تتمحور النظرية السياسية الديمقراطية تقليدياً على فكرة فرض بعض الضوابط على عمل السلطة في الدولة . وتم ذلك عن طريق محاولة ضبط السلطة بواسطة القاعدة القانونية ، أي منع السلطة من التصرف العشوائي واخضاعها لضوابط معينة مصوغة في اطار نصوص قانونية . هذا ما يطلق عليه تسميات مختلفة : دولة القانون ، أولوية القانون، سيادة القانون (1). فقد اعتبر القانون تقليدياً بمثابة الحكم بين السلطة والافراد يساوي بين الفريقين و ويخضعهما لنصوصة وبذلك اصبح المؤتمن الاول على تنظيم الروابط القانونية . ويؤكد ذلك ، الموقع المميز الذي خصص للقانون في الاعلان الفرنسي لحقوق الانسان. فقد اعتبر القانون بمثابة اداة اساسية للحد من تمادي سلطة الدولة ومزاجيتها . ولحماية حقوق الافراد وحرياتهم ، واعطائه مركز الصدارة (الاولوية)(2). واسباغ هذا الاثر لوجوده ، انما يعود لأسباب عدة نلخصها في النقاط التالية :

1-الطبيعة الذاتية للعمل التشريعي نفسه باعتباره التعبير عن الارادة العامة(3). إذ يعتبر القانون اداة للتعبير عن الارادة العامة، وهو القاعدة الصادرة عن الطرف المالك لهذه الارادة، اي الشعب او من يمثله من نواب منتخبين بصورة ديمقراطية. هذا الأصل الديمقراطي للقانون هو الذي شكل مرتكزاً للثقة به، وهو الذي سمح له ان يتمتع بصفة السيادة ، وان يكون قاعدة ملزمة لسلطات الدولة كافة ، كما انها قاعدة ملزمة للأفراد .

2-الطبيعة الموضوعية للعمل التشريعي نفسه، حيث يتصف القانون بالعمومية ، فهو يطبق على كل الناس بالتساوي دون تمييز، وهذا ما يمنع تمتع افراد او مجموعات بحريات وحقوق دون غيرهم (4).

3-الطبيعة الاجرائية للعمل التشريعي (5). تتميز اجراءات سن التشريع في الديمقراطية النيابية بأمرين : المناقشة والعلنية. ذلك ان القانون قبل سنة يمر بأجراءات ومراحل يمكن فيها لكل ذي رأي من ممثلي الشعب أن يدلي برأيه في المجلس النيابي معلناً عن عدم موافقته على مشروع القانون المطروح او يطلب تعديل بعض نواحيه.اما في علنية نشاط السلطة التشريعية فهو ما يسمح للمواطنين بمعرفة كيف تعالج امورهم العامة وكيف يبت فيها . وفي ضوء ما تقدم، يمكن القول ان اداة تنظيم الروابط القانونية تبقى واحدة، إلا وهي القاعدة القانونية. ولكن أية قاعدة قانونية ؟ ان القاعدة القانونية تأخذ اشكالاً مختلفة (6).

-القاعدة القانونية يمكن ان تأخذ الشكل الدستوري او التشريعي، كما يمكن ان تصدر عن السلطة التنفيذية في اطار ممارستها لصلاحياتها التنظيمية.

-ان القواعد القانونية الصادرة عن كل من الجهات الثلاث المذكورة لا تمتلك القيمة نفسها. فهناك مبدأ تدرج القواعد القانونية في الدولة ، بحيث ترتبط ببعضها ارتباطاً تسلسلياً، وهذا ما يجعل بعضها أسمى مرتبة من حيث القيمة القانونية من البعض الاخر. ويترتب على كل ذلك وجوب خضوع القاعدة الأدنى للقاعدة الأسمى من حيث الشكل والموضوع، أي صدورها من السلطة التي حددتها القاعدة الأسمى، واتباعها الاجراءات التي بينتها، واتفاقها في مضمونها معها.

________________________

1- د. محمد سعيد المجذوب، الحريات العامة ، حقوق الانسان، ط1 ، جروس برس، طرابلس ، لبنان ، 1986، ص121 .

2- حيث نصت المادة الخامسة من اعلان الحقوق الصادر في عام 1791 على انه (( لا يجوز ان يمنع التشريع إلا التصرفات الضارة بالمجتمع وكل ما لا ينص على منعه لا يجوز ان يحال بين الفرد واتيانه ، ومالا يأمر به لا يمكن ان يجبر احد على اتيانه)). انظر في ذلك : د. نعيم عطية، النظرية العامة للحريات الفردية، مصدرسابق، ص176.

3- د. احمد سلامة، المدخل لدراسة القانون، الكتاب الاول – نظرية القاعدة القانونية – القاهرة، 1974، ص130 .

4- د. محمد حسن قاسم ، مصدر سابق، ص135.

5- . حبيب ابراهيم الخليلي، المدخل للعلوم القانونية – النظرية العامة للقانون – ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 1980، ص96.

– د. عبد المنعم فرج الصدة، مبادئ القانون، مصدر سابق، ص72.

– د. هشام القاسم، المدخل إلى علم الحقوق، مصدر سابق، ص137.

6- أنظر : د. جعفر الفضلي و د. منذر عبد الحسين الفضل، المدخل للعلوم القانونية (النظرية العامة للقانون –النظرية العامة للحق)، ط1، الموصل، 1987، ص40-41.

– د. محمد حسن قاسم، مصدر سابق، ص138-141.

– د. توفيق حسن فرج، مصدر سابق، ص215-218.

– د. احمد سلامة، مصدر سابق، ص118-119.

– د. بكر قباني، دراسة في القانون الدستوري، مصدر سابق،ص49.

المؤلف : اشرف عبداللة عمر
الكتاب أو المصدر : السلطة المختصة باقتراح القوانين

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .