثبت ذلك عليهم فيعاقبون عقاب اللصوص بالشنق.
وكان يترتب على سوء تصرفاتهم أن يطالب الذين نهبت أموالهم بحقهم لدى الدولة التي يتبعها هؤلاء القرصان، ونشأت عن ذلك مشاكل بين دول ذلك العصر.

ولذلك بدأت حركة مقاومتهم في جميع الدول فسنت قوانين تمنع رعايا دولة من خدمة دولة أجنبية في القرصنة وتمنع إصدار النفير إلى أجانب بغير رضاء دولتهم.
ثم فرض على القرصان الحصول على إذن من ديوان البحرية حتى يتأكد الديوان من كفاية التجهيزات البحرية وتقديم ضمانة شخصية من شخص معتمد يكفل التعويضات والغرامات التي قد يحكم بها على هؤلاء بما لا يزيد عن 1500 جنيهًا، كما فرض على القادة ثم على جميع البحارة أن يقسموا يمينًا باحترام القوانين والقواعد المرعية.

وما زالت القيود تفرض وتزاد حتى شملت أيضًا:

1 – تحريم الاتفاق مع أصحاب الغنيمة على مفاداة مجلس الغنائم.
2 – تحريم إغراق الغنيمة في البحر إلا في أحوال خاصة.
3 – وجوب استحضار شهود الغنيمة من أصحابها.
4 – وجوب استحضار جميع أوراق السفينة المغتنمة.
5 – إحضار اثنين أو ثلاثة من كبار رجال السفينة أسرى.

وكان يجوز للقرصان قبول الفدية عن الغنيمة ونظرًا لاحتمال التلاعب في ذلك منع قبول الفدية في سنة 1780 في فرنسا.
أما استحضار الأسرى فكان الغرض منه الحصول على فدية لفك أسرهم.

أما استحضار شهود الغنيمة وأوراق المركب فكان القصد منه حماية حق أمير البحار في نصيبه في الغنيمة.
ثم كان على القرصان أن يرسوا بالغنيمة في البناء التي خرجوا منها وجهزوا فيها، وسبب ذلك أنه كان لأمير البحر نصيب في الغنيمة وكان في فرنسا وفي إنجلترا عدة أمراء بحار كل في إحدى الموانئ الكبرى، فلكيلا يغمط حق أحدهم نص على إحضار غنائم كل تجهيرة في الميناء التي جهزت فيها.

وكانت الغنائم تحفظ في المراكب حتى تباع إلا ما يخشى عليه من البقاء فيها فهذا يودع لدى شخص معتمد أو يخزن في مخزن ذي ثلاث مفاتيح – مفتاح يبقى مع أمير البحر ومفتاح مع القرصان وآخر مع أصحاب الغنيمة أو نائب الملك.
ثم كان عليهم أن يقدموا تقريرًا مكتوبًا بإحصاء الغنائم وبيان ظروف ضبطها ويقوم موظفو أمير البحر باستجواب القباطنة ثم الضباط ثم البحارة ومن يكون معهم من شهود الغنيمة أو من الأسرى ثم تترجم الأوراق المضبوطة على كل سفينة ثم يرسل هذا التحقيق إلى مجلس الغنائم.

وهذه الأحكام لم تنشأ كلها إلا تدريجيًا – من القرن الثاني عشر إلى الثامن عشر – فكلما ظهر سبب لحكم منها أجرى هذا الحكم بأمر عالٍ حتى تكون مجموعها قواعد القانون الدولي بهذا الخصوص في القرن الثامن عشر بني علي ثلاث قواعد:

1 – لا قرصنة بغير إذن صادر من الدولة وإلا اعتبر صاحبها من لصوص البحر Pirate قبل دولته وقبل الذين يعتدى عليهم في البحر فيحل قتله.
2 – يحق للقرصان في هذه الحالة أن يطلبوا الحكم لهم بمغانمهم.
3 – لا يمتلكون مغانمهم قبل الحكم لهم بها.

فمن هذه الإجراءات نشأت قاعدة (لا غنية بغير حكم)، وعلى كل حال فإن القرصنة المشروعة سواء في السلم أو في الحرب قلت ابتداءً من القرن الثامن عشر وحرمت نهائيًا بمعاهدة باريس في 16 إبريل سنة 1856 ومن يحترفها من بعد يعتبر من لصوص البحار Pirates يوحل قتله.

الأمر بالثأر Lettres de Represailles

والأمر في حالة الحرب واضح وأما في حالة السلم فإنه أمر بالأخذ بالثأر.
والأخذ بالثأر كان عامًا في أكثر الأمم القديمة فيؤخذ الثأر في الاعتداء على المال من العائلة أو من البطن أو من القبيلة.
إنما أخذ الثأر من غير المعتدي لم يكن معروفًا في بلاد اليونان القديمة ولا لدى الرومان فليس في القانون الروماني منذ نشأته ما يبيح أخذ الثأر قانونًا من غير المعتدي لا في الجرائم ولا في الأموال وإنما دخلت هذه الفكرة السائدة في القبائل الجرمانية مع قبائل البربر الذين غزو الإمبراطورية الرومانية وأول ما ظهرت في البلاد الرومانية ظهر تحريمها Constitution de Zenon (Code Jusl. X1 59)، ولذلك لما قاومت الكنيسة هذا الحق في العصور الوسطى استندت إلى أن القانون الروماني لا يبيحه.
والأخذ بالثأر في هذا مقصور على الأموال دون الأشخاص، وقد حدث في سنة 1369 أن أصدر برلمان باريس تفويضًا بالثأر ضد رئيس كنيسة Evêque بوترخت Utrecht لأن أتباعه تعدوا على أموال أهل باريس فقبض أهل باريس على بعض تجار من يوترخت فأصدر برلمان باريس أمرًا بالإفراج عنهم وقال في سبب ذلك إن التفويض بالثائر لا يبيح القبض على أفراد العدو.
وكانت إجراءات الثائر محددة بقوانين في موانئ البحر الأبيض المتوسط مثل جنوا وأراجون والبندقية وفلورنسا منذ القرن الثالث عشر تنص على إجراءات يتحتم اتباعها في الحصول على التفويض وفي تنفيذه بعد الحصول عليه، ومنها أن يثبت الطالب حقه وأنه سعى إليه في بلاد العدو فلم يعدل معه، ثم يسجل التفويض في المحكمة بعد الحصول عليه أو لدى ديوان البحرية، ثم يعلنه في بلاد العدو وينتظر مهلة تتراوح بين ثلاثة أشهر واثني عشر شهرًا ثم يباشر تنفيذه بنفسه أو بواسطة غيره فله حق التنازل عنه للغير الذي يجهز المراكب لهذا الغرض وما يغنمه من شيء يحضره إلى محكمة بلده فيباع علنًا حتى يستوفي حقه ومصاريفه ثم يعطى إيصالاً باستلام حقوقه وينتهي بذلك مفعول التفويض.

وكلما صدر تفويض بالثأر من بلد صدر ضده مثله من البلد الآخر ويؤدي ذلك إلى الإضرار بالتجارة البحرية وتعريض أموال تجار أبرياء للضبط والمصادرة، لذلك نشأ نظام يقضي بفرض ضرائب على تجارة البلد التي يطلب منها تعويض منعًا لمصادرة بضائع أهلها وحصل ذلك في البندقية وفي مرسيليا في سنة 1318، ولذلك أيضًا كان بعض التجار ذوي السمعة الحسنة يلجأون إلى الحصول على براءات من الثائر حين يتاجرون مع بلاد أخرى أو يقيمون فيها وتسمى Sauf Conduit.
وبقي هذا النظام معمولاً به حتى ألغي بمعاهدة باريس في 16 إبريل سنة 1856، وكان مبناه مسؤولية كل إمارة عن ديون أفرادها ومسؤولية أفرادها عن ديونها قبل الإمارات الأخرى وقبل أهلها ولا يعني اتباعه قيام حالة حرب بين الإمارتين.
وقد نص عليه وعلى إجراءاته بأمر عالٍ في فرنسا في سنة 1681 كما كرسته بعض المعاهدات في العصور الوسطى وآخرها معاهدة يوترخت في سنة 1713.

ومنعًا لإساءة استعمال التفويض يفرض على من أذن له به أن يقدم ضمانًا يوازي نصف قيمة مطلوبة ولا يزيد عن خمسة عشر ألفًا من الجنيهات وطبعًا ما كان الإذن يعطي إلا للوفاء بديون كبيرة القيمة، وتكتب قيمة المطلوب في الإذن حتى لا يتعداها في مغانمه.
وعلى من أذن له أن يقدم كل ما يغنمه إلى محكمة للغنائم تعقد في ديوان البحرية.
وإذا جاءت الغنائم بأكثر من حقه ومصاريفه يودع الباقي في ديوان البحرية على ذمة صاحبه.
ومن يخالف الإذن في إجراءاته والذي يثبت أنه زاد في طلباته فوق حقه فجزائه أن يعتبر سارقًا لما زاد عن حقه ويجازي بأربعة أضعافه وهذا حكم القانون الروماني في تعويض السرقة.
ولقد قصرت معاهدات القرن الثامن عشر حق إصدار هذا الإذن على الحالات الكبرى، وقل إصداره فلم يصدر في فرنسا في القرن الثامن عشر إلا مرتين في سنة 1702 ضد أهالي دانزج، وفي سنة 1778 لمصلحة تاجرين في بوردو، ثم أبطل نهائيًا بمعاهدة باريس في 16 إبريل سنة 1856 عقب حرب القرم.
وأهمية هذا التاريخ أنه أساس نشوء محاكم الغنائم وقضاء الغنائم وكان على كل من صدر له إذن أن يأتي بمغانمه إلى محكمة الغنائم في ديوان البحرية لبحث ما إذا كان اتبع الإجراءات القانونية ولتبيع ما غنمه وتعطيه حقه وتأخذ منه إيصالاً تسلمه إلى صاحب الغنيمة كما تسلم إليه ما يتبقى من ثمنها.
وكان الذين يقومون في البحر بهذه المهمة يسمون Corsaires ومنه جاء اسم (القرصان) في اللغة العربية.

تاريخ محاكم الغنائم

بينا باختصار تاريخ نشوء فكرة مجلس الغنائم ولا شك أنها مرت بتقلبات طويلة عديدة لا محل لعرضها هنا.
ولكي نكون فكرة واضحة عن هذا التاريخ نذكر باختصار تاريخ نشوء محاكم الغنائم في إنجلترا في ديوان البحرية الأميرالية L’amir auté لأنها ثبتت من سنة 1357 ثم صارت محكمة منظمة محددة في سنة 1426م.
والظاهر أن أمير البحار كانت وظيفته في وقت السلم المحافظة على أمن البحار وتقديم القرصان اللصوص للمحاكمة وتقديم الغنائم إلى المحاكم العامة التي لم تكن إجراءاتها رادعة مما أدى إلى اضطراب الأمن في البحار وإلى إشاعة الأخذ بالثأر بين رعايا الدول البحرية.
لذاك فوض الملك أمير البحار بالحكم في هذه الدعاوى باعتبارها من دعاوى التجارة البحرية التي كانت تنظر في ديوان البحرية.
وفي سنة 1357 كانت إنجلترا وفرنسا في حالة حرب ثم أسرت سفينة فرنسية سفينة برتغالية محايدة ثم قابلتهما سفينة إنجليزية فأسرت السفينة الفرنسية ومعها السفينة البرتغالية وقدمتهما إلي ديوان البحرية للحكم بصحة اغتنامهما.
ولا شكل أن ضبط السفينة البرتغالية وهي محايدة لم يكن في ذاته صحيحًا من قبل السفينة الفرنسية إذ لا حرب بين فرنسا والبرتغال لكن محكمة ديوان البحرية حكمت بمصادرتها مع السفينة الفرنسية لأن السفينة البرتغالية كانت وقت ضبطها من أموال الأعداء لأنها كانت في حوزة وملك السفينة الفرنسية المعادية.

فطلب ملك البرتغال إلى ملك الإنجليز الإفراج عن السفينة البرتغالية فنظر الطلب على أنه استئناف لدى الملك في المجلس الخاص Privy Council وقد رفض هذا الاستئناف وبنى الرفض على أن الدعوى نظرت لدى محكمة ديوان البحرية بالطرق المعتادة وأن حكم المحكمة في محله، وقد ترتب على ذلك إقرار ولاية القضاء في الغنائم للأميرال في محكمة ديوان البحرية في هذا التاريخ وإقرار نظام الاستئناف لدى الملك في المجلس الخاص.
وبعد هذا التاريخ تركزت الغنائم في محكمة ديوان البحرية بلوندرة بعد أن كانت موزعة على أربع محاكم في الموانئ الكبرى التي بها أمراء للبحار.
ورغم ذلك فإن بعض الغنائم ما كانت تعرض على المحكمة من قبل الغانمين لذلك أصدر هنري السادس في سنة 1426 أمرًا بعرض جميع الغنائم على ديوان البحرية وأن الغانم لا يستحق نصيبه من الغنيمة إلا بعد الحكم بصحة الاغتنام فثبت بذلك قاعدة أن لا غنيمة بغير حكم.

ولما كانت محكمة ديوان البحرية مختصة أصلاً بالدعاوى التجارية البحرية فإن اختصاصها بالغنائم يأتي أول كل حرب بتفويض خاص من الملك (ليحكم فيها طبقًا لسوابق الأميرالية وللقانون الدولي)، وهذا التفويض مهم جدًا لأنه حدد القانون الذي يطبق في هذه الدعاوى وجعله القانون الدولي لا الشريعة الإنجليزية حتى قال القاضي السير Hedges في آخر القرن السابع عشر (أن القانون الدولي يعتبر لدى هذه المحكمة جزءًا من شريعة البلاد).
وكانت السرعة في الإجراءات من مميزاتها حتى قال في ذلك القاضي السير Jenkins في آخر القرن السابع عشر (يجب الفصل في هذه الدعاوى بسرعة لا بين عشية وضحاها بل بين الجزر والمد)، ومن أسباب ذلك الرغبة في عدم تعطيل المراكب الغانمة عن العودة إلى البحر لمتابعة الاغتنام.

وهذا التصوير المختصر لتاريخ نشوء محكمة الغنائم يتجاوز فيه عما أصابها من تدخل من هيئة السلطة التنفيذية ومن فساد القضاة أحيانًا ومن تهرب الغانمين من عرض غنائمهم ومن منازعة المحاكم الأخرى اختصاصها غيره منها لكثرة إيرادات محكمة الغنائم، وكان القضاة يومئذٍ يأخذون مرتباتهم من إيرادات المحكمة.
وأخيرًا صدرت قوانين تنظيم إجراءات هذه المحكمة في سنة 1864.
وكان تنفيذ أحكام المحكمة موكولاً إلى موظف تابع لها اسمه The Marshall ولديه تحفظ البضائع ثم تباع، وكان لها قلم حسابات خاص، وكانت بذلك مستقلة في إجراءاتها وإدارتها وحساباتها وسلطتها على الغنائم تثبت من حين الضبط حتى تباع الغنيمة وتوفي الحقوق التي عليها.

وقد نشأت معظم محاكم الغنائم على هذا المنوال مثل مجلس الغنائم الفرنسي الذي ثبت أخيرًا بدكريتو 9 مايو سنة 1851.
ومحاكم الغنائم في العالم نوعان بعضها قضائي يتكون من قضاة مثل إنجلترا وأمريكا والبرتغال والبلجيك في الدرجة الاستئنافية، وبعضها مختلط يتشكل من قضاة وموظفين مثل مجلس الغنائم الفرنسي والإيطالي والألماني.

(2)أساس حق الاغتنام

يقضي القانون الدولي والعرف باتباع قواعد في الحروب تمليها عاطفة الإنسانية ومراعاة حقوق المحايدين وحسن علائقهم بالمحاربين.
ومن أسس قواعد الحرب احترام الملكية الفردية وفي هذا الخصوص تختلف قواعد الحرب البرية عن الحرب البحرية.
فاحترام ملكية الأفراد واجب في الحرب البرية لأنها تجري في ميدان محدد بين قوات محددة فما يأخذه المحارب من قوات العدو ومعداته في المعارك الحربية يعتبر أسلابًا Butin لا غنيمة يتملكها بالاستيلاء عليها بحق الحرب.
أما أملاك أفراد الأعداء في البلاد التي تجري فيها المواقع الحربية أو التي يحتلها العدو فلا يجوز للعدو تملكها، وإنما له حق الاستيلاء عليها فقط مقابل تعويض يدفع آخر الأمر ويدخل في حساب تعويضات الحرب ولذلك تعتبر الملكية الفردية محصنة Inviolable وإن كانت هذه الحصانة لا تكفي لحمايتها إنما لا يجوز للعدو تملكها قانونًا بالاستيلاء عليها.
أما الحروب البحرية فتجري في ميدان واسع غير محدد في البحار التي لا تمتد إليها سيادة أحد من المحاربين فتتقاتل سفن المحاربين أينما التقت فيه وتحاول أيضًا منع التجارة عن العدو وتستولي على أموال أفراده في البحار.
والغرض من الحروب البحرية التوصل إلى السيادة على البحار، فإذا ما تمت السيادة البحرية لأحد المحاربين فإنه يستعين بها على قطع تجارة العدو ليخنقه اقتصاديًا ولا يتم هذا الخنق إلا بضبط السفن والبضائع المملوكة لأفراد الأعداء وللمحايدين إذا كانت موجهة من قبلهم إلى بلاد العدو.

فحق الاغتنام إذن هو أداة الحرب الاقتصادية، وإنما هذا الحق غير مطلق بل مقيد بالتشريعات الأهلية في كل دولة وبأحكام المعاهدات سواء الثنائية أو الجماعية وبالعرف المطرد في القانون الدولي، ثم هو يخضع لتقدير محاكم الغنائم في استعماله طبقًا للقواعد المقررة في شأنه.

وأهم المعاهدات الدولية تصريح مؤتمر باريس في 16/ 4/ 1856 بين إنجلترا وفرنسا وبروسيا والنمسا وروسيا وتركيا وسردينيا ثم اتفاقات مؤتمر لاهاي الثاني في سنة 1907 ثم تصريح مؤتمر لوندرة في سنة 1909.
أما تصريح باريس فجاء بعد حرب القرم وحرم القرصنة وقرر قاعدتين أساسيتين:

  • الأولى: أن الراية المحايدة تحمى أموال الأعداء.
  • والثانية: أن أموال المحايدين لا تضبط على مراكب الأعداء.

أما مؤتمر لاهاي الثاني في سنة 1907 فقد تمخض عن عدة اتفاقات خاصة بالحرب البحرية منها الاتفاق السادس الخاص بحالة السفن عند بدء حالة الحرب والسابع الخاص بتحويل السفن التجارية إلى سفن حربية والحادي عشر الخاص بفرض قيود على حق الاغتنام والثالث عشر الخاص بحقوق المحايدين مراعاة لحرمة البريد وحرمة الصيد الساحلي والتجارة الصغيرة الساحلية وحرمة المراكب التي تقوم بخدمة إنسانية أو علمية أو دينية، ثم الثاني عشر الخاص بمشروع إنشاء محكمة غنائم دولية.
ولما كان إنشاء محكمة غنائم دولية يستلزم تقنين قواعد الغنائم لاختلاف أحكامها في بعض الدول – فقد تقرر في هذا الاتفاق عقد مؤتمر لجمع وتقنين هذه الأحكام، ولهذا الغرض عقد مؤتمر لوندرة في 12/ 12/ 1908 الذي أسفر عن تقنين قواعد الغنائم لتكون واحدة في كل الدول وانتهى بوضعها في صيغة قواعد عامة عرفت باسم تصريح لوندرة في (71 مادة) جمعت جميع قواعد الغنائم.

فلأول مرة في التاريخ وضع قانون يكاد يكون شاملاً جامعًا لكل أحكام الغنائم ولم يتم ذلك بسهولة لنضارب القواعد والنظريات المعمول بها في البلاد الإنجليزية – إنجلترا وأمريكا – وبلاد قارة أوروبا.
وقد كان التوفيق بينهما عسيرًا واستلزم تنازلاً من كل فريق عن التمسك ببعض القواعد والنظريات المتبعة في محاكم بلده فجاء جامعًا لنظريات متعارضة يرقع بعضها مع بعض.
فلذلك رفض مجلس اللوردات في إنجلترا التصديق عليه ولم تصادق عليه بقية الدول، لكنه بقي تقنينًا جامعًا لأحكام الغنائم في القانون الدولي حتى إذا جاءت حرب سنة 1914 فوجدت إنجلترا أنها في صف فرنسا وروسيا في الحرب ويحسن أن يتبعوا معًا قواعد موحدة في شأن الغنائم فلذلك وبناءً على طلب حكومة الولايات المتحدة اتفقوا فيما بينهم على العمل معًا بالقواعد الواردة فيه.

ومع ذلك أظهرت تجارب الحرب – على ما سنوضحه بعد – عدم إمكان اتباع أحكامه جملة فلم تمضِ أسابيع حتى تقرر عدم اتباع بعضها ولم تمضِ أشهر حتى تقرر عدم اتباع بعض أحكام أخرى، وأخيرًا تقرر العدول عنه صراحة بالاتفاق بين إنجلترا وفرنسا في 7 يولية سنة 1916 بديكريتو فرنسي ومرسوم ملكي إنجليزي وكان سبب ذلك عدم احترام ألمانيا لأحكامه خصوصًا فيما يتعلق بحرب الغواصات وإغراق الغنائم، فعادت محاكم الغنائم إلى القواعد المتبعة في كل دولة من قبل صدور هذا التصريح.

قواعد الغنائم

تنقسم الأموال التي يجوز اغتنامها إلى:

1 – أموال العدو.
2 – أموال المحايدين.

وهناك حالة ثالثة تغتنم فيها السفن والبضائع بصرف النظر عن البحث في ملكيتها ووجهتها وهي حالة اختراق الحصر البحري وتلك حالة بسيطة واضحة الأحكام لم تنشأ في حرب فلسطين، وقد قضى عليها في الحروب الحديثة بسبب اختراع الألغام والغواصات والطائرات فلم يترتب عليها أحكام في الحرب العالمية الثانية والأولى إلا في السنتين الأوليتين فيها.

1 – أموال العدو:

القاعدة أن أموال العدو بواخر وبضائع يجوز اغتنامها.
لكن من هو العدو ؟ هل هو من يكون من رعايا الدولة المحاربة فقط بحسب جنسيته ؟ أينما كان مقيمًا، ولو أقام في بلد محايد، أم هو الشخص المقيم في دولة محاربة ولو لم يكن من رعاياها ولو كان محايدًا أو من رعايا الدولة الغانمة ؟
تختلف القاعدة الإنجليزية في ذلك عن القاعدة المتبعة في قارة أوربا، فالإنجليز يعتبرون عدوًا (بالنسبة للغانم) من قيم في بلاد العدو مهما كانت جنسيته ولو كان إنجليزيًا بسبب موطنه Domicile في بلاد العدو، وفرنسا وأكثر دول أوروبا تعتبر العدو من كان من رعايا الدولة المعادية ولو كان مقيمًا في بلاد محايدة، وتتبع القاعدة الإنجليزية كل من الولايات المتحدة وإسبانيا وهولندا.
وفي مؤتمر لوندرة تعارضت الآراء في هذا الخصوص فتفادوا النص عليها فلم يعرفوا العدو، فسار الإنجليز على قاعدة الموطن وسارت أكثر الدول الأوربية على قاعدة الجنسية.

ويقول الإنجليز إن الغرض من الاغتنام هو تضييق الحصر التجاري على العدو بمصادرة متاجره، فالشخص المتوطن في بلاد العدو – بصرف النظر عن جنسيته – لا يمكن ترك أمواله تؤول إليه لأنها تدخل في بلاد العدو وتزيد ثروته وبالتالي قدرته على الكفاح، أما العدو الذي يقيم في بلاد محايدة فلا معنى لمصادرة أمواله لأن ذلك لا يضر دولته المحاربة وإنما يتعدى أثره إلى بلد محايد، ويترتب على ذلك أن الإنجليزي المتوطن في بلاد العدو يعتبر من الأعداء وتصادر أمواله.
ويلحق ببلاد العدو البلاد التي يحتلها العدو أثناء الحرب فيصبح أهلها المقيمون فيها من الأعداء ولو كانوا حلفاء معهم في الحرب، فأهل هولندا وبلجيكا أصبحوا في نظر الإنجليز من الأعداء بعد أن احتلت ألمانيا بلادهم في الحربين الماضيين.
ويقول الفرنسيون وأهل القارة الأوروبية إن العدو هو من كان من رعايا الدولة المحاربة بصرف النظر عن موطن إقامته فتصادر أملاكه وأمواله ولو كانت مرسلة من بلد محايد لتصل إليه في موطنه في بلد محايد، وعلى هذا الرأي إيطاليا وألمانيا وروسيا والسويد.

ما هو الموطن:

للموطن تعريف خاص في القانون الدولي الخاص وهو الإقامة على وجه الدوام والاستمرار، لكن في قواعد الغنائم لا يجب أن تكون الإقامة على وجه الدوام والاستمرار، بل يكفي في ذلك كل إقامة غير مؤقتة بطبيعتها.
فالإقامة لغرض مؤقت كالاستشفاء أو الفسحة أو لعمل خاص لا تعتبر توطنًا، والمعول عليه هو نية الإقامة ولو لم تكن على الدوام والاستمرار، وهذه مسألة واقعية تفصل فيها المحكمة.

والمحاكم عادةً تتشدد في ثبوت الموطن المحايد لرعايا الأعداء وتتساهل في ثبوت الموطن المعادي للمحايدين.
واستثناءً من هذه القاعدة قد تكون البضاعة معادية ولو كان مالكها محايدًا مقيمًا في بلاد محايدة في حالتين:

1 – إذا كان مالكها يتاجر مع أو في بلاد العدو فيعتبر أن له موطنًا تجاريًا في بلاد العدو.
2 – إذا كانت البضاعة من حاصلات أرض بلاد العدو مهما كان مالكها.

1 – الموطن التجاري:

كل محل تجاري في بلاد العدو يعتبر معاديًا، ولو كان صاحبه محايدًا وفي هذا الخصوص لا تشترط إقامة صاحبه في بلاد العدو بل يكفي مجرد وجوده فيكتسب هذا الموطن بالقيام بعمل تجاري فيه.
بل ذهبت الأحكام إلى أبعد من ذلك فاعتبرت المحل التجاري في بلاد العدو معاديًا ولو كان مالكه محايدًا مقيما في بلاد محايدة بناءً على أن له تجارة مع بلاد العدو.

وفي تطبيق القاعدة على الشركات تنشأ صعوبات جمة من مكان تسجيلها وجنسيتها ومركز أعمالها وجنسية مديريها وموطنهم.
والقاعدة في ذلك أن الأصل أن الشركة تكتسب جنسية البلد المسجلة فيه لكن قد تعتبر حسب جنسية البلد الذي فيه مركز أعمالها أو جنسية أو موطن مديريها وفي كل الأحوال لا عبرة بالمساهمين فيها.

وفي فرنسا تحدد جنسية الشركات حسب مركز عملها، لكن إن كانت فرعًا لشركة مركزها في بلد العدو فهي معادية.
وفي ذلك تقترب النظرية الفرنسية من النظرية الإنجليزية إذ تعتمد على البلد التي فيها أعمال الشركة أي على الموطن التجاري.
وقد سار مجلس الغنائم في مصر على قاعدة الموطن دون قاعدة الجنسية ذلك لأن النظام الإنجليزي في الغنائم هو الأعم انتشارًا ولأن القاعدة الإنجليزية هي الأصلح تطبيقًا لأن الغرض هو تضييق التجارة على المقيمين في بلاد العدو، ولذلك اعتبر المقيمين في فلسطين (في غير القسم العربي) من الأعداء وكان بعضهم من العرب.

2 – حاصلات أرض بلاد العدو:

يعتبر الإنجليز من يتملك أرضًا في بلاد العدو كأنه متوطن فيها، وبدون أن يسيروا على قاعدة الموطن قالوا إن حاصلات أرض بلاد العدو تعتبر معادية مهما كان مالكها ولو كان محايدًا متوطنًا في بلد محايد، وأهم قضية بهذا الخصوص تعرف بقضية Benson وهو دانيماركي مقيم في الدانيمارك يملك أرضًا في جزيرة Santa Cruz التي أخذها الإنجليزي في حرب الاستقلال مع الولايات المتحدة في سنة (1813 – 1814) فصدر من زراعته ثلاثين برميلاً من السكر فضبطها الأمريكان وحكموا بمصادرتها لأنها من حاصلات بلاد العدو ولو أن صاحبها محايد مقيم في بلد محايد.

وقد طبق مجلس الغنائم هذه القاعدة وصادر ألف صندوق من ليمون صادرة من بلاد فلسطين إلى الولايات المتحدة في قضية الباخرة Marine carp باعتبارها من حاصلات أرض بلاد العدو.
وهذه القاعدة مع قاعدة الموطن التجاري لم يؤخذ بها في مؤتمر لوندرة، ولكن لما بطل العمل بتصريح لوندرة سقطت أحكامه وعاد الإنجليز إلى القواعد السابقة.

تحديد الصفة المعادية للبضائع

قلنا إن البضائع تأخذ صفة مالكها (سواء حسب جنسيته أم حسب موطنه) فالعبرة إذن بحق الملكية يوم الضبط فهو الذي يصادر فيتملكها الغانم بحق الحرب خالصة ومطهرة من سائر الحقوق الأخرى التي تكون عليها للغير مثل حق الرهن أو الامتياز وبدون ذلك لا يكون لحق الاغتنام قيمة لأن صاحب المال يمكنه أن يرتب عليه حقوقًا للغير يكون استيفاؤها معطلاً لحق الغانم، ومن ثم فلا حق لأصحاب هذه الحقوق قبل الغانم.
وهذه القاعدة مقررة من قبل تصريح لوندرة وأقرها التصريح في المادة (58).

إثبات الملكية

الأصل أن الضبط يحصل بمجرد الاشتباه وعلى المالك أن يتقدم بإثبات أن البضاعة ملكه وأنه من المحايدين.
والقواعد المتبعة في فرنسا هي القواعد العامة في القانون التجاري فيجوز أن تكون البضاعة مرسلة من عدو إلى محايد أو بالعكس وتسافر في الحالتين على ملك المحايد كما يجوز أن تنتقل الملكية فيها بتحويل سند الشحن أثناء سفرها، ويشترط في كل ذلك أن تثبت حسن النية في المعاملات التي تنتقل بها ملكية البضاعة من عدو إلى محايد.
أما في إنجلترا فإثبات الملكية يخضع لقيدين:

  • الأول: تحريم نقل ملكية البضاعة المعادية أثناء سفرها إلى محايد Prohibition du transfert de propriété in transitu
  • الثاني: أن كل بضاعة مرسلة إلى عدو تسافر على ملك العدو وليس لبائعها أو مرسلها المحايد أن يحتفظ بملكيتها لحين التسليم ولو تحمل هلاكها أثناء السفر.

وتتلخص القاعدتين في قاعدة جامعة لهما وهي أن البضاعة المرسلة من عدو إلى محايد تبقى على ملك العدو طوال سفرتها، والبضاعة المرسلة من محايد إلى عدو تعتبر دائمًا على ملك العدو طول سفرتها.

القاعدة الأولى:

تحريم نقل الملكية أثناء السفرة in transite

إن تحريم نقل الملكية أثناء السفرة إنما ينطبق على حالة واحدة وهي إذا بدأت البضاعة رحلتها معادية فلا يمكن أن تتغير الصفة المعادية للبضاعة أثناء السفرة.
وقد قبل مؤتمر لوندرة هذه القاعدة وكرسها في المادة (60)، والمقصود من هذه القاعدة أن يمتنع على المحايدين التحايل على حق اغتنام البضائع المعادية.
أما إذا بدأت البضاعة رحلتها بريئة ونقلت ملكيتها وهي في عرض البحر إلى عدو فيجوز ضبطها، وبعدئذٍ لا يجوز نقل ملكيتها ثانية إلى محايد ما دامت في عرض البحر على ملك عدو.
وطبيعي أن القاعدتين المذكورتين لا تنطبقان إلا بعد بدء حالة الحرب ولذلك فالبضاعة التي سافرت قبل بدء حالة الحرب تعتبر الملكية فيها إلى حين بدء حالة الحرب طبقًا للقواعد التجارية العامة، وبعد بدء حالة الحرب تسري عليها القاعدتان السابقتان.
ويشبه بحالة الحرب الفعلية حالة احتمال قيام حالة الحرب في نظر طرفي العقد، فكل تصرف يراعي فيه احتمال قيام حالة الحرب يعتبر كأنه حصل بعد بدء قيام حالة الحرب وتطبق عليه القاعدتان السابقتان.

البضائع التي تضبط على اليابسة:

تعتبر البضائع المودعة في مستودعات المواني البحرية كأنها في البحر وكذلك البضائع التي تفرغها السفن المعادين على الأرض قبل أن يتسلمها مالكها، والقاعدة في ذلك أن البضائع تعتبر سفرتها البحرية مستمرة ما دامت ملكيتها متعلقة بسند الشحن.
وعلى هذه القاعدة صادر مجلس الغنائم بضائع كثيرة كانت مودعة في مخازن الجمرك ومخازن الاستيداع على ذمة أصحابها أو لإعادة تصديرها.

بواخر الأعداء

القاعدة الفرنسية:

تعتبر الباخرة معادية في حالتين:
1 – إذا كان علمها معاديًا، وعلمها هو الذي يجب عليها رفعه لا الذي ترفعه فعلاً.
2 – إذا كانت مملوكة لعدو ولو ترفع علمًا محايدًا.
والعدو في القاعدة الفرنسية هو من يكون عدوًا حسب جنسيته.
فإذا كانت الباخرة مملوكة لأشخاص مختلفي الجنسية بينهم عدو فتصادر كلها لا بعضها لأن السفينة لا تتجزأ.
والمصادرة تقع على حق الملكية في السفينة غير مجزأ ومطهر من كل حقوق للدائنين عليها، ولو أجيز الاعتراف بحقوق الدائنين المحايدين على سفن الأعداء لأمكن تفادي اغتنام السفن بتقرير حقوق للغير عليها، وهذه القاعدة متبعة في محاكم جميع الدول، وحتى لو كان صاحب حق الدين من رعايا الدولة الغانمة.

القاعدة الإنجليزية:

تعتبر الباخرة معادية في ثلاث حالات:
1 – حسب علمها الذي يجب عليها رفعه لا الذي ترفعه فعلاً.
2 – حسب صفة مالكها.
3 – حسب استعمالها.
فكل سفينة ترفع علم العدو تعتبر معادية، أما إن كان العلم محايدًا فيرجع إلى صفة مالكها إن كان عدوًا أو محايدًا، وذلك حسب موطنه.

وإن كانت مملوكة لشركة فيسري عليها ما قيل عن الشركات في الكلام على أموال الأعداء.
أما حالة الاستعمال فتكون إذا ضبطت السفينة وهي في خدمة العدو كأن تمون أساطيله أو تنقل جيوشه أو رسائله.
ولا يعتبر في خدمة العدو أنها تنقل بضائع إلى بلاده أو من بلاده أو تنقل مهربات فهذه التجارة حرة لجميع البواخر مع ما يعقبها من ضبط البضائع.

ومن أحوال خدمة العدو حالة خاصة لها أهمية في تاريخ نشوء قواعد الغنائم، وإن تكن بطلت الآن، ففي منتصف القرن الثامن عشر سنة 1756 أثناء حرب السبع سنوات بين إنجلترا وفرنسا كانت فرنسا تحتفظ لنفسها بحق التجارة البحرية بينها وبين مستعمراتها دون مراكب الدول الأخرى فتحرمها عليها، فلما قطعت الأساطيل البحرية البريطانية على البواخر الفرنسية خط اليسر إلى المستعمرات سمحت فرنسا للمراكب الهولندية بنقل المتاجر بينها وبين مستعمراتها فأعلنت إنجلترا أن كل مركب تقوم بهذه التجارة الجديدة التي كانت محرمة عليها في وقت السلم تعتبر في خدمة العدو (فرنسا)، فعمدت المراكب المحايدة إلى حيلة لكي لا تسافر مباشرةً بين فرنسا وبين مستعمراتها فكانت تقطع الرحلة بالرسو في ميناء محايد، فأعلن الإنجليزي أن هذه حيلة وإن الرحلة تعتبر متصلة.

فنشأت بذلك نظرية الرحلة أو السفرة المتصلة المشهورة في قواعد الغنائم…….. Theorie du voyage continu
التي سنشرحها في الكلام على المهربات الحربية.
ولنقل ملكية السفن أحكام تختلف إذا حصلت قبل الحرب أو بعد الحرب وهي مختلفة في فرنسا عما هي عليه في إنجلترا ومختلفة في كلتاهما عما ورد في تصريح لوندرة في المادتين (55) و(56) وكانت مثار نزاع كبير بين حكومة الولايات المتحدة من طرف وبين الحلفاء من طرف آخر في أول الحربين الماضيين إذ كانت الولايات المتحدة محايدة أو لا وكان في موانيها عدد كبير من بواخر الأعداء اشتراها الأمريكيون، ولا محل للخوض فيها لعدم عرض مثل هذه الحالات على مجلس الغنائم في مصر.

موانع الضبط

يخضع حق الضبط لقيود معينة بعضها ثابت في معاهدات دولية وبعضها ثابت بالعرف المطرد المبني على اعتبارات من العدل والإنسانية وخدمة المجتمع والعلم، وعلى رعاية حقوق الدول المحايدة في الأحوال الآتية:
1 – إعطاء مهلة delai de grâce لبواخر العدو الراسية في مياه الدولة المحاربة إذا فاجأتها حال الحرب.
يحدث كثيرًا أن تفاجئ حالة الحرب بواخر دولة محاربة وهي راسية في مياه الدولة المعادية، وكانت القاعدة القديمة في ذلك – حتى منتصف القرن التاسع عشر، أن للدولة ضبط ومصادرة هذه البواخر وكان لها الحق أيضًا عندما تتوتر العلاقات السياسية وتنذر بحرب أن تحجز بواخر الدولة المعادية وتمنعها من السفر فإن قامت الحرب ضبطتها.
وفي القرن التاسع عشر توافقت الدول حماية للتجارة الدولية على منح السفن المعادية التي تكون راسية في موانيها وتفاجأ بقيام الحرب وكذلك التي تدخلها جاهلة حالة الحرب مهلة للرحيل تتراوح بين ثمان وأربعين ساعة وبين ست أسابيع – لكن هذا التوافق لم يكن تقريرًا لحق بل تفضلاً ومنا (delaide grace) على أن يقابل بمثله من الدول المعادية ويبقى الحق لكل دولة إذا شاءت ضبطت السفن من غير أن تعطيها مهلة كما حكم بذلك من محكمة الغنائم الإنجليزية في قضية الباخرة (The marie leonhardt) في سنة 1921.
ثم جاء اتفاق لاهاي السادس في سنة 1907 فنص في المادة الأولى منه على استحسان إعطاء مهلة للرحيل لمراكب العدو الراسية في مواني دولة محاربة وكذلك للسفن التي تدخل موانيها جاهلة قيام حالة الحرب فلم تجعله واجبًا مفروضًا بل قررت جعله أمرًا مندوبًا.

وقد راعت الدول هذه القاعدة بعضها قبل بعض في حرب سنة 1914 – 1918 مقابلة للمثل بالمثل، ومقابله المثل بالمثل اعتبر شرطًا أساسيًا.
لكن اتفاق لاهاي لم يلغِ حق الدولة المحاربة في الضبط إذا شاءت أن لا تعطي مهلة للرحيل كما حكم بذلك في القضية السابق ذكرها.
وهذا الحكم إنما يسري على المراكب التجارية دون الحربية.

وقد نص اتفاق لاهاي السادس على حالة مشابهة هي حالة السفن التي تضبط في عرض البحر جاهلة قيام حالة الحرب، فنص على جواز ضبطها دون مصادرتها على أن ترد هي أو قيمتها بعد الحرب (م 3).
ويستثني منها السفن التي تبني بغرض تحويلها إلى سفن حربية أثناء الحرب فتأخذ حكم السفن الحربية (م 5).
وتنص المادة الرابعة من هذا الاتفاق على تطبيق هذه القاعدة على أموال الأعداء التي تحملها هذه السفن، فلا تصادر بل تضبط فقط لحين نهاية الحرب.

لكن ألمانيا تحفظت ولم تقبل حكم المادة (3) من هذا الاتفاق بدعوى أن سفنها لا تجد موانئ تلجأ إليها إذا فاجأتها الحرب وهي في عرض البحر – فلم يطبق في حقها في الحربين الماضيين العالميين.
وقد حكم مجلس الغنائم في مصر بمصادرة سفينة فاجأتها حالة الحرب وهي في عرض البحر باعتبار أن إعفاءها من المصادرة لم يكن متفقًا عليه بالإجماع بين الدول ولم يعمل به في الحربين العالميين.

2 – البواخر المخصصة لنقل أسرى الحرب وتسمى Cartel:
وهذه البواخر التي تستعمل لتبادل الأسرى أو لنقلهم وتسري رافعة علم الهدنة وتنتقل باتفاق بين الطرفين وتحصل على جواز مرور Sauf – conduit ويشترط أن لا تنقل ذخائر أو متاجر.

3 – بواخر الاستشفاء Bâtiments Hospitaliers
(اتفاق لاهاي العاشر):
وهي البواخر التي تعدها الحكومات أو الأفراد لنقل المرضى والجرحى وللإغاثة بشرط أن لا تشترك في أعمال حربية مثل نقل الأخبار – كما حدث من باخرة الاستشفاء الألمانية Ophelia فضبطت وصودرت.

4 – المراكب المخصصة للصيد في السواحل.

5 – المراكب المخصصة للملاحة الساحلية المحلية.

6 – المراكب المخصصة لأغراض علمية أو دينية أو خيرية مثل إغاثة الأسرى والمشردين.

7 – المراكب المخصصة لنقل البريد.

الإعفاء في هذه الأحوال الأربعة تقرر في اتفاق لاهاي الحادي عشر، أما بالنسبة لبواخر الصيد فإنها تشتعل في تجارة يعتمد عليها أهل السواحل، ويستثنى منها ما يكون في عرض البحر.
وكذلك بالنسبة للملاحة الساحلية التي تستعمل فيها مراكب صغيرة للنزهة أو للتجارة بين أطراف السواحل في المملكة الواحدة.
أما بالنسبة للبريد فإن الدول المحاربة تنظر بعين الاشتباه إليها خشية أن ينقل بواسطتها أخبار أو مواد داخل المظاريف تكون مهربات، ولذلك فإن لها حق تفتيشها وتفتيش محتوياتها ومصادرة ما يحوي أخبارًا أو مواد تعتبر مهربات – وقد ضبطت رقائق من الكاوتشوك في المراسلات – وفي ما عدا ذلك يجب إخلاء سبيلها وتسهيل سفرها.
أما طرود البريد فلا تعتبر مراسلات بل تعتبر بضائع لا تسري عليها أحكام المراسلات، وقد حكم مجلس الغنائم بمصادرة عدد كبير منها.

8 – أمتعة البحارة:
تتسامح جميع الدول في أمتعة القبطان والبحارة وهذه تشمل ملابسهم والأدوات والآلات المملوكة لهم وكذلك النقود التي توجد معهم.
وقد حكم مجلس الغنائم في قضية الباخرة Frankisky برد أمتعة البحارة ونقودهم إليهم.

حماية الراية المحايدة:

الأصل أن أموال العدو تضبط وتصادر ولو كانت على مراكب محايدة، وفي القرن السابع عشر ادعى الهولنديون حماية مراكبهم لبضائع المحاربين باعتبار أن السفينة تعتبر امتدادًا لأرض الدولة التابعة لها، ولم يكن ذلك مسلمًا به حتى نص عليه صراحةً في تصريح باريس في 16/ 4/ 1856 بأن الراية المحايدة تحمي أموال العدو.

وهذه الحماية تدفع بها الباخرة المحايدة والدولة المحايدة والعدو أيضًا يستفيد منها.
وقد طبق مجلس الغنائم هذه القاعدة باستمرار وخصوصًا في قضية الباخرة marine carp.
أما إذا أفرغت السفينة المحايدة بضاعتها على اليابسة فتسقط عنها حماية الراية المحايدة، وقد حكم بأن إيداع بضائع في الجمرك من قبل البواخر المحايدة يزيل حماية الراية المحايدة.

وقد حكم مجلس الغنائم بهذا المعنى كما حكم بمصادرة شحنات على باخرة محايدة لأن أحدًا لم يدفع بحماية الراية المحايدة لأن الراية المحايدة لا تمنع الضبط بل توجب الإفراج عند الاحتماء بها.

منبع الضبط في المياه الساحلية المحايدة:

وهذه من أقدم قواعد القانون الدولي مبناها أن المياه الساحلية هي جزء من الدولة المحايدة لا يجوز ارتكاب عمل عدائي فيها، والضبط عمل عدائي، وقد كرست هذه القاعدة في المادة الأولى من اتفاق لاهاي الثالث عشر ويحدد عرض المياه الساحلية بثلاثة أميال بحرية.
ويشترط أن تكون الباخرة المعادية دخلت المياه الساحلية في رحلة عادية فإن ارتكبت عملاً عدائيًا في المياه الساحلية المحايدة جاز ضبطها كما حصل بالنسبة للباخرة Altmark في 14 فبراير سنة 1940 التي كانت تحمل أسرى من البريطانيين وطاردتها باخرة إنجليزية فلجأت إلى مياه النرويج ورغم ذلك ضبطتها الباخرة الإنجليزية وحكم بمصادرتها لأنها استعملت المياه المحايدة لعمل عدائي هو إنزال الأسرى الإنجليز.
وحماية المياه الساحلية مقررة للدولة المحايدة رعاية لسلطانها على سواحلها فلها وحدها حق الاعتراض وطلب الإفراج وليس للعدو هذا الحق لأن الضبط صحيح بالنسبة إليه، وهذا هو الرأي الإنجليزي أما في فرنسا وألمانيا فالحماية مطلقة للعدو ولو لم تتدخل الدولة المحايدة.
ومن دقائق القانون الدولي بهذا الخصوص أنه إذا تعذر الإفراج وجب دفع قيمة السفينة المضبوطة إلى الدولة المحايدة وهي تردها من قبلها إلى مالكها، أما إذا هلكت السفينة كأن غرقت وحدها أو بفعل العدو قبل ردها فلا تعويض عنها للدولة المحايدة لأن الرد واجب والتعويض غير واجب.

(3) المهربات الحربية

إن بحث المهربات الحربية يرتبط ببحث أحكام الحياد لأن المهربات هي في الأصل أموال المحايدين فإن كانت مملوكة لعدو جاز ضبطها باعتبارها مالاً معاديًا بصرف النظر عن صفتها مهربات حربية.
والحياد هي حالة الدولة التي لا تدخل في حرب وتعامل الطرفين المتحاربين معاملة واحدة.
وحقوق المحايدين ليست ثابتة على حالة واحدة في كل حرب بل تتغير تبعًا لنسبة قوة المحايدين للمحاربين إذ يجب على المحايدين تأييد حقوقهم بالقوة أو يفقدونها، والمحاربون الأقوياء يضيقون باستمرار من نطاق الحياد مراعاة لمصالحهم الحربية.
وفي العصور الوسطى حين كانت الحروب تثار لأسباب دينية ولأسباب يعتبر بعضها مشروعًا أو غير مشروع كان رجال الدين في إسبانيا يفرقون بين حقوق المحايدين في الحروب المشروعة Juste وفي الحروب غير المشروعة، وبعد نشوء فكرة سيادة الدولة انعدمت هذه التفرقة وتوحدت أحكام الحيدة في كل الحروب.
فلما انتهت حرب سنة 1914 بإنشاء عصبة الأمم التي حرمت الحروب العدوانية وأوجبت على أعضاء جمعية الأمم مقاومة المعتدي أصبحت بعض الحروب بحكم عهدة عصبة الأمم مباحة Licite وبعضها غير مباح فأصبحت الحيدة مشربة بروح التعاون مع المحارب المدافع وبروح المقاومة ضد المحارب المعتدي، فلم تكن الحيدة إذن حالة ثابتة.
وفي الحرب العالمية الثانية ضعفت حالة الحياد وضاقت حقوق المحايدين لعظم قوة الحلفاء واشتراك عدد كبير منهم ضد الألمان وحلفائهم فخضع المحايدون لقيود ما كانوا يخضعون لها من قبل فقيدت وارداتهم وأجبروا على تموين الحلفاء وحدهم وعلى العموم نظمت التجارة الدولية على المنوال الذي فرضه الحلفاء.
وكانت الولايات المتحدة في القرن التاسع عشر أكبر الدول المحايدة لعدم تدخلها في الحروب الأوروبية فكانت زعيمة المحايدين المطالبة بحقوقهم، وكانت تحمي حقوق المحايدين بشدة في أول الحربين العالميين وهي محايدة ثم انقلبت ضد هذه الحقوق بعينها بعد أن دخلت في الحرب.

ولما كانت حالة الحياد تتعلق في هذا الخصوص بالتجارة البحرية فيمكن تلخيصها في كلمتي (حرية البحار).
ومعنى عبارة حرية البحار ترك طرقها الواسعة حرة لتجارة المحايدين فيما بينهم ومع المحاربين.
ولحماية هذا الحق ذهبت الدول الكبرى إلى حد تحديد القوى البحرية لكل منها في مؤتمرات تحديد السلاح البحري كما حصل في مؤتمر واشنطن في سنة 1922 وما تلاها من مؤتمرات في جنيف.
ومهما يكن العرف الدولي والمعاهدات والقوانين الأهلية فالحياد حالة غير ثابتة تتأثر وتختلف في كل حرب عن التي تليها.
ولم تكن حالة الحياد معروفة في اليونان القديمة كحالة ثابتة فمن لا يتدخل في حرب لا يعد على الحياد فإن شاء ساعد أحد المحاربين على الآخر.

وفي تاريخ الرومان إنكار تام لحالة الحياد فهم يعتبرون باقي الأمم إما معهم أو عليهم.
ولم تنبثق فكرة الحياد إلا في العصور الوسطى مع تقدم التجارة البحرية فكان المحارب يمنع التجارة من عدوه وفي ذلك إضعاف لقوة العدو ثم يقوم هو بهذه التجارة مع عدوه ليستفيد منها لبلده.
وكان المحايدون يقاومون ذلك بالقوة، ونتج عن ذلك تفاهم على أن التجارة التي لا تؤثر في الحرب تعتبر جائزة والتي تؤثر في الحرب تمنع وتعتبر مهربات حربية.

وعلى هذه القاعدة كانت علاقة البضائع بالمراكب مقررة بأن المركب المحايد ينقل أموال الأعداء التي لا تعد مهربات حربية ومراكب الأعداء تنقل أموال المحايدين التي لا تعد مهربات حربية.
وفي هذه الأحوال تجوز مصادرة أموال الأعداء على مراكب المحايدين ولا تجوز مصادرة مراكب المحايدين لهذا السبب، ويجوز مصادرة مراكب الأعداء دون أموال المحايدين التي تحملها.
كان هذا حكم نظام قنصلاتو البحر Consulat de la mer المعمول به حتى تصريح باريس سنة 1856.
وفي القرن السادس عشر قويت الدول وحدت من هذه الحقوق فأصدرت فرنسا قوانين قلبت هذه القواعد إذ رجعت إلى فكرة قديمة هي فكرة العدوى المعادية Infection hostile.
فاعتبرت البضائع المعادية تعدي المراكب المحايدة واعتبرت المركب المعادية تعدي البضائع المحايدة فأصبحت أموال المحايدين على مركب الأعداء تصادر ومراكب المحايدين التي تحمل أموال الأعداء تصادر.
وقابل الدول هذه القوانين بمثلها فتأثرت التجارة الدولية وصار المحايدون يتدخلون في الحروب لمصلحتهم وعقدوا مؤتمرات لهذا الغرض في سنة 1691 – 1693، وفي سنة 1800.

وكان الدول أحيانًا تخفف قيودها إذا احتاجت للمحايدين وتشددها إذا استغنت عنهم.
ولم تكن هذه التنظيمات مبنية على قواعد من العدل بل على فائدتها للدول المحاربة – فإنجلترا مثلاً لعظم أسطولها التجاري والبحري كانت تؤيد قواعد قنصلاتو البحر لأن مراكبها تحمل متاجرها ولا تخشى الاعتداء عليها.
وأخيرًا جاءت معاهدة Utreclit في سنة 1713 – 1715 في صالح المحايدين إذ قررت قاعدة بسيطة وهي أن البضائع تتبع المركب، فالبضائع التي على مركب محايد تعتبر محايدة والتي على مركب معادية تعتبر معادية، فنشطت تجارة المحايدين إذ ليس على صاحب المركب أن يبحث عن صفة صاحب البضاعة وأصبحت كل مركب محايد غير معرضة للتفتيش والضبط.
وما زالت الحال رغم ذلك بين جذب ورد إلى ما بعد انتهاء حرب القرم في منتصف القرن التاسع عشر حين عملت معاهدة باريس في 16 إبريل سنة 1856 التي وقعتها أو انضمت إليها كل الدول، والتي تقرر فيها إبطال القرصنة وحمالة الراية المحايدة لأموال الأعداء وحماية أموال المحايدين حتى على مراكب العدو ما عدا المهربات الحربية في كلتا الحالتين.
فأصبحت المركب المحايدة تحمي أموال العدو وأصبحت أموال المحايدين محمية على مراكب العدو، وبذلك تمت حماية تجارة المحايدين بواخرًا وبضائعًا لا قيد عليها إلا في حالتين حالة الحصر البحري وحالة المهربات الحربية، فالحصر البحري هو تحديد جغرافي ضيق تمنع فيه التجارة عمومًا.

الأساس القانون لأحكام المهربات

بينما كانت أحكام المهربات تتغير تارة بالتشديد وتارة بالتخفيف كان ذلك يفسر أو يبني نظريًا على الصيغة القانونية التي تصطبغ بها عملية التهريب هل هي عمل تجاري مباح أو هي جنحة في حق المحاربين ؟
فالتشديد يبني على أنها جريمة في حق المحاربين، والتخفيف يبني على أنها عملية مباحة وأكبر أنصار فكرة الجنحة الأستاذ Kleen في كتابين عن أحكام الحياد (1898)، وعن المهربات (1893).
ويقوم هذا البحث على بحث الصيغة القانونية لحالة الحياد هل هي حالة ترتبط بها الدول فقط أم يرتبط بها رعايا الدول المحايدة أيضًا.

ولا شك أن الحياد هو علاقة بين الدول المتحاربة وغير المحاربة، فالدولة المحايدة تلتزم واجبات نحو المحاربين فتعاملهم على قدم المساواة وتمتنع عن مساعدة أحدهم أو تسهيل أي إجراء لهم يكون من شأنه معاونتهم في المجهود الحربي.
أما أفراد رعايا الدول المحايدة فليس لهم صفة الحياد، إنما هم يخضعون لما تفرضه حكوماتهم عليهم من قيود وتعاقبهم على مخالفاتها.

والدول المحاربة لا تفرض واجبات على رعايا غيرها من الدول، لذلك ترتبط الدول دون الأفراد بحالة الحياد.
فلأفراد رعايا الدول المحايدة حق التعامل مع المحاربين، ويقابل المحاربون هذا الحق بجزاء من قبلهم، فمن اشترك من المحايدين في أعمال حربية أخذ حكم المحارب تمامًا، ومن اشترك في أعمال تجارية فجزاؤه مصادرة أمواله فقط دون توقيع أي عقاب على نفسه، ودون المساس بحياد دولته ودون ترتيب مسؤولية عليها وليس لدولته أن تتدخل لحماية رعاياها الذين يخالفون قواعد الحرب وأحكام الحياد ما دام الجزاء الذي توقعه الدولة المحاربة هو الجزاء المقرر في القانون الدولي، وهو لا يتعدى مصادرة المهربات.

وفي المؤتمر الذي عقده معهد القانون الدولي في باريس في سنة 1894 دافع الأستاذ (كلين) عن نظريته لكن أعضاء المؤتمر ما عدا الأستاذ الإيطالي (بروشا) رفضوها بالإجماع، ثم جاء مؤتمر لاهاي الثاني في سنة 1907 ومؤتمر لوندرة في سنة 1909 فأيدا نظرية أن التهريب عملية تجارية ويترتب على ذلك أن حق المحارب يكون ضد صاحب المركب وصاحب البضاعة فقط وأن هذا لا يسأل إلا إذا كان عالمًا بقيام حالة الحرب، وهذا الشرط الأخير كان مهمًا وقتئذٍ لكن ضعفت أهميته بعد اختراع اللاسلكي.
ويشترط أيضًا أن يقع الضبط على البضاعة المهربة فإن تم التهريب فلا جزاء على المهرب بمعنى أن الباخرة التي حملت مهربات وسلمتها لا تضبط في عودتها.

المهربات الحربية

نظام المهربات الحربية هو نظام وسط بين حق المحايدين في المتاجرة مع المحاربين وبين حق المحاربين في منع كل ما يقوي المجهود الحربي لدى أعدائهم.
وتاريخ المهربات الحربية طويل ثم ليس له أهمية عملية الآن إلا من حيث تقرير قواعده.
وهذه كانت في القرنين السابع عشر والثامن عشر تحدد باتفاقات بين الدول، وفي القرن التاسع عشر أصبح المحاربون يحددون أنواع المهربات بإعلانات من طرفهم فكانوا يتحكمون في تجارة المحايدين، وهؤلاء يلجأون للاحتجاجات السياسية والضغط السياسي من قبل دولهم.

وفي مستقل القرن العشرين رئي الاتفاق على أحكام المهربات الحربية في مؤتمر لاهاي الثاني في سنة 1907 التي نظمت فيه قواعد الحرب البحرية واتفق فيه على إنشاء محكمة غنائم دولية فكان من اللازم الاتفاق على القواعد التي تحكم بمقتضاها، ولذا عقد مؤتمر لوندرة في ديسمبر سنة 1908 وانتهى بتصريح لوندرة في 26 فبراير سنة 1909 الذي حوى قواعد الغنائم في 71 مادة، وقسم المهربات الحربية إلى ثلاث أنواع:

1 – المهربات المطلقة.
2 – المهربات النسبية.
3 – الكشف الحر La liste libre
وهو يحوي البضائع التي لا يجوز اعتبارها مهربات.

فالمهربات المطلقة (م 22) هي الذخائر والأسلحة وما يدخل في صناعتها وملابس العساكر وأدوات الحرب.
والمهربات النسبية (م 24) هي ما يجوز استعماله للمحاربين وللمدنيين مثل الأغذية والملابس والجلود والوقود والمعادن والنقود.
أما الكشف الحر فكان يحوي القطن الخام والكاوتشوك والمعادن وخامات الصناعة والصيني وأدوات الزينة.
ويكفي أن بعض ما ورد في الكشف يعتبر الآن من المهربات المطلقة كالقطن والكاوتشوك لدخولها في الصناعات والأدوات الحربية.
وبنى هذا التقسيم على نظم الحرب القديمة التي تفرق بين القوات المحاربة وبين المدنيين، ولكن الحربين العالميتين الأخيرتين قد قبلتا نظام الحروب وجعلتها حروبًا لا بين جيوش وأساطيل بل بين جميع أفراد الأمم المتحاربة فهي حرب جماعية تجند فيها سائر قوي المدنيين لخدمة المجهود الحربي لذلك لم يحتمل تقسيم المهربات إلى مطلقة ونسبية تجربة الحرب العالمية الأولى فعدل عنه إذ كل ما يلزم للمدنيين أصبح يساد على تقوية المجهود الحربي.

أركان التهريب:

يقوم التهريب على ركنين:

1 – محل التهريب Objet.
وهو البضائع التي من شأنها المعاونة على تقوية المجهود الحربي.
2 – الوجهة Destination
وهي أن تكون موجهة إلى بلاد العدو وتسمى الوجهة المعادية.

( أ ) المهربات:

كانت تنقسم إلى قسمين:
1 – مطلقة Absolu
وتشمل الأسلحة والذخائر وكل ما يستعمل خصيصًا للحرب والمحاربين.
2 – النسبية Conditionnnelle ou Relative
وتشمل كل ما يمكن أن يستعمل للحرب وللمحاربين أو للمدنيين كالملابس والأغذية والوقود وأدوات النقل والمعادن والخامات والنقود والأوراق المالية.
وقد حصرت في تصريح لوندرة في 13 صنفًا (م 24).
1 – الأغذية.
2 – العلف.
3 – الملابس.
4 – الذهب والفضة والأوراق المالية.
5 – أدوات النقل.
6 – المراكب وأجزاؤها.
7 – أدوات المواصلات البرية والسلكية.
8 – أدوات الطيران.
9 – البارود والمفرقعات غير الخاصة بالحرب.
10 – الأسلاك الشائكة.
11 – أدوات ركوب الخيل.
12 – النظارات والساعات والآلات البحرية.
13 – غير ذلك مما يستعمل للمدنيين أو للمحاربين بشرط الإعلان عنه من قبل كل دولة.

(ب) الوجهة المعادية:

يكفي بالنسبة للمهربات المطلقة أن يكون موجهة لبلاد العدو، ويلزم بالنسبة للمهربات النسبية أن تكون موجهة للقوات المحاربة أو للدولة المحاربة لا لاستهلاك المدنيين فيها.
ولصعوبة تحقيق وجهة الاستعمال في المهربات النسبية كان بحثها مثار نقاش واسع لاختلاف مصالح الدول الكبرى بشأنها، وهذا النقاش يلقي ضوءًا كبيرًا على الأسباب التي تحمل كل دولة على اعتبار أي صنف منها مهربات فالأغذية مثلاً ما كانت إنجلترا تريد اعتبارها مهربات لحاجتها إليها – وفرنسا كانت تعتبرها مهربات لعدم حاجتها إليها لاستغنائها بحاصلاتها الزراعية، وما كانت قبل مؤتمر لندرة تعتبر مهربات إلا في الأحوال التي يحتاج إليها العدو.

وتاريخ المهربات مشحون بمثل هذه المناقضات التي كانت تقتضيها ضرورة الحرب ففي أثناء حرب فرنسا مع الصين في سنة 1865 اعتبرت فرنسا الأرز المرسل إلى الصين مهربات لأنه غذاؤهم، وكانت إنجلترا لا تعتبر الفحم مهربات لأنها تصدره فلما تحاربت مع فرنسا واعتبرت فرنسا الأغذية مهربات لتمنعها عن إنجلترا اعتبرت انجلترا الفحم المرسل إلى فرنسا مهربات.
وعلى كل حال فنظام المهربات في تصريح لندرة بني على التفرقة بين المحاربين وبين المدنيين فلم يحتمل تجربة الحرب العالمية الأولى التي تغيرت فيها نظم الحرب بالاختراعات الحديثة وبتولي الحكومات نظام التموين للشعب وتجنيد المدنيين لمساعدة المجهود الحربي فأصبحت الحرب الحديثة جماعية totalitariau وصارت جميع المهربات النسبية مهربات مطلقة كما أن كثيرًا من الأشياء التي وردت في الكشف الحر أصبحت لازمة للحرب مثل القطن والكاوتشوك فأصبحت المهربات تشمل كل ما تستورده الأمم المحاربة.

وعبر عن ذلك أحسن تعبير H. A. Smith الأستاذ بجامعة لوندرة بقوله (إن الدولة المحاربة هي التي تحدد وارداتها إذ تمنع الكماليات ولا تستورد إلا ما يلزم لبقاء الشعب واستمرار المجهود الحربي فكل ما تبيح استيراده يكون بالنسبة لعدوها مهربات حربية).

فزالت بذلك عن المهربات أحكام تصريح لوندرة ولذلك عدلت الدول عن بعض أحكامه من أول الحرب ثم عدلت عنه كلية في 16/ 7/ 1916 وأصبحت تسير في المهربات على قاعدة واحدة هي أن كل ما يقوي المجهود الحربي يعتبر مهربات ولو أن تقسيمها إلى مطلقة ونسبية بقي نظريًا حتى الحرب العالمية الثانية إلا أنه كان غير مطبق عملاً.

وكذلك توسعت المحاكم فاعتبرت أن تولي الحكومات تنظيم التموين واستيلائها على جميع الواردات لهذا النص يجعل كل المهربات النسبية في حكم المهربات المطلقة لأنها مرسلة للدولة (المحكمة البريطانية في قضية الباخرة Alwaki في سنة 1940 والمجلس الخاص في قضية الباخرة Montes Contes في سنة 1943).

وقد اتبع مجلس الغنائم في مصر هذه القاعدة فاعتبر كل سلعة تساعد على تقوية المجهود الحربي مهربات واعتبر الأغذية والملابس كلها مهربات لسبب تجنيد العدو لسائر قوى المدنيين ولسبب توليه التموين لسائر الأفراد، ففي نهاية الحرب العالمية الأولى بلغ عدد أنواع المهربات المطلقة والنسبية التي أعلنتها إنجلترا 248 نوعًا، كما تقرر أن المهربات النسبية تعامل معاملة المطلقة ما دامت الحكومة تراقب وتنظم التموين وتجند سائر القوى المدنية للمجهود الحربي.

وفي الحرب العالمية الثانية أعلنت إنجلترا في 4 سبتمبر أن المهربات الحربية المطلقة تشمل 4 أنواع هي:
1 – الأسلحة والذخائر والمواد الكيميائية التي تستعمل في الحرب أو في الصناعات الحربية.
2 – كل أنواع الوقود وكل أدوات المواصلات البحرية والبرية والجوية.
3 – طرق المواصلات وأدواتها بما فيها الخرط والورق والنقود والمعادن والأوراق المالية.

والمهربات النسبية هي الأغذية والعلف والملابس، وهذا الكشف على صغره حوى كل شيء إذ يدخل في كل صنف كل المواد الأولية والآلات التي تستخدم في صنعه أو إنتاجه.
وقد اتبعت فرنسا هذا الكشف بإعلانها في 4 سبتمبر سنة 1939 وتبعته ألمانيا وإيطاليا.
وقد توسعت المحاكم في تفسيره فكل ما يشتبه في احتمال استعماله للحرب أو في تقوية المجهود الحربي ولو كان أصلاً لاستعمال المدنيين يصادر فصودرت شحنة من السردين المملح ولو أن هذا الصنف لا يعطى أبدًا للمحاربين وقالت المحكمة في ذلك إن استعماله للمدنيين يوفر غذاء بقدر قيمته غذاء للمحاربين (المجلس الخاص في قضية الباخرة Hakan في سنة 1918).

تحديد الوجهة المعادية

من السهل على المحاربين إخفاء الوجهة المعادية بقطع السفرة على مرحلتين الأولى إلى بلد محايد ثم منها إلى بلاد العدو، لكن المحاربين لم يقبلوا ذلك وعدوا الرحلة متصلة ما دام يثبت لديهم أن البضاعة موجهة في النهاية إلى بلاد العدو حتى لو كانت الرحلة تتم بالبر كما حصل في قضية الباخرة Doelwyck الهولندية التي كانت محملة ذخائر إلى ميناء جيبوتي الفرنسية لترسل منها إلى الحبشة أثناء الحرب الإيطالية الحبشية في سنة 1896.
ومن تطبيقات نظرية الرحلة المتصلة في الحربين الماضيين ما لاحظه الحلفاء من ازدياد واردات الدول الصغيرة المجاورة لألمانيا نحو عشرة أَعافها عما كانت عليه قبل الحرب فلجأوا إلى الإحصائيات لإثبات أن كل زيادة عن وارداتها قبل الحرب تعتبر موجهة إلى بلاد العدو، ومن أمثلة ذلك أن واردات الدانيمارك في سنة 1913 بلغت 178 مليون من الكرون فزادت في 1914 إلى 300 مليون، وفي سنة 1915 إلى 487 مليونًا وفي سنة 1916 إلى 600 مليون بينما نقصت صادراتها إلى إنجلترا من 490 مليون في سنة 1913 إلى 381 مليونًا في سنة 1915 و351 مليونًا في سنة 1916.
وكان تصريح لوندرة قد نص في المادة (35) على أن المهربات النسبية لا تضبط إلا إذا كانت موجهة إلى بلاد العدو ولا تضبط إذا كانت موجهة إلى ميناء محايد.
وقد لاحظ الحلفاء من أول حرب سنة 1914 زيادة الواردات إلى البلاد الصغيرة المجاورة لألمانيا فصدر مرسوم ملكي في إنجلترا 20/ 8/ 1914 ودكريتو فرنسي في 25/ 8/ 1914 بجواز ضبط المهربات النسبية المرسلة إلى ميناء محايد إذا كانت موجهة منها إلى بلاد العدو، ثم صدر مرسوم ملكي في إنجلترا وديكربتو فرنسي في 30/ 10/ 1914 باعتبار كل ما يرسل إلى ميناء محايد مهربًا إلى كان مرسلاً لحامل سند الشحن.

عدوى المهربات

قلنا إن الجزاء على التهريب هو مصادرة المهربات، لكن منذ القرن الثاني عشر ابتدعت نظرية عدوى المهربات لتوقيع جزاء شديد على المهربين إذ قررت بعض الدول أن الباخرة المحايدة إذا حملت كمية كبيرة من المهربات تصادر الباخرة أيضًا بحكم الدعوى.
وهذه العدوى هي من آثار فكرة أن التهريب جريمة.
وقد اتفق عليها في مؤتمر لوندرة وجعل معيارها نصف حمولة الباخرة سواء حسب الوزن أو حسب النولون أو حسب القيمة، فالباخرة التي تحمل نصف حمولتها مهربات تصادر – وقد روعي في تقرير المعايير الثلاثة أن لا تتمكن المركب من مفاداة المصادرة إذا استعمل أحدها فقط.

وقد طبق مجلس الغنائم هذه القاعدة في قضية الباخرة Frankisky التي كانت كل حمولتها مهربات ولو أنها أقل من نصف سعة المركب.
ولدى الإنجليز تمتد عدوى المهربات إلى كل بضاعة مملوكة لصاحب البضاعة المهربة على نفس الباخرة بصرف النظر عن نسبة قيمة المهربات إلى غير المهربات – وقد أقر هذه القاعدة تصريح لوندرة في المادة (42).
وقد سبق هذه القاعدة أيضًا مجلس الغنائم في مصر في أحوال كانت فيها البضائع مرسلة إلى بلاد العدو لمالك واحد بعضها مهربات وبعضها لا يعتبر مهربات.

ضرورة العلم بقيام حالة الحرب

إذا بدأت بضائع سفرتها بريئة قبل إعلان حالة الحرب وفاجأتها حالة الحرب وهي في البحر فالقاعدة في ذلك أنها لا تصادر إلا مقابل دفع قيمتها إلا إذا ثبت أنه كان من الممكن إنزالها في ميناء محايد قبل ضبطها، وقد أقر هذه القاعدة تصريح لوندرة في المادة (43).

الحصر البحري التجاري

قلنا إن تصريح باريس وتصريح لوندرة تحمي أموال الأعداء على البواخر المحايدة فكان ذلك وسيلة لحماية التجارة الألمانية الصادرة والواردة.
وأول حيلة قانونية لمفاداة ذلك أن لجأ الحلفاء إلى أن حماية الراية المحايدة تقتصر على أموال الأفراد دون أموال الدولة، وأن البضائع المرسلة إلى بلاد العدو تعتبر كلها ملكًا للدولة إذا تولت الدولة تنظيم التموين ومراقبته كما حكم بذلك من مجلس الغنائم الفرنسي في قضية الباخرة Sibilla في 14 فبراير سنة 1916.
وقابلت ألمانيا هذا التضييق على تجارة المحايدين بإعلان حرب الغواصات فقرر الإنجليز والفرنسيون الحصر البحري التجاري باعتبار جميع صادرات ألمانيا ووارداتها مهربات تضبط وتصادر، ولكن ينظر في دفع قيمتها بعد الحرب بمرسوم ملكي في 11 مارس سنة 1912 وديكريتو فرنسي في 13 مارس سنة 1915.
ومع تحقق سيادة البحار للحلفاء لجأوا إلى تحديد التجارة الدولية صادرات وواردات بحصص تحدد لكل دولة تبني على إحصاءات حالة ما قبل الحرب، وفرض ذلك على المحايدين تارة بالضغط وطورًا بالاقتناع وبالمساعدة في تخفيف قيود الضبط والتفتيش بإعطاء رخص المرور الحرة في البحارة بعد التحقق من مصدر البضاعة ومآلها.

(4) قضاء الغنائم الحديث

تشكل محاكم الغنائم في بعض الدول من قضاة كما في إنجلترا وأمريكا والبرتغال والبلجيك في الدرجة الاستئنافية أو من قضاة وموظفين أو ضباط بحريين كما في إيطاليا وألمانيا وفرنسا.
وفي جميع البلاد توجد درجتان، محكمة ابتدائية ومحكمة استئنافية، ويراعي في المحكمة الاستئنافية أن يكون أعضاؤها من كبار رجال القضاء والقانون في الدولة، ففي فرنسا ينظر الاستئناف لدى مجلس الدولة بهيئة جمعية عمومية ويصدر قراره بديكريتو من رئيس الجمهورية.

وفي إنجلترا يتولى القضاء الدرجة الابتدائية قاضي واحد على النظام الإنجليزي في أكثر القضايا ويرفع الاستئناف إلى المجلس الخاص Privy Council، ويصدر الحكم بصيغة مرسوم من الملك Order in Council ويرجع سبب ذلك إلى أنها في الحقيقة محاكم دولية تطبق قواعد القانون الدولي وأكثرها غير ثابت إلا من أحكام المحاكم، ثم إن هذه تتكيف دائمًا بظروف الحرب التي تتغير طرقها في العصر الحديث نتيجة للاختراعات الحديثة ولنظم الحرب الجماعية ولتطور نظم التجارة الدولية وأحكام التجارة البحرية – فلكل ذلك ومراعاة لمسؤولية الدولة عن أحكام محاكم الغنائم فإنه يعهد بها إلى أكبر القضاة ورجال القانون في كل دولة لأنها تعتبر محاكم دولية لأنها لا تطبق الشرائع المحلية بل تطبق القانون الدولي.
وبعض الدول سنت تشريعًا كاملاً لأحكام الغنائم مثل إيطاليا.
وفي فرنسا وضعت الحكومة الفرنسية تعليمات مطابقة لأحكام القانون الدولي ليسترشد بها رجال البحرية في ضبط الغنائم وتعدل الحكومة فيها من وقت لآخر فمنها تعليمات سنة 1912 الموافقة لتصريح مؤتمر لوندرة ثم تعليمات سنة 1916 بعد العدول عنه ثم تعليمات سنة 1934.

وهذه التعليمات لا تلزم مجلس الغنائم إنما كثيرًا ما يستند إليها في أحكامه لا باعتبارها تشريعًا واجب الاتباع بل باعتبارها تنص على قاعدة دولية مسلم بها.
أما في إنجلترا فباعتبارها محكمة مفوضة بالحكم طبقًا للقانون الدولي ولعرف الأميرالية فإن المحاكم لا تتقيد إلا بقواعد القانون الدولي ولا تطبق من تعليمات أو مراسيم السلطة التنفيذية إلا إذا كانت في صالح صاحب الغنيمة كما حكم بذلك في قضية الباخرة Zamora في سنة 1916 من قبل المجلس الخاص.
ويدخل في عداد القانون الدولي المعاهدات الدولية وتصريح باريس واتفاقات لاهاي الثاني عشر التي صدقت عليها الدول، أما تصريح لوندرة فلم يتصدق عليه من أحد وعدل عنه بإعلانات من قبل إنجلترا وفرنسا.

مسؤولية الدولة عن أحكام محاكم الغنائم

تعترف الدول مبدئيًا بقوة حكم محاكم الغنائم وأن له حجية الشيء المقضى به باعتباره حكمًا صادرًا من محكمة نظامية تتبع قواعد ثابتة مطردة.
إنما هذه الحجية مقيدة بقيدين الأول أن يكون الحكم وفقًا لقاعدة ثابتة في القانون الدولي، والثاني أن تكون إجراءات الدعوى سليمة لم تمس حق الدفاع وسنشرح ذلك في الكلام على إجراءات الدعوى.
فإن كان الحكم لم يبنَ على قاعدة ثابتة في القانون الدولي فإن صاحب الغنيمة يلجأ لدولته لتطالب بقيمة الغنيمة وعند التنازع إذا لم يتفق الطرفان معًا يلجأ إلى التحكيم لدى محكمين يختارهم الطرفان في كل حالة.
ولا يحدث ذلك إلا بعد انتهاء الحرب، وكثيرًا ما تنص معاهدات الصلح على إقرار أحكام محاكم الغنائم أو على إعادة النظر في بعضها.
وهذا لا يمس طبعًا حق المحايدين في طلب التحكيم، وهو حق معترف به إذا حصل التنازع على صحة أحكام محاكم الغنائم، والأمثلة كثيرة عليه ففي سنة 1794 اتفقت أمريكا وإنجلترا على التحكيم ثم في سنة 1853، وسنة 1871، وفي سنة 1807 اتفقت أمريكا والدنيمارك على التحكيم، وفي سنة 1831 اتفقت أمريكا وفرنسا على التحكيم.
وفي كل حالة حصل فيها تحكيم لم يحكم برد الغنائم بل يدفع تعويض عنها فترك الحكم قائمًا نهائيًا فيما قضى به من مصادرة الغنيمة فبقيت على ملك الغانم.

وفي غير أحوال التحكيم التي هي عمل سياسي غير قضائي يعتبر الحكم نهائيًا ساريًا على الكافة ومرعيًا لدى المحاكم المدنية في جميع الدول فلا يجوز لصاحب باخرة ضبطت وصودرت أن يرفع دعوى بثبوت ملكيته للباخرة بعدئذٍ لدى أية محكمة وقد حكمت بذلك محكمة النقض الفرنسية في 20 مارس سنة 1809 (P & P, II, 188)
ويتم التوفيق بين حجية حكم محاكم الغنائم وبين التحكيم بالقول إن حكم محكمة الغنائم يعتبر نهائيًا بالنسبة للعين in rem لكنه عند التحكيم لا يعتبر نهائيًا in personum بالنسبة لصاحب الغنيمة.

وحدث في الحرب العالمية الأولى أن صادرت محكمة غنائم الصين الباخرة Silesia التابعة لشركة لويد فريستينو ثم أجرتها بعد الحرب إلى حكومة تشيكوسلوفاكيا فلما وصلت إلى تريستا حجز عليها أصحابها وحكمت محكمة تريستا لصالحهم لكن حكومة إيطاليا اعترفت بحجية حكم محكمة غنائم الصين وألزمت شركة لويد فريستينو برد الباخرة وقد أصدر ثلاثة محكمون سويسريون حكمًا في 30/ 6/ 1930 بين البرتغال وبين ألمانيا قالوا فيه:
(إن حكم محكمة الغنائم هو حكم نهائي chose jugée بالنسبة للعين in rem يعتبرًا سندًا ناقلاً للملكية الباخرة والبضاعة).

الإجراءات لدى محاكم الغنائم

تمر الإجراءات لدى محكمة الغنائم بثلاث أدوار، أولها تفتيش السفن ثم الضبط ثم الحكم في صحة الضبط.
فالتفتيش هو من حقوق المحارب ما دام له حق الضبط، والغرض من التفتيش التحقق من صفة الباخرة معادية أو محايدة ومن صفة البضاعة معادية أم مهربات.
ويترتب على ذلك:

أولاً: أن ليس للمحايدين المعارضة في التفتيش ومن يمتنع ويقاوم يعامل معاملة المحارب.
ثانيًا: لا يثبت حق التفتيش إلا للدولة المحاربة دون الثوار.
ثالثًا: أنه يجوز في فترات الهدنة لأن الهدنة يرتبط بها المحاربون دون المحايدين ولأن حالة الحرب واحتمال العودة إليها ما زالت قائمة.

وفي التفتيش تفحص أوراق الباخرة وسندات الشحن فإن رئي بعدئذٍ ضبط الباخرة أو البضاعة تقاد الباخرة إلى الميناء.
ونظرًا إلى عظم حجم البواخر وعظم شحناتها أصبح تفتيشها في عرض البحر مستحيلاً خصوصًا مع مراعاة الغواصات والطائرات والألغام.
لذلك اتبع في الحربين الماضيين تحديد موانئ معينة لإجراء التفتيش فيها مما أدى إلى تحميل شركات الملاحة مصاريف باهظة فضلاً عن ضياع الوقت وقد أدى ذلك إلى احتجاجات المحايدين خصوصًا الولايات المتحدة حتى دخلت الحربين.
وتفاديًا لذلك لجأ الحلفاء في آخر الحربين الماضيين إلى نظام تفتيش السفن في ميناء القيام وإعطاء تصريح مرور إذا كانت السفينة وشحنتها بريئة لديهم.
وإذا ترتب على التفتيش ضبط الباخرة أو البضاعة فتعمل قائمة بما ضبط وتجب المحافظة بعناية على البضاعة المضبوطة كيلا تتلف وليس الغانم مسؤولاً عن هلاكها بغير إهماله ولا يجب عليه التأمين عليها، وهذا لا يمنع صاحبها من التأمين عليها.
وإن كانت البضائع قابلة للتلف يجب بيعها بالمزاد العلني وينتقل الحق فيها إلى ثمنها، ويتم هذا بواسطة موظفين تحت إشراف محكمة الغنائم.
ويترتب على الضبط إجراء تحقيق ابتدائي عن ماهية المضبوطات وملكيتها ومآلها فإن ترتب عليه ثبوت براءتها مما يوجب ضبطها يفرج عنها.
وإن ثبتت شبهة تستوجب مصادرتها يُحال أمرها إلى المحكمة.

إجراءات المحكمة

يجب تقديم جميع الغنائم إلى المحكمة لتصدر حكمها في صحة الضبط أو عدم صحته.
ويجب ذلك حتى لو لم يتقدم أحد بطلب إذ لا غنيمة بغير حكم.
ووظيفة المحكمة تقتصر على بحث صحة الضبط (La legalité de l’acte de saisie) من حيث قيام أسباب تستوجب المصادرة فلا تتدخل المحكمة في مسائل لا تمس صحة الضبط وأسبابه، فليس لها أن تبحث ملكية العين إذا تنازعها شخصان بل تقصر بحثها على موجبات الضبط وهي أسباب الاشتباه في العين، هل هي على ملك عدو ؟ هل هي مهربات ؟ هل خرقت الحصار البحري ؟ هل هي في خدمة العدو ؟ أو أسباب موانع الضبط التي تقدم لها، مثل حماية الراية المحايدة أو غير ذلك من الأسباب.
فإن كان مبنى البحث هل هي مهربات فلا يبحث عن مالكها، وإن كان مبناه أنها مال مملوك لعدو فإن لم يثبت ملكيتها لعدو فلا يبحث فيمن يملكها.
ويجب الحكم في أمرها حتى لو بيعت خشية التلف، أو هلكت أو تنازل عنها صاحبها أو أغرقها الغانم عند الضبط، وهي في ذلك تشبه دعوى إبطال القرارات الإدارية بسبب تجاوز السلطة في إصدارها.
وينبني على ذلك أنه يجوز المطالبة بالإفراج عنها لكل ذي شأن ولو لم يكن مالكها لأنه لا يطالب بها بل يطلب الحكم بعدم صحة الضبط.

كما أن حق المطالبة لا يسقط بمضي المدة فلا يوجد قيد من الزمن ترفع فيه الدعوى، وينتهي الحق فيها بصدور الحكم.
وترفع الدعوى من قبل السلطة التي أجرت الضبط أو من قبل كل ذي شأن في الغنيمة، ولا معارضة في الحكم لأن مبناه ليس نزاعًا بين خصمين بل فصل في صحة عملية الضبط.
وينبني على اعتبار الدعوى نزاعًا في صحة الضبط أن يكون الحكم فيها عامًا يسري على الكافة الذين مثلوا في الدعوى والذين لم يمثلوا فيها.
وأن الاستئناف الذي يرفع من أحدهم يستفيد منه الغير إن صدر الحكم بعدم صحة الضبط.
وينبني عليه أيضًا أن يحكم بعدم صحة الضبط ولم يتقدم طلب بذلك من أحد إذا كان عدم جواز الضبط ظاهرًا من الأوراق.
وينبني على ذلك أيضًا تحديد اختصاص المحكمة فقط بالبحث في أي نزاع آخر سوى مسألة التعويض الناتج عن تجاوز السلطة في إجراء عملية التفتيش والضبط إذا لم يكن هناك ما يبرر هذا التجاوز مثل حجز السفينة مدة طويلة بغير مبرر لتفتيشها ومثل ضبط ما لا يجوز ضبطه إذا لم يكن هناك وجه للاشتباه يستوجب الضبط.
وسبب ذلك أن تقدير أسباب الاشتباه هو تطبيق لأحكام الغنائم فلا يدخل في اختصاص محكمة أخرى، وإن كل إجراء يتعلق بالغنيمة يرد إلى محكمة الغنائم دون غيرها للفصل في صحته.

هل للعدو حق المطالبة لدى المحكمة ؟

كان الرأي السائد حتى آخر القرن التاسع عشر عدم السماح للأعداء بالمطالبة لدى محكمة الغنائم في جميع الدول، لكن ما عقد مؤتمر لاهاي الثاني في سنة 1907 تقررت فيه عدة أحكام خاصة بالغنائم ارتبطت بها الدول وبعضها في صالح المحاربين – ثم جاء مؤتمر لوندرة الذي قرر كل أحكام الغنائم وبعضها في صالح المحاربين فرأت محاكم الغنائم في جميع الدول أن العدو إذا كان يحتمي باتفاق دولي فيجب رعاية حقه ويسمح له بالمطالبة به، ولذلك حكمت المحاكم الإنجليزية ومحاكم سائر الدول بقبوله مدعيًا إذا كان يستند في حقه على اتفاق دولي أو قاعدة مرعية، وعادةً يطلب الأذن بالمطالبة أولاً ويبين فيه القاعدة التي يستند عليها، وعادةً يجاب إلى طلبه.

حق الاستيلاء على المضبوطات

يجوز للدولة الغانمة طبقًا لتشريعاتها الداخلية الاستيلاء على المضبوطات إن كانت تحتاج إليها على وجه الضرورة إلى أن يحكم بمصادرتها فإن أفرج عنها تدفع ثمنها.
ولا بد في إنجلترا من استئذان المحكمة قبل الاستيلاء خشية أن يحصل الضبط لمجرد الاستيلاء ولكيلا يُضار بذلك المحايدون في بواخرهم.

الحجز على الغنيمة

بما أن الغنيمة تجلب أو تضبط رغم إرادة صاحبها فلا يجوز الحجز عليها لدين على صاحبها ذلك لأنه إن حكم بمصادرتها تتملكها الدولة الغانمة مطهرة من كل الحقوق، وإن أفرج عنها يجب تسليمها لصاحبها أولاً كما حكم بذلك من المحاكم البريطانية في قضية الباخرة Orange Nassan في سنة 1921.

قواعد الإثبات لدى محاكم الغنائم

إن ضبط البواخر والبضائع يقوم على الاشتباه في صفتها المعادية وعلى وجهتها إن كانت تعد مهربات، ويجب أن يستند الاشتباه إلى ما يرجحه.
وكانت العادة قديمًا أن تفحص أوراق المركب ويستوجب ضباطها وبحارتها بعد حلف اليمين وتفحص بضائعها وكان هذا سهلاً وممكنًا في عصر المراكب الشراعية ذات الحمولة المحدودة والرحلات المحدودة فكان القبطان وضباطه وبحارته يعرفون كل شيء عن كل شحنة مصدرها ومآلها، ولذلك قيل إن المراكب تصادر من أوراقها، فإن كانت أوراقها تؤيد الاشتباه فلا يقبل عكس ذلك وقد فطنت لذلك شركات الملاحة فصدر في هولندا كتاب عنوانه الأسئلة والأجوبة يبين للبحارة كيف يتفادون الحق ويجيبون زورًا على أسئلة الغانم وفي إحدى الحالات وجد هذا الكتاب على مركب وعلى هوامشه الإجابة محضرة عن شحناتها.
فلهذا وبعد اختراع البخار زادت البواخر وتطورت التجارة البحرية فأصبح القبطان والضباط لا يعلمون شيئًا عن شحنات الباخرة إلا ما ورد في مستندات الشحن وأصبح تحقيق مصدر ومال الشحنات في البحر أمرًا عسيرًا يتطلب تعطيل الباخرة مدة طويلة ومع اختراع التليفون واللاسلكي وتقدم البريد وإمكان مراقبة الأخبار أجازت المحاكم للغانم الاستعانة بأي دليل آخر وفق الأدلة المستقاة من أوراق الباخرة، وفي الوقت نفسه أجيز لصاحب الغنيمة أن يقدم أي دليل آخر من قبله زيادة على أوراق الشحن مثل عقود المبايعات.
وتم ذلك في سنة 1914 في بدء الحرب العالمية الأولى.

تطبيق قواعد الإثبات المدنية والتجارية

لا تتقيد محاكم الغنائم بقواعد الإثبات في القانون المدني والتجاري لسببين أحدهما قانوني والآخر واقعي، فأما الأول فلأن الغانم يعتبر شخصًا ثالث بالنسبة للمستندات التي تقدم لإثبات الملكية فلا يتقيد بها، والسبب الثاني خشية أن تكون هذه المستندات صورية لا تدل على حقيقة الواقع.
والقاعدة في فرنسا هي احترام هذه العقود إذا ثبت صحتها وثبت أنها تمت بحسن نية لا بغرض تفادي حق الغانم سواء أتمت هذه العقود قبل الحرب أو أثناء قيام حالة الحرب.
أما في إنجلترا فيفرقون بين العقود التي تمت قبل الحرب فتحترم هذه العقود وتطبق في حقها قواعد الإثبات العامة في القانون التجاري أما العقود التي تحصل بعد الحرب فيحكمها ثلاث قواعد:
الأولى: إن البضاعة المصدرة من عدو تبقى على ملكه حتى يتسلمها المرسل إليه فعلاً فإن ضبطت في البحر تضبط على ملك العدو المرسل.
الثانية: إن البضاعة المرسلة من محايد إلى عدو فتعتبر على ملك العدو ليس للبائع حق الاحتفاظ بالملكية ولو كان الهلاك عليه.
والغرض من القاعدتين عدم تمكين المحايدين والأعداء من تفادي حق الغانم بإثبات أن الملكية تكون على ذمة المحايد المرسل أو المرسل إليه.
ولا يبقى بعد ذلك إلا بحث حالة البضاعة المصدرة من محايد إلى بلد محايد لترسل منه إلى العدو والبضاعة المصدرة من عدو حتى بالبر إلى بلد مجاور محايد ومنه بالبحر إلى محايد آخر.
أما البضاعة المصدرة إلى محايد فإثبات أنها ستوجه في النهاية إلى بلاد العدو هو إثبات أمر واقعي fait وله أحكام تفصيلية كثيرة أهمها الاشتباه في كل رسالة مرسلة إلى حامل سند الشحن أو إلى شخص أو شركة عرف عنها الاتجار مع العدو فتعتبر في القائمة السوداء التي تحوي أسماء الأشخاص والشركات التي اشتهرت بالاتجار مع العدو أو مرسلة من شخص أو شركة لها مثل هذا الاتصال ومع مراعاة نسبة زيادة صادرات وواردات البلاد المحايدة المجاورة لبلاد العدو.
أما البضاعة المصدرة من بلاد العدو إلى بلد محايد ومنها بالبحر إلى محايد فتعتبر رحلتها كلها واحدة رحلة متصلة وتعتبر على ملك العدو وكما حكم بذلك من مجلس الغنائم الفرنسي في قضية الباخرة United State (2) في 21 يونيو سنة 1917.
الثالثة: تحريم نقل الملكية أثناء الرحلة فكل تصرف في البضاعة وهي في البحر باطل بالنسبة للغانم إلا إذا تم التسليم فعلاً للمحايد قبل الضبط.
والإنجليز يطبقون هذه القواعد على البضائع المصدرة قبيل الحرب خشية قيام حالة الحرب.

واجبات الغانم

إن أحكام الغنائم غالبها في صالح الغانم كما تبين جليًا مما سبق.
لكن على الغانم واجبات والتزامات مقررة نلخصها فيما يلي:
1 – يجب إجراء التفتيش في أقصر وقت ممكن مع مراعاة اللياقة وعدم المساس بأشخاص البحارة وعدم إحداث تلف بالبضائع ويترتب على مخالفة ذلك تعويض كل ضرر ينشأ عن تعطيل الباخرة بدون مبرر.
2 – تجب المحافظة على البضائع المضبوطة ويلزم الغانم بالتعويض من تلفها بإهماله ولكن لا يلزم بهلاكها قضاء وقدرًا ولا يلزم بالتأمين عليها.
3 – يلزم الغانم بدفع أجور الشحن على البضائع التي يضبطها لأن البضائع تضمن أجرة الشحن ولأن الشحن من حق المركب كما يلزم دائمًا بأجرة التفريغ لأن الضبط يحصل فوق المركب والتفريغ عملية تقوم بها المركب لصالح الغانم.
4 – يلزم الغانم بما يستحق على البضاعة أو المركب من حقوق الإنقاذ Average طبقًا لقواعد قانون التجارة البحري لأن مصاريف الإنقاذ تستحق على المركب أو البضاعة ولولا مصاريف الإنقاذ لغرقت المركب وغرقت البضاعة وهذه الحقوق هي حقوق عينية يرتبها القانون على المركب وعلى البضاعة وهي عامة ومعترف بها في سائر القوانين أما الحقوق العينية الأخرى على البضاعة مثل عدم دفع باقي الثمن، والحقوق الممتازة على المركب مثل أجر إصلاحها فلا تستحق قبل الغانم لأنها حقوق يرتبها الأفراد لأنفسهم نتيجة عقود فلا تسري على الغانم.
5 – يجب عدم إغراق السفن والبضائع المضبوطة ولا يجوز ذلك إلا إذا تعذر قيادتها في البحر في الميناء، ورغم هلاكها فيجب عرض أمرها على محكمة الغنائم لا لتحكم في تبرير الإغراق بل لتفصل في صحة الضبط فقط فإن حكمت بعدم صحته فعلى الغانم دفع قيمتها.

مجلس غنائم مصر

لما قامت حالة الحرب أنشأت الحكومة مجلس الغنائم على النظام الفرنسي فجعل رئيسه من كبار رجال القضاء وأعضاءه من أساتذة القانون الدولي وكبار رجال الإدارة والحربية بأمر من الحاكم العسكري العام صدر بتاريخ 8 يوليو سنة 1948 وذلك لاعتبارين:

  • أولاً: قيام المحكمة المختلطة خشية أن تتدخل في المنازعات الخاصة بالغنائم وإن كان هذا السبب مستبعد لأن نظام الغنائم أحكامًا ومحاكمًا هو من أعمال السيادة التي تسري على الأجانب رغم الامتيازات القضائية.
  • ثانيًا: روعي في جدة الموضوع احتمال إصدار تشريعات للمجلس قد يرى تعديلها أو الزيادة عليها باستمرار مما يصعب إجراؤه بسرعة بطريقة التشريع العادي.

فلذلك اكتفى بإنشاء المجلس بأمر عسكري لكي يتيسر إجراء تشريع يطبقه المجلس بأمر عسكري.
ومن حسن الحظ أن تفويض المجلس بالحكم جاء في المادة الثالثة من الأمر المذكور بالنص الآتي:

(يطبق المجلس في دعاوى الغنائم قواعد القانون الدولي العام وفي حالة عدم وجود قاعدة تحكم الحالة المعروضة يفصل فيها على مقتضى قواعد العدالة).
وهذا النص مأخوذ حرفيًا من النص الوارد في مشروع محكمة الغنائم الدولية التي تقررت باتفاق لاهاي الثاني عشر في سنة 1907.
وترتب على هذا النص الوحيد أن المجلس تقيد باستمرار بقواعد القانون الدولي التي منها عدم تطبيق أوامر السلطة التنفيذية إلا إذا كانت في مصلحة صاحب الغنيمة، فزالت بذلك عن جميع الأوامر العسكرية الأخرى التي صدرت بهذا الخصوص كل قيمة قانونية وأصبحت كما حكم بذلك المجلس تعليمات صادرة للسلطة التي تجري الضبط، وأهم حكم بهذا الخصوص في قضية الباخرة Marine Carp الأمريكية في 21 سبتمبر سنة 1949 التي كانت تحمل بضائع صادرة من فلسطين وكان الحاكم العسكري قد أصدر أمرًا في شهر يونيه سنة 1948 بمصادرة جميع البضائع المصدرة من فلسطين فقرر المجلس أن هذا الأمر يطبق في حدود أحكام القانون الدولي، وفي هذه الحالة كانت الراية الأمريكية المحايدة تحمي البضائع فأفرج عنها.
وأخيرًا صدر القانون رقم (32) سنة 1950 بإنشاء مجلس للغنائم وجعل الحكم فيها طبقًا للقانون الدولي في المادة (4) التي وردت بنص المادة (3) من الأمر العسكري الذي أنشأ المجلس.

وقد التزم المجلس أحكام القانون الدولي في جميع أحكامه وعند الخلاف بين القواعد الإنجليزية والقواعد الفرنسية المتبعة في أغلب قارة أوروبا سار على القواعد الإنجليزية لأنها الأعم في أحكام الغنائم ولأنها في نظره أكثر توافقًا مع نظام الغنائم.

بحث في طبيعة القرارات الصادرة من مجلس الغنائم
لحضرة الأستاذ أحمد رفعت خفاجي وكيل نيابة ميت غمر

المؤلف : الأستاذ أحمد رفعت خفاجي المصدر : مجلة المحاماة – مصر سنة 1951

بمناسبة قيام الحرب بين مصر وإسرائيل في الأراضي الفلسطينية استعملت مصر حق الضبط droit de capture وهو من الحقوق المقررة للدولة المحاربة Etat belligerant فضبطت القوات المصرية سفنًا تحمل سلعًا في طريقها إلى إسرائيل.
وتمشيًا مع القاعدة الأصلية المقررة في فقه القانون الدولي العام التي تقضي بأنه لا غنيمة إلا بحكم Toute prise doit être jugée صدر الأمر العسكري رقم (38) في 8 يوليو 1948 ونظم هيئة تسمى مجلس الغنائم Conseil de prises يختص بالحكم بصحة عملية الضبط أو بطلانها فإذا حكم بصحة الضبط تتعين مصادرة الغنيمة لصالح الدولة وإذا حكم ببطلان عملية الضبط يجب الإفراج عن الغنيمة وتسليمها إلى أربابها.
ولما أصبح في حكم المقرر رفع الأحكام العرفية بمقتضى قانون صدر فيما بعد برقم (50) سنة 1950 بتاريخ 28 إبريل 1950 أعدت السلطة التشريعية قانونًا يحكم مواد الغنائم ولقد صدر فعلاً هذا القانون الخير في 3 إبريل 1950، وهو القانون رقم (32) سنة 1950 ولقد أوجب هذا القانون الأخير في المادة رقم (23) منه إحالة القضايا المنظورة أمام مجلس الغنائم الذي أنشئ بمقتضى الأمر رقم (38) سنة 1948 إلى المجلس المشكل تشكيلاً جديدًا وفقًا لأحكام هذا القانون.
ويتعين علينا في هذا الصدد أن نبحث الطبيعة القانونية للقرارات الصادرة من مجلس الغنائم.
لعل ما ورد في ثنايا نصوص هذا القانون هو السبب في صعوبة هذا البحث فلقد وصف القانون المسائل المعروضة على مجلس الغنائم بأنها دعاوى – واعتبر أصحاب الغنائم مدعين يقع عليهم عبء إثبات براءة الغنيمة من كل ما يجعلها خاضعة للمصادرة – وجعل للمجلس اختصاصات أخرى غير الاختصاص الأصلي المتعلق بالفصل في صحة الضبط – من بينها نظر المنازعات الناشئة من الضبط وطلب التعويض المترتب على ذلك ووصف القرارات الصادرة بأنها أحكام.
إلا أن هذا القانون نص في المادة الأولى منه على أن هذا المجلس يلحق برئاسة مجلس الوزراء ومقره الإسكندرية إلا أنه يجوز بعد موافقة مجلس الوزراء عقد جلساته بإحدى الموانئ المصرية الأخرى، كما نص في الفقرة الثانية من المادة العشرين (ويجوز دائمًا بقرار من مجلس الوزراء الإفراج عن الغنيمة على الرغم من الحكم بمصادرتها).
ولا شك أن ما جاء في هذين النصين الأخيرين هو الذي حدا بنا إلي بحث طبيعة هذه القرارات الصادرة من مجلس الغنائم بل هو الذي جعلنا نتساءل عما إذا كان مجلس الغنائم هيئة قضائية بالمعنى الفني أي من الهيئات التابعة للسلطة القضائية pouvoir judiciaire أم أنه مجرد هيئة ملزمة بإصدار فتاوى تبعث بها إلى السلطة التنفيذية فتعتبر ملحقًا بها.
ولما رجعنا إلى كتب الفقه في القانون الفرنسي وجدنا انقسامًا بين الفقهاء.
فيرى فريق وعلى رأسه الأستاذ كوشى Cauchy أن هذه القرارات ليست أحكامًا وإنما هي مجرد فتاوى avis استشارية صادرة من هيئة مكلفة بإصدارها إلى الحكومة une simple autorité chargée de donner au gouvernement des avis ذلك أن الغنائم تكون جزءًا من العمليات الحربية وهذه الأخيرة تعتبر من أعمال السيادة acte de gouvernment فلا تخضع لسلطان القضاء echappent au pouvoir judiciaire.
أما الفريق الثانية ويتزعمه الأستاذ جيدل Gidel فيعتبر هذه القرارات أحكامًا ذلك أن عناصر العمل القضائي acte judiciaire متوافرة فيها وهي الادعاء prétention والتحقيق constatation والقرار décision، ولكن ما هو الأساس الذي تستند إليه الدولة في إخلاء سبيل الغنيمة rèlaxcer رغم صدور حكم بصحة ضبطها ووجوب مصادرتها.
من المسلم به أن مبدأين أساسيين يسودان في مسائل الغنائم:
الأول: هو مبدأ مشروعية الضبط légalité de capture أي يجب أن يكون الضبط متفقًا مع أحكام القانون وهذا المبدأ متروك لمطلق سلطان هيئة قضائية une juridication هي مجلس الغنائم.
الثاني: هو مبدأ الملاءمة opportunité أي أنه يتعين أن يكون الضبط ملائمًا للدولة فلا توجد ظروف دولية أو اعتبارات سياسية considerations d’ordre politique تحول دون ضبط الغنيمة ومصادرتها إذ من المعروف أنه قد تحدث أزمات دولية من جراء مسائل الغنائم، ولا شك أن تحقيق هذا المبدأ من صميم اختصاص السلطة التنفيذية ففي مكنتها أن ترد الغنيمة إلى أربابها قبل الالتجاء إلى مجلس الغنائم وفي مطلق سلطانها أن تخلي سبيلها رغم الحكم بمصادرتها، وذلك استنادًا منها على اعتبارات سياسية ولا رقيب عليها في ذلك سوى البرلمان عند بحثه المسؤولية الوزارية المقررة في أحكام دستور الدولة.
ولا شك أن للأحكام قوة الشيء المحكوم فيه Force de la chose jugée فالاحترام الواجب إلى الأحكام الصادرة في مواد الغنائم قد يضع الحكومة في مركز حساس peut parfois placer le gouvernement dans une situation délicate توازن فيه بين رغم احترام هذه القوة le désir de ne pas faire échec de la chose jugée وبين حالة الدولة الدولية.
إلا أن الحكومة في غالب الأحوال تحترم هذه الأحكام وتعمل على تنفيذها.
أما وقد سردنا وجهتي النظر في هذا البحث وشرحنا الأساس الذي تستند إليه الدولة في إخلاء سبيل الغنيمة فإنه يجدر بنا أن نذكر ما نعتقده في هذا الصدد، فإنه نظرًا لأن هذه القرارات صادرة من هيئة قضائية في شكل عمل قضائي فإنها تعتبر أحكامًا jugements إلا أنه لاحتمال تطبيق مبدأ الملاءمة بمعرفة السلطة التنفيذية على هذه الأحكام فإن هذا يجعلنا نعتبرها أحكامًا من نوع خاص jugements sui generis وهذا هو الرأي الصحيح في اعتقادنا.

—————————————————–

تمت اعادة المشر بواسطة محاماة نت.