بحث قانوني و دراسة حول المحكمة الدستورية الاردنية

دراسة في قانون المحكمة الدستورية 15 رقم لسنة 2012
قدمت هذه الورقة البحثية لغايات التقييم البحثي والأكاديمي لدى موقع شبكة قانوني الأردن.
اعداد
المحامي
أحمد عبد المنعم أبو زنط
2013

الفرع الاول: تمهيد:
خطوة بالاتجاه الصحيح، هذا اقل ما يمكن أن يقال عند ابداء تقييم عام لفكرة وجود المحكمة الدستورية في الاردن، ونظرا لخصوصية الوضع السياسي في الاردن فإن هذه المحكمة قد ولدت وتحوطها هالة من الخصوصية المتناهية، حيث أن المعتاد في الاردن أن تشرع القوانين قبل المطالبة الشعبية بذلك، ومثال ذلك الدستور الاردني لسنة 1952 الذي خرج الى النور بسلاسة متناهية حتى صنفه فقهاء الدستور أنه ذو طبيعة عقدية، حيث تم اقراره من قبل السلطة التشريعية ممثلي الشعب في ذلك الوقت ومن ثم تم المصادقة عليه من قبل الملك طلال ملك المملكة الاردنية الهاشمية أنذاك، وقد رتب هذا الدستور حقوق الاردنيين واقر مبدأ التعددية والمساواة والعديد من الحقوق المشروعة للشعب الاردني، وكل ذلك تم دون ثورات أو مطالبات ملحة.

أما قانون المحكمة الدستورية لسنة 2012 فإن له ما له من هالة القدسية، فقد ولد فعلا نتيجة لمطالبة جماهيرية حثيثة، سبقها احتقان شعبي للمطالبة بتعديلات دستورية جذرية شملت العديد من البنود وكان على رأسها اقرار الحق للأردنيين بأن يكون لهم محكمة دستورية في بلادهم بعد اقصاء طويل، وهذا ما كان؛ حيث شمل دستور المملكة الاردنية بصيغته المعدلة لسنة 2011 فصلا خاصا بالمحكمة الدستورية وحمل هذا الفصل اسم الفصل الخامس ويتكون من أربعة مواد وفقا للترتيب التالي: المادة 58 و59 و60 و61

إن المواد الاربع سالفة الذكر قد حددت أطرا عامة لإنشاء المحكمة الدستورية تناولت اختصاصاتها وتشكيلها وطبيعة القرارات الصادرة عنها والجهات صاحبة الحق بالطعن المباشر لدى المحكمة، وتجنبا لاطالة التمهيد فسوف يتم تناول هذه الاطر تبعا لدرستنا حول قانون المحكمة الدستورية.

الفرع الثاني: نشأة المحكمة الدستورية وطبيعتها القانونية:
نشأت المحكمة الدستورية في الاردن سندا لنص المادة 58 من الدستور وبموجب قانون خاص يستند في تشريعه للدستور مباشرة، حيث تم اقرار قانون المحكمة الدستورية رقم 15 لسنة 2012 وتم نشره على الصفحة 2519 من عدد الجريدة الرسمية رقم 5161 وذلك بتاريخ 2012/6/7.

وقد نصت المادة الاولى من قانون المحكمة الدستورية على أنه يعمل بالقانون بعد مرور مائة وعشرين يوما على تاريخ نشره في الجريدة الرسمية، وعليه فإن تاريخ العمل بقانون المحكمة الدستورية يكون تحديدا في 6/10/2012

أما من ناحية الطبيعة القانونية للمحكمة فإنها ذات طبيعة قانونية خاصة كما تعتبر هيئة قضائية مستقلة وقائمة بذاتها وفقا لنص المادة 58 من الدستور، وقد حدد قانون المحكمة الدستورية لسنة 2012 ملامح الاستقلالية التي تتمتع به المحكمة حيث أن المادة الثالثة من القانون نصت على أن المحكمة تتمتع بشخصية اعتبارية وباستقلال مالي وإداري، وبذلك فإن للمحكمة الصفة بتملك الاموال المنقولة وغير المنقولة والقيام بجميع التصرفات القانونية اللازمة لاداء مهامها، مما يعني بطبيعة الحال أهلية المحكمة كمؤسسة للتقاضي سواء كانت مدعية أم مدعى عليها، وينوب عنها في الاجراءات القضائية المحامي العام المدني.

إن الاستقلالية الادارية والمالية والقضائية التي تتمتع بها المحكمة الدستورية من شأنه ان يؤمن لها أقصى درجات الشفافية بحيث يحقق لها الانعتاق من التبعية لأي مؤسسة حكومية أو اي ادارة أخرى، وعلى ذلك فإننا كنا نتمنى تطبيق ذلك النموذج من الاستقلالية على كافة الجهاز القضائي في المملكة والذي ما زال يتبع ماليا لوزارة العدل بالاضافة لعدة أوجه اخرى من التبعية غير المباشرة كالنقض بأمر خطي الذي يتم بموافقة وزير العدل على سبيل المثال، خاصة أن الدستور المعدل لسنة 2011 قد تضمن في المادة 27 منه أن السلطة القضائية مستقلة تتولاها المحاكم على اختلاف انواعها ودرجاتها وتصدر جميع الاحكام وفق القانون باسم الملك .

الفرع الثالث: اختصاصات المحكمة الدستورية:
حددت المادة 59 من الدستور اختصاصات المحكمة الدستورية كما اقرت المادة 4 من قانون المحكمة الدستورية هذه الاختصاصات، بحيث تختص المحكمة بأمرين، الأول يتمثل بالرقابة على دستورية القوانين والأنظمة النافذة، والثاني فإنه يتمثل بتفسير نصوص الدستور.

أولا : الرقابة على دستورية القوانين والأنظمة النافذة:

يلاحظ هنا ان الدستور الاردني وقانون المحكمة الدستورية قد حصر اختصاص المحكمة بالرقابة على دستورية القوانين والأنظمة النافذة، وعليه وبمفهوم المخالفة فإن المحكمة لا تكون مختصة بنظر الطعون الدستورية حول مشاريع القوانين أو حول القوانين والأنظمة غير النافذة والتي لم تدخل حيز التطبيق بعد، وعليه فإنه ولغايات الطعن بأي قانون أو نظام لا بد أن يكون قد استوفى مراحله التشريعية حتى نشره في الجريدة الرسمية واستحقاق موعد سريانه المحدد بمتن ذلك القانون او النظام.
والجدير بالذكر أن الأردن سوف يكون على موعد قريب لتساؤلات عدة حول صلاحية المحكمة الدستورية في الرقابة على المعاهدات والاتفاقيات الدولية، وللحقيقة فإن هذا التساؤل بحد ذاته هو مثار بحث مستقل، ولكن ولغايات شمولية هذه الدراسة فإنه سوف يتم رسم ملامح الاجابة على هذا التساؤل قدر الامكان.

أ‌- رقابة المحكمة الدستورية على المعاهدات والاتفاقيات الدولية:

1. الرقابة الدستورية على قانون تصديق المعاهدة

لغايات الاجابة على هذا المبحث فإنه لا بد لنا من التفريق ما بين المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي تعقدها الاردن مع الدول أو المؤسسات والمنظمات الدولية الخارجية وما بين قانون التصديق على هذه المعاهدة.

حيث يمكن استخلاص تعريف المعاهدة الدولية من نص المادة الثانية الفقرة (أ) من اتفاقية فينا التي تنص على أن : (المعاهدة تعني اتفاق دولي يعقد بين دولتين أو أكثر كتابة ويخضع للقانون الدولي سواء في وثيقة واحدة أو أكثر ، وأيا كانت التسمية التي تطبق عليه).

أما قانون التصديق على المعاهدة ، فهو قانون داخلي يصدر سندا لنص المادة 31 من الدستور بعد مروره بمراحله الدستورية والتشريعية من موافقة مجلس الامة عليه وحتى نشره في الجريدة الرسمية واستحقاق موعد سريانه.

وعليه فإن قانون التصديق على المعاهدة – أياً كانت هذه المعاهدة – فإنه كأي قانون داخلي يخضع حتما لرقابة المحكمة الدستورية وذلك في تدقيق مدى دستوريته، وعليه فإن أي قانون يصدر بالتصديق على معاهدة ما فإنه خاضع للطعن به أمام المحكمة الدستورية مثله مثل أي قانون آخر.

2- الرقابة الدستورية على المعاهدات الدولية

عند الحديث عن مدى صلاحية المحكمة الدستورية بالرقابة على المعاهدات الدولية التي يصادق عليها الأردن، فنكون عندها أمام حالة لبس قانونية، حيث أن نص المادة 59 من الدستور والمادة 4 من قانون المحكمة الدستورية قد نصا على أن الرقابة الدستورية تكون على القوانين والأنظمة النافذة، وهنا يثور التساؤل عن ما اذا سوف تعامل المعاهدات الدولية المصادق عليها من قبل الاردن معاملة القوانين الداخلية ، أم أن المحكمة الدستورية سوف تنأى بنفسها عن الرقابة على دستورية هذه المعاهدات.
حيث أن نص المادة 59 من الدستور والمادة 4 من قانون المحكمة الدستورية قد حصرا اختصاص رقابة المحكمة الدستورية على القوانين والأنظمة النافذة فقط، فهل ستعامل المعاهدة الدولية معاملة القوانين النافذة !

الاجابة تكمن بتوضيح كافة التوجهات المحتملة وتقسم هذه التوجهات إلى قسمين وفقا لما يلي:

التوجه الاول:
قد تنظر المحكمة في الطعن المقدم في دستورية المعاهدة بدون اي اشكاليات تذكر ودون اثارة أية موانع شكلية، وبذلك فإن المحكمة هنا سوف تعامل هذه المعاهدات معاملة القوانين النافذة وبصورة تلقائية، ونحن مع هذا التوجه خاصة أن قانون التصديق على المعاهدة – والذي يعتبر قانونا داخليا- مما يعني أنه خاضع بطبيعة الحال لرقابة المحكمة الدستورية، وبالتالي وحيث ان قانون التصديق ذاته خاضع للرقابة الدستورية مما يعني خضوع المعاهدة المصادق عليها بموجب هذا القانون للرقابة ايضا.
إن هذا التوجه يمكن دعمه من خلال النصوص الواردة في قانون التصديق على المعاهدة المطعون بها، خصوصا أن كافة قوانين المصادقة على المعاهدات تتكون غالبا من 3 مواد، وعادة ما تنص المادة الثانية على اعتبار الاتفاقية أو المعاهدة الملحقة بالقانون صحيحة ونافذة لجميع الغايات المتواخاة منها، كما يدعم هذا التوجه استخدام المشرع لعبارات تفيد أن المعاهدة المعنية هي جزء من القانون، وبالتالي وحيث أن القانون نفسه خاضع للرقابة مما يعني أن تلك المعاهدة التابعة له تخضع للرقابة الدستورية تبعا للأصل.

ومثال ذلك نص المادة 3 من قانون انهاء معاهدة التحالف الاردنية البريطانية رقم 6 لسنة 1957 والتي نصت على ( يعتبر الكتابان المتبادلان بين وزير الخارجية الاردنية وبين السفير البريطاني والاتفاق المالي الملحق بهما المرفقين بهذا القانون جزءا متمما له )[1]
مما سبق يتضح لنا انه وبنص القانون تعتبر المعاهدة جزءً لا يتجزأ من التشريع الداخلي، لا بل ان المعاهدة تعتبر قانونا داخليا وتعامل معاملة القانون الذي صادق عليها، وعليه فإن المحكمة الدستورية تكون مختصة بفرض رقابتها على هذه المعاهدات.
وإن كان ما ذكرناه سابقا يؤيد فرض رقابة المحكمة الدستورية على المعاهدات باعتبارها جزء من القانون والتشريع الداخلي، فإن الاجتهاد القضائي قد استقر في العديد من قراراته على أن المعاهدة وإن كانت تقدم عند التعارض على القانون الداخلي إلا أنها وبأي حال من الاحوال لا يمكن ان تسمو على الدستور، واستقر القضاء الاردني على الامتناع عن تطبيق اية معاهدة غير دستورية، وبذلك يمكن القول بان القضاء الاردني قد عرف نوعا خاصا من الرقابة الدستورية على المعاهدات وتتلخص هذه الرقابة بالامتناع عن التطبيق فقط دون أن يرتب أثارا قانونية توازي حكم المحكمة الدستورية صاحبة الصلاحية بالحكم بعدم دستورية المعاهدة وما يترتب على ذلك من اثار قانونية سوف يتم تفصيلها لاحقا.
إن الاخذ بهذا التوجه وهذا ما نصبوا اليه، سوف يتطلب بطبيعة الحال ان تكون المعاهدة مستوفية لشرط النفاذ الذي تطلبته المادتين 59 من الدستور والرابعة من قانون المحكمة الدستورية، وذلك يتحقق بنفاذ المعاهدة المطعون بدستوريتها داخليا، فلا يكفي للطعن بدستورية المعاهدة مجرد توقيع الاردن عليها، لا بل يجب أن تخضع هذه المعاهدة للاطر القانونية من مصادقة ونشر في الجريدة الرسمية ومن ثم استحقاق تاريخ نفاذها وفقا لقانون المصادقة عليها، وبذلك تعتبر المعاهدة نافذة وقابلة للتطبيق داخل اراضي المملكة الاردنية الهاشمية وبالتالي يمكن عندها الطعن بدستوريتها وفقا للأطر المحددة بموجب القانون.

التوجه الثاني:
نفترض هنا وفي هذا التوجه أن تحتجب المحكمة الدستورية عن التصدي لدستورية المعاهدات، وان تقيد نفسها بحرفية نص المادة 4 من قانون المحكمة الدستورية ونص المادة 59 من الدستور، والتي حصرت اختصاص المحكمة بالرقابة على دستورية القوانين والانظمة النافذة، وبذلك قد تتمترس المحكمة الدستورية بأن المعاهدة لا تدخل ضمن مفهوم القانون والانظمة المذكورين في نص الدستور، وهذا ما قد يحرم النظام القضائي الأردني من حق الرقابة على دستورية المعاهدات.
الجدير بالذكر أن تبني هذا التوجه قد يتطلب من المحكمة الدستورية قبل ذلك ان تصدر قرارا تفسيريا لنص المادة 59 من الدستور؛ للفصل فيما اذا كانت المعاهدة تدخل ضمن نطاق “القوانين” المذكورة في نص المادة 59، أم أنها لا تعتبر ذلك، فإن كانت نتيجة التفسير هو شمول نص المادة 59 للمعاهدات فهذا سوف يعيدنا للتوجه الاول وبالتالي خضوع المعاهدات لرقابة المحكمة الدستورية، أما في حال ذهبت المحكمة الدستورية إلى غير ذلك واعتبرت ان لفظة “القوانين” المذكورة في المادة لا تشمل المعاهدات فإن ذلك سوف يقودنا للتوجه الثاني والذي يعني أن المحكمة الدستورية قد حجبت نفسها عن النظر في مدى دستورية المعاهدات.
وهنا قد يثور تساؤل في حال تبني المحكمة الدستورية لهذا التوجه عن مدى صلاحية المحاكم الاخرى بالامتناع عن تطبيق معاهدة كما كان الحال قبل التعديل الدستوري لسنة 2011، وهنا نرى أنه وفي ظل عدم استحداث نص مقيد فإن الاجتهاد القضائي يجب أن يبقى على حاله بحيث يجب أن تمتنع المحاكم الاردنية عن تطبيق اية معاهدة مخالفة للدستور وفقا لما استقر عليه الاجتهاد القضائي.

