بحث قانوني عن أسباب انقضاء الدعوى العمومية – ورقة بحثية

مقدمة:

من مقتضيات العدالة أن يؤاخذ المسيء بإساءته دائما ويتم ذلك بعد
نشوء خصومة جزائية والتي يقصد من ورائها نسبة سلوك إجرامي
معين إليه ثم تسلط العقوبة المناسبة غير انه قد يحول دون نشوئها أصلا
أو دون توقيع الجزاء موانع إما مؤقتة كون المشرع قيد ذلك بالشكوى
كالزنا مثلا أو موانع مؤبدة إما لوجود أعذار معفية أو عدم خضوع الجاني
لسلطان المحاكم الجزائرية طبقا لقواعد القانون الدولي العام أو المعاهدات
أو بسبب انقضاء الدعوى العمومية وهو موضوع هذه المداخلة
المتواضعة.

أسباب انقضاء الدعوى العمومية.
يمكن تقسيم هده الأسباب إلى نوعين هما:
1 –أسباب عامة: وسميت كذلك لأنها تسري على جميع الجرائم أيا كان
نوعها (جنايات أو جنح أو مخالفات).
-2 خاصة وسميت كذلك لأنها مقصورة على بعض الجنح فحسب.

المطلب الأول: الأسباب العامة

وقد حصرتها المادة السادسة من قانون
الإجراءات الجزائية في خمس حالات وهي على التوالي كما يلي:
1: وفاة المتهم. 2: التقادم.
3: العفو الشامل. 4: إلغاء النص العقابي.
5: صدور حكم حائز قوة الشيء المقضي.

أولا- وفاة المتهم: ويراد بالوفاة توقف القلب والجهاز التنفسي عن أداء
الوظيفة آداءا تاما، ذلك لان تحريك الدعوى متوقف على الحياة.

الآثار المترتبة على الوفاة:
1) إذا كانت الوفاة قبل تحريك فإنها تستتبع انقضاء الدعوى ومنع
رفعها بالتالي.
2): إذا حدثت الوفاة أثناء سيرها فان الإجراءات يتم الاستمرار فيها للتأكد
من الإدانة أو الوصول الى الحقيقة كحالة التعدد مثلا.
3): أما إذا حدثت الوفاة أثناء المحاكمة فيجب أن نفرق بين فيما إذا حدثت
قبل صدور الحكم أو بعده ذلك لأنه في هذه الحالة الأخير ة فان قضي
بالبراءة فلا يجوز للنيابة الطعن.
4): الوفاة بعد صدور الحكم النهائي فان الدعوى تنقضي بالحكم وليس
بالوفاة.
5): أما في حالة الارتباط فتسقط الدعوى العمومية دون المدنية.
ملاحظات:
1): إن سقوط الدعوى بالوفاة أو بأي سبب آخر خاص بها بعد رفعها
لا يؤثر في سير الدعوى المدنية المرفوعة معها, وللمدعي المدني أن يدخل
الورثة ليحصل على حكم بالتعويض في مواجهتهم أما م المحكمة
الجزائية التي تستمر أمامها الدعوى المدنية.
2): إن وفاة الفاعل الأصلي لا تأثي ر لها على الشريك إلا في جريمة الزنا
وهذا عملا بقاعدة “كل شخص بريء حتى يصدر حكم نهائي بإدانته” فإذ ا
مات قبل ذلك وجب أن يستفيد الشريك أو الشريكة من قرينة البراءة.

ثانيا- التقادم: وقد تضمنت أحكامه المواد 7
مبدأ سريان المد ة: جاء في الماد ة: 7 أن الدعوى العمومية في مواد
الجنايات تنقضي بمرو ر 10 سنوات كاملة تسرى من يوم اقتراف الجريمة
إذا لم يتخذ في تلك الفترة أي إجراء من إجراءات التحقيق أو المتابعة,
أما إذا كانت قد اتخذت الإجراءات فلا يسري التقادم إلا بعد 10 سنوات
كاملة من تاريخ أخر إجراء و كذلك الشأن بالنسبة للأشخاص الذين لم
يتناولهم أي إجراء من إجراءات التحقيق أو المتابعة .
أما المادة 08 فتنص على الانقضاء بعد 3 سنوات كاملة في مواد الجنح.
أما المادة 09 تنص على الانقضاء بعد سنتين كاملتين في مواد المخالفات.

انقطاع مدة التقادم:

ومقتضاه ضياع الوقت الذي مضى منها نتيجة اتخاذ أي إجراء في الدعوى مما بينه القانون فلا يحتسب فيها بل تبدأ المدة
من جديد منذ تاريخ الانقطاع و قد تتجدد لذلك مدة التقادم كلما انقطعت
بإجراء قاطع لها كما أن انقطاع التقادم عيني يمتد أثره الى جميع
المشاركين في الواقعة و لو لم يكونوا طرفا في تلك الإجراء ات و سؤال
المجني عليه مثلا يقطع التقادم بالنسبة لجميع المتهمين حتى و لو لم يسأل
أحد منهم بعد في التحقيق .

ما هي الإجراءات القاطعة لتقادم ؟ .
يستفاد من نص المادة: 07 و تتمثل في إجراءات التحقيق و المتابعة .
ومثال إجراءات التحقيق جميع إجراءات جمع الأدلة والبحث عن المتهمين

كالانتقال للمعاينة ندب الخبراء سماع الشهود استجواب المتهمين
التفتيش الضبط والإحضار القبض والحبس المؤقت والتكليف
بالحضور.
أما مثال إجراءات المتابعة فهي أوامر التصرف في التحقيق الصادرة
عن أي جهة كانت وإجمالا كل ما يتعلق بتحريك الدعوى العمومية أو
بمباشرتها.
كما اعتبر قاطعا للتقادم إعلان المتهم حضور جلسة المحاكمة.
ملاحظة: متى تم اتخاذ أي اجراء صحيح في الدعوى انتفت علة ·
الانقضاء كونها ما تزال في الأذهان ولم تدرج في حيز النسيان.
يشترط في الإجراء القاطع للتقادم أن يكون قضائيا لذا فلا يقطع التقادم ·
التحقيق الإداري ولا الإجراء الباطل ولا مجرد ابلاغ الضبطية بشان
حادث أو الشكوى التي يقدمها الضحية.
غير انه قد يتعذر تعيين تاريخ الواقعة وعندئذ يجوز للقاضي كحالة
جريمة خيانة الأمانة اعتبار يوم امتناع الأم ين. عن رد الأمانة بعد مطالبته
بها تاريخا مبدئيا لوقوعها حتى يثبت تاريخ آخر.
و في جريمة تبديد الأشياء المحجوزة يجوز اعتبار يوم تحرير محضر
التبديد تاريخا مبدئيا.
أما في الجرائم المستمرة فمن اليوم التالي لانقطاع حالة الاستمرار كحالة
إخفاء الأشياء المسروقة الاتفاق الجنائي و الفرار و الامتناع عن
تسليم طفل لمن له الحق في حضانته.
أما في جرائم العادة فمن تاريخ تمام تكوين الجريمة.
أما في الجرائم المتابعة فمن تاريخ آخر فعل إجرامي.

ملاحظة: يبدأ سريان جريمتي العصيان الفرار العسكريتين من
. تاريخ بلوغ مقترفها سن 50

ثالثا: إلغاء القانون المعاقب.
و يرد به إزالة الصفة الإجرامية عن الفعل بأثر رجعي فيصبح كما لو كان
مباحا وهو بمثا بة التنازل من الهيئة الاجتماعية عن حقوقها قبل الجاني
ولا يكون إلا بقانون.

رابعا: العفو الشامل.
و هو حق مخول لرئيس الجمهورية بمقتضى ال مادة 74 من الدستور و
بمقتضاه قد يتم تخفيض العقوبة أو استبدالها و يصدر ف ي المناسبات
((الأعياد الوطنية أو الديني ة)) و في الجرائم التي لا تمس امن الدولة و
يطبق بناء على قانون.
و من آثاره: انه إذا صدر قبل الحكم فان القاضي يحكم به من تلقاء نفسه،
أما إذا صدر بعد الحكم فان العقوبة لا تطبق إلا ما تعلق منها بالمصادرة.
إذا نص في قانون العفو على انقضاء الدعوى المدنية كالقانون من اجل
السلم و المصالحة فان الدولة تتحمل التعويض.

خامسا- الحكم الحائز لقوة الشيء المقضي: وهو الذي تكون فيه طرق
الطعن العادية و غير العادية ق د استنفذت و لاعتبار الحكم سببا من أسباب
انقضاء الدعوى العمومية فيجب أن يكون:
أ- قضائيا: صدوره عن جهة قضائية
ب- قطعيا: بمعنى أن فصل في الطلبات و الدفوع
ج- نهائيا: بمعنى أن استنفذ كل طرق الطعن العادية و غير العادية.

المطلب الثاني: الأسباب الخاصة لانقضاء الدعوى العمومية:

وهي أسباب مقصورة على بعض الجنح التي يتطلب القانون لتحريك
الدعوى فيها شكوى من المجني عليه.
الفرع الأول: سحب الشكوى و قد يكون ذلك شفهيا أو كتابيا
الفرع الثاني: المصالحة إذا كان القانون يجيزها و أمثلة ذلك: الجر ائم
الجمركية صفح الزوج المضرور.

من إعداد السيد/
أخناق مراد
قاضي التحقيق الغرفة الأولى
بمحكمة رأس الوادي