أولا: تعريف عقد الإشتراط لمصلحة الغير:
وهو أن يتعاقد شخص يسمى المشترط مع شخص آخر يسمى المتعهد أو الواعد أو الملتزم على أن يلتزم هذا الأخير لشخص ثالث أجنبي عن التعاقد يسمى المنتفع فينشأ بذلك حق مباشر للمنتفع إتجاه المتعهد.
إذن هذا العقد يتضمن طرفين ( المشترط والمتعهد ) ويكون الحق المنصب عليه العقد لصالح طرف أجنبي عن التعاقد ( المنتفع أو المستفيذ )، ومن أمثلة الإشتراط لمصلحة الغير: عقد الهبة بعوض- وعقود التأمين بجميع أنواعها، وكذلك عقود نقل البضائع ومنها عقود المقاولات.
ونأتي بمثال عن عقد الإشتراط لمصلحة الغير- كأن يتعاقد صاحب مقاولة مع طبيب لمصلحة الأجراء التابعين للمقاولة، بمعنى أن أي أجير أصيب بمرض ربما يتفق على نوعه بين صاحب الشركة ( المتعهد) والطبيب ( المشترط) في عقد الإشتراط يعالج عند هذا الطبيب، وهذا يشكل ضمانة للأجراء وحماية لسلامتهم الصحية من مخاطر العمل في ظروف قد تهددها، والأمثلة كثيرة وكثيرة جدا في هذا المجال.
إن الأصل في العقود هو أن تنظم الصالح أو المصلحة المباشرة لطرفيها، فلا يسوغ من الوهلة الأولى إستيعاب أن يتعاقد طرفين لمصلحة شخص أجنبي غريب عن التعاقد، لكن دراسة جوانب عقد الإشتراط لمصلحة الغير المنظم بمقتضى الفصول 34-35-36-37-38 من قانون إ.ع.م السالف ذكرها تسهل إستيعاب التعاقد لصالح الغير والذي يبقى لطرفي العقد مصلحة غير مباشرة فيه، فيما موضوع الحق الأساسي المنصب عليه التعاقد يكون لصالح هذا الطرف الأجنبي ( المنتفع ).

 ثانيا: شروط تحقق الإشتراط لمصلحة الغير :
ولكي يتحقق الإشتراط لمصلحة الغير وجب توفر مجموعة من الشروط وهي:
1- أن يتعاقد المشترط بإسمه،
2- أن تتجه إرادة المتعاقدين إلى إحداث حق مباشر للمنتفع،
3- وجود مصلحة شخصية للمشترط في الإشتراط ،
4-أن يكون المنتفع معينا أو قابل للتعيين.

بالنسبة لإشتراط تعاقد المشترط بإسمه فهذا له ما يبرره، فلا يمكن أن يشترط المشترط في العقد للطرف الأجنبي بإسم الغير، لأن عقد الإشتراط كباقي العقود يرتب آثارا لا يمكن أن يتحملها سوى من كان طرفا في التعاقد أوعلم بموضوع العقد ( الورثة،…) وإتفق على شروطه (المشترط والمتعهد).

أما بالنسبة للشرط الثاني ( أن تتجه إرادة المتعاقدين إلى إحداث حق مباشر للمنتفع) فيعد أصل عقد الإشتراط لمصلحة الغير، فالعقد الذي تتجه إرادة المتعاقدين فيه إلى إحداث حق مباشر لهم لا يمكن تسميته بعقد الإشتراط حتى ولو لامس في أحد جوانبه مصلحة الغير بصورة غير مباشرة، فالطرف الأجنبي ( المنتفع) في هذا العقد يجب أن يكون هو المستهدف بشكل مباشر من موضوع حق عقد الإشتراط.