التوجه الثالث:
نفترض في هذا التوجه أن تُخضع المحكمة الدستورية بعض المعاهدات لرقابتها وتحتجب عن رقابة البعض الاخر، ويقتضي هذا التوجه أن تفرق المحكمة الدستورية ما بين المعاهدات والاتفاقيات كما فرق سابقا المجلس العالي لتفسير الدستور، وتفصيل ذلك كما يلي:
عند تناول هذه النقطة الهامة في دراستنا، فإنه لا بد لنا من التعرض لنص المادة 33 من الدستور الاردني والتي نصت على:

“1. الملك هو الذي يعلن الحرب ويعقد الصلح ويبرم المعاهدات والاتفاقات .
2. المعاهدات والاتفاقات التي يترتب عليها تحميل خزانة الدولة شيئا من النفقات او مساس في حقوق الاردنيين العامة او الخاصة لا تكون نافذة الا اذا وافق عليها مجلس الامة ولا يجوز في أي حال ان تكون الشروط السرية في معاهدة او اتفاق ما مناقضة للشروط العلنية”

وعليه وسندا لنص المادة 33 من الدستور سالفة الذكر فإن النظام القانوني الأردني قد استقر على مبدأ التفريق ما بين المعاهدة والاتفاقية، حيث أن القرار التفسيري رقم 1 لسنة 1962[2] والصادر عن المجلس العالي لتفسير الدستور قد فرق ما بين لفظتي المعاهدة والاتفاقية، وقد خلص القرار إلى أن لفظة (معاهدات) الواردة في متن الدستور إنما تنصرف إلى معنى خاص بالاتفاقات الدولية الهامة ذات الطابع السياسي كمعاهدات الصلح ومعاهدات التحالف وما شابهها. اما ما تبرمه الدول في غير الشؤون السياسية فقد اصطلح الفقه الدولي على تسميته بالاتفاقية او الاتفاق، ولهذا فان الاتفاقات المعنية في هذه المادة هي الاتفاقات التي يكون طرفاها دولتان او اكثر وتتعلق بغير الشؤون السياسية .

كما ذهب القرار التفسيري إلى أن الاتفاقات المالية التي تبرمها الدولة مع أي شخص طبيعي او معنوي كالبنوك والشركات مثلا فهي غير مشمولة بحكم هذه المادة ولا يحتاج نفاذها الى موافقة مجلس الامة ولو كانت هذه الاتفاقات تحمل الخزانة شيئا من النفقات

وبناء على ما تقدم، وحيث أن النظام التشريعي الاردني قد فرق ما بين الاتفاقية والمعاهدة وقد جعل من بعض المعاهدات والاتفاقات التي يترتب عليها تحميل خزينة الدولة شيئا من النفقات او مساس في حقوق الاردنيين خاضعة لرقابة مجلس الامة، فإن السؤال الذي يثور هنا، هل الاتفاقيات والمعاهدات الدولية والتي صادق عليها الاردن على اختلاف أنوعها وسواء كانت تشترط موافقة مجلس الامة أم لا، فهل تعتبر خاضعة لرقابة المحكمة الدستورية ؟

وبناء على ذلك وعلى فرض أن المحكمة الدستوري قد اخضعت المعاهدات الدولية لرقابتها وفقا لما تم تبيانه سابقا في التوجه الاول، فإنه قد يثور اشكال أمام المحكمة في إمكانية الرقابة على جميع أنواع المعاهدات والاتفاقيات، حيث أن المحكمة قد تفرق ما بين المعاهدات والاتفاقيات التي تخضع لموافقة مجلس الامة وما بين تلك التي لا تحتاج لمثل هذه الموافقة، وقد تخضع المحكمة الدستورية المعاهدات التي تتطلب موافقة مجلس الامة للرقابة، وقد تحتجب عن رقابة ما عدا ذلك من اتفاقيات ومعاهدات بحجة عدم حاجة تصديقها من قبل مجلس الامة وبالتالي عدم المصادقة عليها بموجب قانون خاص مما قد يعني عدم شمولها بنص المادة 59 من الدستور، ويبقى هذا التوجه وهذا التساؤل معلقا لحين مباشرة المحكمة الدستورية لمهامها واثارة هذه الاحتمالات امامها.

ثانيا: اختصاص المحكمة بتفسير نصوص الدستور:

نصت المادة 4/ب من قانون المحكمة الدستورية على منح المحكمة الحق بتفسير نصوص الدستور، ولكن ممارسة هذا الحق ليس مطلقا ولا يخضع للتقدير الذاتي للمحكمة الدستورية، وعليه فإن المحكمة الدستورية لا تملك حق التصدي للنصوص الدستورية وتفسيرها من تلقاء نفسها، بل يتوقف ممارسة المحكمة لهذا الاختصاص التفسيري على طلب خاص بالتفسير صادر عن مجلس الوزراء أو بقرار يتخذه أحد مجلسي الأمة بالأغلبية.
وبذلك فإن اختصاص المحكمة بتفسير الدستور هو اختصاص محدود وذو سقف لا يتعدى حدود ما ذكر في طلب التفسير الصادر عن مجلس الوزارء أو القرار المتخذ من أحد مجلسي الامة بالاغلبية، وهنا يمكن طلب التفسير بموجب قرار صادر عن مجلس النواب منفردا أو مجلس الاعيان منفردا، ويشترط لذلك أن يصدر القرار بالاغلبية، وسندا لنص المادة 84 من الدستور فإن الاغلبية في هذه الحالة تكون الاغلبية المطلقة، أي بأكثرية أصوات الاعضاء الحاضرين في الجلسة، والتي لا بد لانعقادها أن تكون جلسة قانونية مكتملة النصاب بحضور الاغلبية المطلقة للأعضاء المكونين للمجلس.
كما أن المحكمة تكون مقيده بحدود ما طُلب تفسيره من نصوص في متن القرار الصادر عن احد مجلسي الامة أو الطلب الصادر عن مجلس الوزارء، بحيث لا يمكن الاستطراد في التفسير ليشمل نصوصا لم يرد طلبا خاصا بتفسيرها.
من ناحية اخرى وإن كانت المحكمة الدستورية مختصة في الرقابة على دستورية الانظمة والقانونين إلا أنها غير مختصة بتفسيرها، حيث أن قانون المحكمة ونص الدستور قد حصر اختصاص المحكمة التفسيري بتفسير نصوص الدستور فقط، وذلك لا يشمل القوانين والأنظمة الاخرى التي ينعقد صلاحية تفسيرها للديوان الخاص بتفسير القوانين سندا لنص المادة 123 من الدستور.
إن نفاذ قانون المحكمة الدستورية يعني بطبيعة الحال انهاء عهد المجلس العالي لتفسير الدستور والذي يلغى حكما حال وضع قانون المحكمة الدستورية موضع التنفيذ، وذلك سندا لنص المادة 122 من الدستور

الفرع الرابع: تشكيل المحكمة الدستورية:

أولا: عدد الاعضاء:

سندا لنص المادة 58 من الدستور تتألف المحكمة الدستورية من تسعة أعضاء على الأقل من بينهم الرئيس يعينهم الملك، وبذلك فإنه من الجائز دستوريا أن يزيد عدد اعضاء المحكمة عن تسعة اعضاء، وهذا ما يُمكن تصوره عند الاطلاع على نص المادة الخامسة من قانون المحكمة الدستورية والتي حددت عدد اعضاء المحكمة بتسعة اعضاء بمن فيهم الرئيس عند نفاذ احكام القانون، إلا أن نص الفقرة الثانية من نص المادة 5 يضيف لهذا العدد ثلاثة أعضاء آخرين يجب تعينهم كل سنتين من تاريخ تعيين الأعضاء التسعة عند ابتداء نفاذ القانون، وعليه فمن المتوقع أن يصل عدد اعضاء المحكمة الدستورية إلى 15 عضوا خلال اربع سنوات ليبدأ العدد بالتقلص والرجوع إلى تسعة اعضاء مرة أخرى عند حلول السنة السادسة، أي عند انتهاء مدة العضوية للاعضاء التسعة الذين عُينوا عند نفاذ أحكام القانون.
وبذلك يمكن اكتشاف أن عدد اعضاء المحكمة الدستورية لا يمكن أن يقل عن تسعة اعضاء بموجب نص المادة 58 من الدستور، ولا يمكن أن يزيد عن 15 عضوا سندا لنص المادة الخامسة من قانون المحكمة الدستورية.

ثانيا: مدة العضوية:

حددت المادة 58 من الدستور مدة العضوية في المحكمة الدستورية بست سنوات غير قابلة للتجديد، وعليه فإن ولاية العضو هي ست سنوات فقط لا غير، وهنا قد يثور التساؤل حول مدى امكانية تجزيء السنوات الست ، فهل من الممكن تعيين العضو لمدة ثلاث سنوات فقط، ومن ثم تستكمل السنوات الثلاث الاخرى في وقت آخر ! ، وللاجابة على هذا السؤال لا بد من التمعن في نص المادة الخامسة من قانون المحكمة الدستورية والتي نصت في الفقرة (أ) منها على أن “يعين الملك الرئيس والأعضاء لمدة ست سنوات غير قابلة للتجديد…” ولا بد من ربط هذه الفقرة بنص الفقرة (ج) والتي نصت على: “لا يجوز انتداب العضو أو اعارته أو تكليفه بالعمل لدى أي جهة طيلة مدة عضويته في المحكمة”
وهنا وعند الاطلاع بشكل مجمل ومتصل على هاتين الفقرتين نرى ان التعيين ابتداءً يجب أن يكون لمدة ست سنوات ، وخلال هذه السنوات الست لا يجوز انتداب العضو أو اعارته أو تكليفه بالعمل لدى أي جهة، مما يعني أنه لا يجوز اقتطاع مدة العضوية أو تجزيئها، وان استقالة اي من الاعضاء قبل انتهاء مدته يعني استنفاذ حقه بباقي المدة ولا يجوز ارجاعه بعد ذلك لاستكمال ما تبقى منها.

ثالثا: شروط العضوية:

حددت المادة السادسة من قانون المحكمة الدستورية الشروط الواجب توافرها في عضو المحكمة الدستورية وهي كما يلي:

1. أن يكون أردنياً ولا يحمل جنسية دولة أخرى.
2. أن يكون قد بلغ الخمسين من العمر .
3. أن يكون من أي من الفئات التالية:
‌أ- ممن خدموا قضاة في محكمتي التمييز والعدل العليا.
‌ب- من أساتذة القانون في الجامعات الذين يحملون رتبة الأستاذية.
‌ج- من المحامين الذين أمضوا مدة لا تقل عن خمس عشرة سنة في المحاماة.
كما يجب أن يكون أحد أعضاء المحكمة من المختصين الذين تنطبق عليهم شروط العضوية في مجلس الأعيان على أن يكون قد بلغ الخمسين من العمر.

إن هذه الشروط مستقاة من نص المادة 61/ج من الدستور والتي نصت على:
“أن يكون ممن خدموا قضاة في محكمتي التمييز والعدل العليا أو من أساتذة القانون في الجامعات الذين يحملون رتبة الأستاذية أو من المحامين الذين أمضوا مدة لا تقل عن خمس عشرة سنة في المحاماة ومن أحد المختصين الذين تنطبق عليهم شروط العضوية في مجلس الأعيان”

ونلاحظ هنا أن الدستور وقانون المحكمة الدستورية قد ضمنا مقعدا في عضوية المحكمة الدستورية لأحد المختصين الذين تنطبق عليهم شروط العضوية في مجلس الاعيان على أن يكون قد بلغ الخمسين من العمر ، حيث أن نص المادة 61/ج قد فصل بين الشرط والاخر بأو التخيير، باستنثاء الجملة الاخيرة التي سُبقت بواو، والتي تفيذ اللزوم، مما استدعى بالمشرع في قانون المحكمة الدستورية أن يوجب تعيين أحد اعضاء المحكمة من المختصين الذين تنطبق عليهم شروط العضوية في مجلس الأعيان

وبالرجوع لنص المادة 64 و75 من الدستور نجد أن شروط العضو في مجلس الاعيان هي:
1. أن يكون أردنياً ولا يحمل جنسية دولة أخرى.
2. أن لا يكون محكوماً عليه بالافلاس ولم يستعد اعتباره قانونياً .
3. أن لا يكون محجوراً عليه ولم يرفع الحجر عنه .
4. أن لا يكون محكوما عليه بالسجن مدة تزيد على سنة واحدة بجريمة غير سياسية ولم يعف عنه .
5. أن لا يكون مجنوناً او معتوهاً .
6. أن لا يكون من اقارب الملك في الدرجة التي تعين بقانون خاص .
7. أن يكون من رؤساء الوزراء والوزراء الحاليون والسابقون ومن اشغل سابقاً مناصب السفراء والوزراء المفوضين ورؤساء مجلس النواب ورؤساء وقضاة محكمة التمييز ومحاكم الاستئناف النظامية والشرعية والضباط المتقاعدون من رتبة امير لواء فصاعداً والنواب السابقون الذين انتخبوا للنيابة لا اقل من مرتين ومن ماثل هؤلاء من الشخصيات الحائزين على ثقة الشعب واعتماده باعمالهم وخدماتهم للامة والوطن .

كما يجب على من يُعين عضوا في المحكمة الدستورية أن يؤدي القسم التالي أمام الملك:
“اقسم بالله العظيم أن أكون مخلصاً للملك والوطن، وأن أحافظ على الدستور وأن أخدم الأمة وأقوم بالواجبات الموكولة إلي بأمانة”.
من ناحية أخرى فقد اشترطت المادة الثامنة من قانون المحكمة الدستورية على العضو التفرغ الكامل لاعمال المحكمة، بحيث لا يجوز له أن يكون عضو المحكمة موظفاً في القطاع العام أو الخاص كما لا يجوز له اشغال أي منصب لدى أي منهما أو ممارسة أي عمل أو نشاط تجاري، كما لا يجوز له أن يكون عضوا في مجلس ادارة أي شركة أو هيئة مديريها أو رئيساً أو عضواً في مجلس ادارة أو مجلس أمناء أي مؤسسة عامة أو خاصة أو ان يقوم باي عمل لصالح أي جهة مهما كانت صفتها أو أن يكون منتسبا لأي حزب، كما يخضع عضو المحكمة الدستورية لأحكام قانون إشهار الذمة المالية.

الفرع الخامس: اصحاب الحق في الطعن

أولا: الطعن المباشر:

حددت المادة 60/1 من الدستور والمادة التاسعة من قانون المحكمة الدستورية الجهات صاحبة الحق بالطعن المباشر لدى المحكمة الدستورية في دستورية القوانين والأنظمة النافذة، إن هذه الجهات قد وردت على سبيل الحصر وهي كما يلي:

أ. مجلس الأعيان.
ب. مجلس النواب
ج. مجلس الوزراء.

وبناءً على ذلك واذا ما قررت احدى الجهات المحددة الطعن في دستورية قانون او نظام فلا بد أن يقدم الطعن لدى المحكمة الدستورية بطلب موقع من رئيس الجهة الطاعنة وفقا لما سيتم بيانه عند تفصيل اجراءات الطعن لدى المحكمة الدستورية.

ثانيا: الطعن غير المباشر:

منحت المادة 60/2 من الدستور الحق باثارة طعن غير مباشرة بعدم دستورية أي من القوانين والانظمة، ويقصد بهذا الطعن غير المباشر اي الذي لا يقدم مباشرة من خلال اصحاب الحق بالطعن والمحصورين حصرا بالمادة 60/1 من الدستور وهم مجلس الوزارء ومجلسي النواب والاعيان.

إن اقرار الطعن غير المباشر بدستورية القوانين والانظمة هو حق من الممكن ممارسته من قبل أصحاب المصلحة في اي من الدعاوى المنظورة أمام المحكمة، حيث أجازت المادة 60/2 من الدستور لأي من اطراف الدعوى اثارة الدفع بعدم الدستورية وعلى المحكمة التدقيق بمدى جدية الدفع ، وهنا فقد منح الدستور الصلاحية للمحاكم النظامية بتقدير مدى جدية الدفع بعدم دستورية اي من القوانين والانظمة، وبذلك يمكن لنا تجاوزا تسمية هذا النوع من الطعن بالطعن غير المباشر، حيث أنه يتعين على الطاعن أن يكون ابتداءً طرفا في دعوى منظورة لدى المحاكم، وعليه أن يثير الدفع بعدم الدستورية، وللمحكمة بعد ذلك البت في مدى جدية هذا الدفع، وإذا ما اقتنعت بهذا الدفع تحيله عندئذ إلى المحكمة التي يحددها القانون لغايات البت في أمر إحالته إلى المحكمة الدستورية وفقا لما سيتم بيانه عند تفصيل اجراءات الطعن.

الفرع السادس: اجراءات الطعن

أولا: اجراءات الطعن المباشر:

عند الرجوع للمادة التاسعة من قانون المحكمة الدستورية نجد أنها قد حددت اصول معينة للطعن بعدم دستورية اي من القوانين والانظمة، إن هذه الاصول الاجرائية مقتصرة فقط على اصحاب الطعن المباشرة من مجلس الوزراء أو مجلسي النواب والاعيان، في حين يتبع اصول مغايرة عند تقديم دفع عدم الدستورية من قبل اصحاب المصلحة في الدعاوى المنظورة لدى المحاكم العادية، ونبين فيما يلي اجراءات الطعن المباشر بعدم دستورية القوانين والانظمة:

1. يقدم الطعن المباشر من قبل أي من:
‌أ- مجلس الاعيان.
‌ب- مجلس النواب.
‌ج- مجلس الوزراء.

2. يلزم لتقديم الطعن من قبل مجلس الوزراء صدور قرار بهذا المقتضى من قبل المجلس، ويقدم الطعن لدى المحكمة الدستورية بعد توقيعه من قبل رئيس الوزارء.

3. عند تقديم الطعن من قبل اي من مجلسي النواب والاعيان، فلا بد أولا من التصويت المجلس على القرار والحصول على موافقة الاغلبية، ومن ثم يقدم قرار الطعن للمحكمة الدستورية بعد التوقيع عليه من قبل رئيس مجلس النواب أو الاعيان بحسب طبيعة الحال.

4. يجب أن يتضمن الطعن المقدم من قبل احد الجهات السابقة المعلومات التالية:
‌أ- اسم القانون أو النظام المطعون فيه
‌ب- رقم القانون أو النظام المطعون فيه
‌ج- نطاق الطعن بصورة واضحة ويلزم لذلك تحديد فيما اذا كان الطعن منصبا على القانون أو النظام بشكل كامل أم أنه ينصب على مادة واحدة معينة أو على أكثر من مادة، وقد يكون الطعن منصبا على جزء من مادة أو فقرة من فقراتها.
‌د- وجه مخالفة القانون او النظام للدستور، وبذلك يجب ان يكون الطعن مسببا، ومبينا في متنه أوجه الطعن مع تفصيل المواد الدستورية التي يخالفها القانون أو النظام، فلا يقبل مجرد الطعن العام بعدم الدستورية، وعلى ذلك يجب أن يذكر في قرار الطعن أن المادة المطعون بها تخالف النصوص الدستورية ذات العلاقة مع ذكر هذه النصوص بشكل مباشر وواضح ومن ذلك توضيح رقم المادة الدستورية المستند اليها في تقديم الطعن.
‌ه- توقيع رئيس الجهة الطاعنة وفقا لما تم بيانه.

5. بعد تقديم طعن من قبل أحد الجهات الطاعنة يتوجب على رئيس المحكمة ارسال نسخة من هذا الطعن إلى كل من رئيسي الجهتين الاخريين، وعليه لو افترضنا أنه قد تم تقديم طعن للمحكمة الدستورية من قبل مجلس النواب فعلى رئيس المحكمة ارسال نسخة من الطعن لكل من رئيسي مجلس الوزراء والاعيان ليتسنى لهما الرد على الطعن المقدم، وهكذا لو قدم الطعن من قبل مجلس الوزراء فلا بد من تزويد مجلسي النواب والاعيان بنسخة عن الطعن، وبطبيعة الحال لا بد من ارسال نسخة من الطعن المقدم لكل من رئيسي مجلس النواب والوزراء في حال كان الطعن مقدما من قبل مجلس الاعيان.

6. يحق لأي من الجهتين الاخريين اللتين لم تطعنا بدستورية القانون أو النظام أن تقدما للمحكمة ردا على الطعن خلال عشرة ايام من تاريخ تسلمهما نسخة الطعن، وفي حال لم يتم تقديم الرد خلال المدة يتعين عندها عدم قبول الرد شكلا لتقديمه خارج المدة القانونية

7. على المحكمة الدستورية أن تفصل بالطعن المقدم خلال مدة لا تتجاوز مائة وعشرين يوماً، وتبدأ هذه المدة من تاريخ ورود الطعن للمحكمة وليس من تاريخ تقديم الرد عليه.

ثانيا: اجراءات الطعن غير المباشر:

إن جميع ما سبق بيانه من اجراءات الطعن بعدم دستورية أي من القوانين والانظمة هي اجراءات خاصة بالطعون المباشرة التي تقدم من قبل اي من مجلسي النواب أو الاعيان أو مجلس الوزراء، ولا تنطبق هذه الاصول على اجراءات الطعن غير المباشر التي تثار بموجب دفع يقدمه أي من فرقاء الدعاوى المنظورة لدى المحاكم وفقا للأصول المحددة بموجب المادتين 11 و 12 من قانون المحكمة الدستورية

بحيث يحق للأشخاص العاديين سواء كانوا اشخاصا طبيعين أو اعتباريين أن يطعنوا بعدم دستورية قانون أو نظام، إلا أن هذا الطعن يقدم بشكل غير مباشر للمحكمة الدستورية، إن هؤلاء الاشخاص وهذه الطعون لا تعامل معاملة الطعون المقدمة من قبل اي من مجالس الوزراء والنواب والاعيان، بل إن الطعون الدستورية المقدمة من غير الجهات المحددة حصرا تخضع لشروط ومتطلبات خاصة وفيما يلي بيانها:

1. الطعن غير المباشر يكون تبعا لدعوى منظورة:
ويقصد بذلك أن الطعن بهذه الطريقة لا يقدم مباشرة للمحكمة الدستورية، كما لا يقدم للمحاكم العادية بصفة مستقلة عن المنازعات المنظورة أمامها، وبناءً على ذلك وحتى نتمكن من الطعن بعدم دستورية قانون او نظام معين فلا بد أن نفترض عدة شروط لا بد من توافرها وهي:

‌أ- وجود نزاع قائم فعليا بموجب دعوى منظورة أمام المحاكم، وعليه وحتى نتمكن من اثارة الدفع بعدم دستورية قانون أو نظام لا بد أولا من وجود قضية متنازع عليها أمام المحاكم، وقد تكون هذه القضية حقوقية أو جزائية أو شرعية أو إدارية أو اي موضوع أخر ما زال ينظر أمام المحاكم، وهنا لا يتصور تقديم طعن بعدم دستورية قانون أو نظام في قضية قطعية بل لا بد من أن يثار دفع عدم الدستورية أمام المحكمة في قضية تنظر أمامها وفي نفس الموضوع المنظور.

‌ب- ارتباط موضوع النزاع المنظور أمام المحكمة بالقانون أو النظام المطعون فيه، وعليه لا يجوز تقديم طعن بعدم دستورية قانون أو نظام لا يتعلق بموضوع الدعوى كالطعن مثلا بعدم دستورية قانون محكمة العدل العليا أمام محكمة حقوقية وبموضوع لا يتصل بذلك القانون، وبذلك يجب أن يكون الطعن منصبا على قانون أو نظام مؤثر في نتيجة الدعوى وواجب التطبيق على موضوعها.

2. يثار الدفع بعدم دستورية قانون او نظام من قبل أطراف الدعوى:
وعليه لا يحق للمحكمة اثارة هذا الدفع من تلقاء نفسها، كما لا يحق لغير الخصوم في الدعوى من اثارة هذا الدفع، وعليه لا بد من توافر شرط الخصومة بكون مثير الدفع طرفا في الدعوى، ويتحقق هذا الشرط بكون مثير الدفع مدعيا أو مدعى عليه أو مشتكيا أو مشتكى عليه أو مستأنفا أو مستأنف ضده أو مميزا أو مميز ضده، وقد يكون مثير الدفع متدخلا بالدعوى أو مُدخلا فيها أو معترضا بموجب دعوى اعتراض الغير، وبكل تلك الحالات يكون مثير الدفع طرفا في الدعوى وذو مصلحة باثارة الدفع بعدم الدستورية.

3. تقديم الدفع بعدم الدستورية:

‌أ- إن الدفع المقدم من قبل الخصوم في الدعوى بعدم الدستورية هو دفع من النظام العام، لذلك من الممكن اثارته في اي مرحلة من مراحل الدعوى، وعليه فمن الممكن اثارة هذا الدفع في مرحلة الاستئناف او التمييز

‌ب- يتم الدفع بعدم الدستورية بموجب مذكرة مقدمة من قبل الطاعن الى المحكمة التي ينظر أمامها النزاع.

‌ج- يجب أن تتضمن مذكرة الدفع بعدم الدستورية ما يلي:
– اسم الطاعن
– اسم القانون او النظام الذي اثير الدفع بعدم دستوريته ورقمه
– نطاق الدفع بصورة واضحة ومحددة، ويتحدد ذلك بذكر المادة المطعون بعدم دستوريتها أو الفقرة من المادة.
– ما يؤيد الادعاء بان ذلك القانون او النظام واجب التطبيق على موضوع الدعوى، كأن يكون النزاع يتعلق بقضية عمالية وموضوع الطعن ينصب على قانون العمل.
– وجه مخالفة القانون أو النظام للدستور، ويكون ذلك ببسط وتسبيب أسباب مخالفة القانون أو النظام للدستور، ومثال ذلك أن يكون القانون المطعون به مخالف لأحد مواد الدستور او ينتهك أي من حقوق الاردنيين المنصوص عليها بموجب الدستور أو أن يكون القانون أو النظام مشوبا ببطلان أي من اجراءات تشريعه.

4. حق الرد على الدفع بعدم الدستورية:

يحق لأي طرف آخر في الدعوى تقديم رده للمحكمة التي أثير الدفع أمامها خلال مدة لا تزيد على خمسة عشر يوماً من تاريخ تقديم مذكرة الدفع بعدم الدستورية، وعليه فإن من حق باقي الخصوم تقديم دفوعهم واعتراضاتهم على الدفع بعدم الدستورية خلال المدة المحددة، وإن تقديم مذكرة الرد خارج المدة يبنى عليه عدم قبول المذكرة شكلا.

5. قرار المحكمة الناظرة للدعوى بدفع عدم الدستورية:

إن للمحاكم العادية من صلح وبداية واستئناف وتمييز والمحاكم الخاصة الاخرى، الحق ببسط صلاحيتها على الدفع المقدم بعدم الدستورية، وبذلك فإن الطعن بعدم دستورية قانون او نظام لا يقدم من قبل اطراف الدعوى للمحكمة الدستورية مباشرة، بل يقدم الطلب وفقا لما تم بيانه للمحكمة التي تنظر الدعوى التي اثير بها الدفع بعدم الدستورية، وهنا يكون للمحكمة السلطة التقديرية بفرض رقابتها المسبقة على الدفوع المثارة، وبذلك فإن على محكمة الموضوع التحقق اذا ما كان القانون او النظام الذي اثير الدفع بعدم دستوريته واجب التطبيق على موضوع الدعوى والتحقق كذلك من مدى جدية الدفع، وفي ذلك ضمانة من عدم التعسف باستخدام حق اثارة الدفع بعدم الدستورية بقصد اطالة أمد التقاضي.

وبناءً على ذلك وبعد استكمال جميع المراحل السابقة على المحكمة الناظرة للدعوى ان تصدر قرارها بخصوص الدفع المثار بعدم دستورية قانون او نظام، وينحصر قرار المحكمة الناظرة للدعوى بأحد القرارين التاليين:

‌أ- قرار الاحالة: بعد التحقق من كون القانون او النظام واجب التطبيق على موضوع الدعوى وبعد تقدير مدى جدية الدفع تصدر محكمة الموضوع قرارا يقضي باحالة الدفع إلى محكمة التمييز صاحبة الولاية في البت بامر الاحالة للمحكمة الدستورية، وبذلك فإن محكمة الموضوع لا تملك حق احالة الدفع مباشرة للمحكمة الدستورية دون عرض امر الاحالة على محكمة التمييز، التي تقوم بدورها بفرض رقابتها على محكمة الموضوع ومن ثم لتحيله اخيرا للمحكمة الدستورية، أما إذا أثير الدفع بعدم الدستورية أمام محكمة التمييز أو محكمة العدل العليا فتتولى مباشرة أمر البت في الإحالة للمحكمة الدستورية.

وفي حال ان قررت المحكمة الناظرة للدعوى احالة الدفع بعدم الدستورية لمحكمة التمييز، فعلى المحكمة الناظرة للدعوى في هذه الحالة وقف السير في الدعوى الاساس لحين البت بأمر الاحالة من قبل محكمة التمييز، فإن ردت محكمة التمييز دفع عدم الدستورية تعود محكمة الموضوع لنظر الدعوى الاساس من النقطة التي انتهت اليها، أما ان قررت محكمة التمييز بعد التدقيق احالة الدفع للمحكمة الدستورية فتبقى عندها الدعوى الاساس موقفة لحين اصدار المحكمة الدستورية قرارها بشأن الدفع المثار بعدم دستورية قانون او نظام.

عدم جواز الطعن بقرار الاحالة:
إن القرار الصادر عن “المحكمة الناظرة للدعوى” والقاضي باحالة الدفع بعدم الدستورية لمحكمة التمييز لا يكون قابلا للطعن، حيث ان القرار بهذا الشأن سيكون خاضعا بحكم القانون لرقابة محكمة التمييز، بحيث تنعقد محكمة التمييز وتصدر قرارا بشأن الاحالة من عدمه وفقا لما سيتم بيانه لاحقا.

ب- قرار عدم الاحالة: في حال ارتأت المحكمة الناظرة للدعوى ان الدفع المثار بعدم الدستورية يتعلق بقانون او نظام لا ينطبق على موضوع الدعوى أو أن الدفع غير جدي أو غير مستوفي لأي من شرائطه القانونية تقرر عندئذ عدم إحالة الدفع لمحكمة التمييز، وبهذه الحالة لا يكون قرار المحكمة قابلا للطعن مباشرة على عكس الطلبات الواردة في المادة 170 من قانون اصول المحاكمات المدنية، والتي يجوز الطعن بها قبل الفصل بالدعوى وذلك على سبيل الاستثناء، اما القرار الصادر بعدم احالة الدفع الدستوري لمحكمة التمييز فلا يتم الطعن به بصفة مستقلة عن موضوع الدعوى، بل يطعن به مع القرار الفاصل بالدعوى.

6. قرار محكمة التمييز بدفع عدم الدستورية
إذا اصدرت المحكمة التي تنظر الدعوى قرارا باحالة الدفع بعدم الدستورية لمحكمة التمييز فإن من حق اطراف الدعوى تقديم مذكرة لمحكمة التمييز بشأن امر الاحالة خلال 15 يوما من تاريخ صدور قرار المحكمة الناظرة للدعوى باحالة الدفع الى محكمة التمييز
بعد ذلك تنعقد محكمة التمييز بهيئة مكونة من ثلاثة أعضاء على الأقل ، وتصدر قرارا بشأن امر الاحالة خلال ثلاثين يوما من تاريخ ورود الدعوى إليها ، فإن وافقت محكمة التمييز على إحالة الدفع للمحكمة الدستورية تقوم بتبليغ أطراف الدعوى بذلك ليتمكنوا من تقديم مذكراتهم القانونية للمحكمة الدستورية وفقا لما سيتم بيانه.

أما إذا ردت محكمة التمييز دفع عدم الدستورية فلا يتم عندها احالة الدفع للمحكمة الدستورية وعلى المحكمة الناظرة للدعوى أن تعاود السير في القضية الاساس من النقطة التي انتهت اليها

7. نظر الطعن غير المباشر لدى المحكمة الدستورية

‌أ- في حال قررت محكمة التمييز إحالة الدفع المثار بعدم دستورية قانون أو نظام للمحكمة الدستورية فعلى محكمة التمييز عندئذ تبليغ اطراف الدعوى، وفي هذه الحالة يحق لكل من أطراف الدعوى تقديم مذكرة الى المحكمة الدستورية على ان تتضمن المذكرة عرضا واضحا ومحددا للقانون او النظام الذي اثير الدفع بعدم دستوريته، كما يجب أن تتضمن المذكرة المقدمة نطاق الدفع بعدم الدستورية بتحديد المواد المخالفة للدستور أو الفقرات القانونية المخالفة ، كما يجب بيان وجه مخالفة القانون او النظام للدستور، إن تقديم المذكرة سالفة الذكر يجب أن يكون خلال خمسة عشر يوما من تاريخ تبلغ قرار الإحالة الصادر عن محكمة التمييز.

‌ب- من ناحية أخرى فإن من لكل طرف في الدعوى قدم المذكرة المشار إليها سابقا للمحكمة الدستورية الحق في أن يقدم ردا على ما قدمه خصومه من مذكرات وذلك خلال ثلاثين يوما على الأكثر من تاريخ تبلغه قرار الإحالة ، ونلاحظ هنا أن هذا الحق يمنح فقط لمن قام بتقديم المذكرة المشار إليها للمحكمة الدستورية خلال مدة الخمسة عشر يوما وذلك سندا لنص المادة 12 من قانون المحكمة الدستورية

‌ج- للمحكمة الدستورية ان تقرر الاكتفاء بما قدم من مذكرات من قبل اطراف الدعوى خلال الخمسة عشر يوما الاولى، ودون الحاجة لانتظار رد الخصوم على ما قدمه باقي اطراف الدعوى من مذكرات

‌د- إشترطت المادة 12 من قانون المحكمة الدستورية أن يكون تقديم المذكرات والردود عليها بوساطة محام أستاذ مارس المحاماة لمدة خمس سنوات أو عمل في وظيفة قضائية لمدة مماثلة قبل ممارسته للمحاماة .

‌هـ – على رئيس المحكمة الدستورية ارسال نسخة من كل قرار احالة ورد الى المحكمة الدستورية من قبل محكمة التمييز او محكمة العدل العليا الى كل من :

– رئيس مجلس الاعيان ورئيس مجلس النواب ولكل منهما الحق بأن يقدم رده على الطعن الى المحكمة خلال عشرة ايام من تاريخ تسلمه
– رئيس الوزراء وعليه ان يقدم رده على الطعن الى المحكمة خلال مدة عشرة ايام ايضا من تاريخ تسلمه، ونلاحظ هنا ان المشرع قد منح رئيسي مجلس النواب والاعيان الخيار بتقديم الرد على الطعن او عدمه ، حيث قال المشرع “ولكل منهما..” في حين أوجب على رئيس الوزراء تقديم رده على الطعن خلال المدة القانونية حيث نص في الفقرة (12/ب/2) من قانون المحكمة الدستورية على ما يلي: “رئيس الوزراء وعليه ان يقدم رده على الطعن …” وبذلك نلاحظ ان المشرع قد استخدم حرف الجر “على” والذي يفيد الوجوب

‌و- اوجبت المادة 12 من قانون المحكمة الدستورية على المحكمة أن تفصل في الطعن المحال إليها من قبل محكمة التمييز او محكمة العدل العليا خلال مدة لا تتجاوز مائة وعشرين يوما من تاريخ ورود قرار الإحالة إليها .

ثالثا: إجراءات مشتركة في كلا الطعنين (المباشر وغير المباشر):

1. للمحكمة الدستورية ان تطلب اي بيانات او معلومات تراها ضرورية للفصل في الطعن المقدم لديها وبالصورة التي تراها مناسبة، وبناءً على ذلك يحق للمحكمة أن تطلب من أي جهة تزويدها بأي معلومات أو بيانات تراها ضرورية ويكون طلبها هذا ملزما لتلك الجهة، ومثال ذلك أن تطلب المحكمة محاضر الاجتماع الخاصة بأي من مجالس النواب والأعيان والوزراء للتأكد من قانونية انعقاد أي من هذه المجالس وتوافر الشروط الشكلية في انعقاد الجلسة التي صدر بموجبها القانون أو النظام المطعون فيه، كما يحق للمحكمة الاطلاع على المحاضر الخاصة بالتصويت على القانون أو النظام، بالإضافة للمداولات التي قد تحصل أثناء جلسات التصويت، أو أي معلومات أو بيانات أخرى تراها المحكمة ضرورية للفصل في الطعن.

2. تنعقد المحكمة عند النظر في الطعن بهيئة من تسعة اعضاء على الأقل، وفي حال تغيب عضو او اكثر بمعذرة مشروعة او تحققت احدى حالات التنحي فللمحكمة أن تنعقد بحضور سبعة من اعضائها على ان يكون من بينهم الرئيس او من ينوب عنه.

3. تكون مداولات المحكمة بشأن الطعن سرية سندا لنص المادة 18 من قانون المحكمة الدستورية

4. على المحكمة الدستورية أن تفصل بالطعن المقدم خلال مدة لا تتجاوز مائة وعشرين يوماً، وتبدأ هذه المدة في الطعن المباشر من تاريخ ورود الطعن للمحكمة من قبل مجلس الوزارء أو أحد مجلسي النواب والاعيان، أما في الطعن غير المباشر فتبدأ المدة من تاريخ ورود قرار الاحالة من قبل محكمة التمييز او محكمة العدل العليا ، وعليه فإن مدة الايام المائة والعشرون تسري من تاريخ تقديم الطعن المباشر او من تاريخ الاحالة في الطعون غير المباشرة، وليس من تاريخ تقديم الرد على الطعن أو الدفع بعدم الدستورية، وعليه فإن المدة المحددة للرد على الطعن المباشر او الدفع بعدم الدستورية في الطعن غير المباشر تكون من ضمن الايام المائة والعشرون المحددات بموجب القانون.

5. القرار الصادر عن المحكمة :

‌أ- على المحكمة الدستورية أن تصدر احكامها وقراراتها بأغلبية خمسة اعضاء وعند تساوي الاصوات يرجح الجانب الذي صوت معه الرئيس او من ينوب عنه
‌ب- على المحكمة أن تصدر احكامها مسببة بشأن الطعون المقدمة لديها وفق احكام هذا القانون تدقيقا او في جلسة علنية وفقا لما تراه مناسبا.
‌ج- على المحكمة أن تصدر حكمها في الطعن المقدم لديها باسم الملك ، وبذلك يكون الحكم الصادر عنها نهائيا وملزما لجميع السلطات والكافة .

6. نشر قرار الحكم الصادر عن المحكمة الدستورية
يجب أن تنشر أحكام المحكمة الدستورية في الجريدة الرسمية خلال خمسة عشر يوما من تاريخ صدورها، كما ترسل المحكمة نسخا من الاحكام الصادرة عنها فور صدورها الى كل من رئيس المجلس القضائي ورئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الأعيان.

الفرع السابع: الأثر القانوني لقرارات المحكمة الدستورية:

يكون قرار المحكمة الدستورية فيما يتعلق بتفسير نصوص الدستور نافذا المفعول بعد نشره بالجريدة الرسمية، حيث أن المادة 16 من قانون المحكمة الدستورية أوجبت نشر أحكام المحكمة في الجريدة الرسمية خلال خمسة عشر يوما من تاريخ اصدارها.
أما فيما يتعلق بقرارات المحكمة الدستورية بخصوص الطعون القانونية المقدمة بعدم دستورية قانون أو نظام، فإن الحكم الصادر عن المحكمة بهذا الخصوص يصدر باسم الملك ويكون حكما نهائيا وملزما لجميع السلطات وللكافة، ويكون نفاذ القرار بهذا الخصوص نفاذا مباشرا ما لم يحدد الحكم تاريخا آخر لنفاذة

ويترتب على قرار المحكمة بعدم دستورية قانون او نظام اعتبار ذلك القانون او النظام باطلا منذ لحظة اصدار الحكم بهذا الخصوصن أو منذ لحظة نفاذ القرار اذا حددت المحكمة تاريخا للنفاذ.

ويلاحظ هنا ان قانون المحكمة الدستورية لم يرتب بطلان القانون او النظام الدستوري بأثر رجعي، بل يكون اثر القرار فوريا وينسحب إلى ما بعد القرار فقط، ويثور التساؤل هنا عن مدى صلاحية المحكمة الدستورية بأن ترتب البطلان بأثر رجعي سندا لنص المادة 15/ب والتي جاء فيها: (… يكون الحكم الصادر عن المحكمة نافذا بأثر مباشر ما لم يحدد الحكم تاريخا آخر لنفاذه…) وعليه هل يجوز للمحكمة الدستورية بأن تحدد تاريخ نفاذ القرار بأثر رجعي ، أم أن تحديد تاريخ النفاذ لا يكون إلا مضافا للمستقبل ! وباستطلاع نصوص قانون المحكمة الدستورية فإننا لا نجد نصا يلزم المحكمة بتحديد تاريخ النفاذ ليكون مضافا إلى المستقبل فقط، لا بل إن نص القانون بهذا الخصوص قد جاء مطلقا ، والمطلق يجري على اطلاقه ما لم يقم دليل التقييد نصا أو دلالة، وعليه فإننا نعتقد ان امر تحديد تاريخ النفاذ سواء كان بأثر رجعي أو مباشر فإنه يرجع لتقدير المحكمة الدستورية ووفقا لما ستتبناه من نظريات تتنازع فيما بينها ما بين مؤيد لفكرة الاثر الفوري أو المباشر للبطلان حماية للحقوق المكتسبة واستقرارا للمعاملات، وبين ما يذهب إليه البعض الاخر من أن اعلان بطلان قانون أو نظام يرتب انعدام الاثر القانوني لذلك القانون أو النظام من حيث الاساس، ونرى ان الرأي الاخير هو الاقرب للصواب حيث أن المادة 15/ج أخذت ولو جزئيا بهذا الرأي ورتبت على اعلان بطلان نص يفرض عقوبة وقف تنفيذ الاحكام التي قضت بالادانة استنادا لذلك النص كما تنتهي جميع الاثار الجزائية المترتبة على ذلك النص، وفي هذا دليل على أن المشرع قد نحى منحى الرأي الذي يعتقد بأن البطلان يرتب انعدام الاثر القانوني للنص الباطل.

من ناحية أخرى فقد منحت المادة 15 الصلاحية للمحكمة الدستورية بالتفريق في تاريخ نفاذ حكمها بين نص وآخر وفقا لما تراه مناسبا وذلك في حال اذا ما قضت بعدم دستورية أكثر من نص في القانون أو النظام ، وفي ذلك دليل آخر على مدى صلاحية المحكمة بتحديد تاريخ النفاذ وفقا لما تم بيانه.

[1] قانون انهاء معاهدة التحالف الاردنية البريطانية رقم 6 لسنة 1957 المنشور على الصفحة 273 من عدد الجريدة الرسمية رقم 1322 بتاريخ 1957/3/14

[2] قرار تفسيري رقم 1 لسنة 1962 (قرار بالأكثرية) المنشور على الصفحة 434 من عدد الجريدة الرسمية رقم 1609 بتاريخ 1962/4/10