بحث قانوني مميز عن مذهب أوستن

مقدمة :

تعرف المذاهب الشكلية بأنها تلك المذاهب التي تهتم بالجانب الشكلي الذي ظهرت فيه القواعد القانونية أي الشكل الذي أضفى على القانون قوة الإلزام في مواجهة أفراد المجتمع حتى لا يضل الناس طريقهم ويضربون في الأرض دون وعي ومن أنصار المذهب الشكلي فقهاء وفلاسفة كثيرون أمثال أوستن – هيجل ، كيلسون ، مدرسة الشرح على المتون –ونحن اليوم بصدد دراسة الفقيه الإنجليزي اوستن ومحاولة التعرف على مذهبه والفكرة التي أقام عليها هذا المذهب ومن هذا تطرح عدة إشكاليات في محاولة التعرف على مذهب أوستن من بينها : ما هي الفكرة التي يقوم عليها مذهب أوستن ؟ وما الإنتقادات التي وجهت إليه ؟ وعلى أي أساس يعتمد أوستن على تفسيره للقانون ؟.

خطة البحث

المقدمة

الإشكالية : ما هي الفكرة التي يقوم عليها مذهب أوستن ؟وما الإنتقادات الموجهة له ؟

المبحث الأول : مفهوم مذهب أوستن والفكرة التي يقوم عليها .

المطلب الأول : مفهوم مذهب أوستن

المطلب الثاني : الفكرة التي يقوم عليها

المبحث الثاني : النتائج المترتبة على مذهب أوستن ونقده

المطلب الأول : النتائج المترتبة على مذهب أوستن

المطلب الثاني : نقد مذهب أوستن

الخاتمة

المبحث الأول : مفهوم مذهب أوستن والفكرة التي يقوم عليها

المطلب الأول : مفهوم مذهب أوستن

إستمد أوستن مذهبه من نظريات الفلاسفة اليونان منذ القدم (1) إذ كانو يرون أن القانون من فعل القوة ، كما تأثر فيما بعد بما جاء به الفقيه الإنجليزي توماس هوبس من أن القانون ليس طلبا ولا نصيحة وإنما هو أمر صادر عن شخص معين يملك حق الطاعة على غيره من الناس ….بل القانون هو إرادة الحاكم أو السلطان الذي له السيطرة المطلقة على الناس باعتبار أن السلطان ليس طرفا في العقد الإجتماعي الذي تنازل الأفراد فيه عن حريتهم له ….وبالتالي فهو يملك حق إصدار القانون وإقرار الجزاء لمن يخالفه *

وقد نشرت محاضرات أوستن تحت عنوان مجال الفقه وحدوده .يدعو فيها لإصلاح النظام القضائي في بريطانيا ويطالب فيها بتبني الواقعية عند محاولة لإستخراج المعنى الحقيقي للقانون .

كما يعتبر أوستن القانون أمر صادر عن سيد حر لا يخضع في تصرفه لأية سلطة كانت ….ويلزم بأمره كل الذين هم تحت سيطرته أو سلطته وهو بعبارة أدق أمر يؤيده الجبر …..وعلى هذا الأساس فإن أوستن ينكر على القانون الدولي هذه الصفة ويعتبره مجرد خلق وضعي *

المطلب الثاني : الفكرة التي يقوم عليها مذهب أوستن ..

الفكرة التي يقيم عليها أوستن مذهبه هي أن القانون هو إرادة أومشيئة الحاكم ينفذها جبرا على الأفراد عند الإتضاء وهي ليست فكرة جديدة إبتكرها أوستن بل هي فكرة قديمة قال بها فلاسفة اليونان منذ القدم حيث كانو يرون أن الفانون من فعل القوة..ثم بعثت هذه الفكرة من جديد في العصر الحديثة على يد بعض الفلاسفة الذين قالو بأن القانون هو إرادة الحاكم الذي له السيطرة المطلقة على الناس وعلى ذلك فإن أوستن لم يبتكر الفكرة التي أقام عليها مذهبه إلا أنه يرجع إليه الفضل في سياغة هذه الفكرة في شكل نظرية امة حدد معالمها وبين أحكامها وفصل نتائجها فقد تأثر أوستن عند وضع مذهبه بآراء الفقهاء والفلاسفة القدماء حيث أخذ هذه الآراء وهذبها وأقام عليها مذهبا متكاملا أو نظرية عامة كان لها صدى كبير لدى الكثير من الفقهاء (2) ..ويتلخص مذهب أوستن في أن القانون هو من صنع الدولة التي تعمل على كفالة إحترامه عن طريق إجبار الأفراد على طاعته بما لها من سلطة وسياذة ….فالحاكم أو السلطان هو الذي يضع القانون وهو الذي يجبر الأفراد على إتباعه بالقوة عند اللزوم ولذلك يعرف أوستن القانون بأنه … أمر أو نهي يصدره الحاكم إستنادا إلى سلطته السياسية ويوجهه إلى المحكومين ويتبعه بجزاء ..ونم هذا التعريف يتبن أنه لكي يوجد قانون في نظر أوستن لا بد من توافر ثلاثة شروط …

1- القانون لا يقوم إلا في مجتمع سياسي

2- وجود أمر أو نهي

3- وجود الجزاء (3) .

* معنى القانون لا يقوم إلا في مجتمع سياسي : يستند المجتمع السياسي في تنظيمه إلى وجود طبقتين …طبقة حاكمة لها حق الأمر و لنهي …طبقة محكوم عليها واجب الطاعة لما تصدره الهيئة أو الطبقة الحاكمة

* معنى وجود أمر أو نهي : جوهر القانون طبقا لمذهب أوستن هو وجود أمر توجهه الهيئة الحاكمة إلى المحكومين وتتبعه بجزاء يصطحبه عند مخالفة أمور قواعده وبهذا …القانون ليس مجرد نصيحة توجه للأفراد ويملكون إتجاهها حرية الإختيار في الإمتثال أو الرفض ،وقد يصدر القانون في ضيغة ضمنية يتم خلالها الإكتفاء بتحديد الحكم الواجب تطبيقه متى توفرت أركان معينة …

كالقاعدة التي تقضي أن من يرتكب خطأ أو يسبب ضررا للغير يلزم بالتعويض فهذه القاعدة تفيد ضمنيا بأنها تأمر المتسبب في الضرر بالتعويض .

* معنى وجود الجزاء : عند مخالفة الأمر أو النهي يوقع الحاكم الجزاء على من يخالفه من المحكومين وذلك بما لديه من سلطة القوة والجبر عند الخروج عن الطاعة أو القانون …. ففي نظر أوستن لا توجد قاعدة قانونية مالم تكن مكفولة باحترامها جبرا على الأفراد وأن القواعد التي لا يرتب عليها جزاء تكون قواعد أخلاق أو دين أو مجاملات …(4) .

المبحث الثاني : النتائج المترتبة على مذهب أوستن وتقييمها

المطلب الأول : النتائج المترتبة على مذهب أوستن

ترتب على مذهب أوستن النتائج الآتي ذكرها

1- إنكار صفة القانون على صفة القانون الدولي العام ..قواعد القانون الدولي العام لا تعتبر قواعد قانونية في نظر أوستن لأنها هي التي تنظم العلاقات بين الدول وأن جميع الدول متساوية في الحقوق والسيادة ولا تؤخذ في المجتمع الدولي سلطة عليا فوق الدول تعتبر بمثابة هيئة حاكمة يكون لها من القوة والسلطان ما تستطيع به فرض ما تصدره من أوامر ونواهي لجميع الدول التي تعتبر بالنسبة لها بمثابة المحكومين بحيث تجبرها على إتباع هذه الأوامر والنواهي التي تنظم العلاقات فيما بينها عن طريق جزاء توقعه على الدولة التي على هذا الأمر والنهي وعلى هذا فإن أوستن ينكر على القانون الدولي العام صفته كقانون ويعتبر قواعده مجرد مجاملات أو واجبات أدبية تراعيها الدول في سلوكها فبما بينها … لا يترتب على مخالفتها أي جزاء وذلك لعدم وجود سلطة عليا فوق الدول تهيمن عليها وتملك توقيع الجزاء على الدولة المخالفة لهذه القواعد (5) .

2- إنكار صفة القانون على القانون الدستوري : قواعد القانون الدستوري لا تعتبر قواعد قانونية في نظر أوستن لأنها القواعد التي تبين شكل الدولة ونظام احكم فيها والسلطات العامة داخلها واختصاصها وعلاقتها بعضها ببعض كما تبين حقوق الأفراد السياسية وحقوقهم والمقومات الأساسية للمجتمع وبذلك تكون هذه القواعد موجهة إلى الحاكم ، فالحاكم الذي له السلطة العليا في الجولة هو الذي يصدر القواعد القانونية بمحض إختياره لتنظيم سلطات الدولة وعلاقتها مع الأشخاص الخاضعين لها لطالما أن الحاكم هو الذي يصدر هذه القواعد فهو يستطيع مخالفتها دائما لأناه من ناحية ليست صادرة من سلطة أعلى منه ومن ناحية أخرى غير مقترنة بجزاء يوقع في حالة مخالفتها ذلك أن الحاكم هو الذي يملك سلطة توقيع الجزاء لا يتصور أن يوقع الجزاء على نفسه ، وعلى هذا ينكر أوستن على قواعد القانون الدستوري صفته القانونية ويرى أنها إلا مجرد قيود فرضها الحاكم على نفسه بمحض إرادته لتنظيم (6) علاقته بالأفراد لم تلزمه بها سلطة أعلى منه ومن ثم فهي لا تعدو أن تكون قواعد ذات قيمة إرشادية فحسب ، مما يجعل خروجه عليها ومخالفتها واستبدالها بغيرها أمرا لا يترتب عله أي جزاء ويطلق أوستن على هذه القواعد أو القيود قواعد الأخلاق الوضعية

3- يؤدي مذهب أوستن إلى جعل التشريع هو المصدر الوحيد للقواعد القانونية وعدم الإعتراف بالمصادر الأخرى وفي مقدمتها العرف فالقانون في نظر أوستن لا يقوم إلا إذا صدر من الحاكم موجها لإلى المحكومين والتشريع هو المصدر الوحيد للقواعد القانونية والذي يتضمن أمرا أو نهيا يصدره الحاكم أما العرف فلا يصدر من الحاكم إلى المحكومين وإنما ينشأ من إستمرارا سلوك الأفراد على نحو معين واتباعهم لقاعدة معينة زمنا طويلا مع شعورهم بضرورة إحترامها واعتقادهم بإلزامها ولذلك فلا يعترف أوستن بالعرف كمصدر من مصادر القانون ويرى أن تواتر سلوك الأفراد على نحو معين زمنا طويلا لا يمكن أن ينشئ قواعد قانونية إلا في حدود التي يسمح بها المشرع (7).

4- كذلك يؤدي مذهب أوستن إلى وجوب التقيد في تفسير نصوص القانون بإرادة المشرع وقت وضع هذه النصوص وعدم الإعتذار لما يطرأ بعد ذلك من ظروف جديدة ذلك أن أوستن يرى أن القانون هو مجرد تعبير عن إرادة الحاكم ومن ثم يجب أن يتجه التفسير إلى الكشف عن إرادة الحاكم التي أراد أن يضمنها نصوص القانون وقت وضعها ولا عبرة بتغيير الظروف التي وضعت فيها هذه النصوص بمرور الوقت .

المطلب الثاني : تقييم مذهب أوستن

1- المزايا : يمتاز مذهب أوستن بالبساطة والوضوح فالقانون وفقا هذا المنهب هو إرادة أو مشيئة الحاكم التي يزم الأفراد باحترامها والسير على مقتضاها ويعر عنها عن طريق التشريع ، كما يمتاز بأنه يتفق إلى حد كبير مع الوضع السياسي القائم في المجتمعات الحديثة حيث تملك الدولة سلطة التشريع كمظهر من مظاهر سيادتها وتعهد بسنه وإصداره إلى إحدى السلطات فيها وهي السلطة التشريعية بعد أن اصبح التشريع هو المصدر الأساسي والرئيسي للقانون الوضعي (8)

2- عيوب مذهب أوستن: 1- أنه يخلط بين القانون والقوة لأنه يجعل ارادة الحاكم هي القانون ويجل القوة المتمثلة في عنصر الجزاء الذي يوقعه الحاكم هي الأساس للقانون وهذا من \أنه أن يجعل القانون في خدمة القوة أي في خدمة الحاكم بدلا من أن يكون الحاكم في خدمة القانون يتقيد بأحكامه ويعمل على كفالة احترامة بالقوة الاقتضاء. 2- أنه يخلط بين القانون والدولة فهويرى أن القانون لا يوجد الا في مجتمع سياسي منظم تملك زمام الحكم فيه سلطة عليا لها االسيادة السياسة في المجتمع فالقانون كما اثبتت الحقائق التاريخية هو ظاهرة اجتماعية قبل أن يكون ظاهرة وضعية حيث نشأ القانون مع نشأة المجتمع في صورته البدائية قبل أن توجد الدولة ككيان سياسي.

3 – أنه يجعل التشريع المصدر الوحيد للقواعد القانونية وهذا يخالف الواقع فالتشريع وأن كان قد اصبح في الدول الحديثة المصدر الأساسي والرئيسي للقانون إلا أنه ليس المصدر الوحيد حيث توجد إلى جانبه مصادر أخرى أهمها العرف الذي كان فيما مضى المصدر الأساسي للقانون ، فانجليزا وهو البلد الذي عاش فيها أوستن يقوم النظام القانوني فيها أساسي على مبادئ العرف.

4- انكاره للقانون الدولي العام والقانون الدستوري وتجريدهما من صفتها القانونية فغالبية الفقها يرون أن القانون الدولي العام هو قانون بالمعنى الصحيح يتوفر له عنصر الإلزام حيث توجد في المجتمع الدولي سلطة عليا تملك توقيع الجزاء وتعمل على كفالة احترام قواعده هي هيئة الأمم المتحدة وقد تدخلت فعلا هذه السلطة العليا في حدود ضيقة لاجبار الدول على احترام قواعد القانون الدولي العام .

5- انكاره للقانون الدستوري فهذا القول من جانب أو ستن غير صحيح فالقانون الدستوري هو قانون بالمعنى الصحيح بل هو قانون الأعلى للدولة ويتوفر له عنصر الإلزام ، فالأمة تعتبر سلطة أعلى من سلطة الحاكم داخل الدولة وهي التي نصبته حاكما ومن ثم تملك حق توقيع الجزاء عليه إذا خالف احكام وقواعد القانون الدستوري وذلك بالثورة ضده والعمل على تنحيته والإطاحة به.

6- كذلك يؤخذ على هذا المذهب انتهى اليه من وجوب النقيد في تفسير نصوص القانون لما تجهت اليه ارادة المشرع وقت وضع هذه النصوص دون نظر إلى تغير الظروف التي وضعت فيها .. لأن ذلك من شأنه أن يؤدي إلى جمود القانون وعدم تطوره تبعا تغير الظروف الاجتماعية مما يجعل نصوص القانون لا تتفق مع حاجيات المجتمع في الظروف الجديدة. (9)

الخاتمة :

وفي خاتمة الموضوع يتبين أن مذهب أوستن هو مذهب سطحي يكتفي بالأخذ بالمظهر أو الشكل دون أن ينفذ إلى جوهر القواعد القانونية ليتبين طبيعتها ونشأتها وتطورها والعوامل التي أثرت في تكوينها …. حيث يكتفي هذا المذهب بما يظهر في الواقع من قيام الدولة أو الحاكم بوضع التشريع واستئثارها بتوقيع الجزاء معتقدا أن الدولة هي التي تخلق القانون وتصنعه وهذا غير صحيح لأن القانون في أصله وجوهره هو وليد الظروف والعوامل الإجتماعية التي تحيط بالجماعة وأن ما يظهر في الواقع من قيام الدولة بوضع التشريع إنما هو مجرد سياغة لهذا الجوهر لكي يصبح صالحا للتطبيق في الحياة العلمية .

قائمة المراجع :

– د : أحمد خروع – المناهج العلمية وفلسفة القانون – ديوان المطبوعات الجامعية- الساحة المركزية بن عكنون – الجزائر –

– د : فاضلي إدريس – مدخل للمنهجية وفلسفة القانون – ديوان المطبوعات الجامعية – الساحة المركزية بن عكنون – الجزائر –

– محاضرات في فلسفة القانون – ديوان المطبوعات الجامعية- الساحة المركزية بن عكنون – الجزائر – الطبعة الثالثة 1992 .