ولكي يتحقق الإشتراط وجب كذلك أن تكون هناك مصلحة شخصية للمشترط في عقد الإشتراط لمصلحة الغير، فلا يصوغ أن يشترط من لا مصلحة له في الإشتراط ولا علاقة له بالمشترط له ( المنتفع)، فالعلاقة تكون قائمة بين المشترط والمنتفع ( علاقة أجير برب العمل- علاقة رئيس بمرؤوس- علاقة تبعية-…) ويكون الغرض من الإشتراط هو حماية الأجير وتحقيق الظروف المناسبة له وتشجيعه من أجل تحسين ورفع جودة الإنتاج وضمان العمل بإنتظام وإضطراد وفق ما يحدده القانون ( هنا بالضبط تكمن مصلحة المشترط).

كما يجب أن يكون المنتفع في عقد الإشتراط معينا أو قابل للتعيين: بمعنى يجب أن يكون الإشتراط أو التعاقد لصالح فئة معينة وحددة في عقد الإشتراط مثلا العمال المكلفين بالنظافة في الشركة أو العمال بصفة عامة المشتغلين فيها، فلا يمكن أن يتعاقد المشترط والمتعهد (عقد الإشتراط لمصلحة الغير) لصالح الغير المجهول الذي لا يعلم شيء عن صفته ولا مكانه ولا الرابطة التي تربطه بالمتعهد هذا بالنسبة للمنتفع المعين، أما القابل للتعيين فليس هناك مثال أوضح من الجنين في بطن أمه يمكن الإشتراط لمصلحته فهو قابل للتعيين مستقبلا.

 ثالثا: آثار الإشتراط لمصلحة الغير
حسب الفصل 34 في فقرته الثانية، فالإشتراط لمصلحة الغير ينتج آثاره مباشرة لمصلحة هذا الغير. ويكون لهذا الأخير الحق في أن يطلب بإسمه من الواعد ( المتعهد) تنفيذ هذا العقد، هذا في حالة ما لم تكون بنود العقد تمنع المستفيذ من مباشرة دعوى المطالبة بتنفيذ إلتزامات المتعهد أو علقت هذه البنود مباشرته لهذه الدعوى على شروط معينة.
ولتوضيح هذه الآثار سنعمل على بيان علاقة أطراف الإشتراط لمصلحة الغير وعلاقة هؤلاء بالمنتفع من خلال التقسيم التالي:

– علاقة المشترط بالمتعهد:
إن العلاقة بين المشترط والمتعهد تحدد بما ورد في عقد الإشتراط من شروط، كما أن آثار هذا العقد تنصرف إليهما بإستثناء الحق المشترط للغير ( المستفيذ أو المنتفع )، وذلك لأنهما طرفا العقد، وكيفما كانت طبيعة هذا الأشتراط لمصلحة الغير فإن من الواجب على المشترط والمتعهد أن يلتزما بتنفيذ ما ورد في العقد لمصلحة الغير.
ولهما ( المشترط والمتعهد ) أن يتمسكا بأي وجه من الأوجه ببطلان العقد أو إبطاله إذا وجد ما يبرر ذلك، أو يطالبان بالتنفيذ ( الفصل 35 من ق.إ.ع) أو المطالبة بالفسخ مع التعويض إذا كان له ما يبرره.
آثار هذا العقد تنصرف إليهما بإستثناء الحق المشترط للغير ( المستفيذ أو المنتفع )، وذلك لأنهما طرفا العقد، بمعنى أن إبطال العقد أو بطلانه أو فسخ العقد والمطالبة بالتعويض تبقى من حق طريفي العقد ( المتعهد والمشترط) فيما يبقى للمستفيذ الحق في جوهر عقد الإشتراط ( مثلا التأمين على حياته).

– علاقة المشترط بالمنتفع:
إن علاقة المشترط بالمنتفع تكون على سبيل المعاوضة أو من قبيل التبرع، كما ينص على ذلك الفصل 34 من ق.إ.ع، وعلى هذا تكون العلاقة القانونية للمشترط والمنتفع إما تبرع أو معاوضة التي تجري عليها أحكام هذه المعاملة، وهذا يميز العلاقة بين المشترط والمتعهد بحيث ليس ملزما من المنتفع أن يقبل ما اشترطه المشترط لصالحه فله الخيار بين الرفض من الإستفادة من الإشتراط وبين قبوله، وفي حالة الرفض يكون الإشتراط كأن لم يكون، وفي حالة القبول يصبح الإشتراط صحيحا.
أما فيما يتعلق برجوع المشترط عما إشترطه فإن المشرع لم يتعرض لها إطلاقا بنص ولا إشارة، ولكن مع ذلك وسيرا بالمبادئ العامة فإنه ينبغي التمييز ما بين إذا كان مخالفا لمقتضى العقد ( وهنا لا يمكن التراجع عن العقد) أما إذا لم يكون مخالفا لمقتضى العقد ( لا مانع من الرجوع عن الإشتراط لمصلحة الغير)، فحين يتعاقد المشترط مع المتعهد فرجوع المشترط دون وجود ما ينص في العقد على ذلك قد يكلف خسائر للمتعهد الذي يمكن أن يبرم إلتزامات مع أطراف آخرين( اقتناء تجهيزات-…) بقصد إلتزامه بعقد الإشتراط، كما يمكن أن يضيع حقوقا لطالما رغب الغير ( المنتفع في عقد الإشتراط ) من تحقيقها أو رتب على وجودها إلتزامات في حياته.
إن المنتفع له الخيار في قبول الإشتراط أو رفضه كما سبق الذكر، فالإشتراط موجه لفئة ( عمال الشركة) وليس لشخص بإسمه، لذلك مثلا إذا تعاقدت المقاولة مع منعش عقاري يبيع الشقق يكون موضوع التعاقد تخفيض الثمن للعمال التابعين للمقاولة ( المشترط)، فعمال هذه المقاولة لهم الخيار في إقتناء هذه الشقة بثمن منخفض وفق تعاقد صاحب مقاولتهم، أو عدم الإقتناء، بمعنى من أراد الإستفادة يستفيذ ومن لم يريد فهو غير ملزم بالإشتراط لمصلحته.

– علاقة المنتفع بالمتعهد:
عقد الإشتراط لمصلحة الغير لا يجمع بين المتعهد والمستفيذ، كما أنه لا يجمع بين المستفيذ وبين المشترط، فالمستفيذ أجنبي عن عقد الإشتراط وليس طرفا فيها، فإنه يكتسب حقا ذاتيا مباشرة تجاه المتعهد مصدره عقد الإشتراط لا المشترط، كما لا يمكن للمنتفع أبدا أن يطلب فسخ العقد إذا لم ينفذ المتعهد إلتزاماته، لأن حق الفسخ تبقى لأطراف عقد الإشتراط لمصلحة الغير ( المشترط والمتعهد )، ولكن يبقى للمنتفع الحق في أن يطلب من المتعهد تنفيذ العقد إستنادا للفقرة الثانية من الفصل 34 وأيضا الفصل 35 من قانون الإلتزامات والعقود، وذلك ما لم يمنعه العقد من مباشرة دعوى التنفيذ أو نصت على شروط ليباشرها، وهذا ما نص عليه الفصلين 34 و35 السالفي الذكر.

وختاما يمكن القول أن الإشتراط لمصلحة الغير يجد أساسه في الحقوق التي يجب أن تضمن من المشترط للمنتفع الذي تربطه به علاقة عمل ومصلحة مشتركة، كما أن هذا الأخير (المشترط ) يعفى من إلتزامات كثيرة في حال حدوث خطر ( حريق- تسمم العمال-…) وذلك في حالة إذا كان له عقد تأمين مع المتعهد في عقد الإشتراط لمصلحة الغير وهو مثال فقط، فلا يقتصر هذا العقد على علاقة الشغل والأجير برب العمل، بل قد يؤطر كل التعاملات ويحكم كل العلاقات إن توفرت فيه شروط عملنا على ذكرها في هذا المقال الدقيق والموجز.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .