الإنتخاب حَقٌّ دستوري ودور المحكمة الاتحادية العليا في حمايته
القاضي سالم روضان الموسوي

المقدمة

إن الدستور العراقي لعام 2005 قد افرد باب للحقوق والحريات وجعله الباب الأول وقدمه على بقية الأبواب، كما جعل لهذا الباب أهمية تميزه عن بقية أبوابه عندما اشر في البند (ثانياً) من المادة (126) من الدستور إلى عدم جواز تعديل المبادئ الواردة فيه إلا بعد دورتين انتخابيتين وبآلية معقدة نسبياً تمنحها الثبات ويبعدها عن أهواء الأحزاب المهيمنة على مجلس النواب، وحق الانتخاب جاء ضمن هذا الباب الأول في المادة (20) من الدستور وأشارت تلك المادة بصريح العبارة إلى حق الإنسان العراقي في التصويت والانتخاب والترشيح وعلى وفق النص الآتي (للمواطنين رجالاً ونساءً، حق المشاركة في الشؤون العامة، والتمتع بالحقوق السياسية، بما فيها حق التصويت والانتخاب والترشيح)، وأضفى ذلك الأمر الأهمية التي يمتاز بها هذا الباب، فضلاً عن كونها الوسيلة السلمية والديمقراطية لتداول السلطة وتعد مظهر حضاري للشعوب المتقدمة والمتحضرة، ويعد الحق في الانتخاب من الحقوق الأساسية للإنسان التي نصت عليها المواثيق والاتفاقيات ويصنف ضمن الحقوق السياسية التي تعد جزء من حقوق الإنسان وتهدف إلى حماية الأفراد من الأخطار التي تهدد مصالحهم وكيانهم وأمنهم الشخصي والجمعي ويرى احد الكتاب[1] “إن هذه الأخطار عادة تنجم من إهمال الحكومات أو تعمدها ارتكاب الفعل الذي يشكل الخطر على مصالح الشعب”، وهذا جعل من فكرة حقوق الإنسان فكرة شاملة وعالمية واعتبرت من المشترك الإنساني للجميع دون تمييز وأخذت بُعدها الدولي والعالمي من خلال شرعة حقوق الإنسان الدولية المتضمنة المواثيق والعهود والاتفاقيات ذات الصلة بحقوق الإنسان، أما حق الانتخاب الذي هو من الحقوق السياسية، قد أشار له الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة (21) والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية في المادة (25) وتعرف هذه الحقوق بأنها (سلطات تقررها فروع القانون العام للشخص باعتباره منتم إلى وطن معين (مواطن)، والتي يستطيع بواسطتها أن يباشر أعمالا معينة يشترك بها في إدارة شؤون المجتمع: مثل حق الانتخاب وحق الترشيح وحق تولي الوظائف العامة)[2]، والجدير بالذكر أن هذه الحقوق لم تتبلور بالشكل الذي عليه الآن إلا بعد نضال شعبي وأممي مرير قدمت من اجله التضحيات الجسام وكانت الشعوب تقود ذلك النضال من اجل تلك الحقوق وكان الخصم العنيد لها هم الحكام والسلاطين، لذلك كان لابد من وجود ضمانات لحماية تلك الحقوق التي نالتها الشعوب من محاولة الاعتداء عليها أو خرقها مرة أخرى من قبل سلطات الحكم الدكتاتوري أو الشامل فالقانون لم يعد يعبّر عن الإرادة العامة والسيادة مباشرة، كونه نتاج البرلمان، ممثل الشعب، إلا إذا جاء متطابقاً والدستور الذي يعبر عن الإرادة العامة والسيادة مباشرة، ويأتي في رأس تراتبية القواعد والنصوص، فهو القانون الأسمى في الدولة والضمانة الدستورية للحقوق أصبحت أهم من الضمانة القانونية، وهذا الضمان المنشود بات رهناً بالقضاء الدستوري ولا قيمة، لأي حق معترف به ومضمون دستورياً، إلا بقدر ما يستطيع المواطن التمتع به، ويقول القاضي مدحت المحمود رئيس المحكمة الاتحادية العليا في العراق، بان الحكم في هذا العصر, هو حكم القانون. إلا أن التجارب دلت أن ليس ثمة ضمانة لكي تأتي القوانين التي يشرعها البرلمان متطابقة والنصوص الدستورية الضامنة للحقوق والحريات[3]، إذ من الممكن الالتفاف على تلك الضمانات في عملية التشريع، وأن مبدأ الفصل بين السلطات لا يشكل بمفرده الضمانة التي حددها الدستور للحريات والحقوق، وفي العراق كان للقضاء الدستوري، ممثلاً بالمحكمة الاتحادية العليا، دور مهم في صيانة هذا الحق وحمايته من عبث العابثين الذين يسعون الى نيل السلطة والهيمنة بشتى الوسائل المشروعة وغير المشروعة، ولابد من التنويه بان هذا المسعى لايقتصر على العراق وانما هو ديدن الجميع في كل الأزمان وفي كل الأماكن ، وهذا سبب نشوء المواثيق الدولية لحماية تلك الحقوق، والقضاء الدستوري في العراق قد تصدى إلى الخروقات التي نالت حق الانتخاب في أكثر من قرار منها القرار العدد 99، 104، 106/اتحادية/2018 في 21/6/2018 حيث جاء في الفقرة الحكمية عدم دستورية نص المادة (3) من قانون التعديل الثالث لقانون انتخابات مجلس النواب رقم 45 لسنة 2013 وإلغائها واعتمدت المحكمة بتسبيبها للحكم بعد الدستورية إلى أن ذلك النص القانوني الطعين قد خالف نص المواد (14) من الدستور التي أقرت مبدأ المساواة لان حرمان عدد من الأشخاص من ممارسة حقهم في التصويت عبر إلغاء أصواتهم في عدم مساواة مع أقرانهم الذين قاموا بالتصويت، كذلك مخالفة نص المادة (20) من الدستور التي أقرت مبدأ حق المواطن في التصويت والانتخاب والترشيح ومخالفة نص المادة (38/أولا) التي تكفل حرية التعبير لان التصويت هو وسيلة للتعبير عن أرادة الناخب، فضلا عن الأسباب الأخرى الواردة في حيثيات الحكم القضائي الدستوري أعلاه ، والقرار العدد 12/اتحادية/2012 في 14/6/2012 حيث قضى بعدم دستورية نص المادة (3) من القانون رقم 26 لسنة 2009 قانون تعديل قانون الانتخابات رقم 16 لسنة 2005 لان تحـويل صــوت الناخـب بدون إرادته من المرشح الذي انتخبه إلى مرشـح من قائمـة أخرى لم تتجـه إرادته الانتخـابية يعتبر تعديـاً على حقوقه الدستورية ويشكل مخالفة لنص المادة (20) من الدستور، ولان الانتخابات هي وسيلة إسناد السلطة وتدولها السلمي في النظام الديمقراطي ، لأنه الإجراء الذي يتم بمقتضاه تحديد وتعيين المسؤولين عن إدارة الدولة نيابة عن الشعب ويعهد الى النواب بهذه المسؤولية بصورة كاملة، ودون تدخل الشعب خلال مدة محددة وهي الدورة البرلمانية (الدورة الانتخابية)[4]، وتتكون العملية الانتخابية من عنصرين الأول حق الانتخاب وهو حق المواطن العراقي بالانتخاب والإدلاء بصوته لاختيار المرشح الذي يمثله والثاني حق الترشيح هو حق المواطن في الترشح لنيل احد المقاعد في المجالس النيابية، وفي هذا المبحث سأركز على حق الناخب لان أكثر الخروقات التي حصلت في العراق كانت تجاه حق الناخب ، وهذا الأمر لم يقف عند العراق بل كان قد حصل في العديد من البلدان حتى في الدول ذات الديمقراطيات العريقة اذ دوما ما يتم حجب او تحويل أو تغيير إرادة الناخب عن غايته الصحيحة ومطلب الحقيق وبعدة وسائل ، ومنها عبر التشريع عند إصدار قوانين تقيد أو تعطل ممارسة هذا الحق لذلك سيكون العرض على وفق عدة مطالب الأول يتعلق بالتعريف بمفهوم حقوق الإنسان ، ومعنى الحق السياسية ، والثاني معنى حق الانتخاب وأسسه الدستورية ومن ضمنه العلوية التي تتميز بها تلك المبادئ بوصفها مبادئ دستورية وعلويتها من علوية الدستور، ثم مطلب عن دور المحكمة الاتحادية عبر تصديها لهذه الخروقات ومن ثم خاتمة البحث وعلى وفق الآتي :

الفرع الأول

مفهوم حقوق الإنسان والحقوق السياسية

تعددت المفاهيم والمصطلحات التي استخدمت للدلالة على حقوق الإنسان فقد أطلق على هذه الحقوق في بداية القرن الثامن عشر (الحقوق الطبيعية)تأثراً بما كتبه أنصار مدرسة الـقانون الطبيعي، وسميت أيضاً (حقوق قانون الشعوب) باعتبار أن هذه الحقوق اعترفت بها القوانين الوضعية للدول المختلفة في عصرنا الحديث، كما أطلق عليها الكتاب تسميات مختلفة منها (الحريات العامة) أو (الحريات الفردية الأساسية) أو(الـحقوق الأساسيةللفرد)، وللوقوف على معن هذه الحقوق سأعرض للموضوع على وفق الآتي :

أولاً : مفهوم حقوق الإنسان والحقوق السياسية

1. حقوق الإنسان: وهي مجموعة الحقوق الطبيعية المتلازمة مع طبيعته الإنسانية والتي تظل موجودة وان لم يتم الاعتراف بها، وهي أيضا تلامس كل ما يحتاجه الإنسان من الأمن المادي والحماية الصحية وإيجاد عمل وحد أدنى من التعليم وبالتالي فهو مفهوم متطور قابل للتوسع بمقدار تطور الإنسان وازدياد حاجاته حتى نال اهتمام الدول والشعوب وأصبحت من أهم القضايا المطروحة على الساحة الدولية في إطار الأمم المتحدة وعرفتها بعض القواميس والمعاجم الدستورية حيث جاء تعريف حقوق الانسان في المعجم الدستوري بانها (حقوق الفرد المفهوم في جوهره الشمولي المجرد، وهي منظور اليها على انها سابقة للقانون الوضعي وأسمى منه، حيث إنها معيار شرعيته والحدود الموضوعة للسلطة الشرعية للدولة)[5] وأسهمت عدة أبعاد في تبلور فكرة حقوق الإنسان واعتبارها فكرة عالمية وشاملة ومن المشتركات الإنسانية لجميع الأفراد والشعوب ومن هذه الأبعاد البعد التاريخي حيث وردت أدبيات حقوق الإنسان في جميع الحضارات القديمة وعلى وفق ما وصل إلينا من أثار تلك الحضارات[6]، والبعد السياسي عندما أصبحت حقوق الإنسان من المبادئ الدولية عندما وردت في ميثاق الأمم المتحدة وفي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهدين الدوليين وغيرها من المواثيق والعهود وتجاوزت بذلك النطاق الوطني الذي كان سائد باعتباره يتعلق بالسيادة وللدولة الحق في أن تفعل ما تشاء في إقليمها الأرضي ثم تطور إلى وجود بعد ثالث وهو البعد القانوني عندما أصبحت الاتفاقيات الدولية ملزمة للدول الأعضاء بوصفها قواعد قانونية واجبة الإتباع وعلى وجه الخصوص في الدول التي تعطي لتلك الاتفاقيات الدولية الاعلوية على القانون الوطني فضلاً عن التزام الدول ببعض المعاهدات دون إرادتها وتكون ملتزمة بها حتى لو لم توقع عليها او ترضى بقواعدها مثل المعاهدات ذات القدسية الخاصة ومنها على سبيل المثال ميثاق الأمم المتحدة الذي يعتبر الإطار الهام لسلوك جميع الدول المنضمة تحت لواء الأمم المتحدة وغير المنضمة ولا يجوز لأي دولة أن تتصرف بخلاف هذا الميثاق[7] ، وبما إن حقوق الإنسان قد وردت في أكثر من موضع في الميثاق فإنها تعد من الأمور التي تلتزم بها الدول حتى لو لم توقع عليها ، لان ديباجة الميثاق جاء فيها الآتي (ونؤكد من جديد إيماننا بالحقوق الأساسية للإنسان وبكرامة الفرد وقدره وبما للرجال والنساء والأمم كبيرها وصغيرها من حقوق متساوية) ، أما عن مفهوم حقوق الإنسان فانه ينصرف مفهوم حقوق الإنسان إلى مجموعة الحقوق التي تثبت للإنسان بوصفه إنساناً بحيث لا يجوز تجريده منها لآي سبب كان بصرف النظر عن كل مظاهر التمييز مثل الدين واللغة واللون والأصل والعرق والجنس تتميز حقوق الإنسان بجمله من الخصائص يمكن أنه يحملها فيما يلى :-
‌أ. أنها حقوق غير ذات قيمة مالية مما يخرجها من دائرة التعامل فلا يصح نقلها للغير بالتنازل عنها أو التصرف فيها .

‌ب. أنها حقوق لصيقة بشخصية الإنسان ومرتبطة بوجوده وتلازمه طوال حياته .

‌ج. أنها حقوق لا تسقط بالتقادم ، إذ أن عدم استعمال هذه الحقوق مهما طالت مدته لا يحول دون من تقررت له ولا دون ممارستها متى رغب في ذلك .

‌د. أنها حقوق مطلقة ، يجوز لمن تقررت له أن يحتج بها في مواجهة الناس .

‌ه. لا تنتقل للغير لا بالتنازل ولا بالميراث ، وتنقضي بموت من تقررت له .

‌و. تعتمد على فكرة المساواة الشاملة التي لا تعترف بأي شكل من أشكال التميز غير الموضوعي

وتصنف حقوق الإنسان إلى عدة مجموعات من حيث الأهمية تقسم إلى حقوق أساسية وغير أساسية. ومن حيث الأشخاص المستفيدين منها تصنف إلى حقوق فردية وحقوق جماعية. ومن حيث موضوعها تصنف إلى حقوق مدنية وسياسية من جهة وحقوق اقتصادية واجتماعية وثقافية من جهة أخرى. كذلك توجد طائفة جديدة من الحقوق الحديثة والتي تسمى بحقوق التضامن. اما عن مصادر هذه الحقوق فهي كما أسلفت أما الدساتير أو القوانين الوطنية وكذلك ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهدين الدوليين والاتفاقيات الإقليمية وغيرها وهذه تسمى بالشرعة الدولية لحقوق الإنسان .

2. الحقوق السياسية: وتمثل قدرة الفرد على المشاركة في الحياة المدنيّة والسياسية للمجتمع والدولة، دون الخوف من التمييز والعنصرية، أو القمع، وترتبط هذه الحقوق ارتباطاً وثيقاً بوضع المواطن، كما ترتبط بالحريـات اللازمـة لكـل فـرد باعتبـاره عضـوا في المجتمــع ولا يمكــن الاســتغناء عنهــا، وتســمى (الســلبية او المعوقــة) لأعمال حكومــة معينــة أي إنها لا تقتضـي مـن الدولـة أن تقـوم بأداء معـين، وبهـذا يمـنح الفـرد التحـرر مـن أي عمـل حكـومي غيـر مرغـوبفيه[8]، ويسميها بعض الكتاب بالحقوق الدستورية لأنها أصبحت حقاً للفرد بموجب فروع القانون العام وعلى وجه الخصوص القانون الدستوري والإداري[9]، وتشمل الحق في التصويت في الانتخابات، وحق الانضمام إلى حزب سياسي، والمشاركة في التّجمّعات السياسيّة، والأحداث، أو الاحتجاجات. تعتبر الحقوق السياسية من أرقى حقوق الإنسان[10]، ونظراً لأهميتها فقد تناولها العديد من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية والدساتير، فعلى المستوى الدولي تناول العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الحقوق السياسية في الفقرات (أ، ب،ج) من المادة (25) وعلى وفق النص الأتي (يكون لكل مواطن، دون أي وجه من وجوه التمييز الحقوق التالية، التي يجب أن تتاح له فرصة التمتع بها دون قيود غير معقولة: أ- أن يشارك في إدارة الشؤون العامة، إما مباشرة وإما بواسطة ممثلين يختارون في حرية. ب- أن ينتخب ويُنتخب، في انتخابات نزيهة تجرى دورياً بالاقتراع العام وعلى قدم المساواة بين الناخبين وبالتصويت السري، تضمن التعبير الحر عن إرادة الناخبين ج – أن تتاح له، على قدم المساواة عموما مع سواه، فرصة تقلد الوظائف العامة في بلده، أما على المستوى الوطني فان اغلب دساتير الدول تضمنتها في طي فقراتها واعتبرتها من المبادئ الأساسية ولها العلوية لكن الواقع الراهن يشير الى ان الغالبية من دول العالم الثالث لم يتلزم بها جدياً وفي العراق تضمن دستور عام 2005 جملة من الحقوق السياسية، التي كان العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية قد أشار إليها، واحتوى الدستور النافذ لعام 2005 على بعض هذه الحقوق السياسية ومنها الحق في الحياة والحق في الحرية المادة (15) من الدستور، الحق في التقاضي والحق بمحاكمة عادلة المادة (19) من الدستور، الحق في الانتخاب والترشيح (المادة 20) من الدستور، وحرية التعبير عن الرأي والاجتماع والتظاهر الواردة في المادة (38) من الدستور، والعراق كان قد صادق على العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية منذ عام ١٩٧١ ،والذي دخل حيز التنفيذ عام ١٩٧٦، حيث تم التوقيع عليه من قبل العراق في 18 شباط 1969 وأودع صك الانضمام إلى الأمم المتحدة في 14 حزيران 1971 .

ثانياً : حق الانتخاب

تعد الانتخابات بمثابة الوسيلة الأساسية التي تؤهل الناس للمشاركة في إدارة الشؤون العامة لبلدانهم والتي بدورها تعتبر حقاً أساسياً من حقوق الإنسان كافحت من أجله الشعوب في جميع أنحاء العالم، و يعتبر حق الانتخاب في الدول الديمقراطية، من أهم الممارسات السياسية، فهي وسيلة لنقل السلطة بطريقة سلمية من شخص إلى آخر، أو مجموعة إلى أُخرى وأشار دستور العراق لعام 2005 الى هذا المفهوم في ديباجته بانتهاج سبل التداول السلمي للسلطة مثلما أكدها في المادة (6) التي جاء فيها الآتي (يتم تداول السلطة سلمياً، عبر الوسائل الديمقراطية المنصوص عليها في هذا الدستور) وكانت المادة (5) من الدستور قد أوضحت بان الشعب مصدر السلطات ويمارسها عبر الاقتراع وعلى وفق النص الآتي (السيادة للقانون، والشعب مصدر السلطات وشرعيتها، يمارسها بالاقتراع السري العام المباشر وعبر مؤسساته) وللوقوف على ذلك الحق الدستوري والاساسي ساعرض للموضوع على وفق الآتي :

1. مفهوم حق الانتخاب : إن الانتخاب هو أي وسيلة تتبع لأخذ رأي قطاع معين من الناس في أمر ما أو اتخاذ قرار، وعادة ما يكون مسبوقاً بالحملات الانتخابية، ويسمى أيضاً بالاقتراع والتصويت، كما يعرف الانتخاب بأنه نمط لأيلولة السلطة يرتكز على اختيار يجري بواسطة تصويت أو اقتراع[11] لذلك يرى بعض الكتاب ان قانون الانتخابات هو الابن الشرعي للنظام السياسي ووريثه الوحيد الذي يرفده بالنخب السياسية من نفس بيئته او انه مرآة النظام يتبعه كظله ولا يتمرد عليه[12]، وفي العراق تعزيز لهذا الرأي لان بعد مرور دورتين انتخابيتين ومنذ صدور الدستور والدورة الثالثة على مشارف الانتهاء لم يحقق قانون الانتخابات النافذ رقم (45) لسنة 2013 المطلب الدستوري في التمثيل الحقيقي لإرادة الناخب العراقي لان النتائج العملية لعمل مجلس النواب وخياراته التي تكونت بها الحكومات التي من مهامها تخطيط وتنفيذ السياسة العامة لدولة وتنفيذ أهدافها وعلى وفق ما ورد في المادة (80) من الدستور، والمراقب للمشهد العراقي سيعرف حتما الجواب بان خللاً كبيراً قد اعترى العملية السياسية برمتها مما اثر سلباً على الأداء العام في كل مفاصل الدولة ، وهذا يقودنا إلى أن أساس اختيار وانتخاب مجلس النواب لم يكن موفقاً في تحقيق إرادة الناخب الحقيقية ، وبما إن وسيلة الاختيار التي أسندت بموجبها السلطة إلى أعضاء مجلس النواب كانت وما زالت تتمثل في قانون الانتخابات رقم (45) لسنة 2013 فان الخلل يكمن فيه لأنه اعتمد على نظم انتخابية لا تحقق إرادة الشعب وإنما إرادة الأحزاب والكتل والطوائف و الاثنيات العرقية المتسلطة على قرار الحكم في العراق وهذه لا ترغب في خسارة امتيازاتها التي توفرت من خلال هذا القانون لأنه يوفر لها ديمومة الهيمنة على سلطة الحكم بما يوفر لها من امتيازات مالية ومعنوية كبيرة على حساب المواطن الذي يفترض أن يكون هو مصدر سلطاتهم، لكن إتباع الوسيلة غير الصحيحة أدى إلى تقويض سلطة الشعب وتعظيم تغول هذه الفئات ، حيث اعتمد النظام الانتخابي الحالي على أسلوب اختيار القائمة المفتوحة نسبيا التي يتم بموجبها توزيع المقاعد على القوائم المتنافسة وفقاً لنظام سانت ليغو المعدل وعلى وفق حكم المادة (14) من قانون الانتخابات رقم 45 لسنة 2013 ، بمعنى أن ينتخب الناخب الأشخاص من قائمة واحدة ولا يجوز له اختيار أشخاص من قوائم متعددة ويحسب هذا الصوت إلى القائمة التي تحسب لها المقاعد في المجلس ثم توزع على أعضائها حسب أكثرية الأصوات في داخل القائمة، حتى وان كان احدهم لا يملك أصوات بقدر ما لمرشح آخر في قائمة أخرى ، ومثال ذلك زعيم إحدى القوائم هيمن على أصوات الناخبين وجمع لقائمته اكبر عدد من الأصوات بينما بقية أعضاء هذه القائمة منهم من لم يحصل على عدد من الأصوات تقدر بالعشرات وبأقل كثيرا عن أشخاص من قوائم وكيانات أخرى حصلوا على عشرات الآلاف من الأصوات، لكن استبعدوا ومنح المقعد إلى صاحب الأصوات الأقل في القائمة الفائزة ، وهذا لا يمثل الإرادة الحقيقية للناخبين وإنما إرادة رئيس القائمة في الاختيار وبالتأكيد من يحظى بقبول هذا الرئيس سيبقى بلا أدنى شك تحت هيمنة وسطوة الرئيس والزعيم دون الالتفات إلى مصلحة الشعب الحقيقية، لأنه اعتلى مقعد النيابة عبر ترشيح رئيس القائمة وليس الشعب الذي لم يرتضي به ممثلاً له من خلال الأصوات الشحيحة التي حصل عليها، وبذلك فان القانون الحالي لا يلبي طموح الشعب في تغيير الواقع الراهن للعملية السياسية. والعراق ليس الاستثناء الوحيد المتعلق بحرية الانتخاب وإنما قد يكون أفضل حالاً من الكثير من دول المحيط العربي لان نقدنا له لا يعني انعدام حرية الانتخاب أو التعبير عن الرأي وإنما النقد موجه للتطوير والارتقاء إلى اعلي درجات سلم الديمقراطية، لان بعض الأنظمة العربية تكون فاسدة وجائرة لكنها أكثر تسامحاً وتقبلاً للتعددية وهذا الرأي يروج له بعض الكتاب الغربيين، حيث يشير احدهم وهو فريد زكريا أمريكي من أصول مصرية إن البديل لهذه الأنظمة ستكون قوى إرهابية وظلامية ويقول إن إجراء انتخابات حرة في تلك البلدان سيؤدي إلى وصول قوى تكفيرية وجهادية قريبة من فكر القاعدة (أسامة بن لادن) ويستشهد بقول لياسر عرفات عند إجراء مفاوضات كامب ديفيد بأنه لو سمح بإجراء انتخابات نزيهة سيكون القرار بيد حماس والجهاد الإسلامي[13]، وخلاصة القول فان الانتخاب هو إجراء دستوري لاختيار الفرد، أو مجموعة من الأفراد لشغل منصب معين.

2. طبيعة حق الانتخاب : إن الدستور النافذ لعام 2005 وميثاق الأمم المتحدة والشرعة الدولية لحقوق الإنسان اعتبرت الانتخاب حق للفرد له أن يتمتع به ويزاوله وعلى الدول أن توفر له كافة الإجراءات التي تمكنه من ممارسة هذا الحق لكن الفقه الدستوري تناول هذا الحق برؤى فلسفية لغرض الوقوف على طبيعة هذا الحق فهل هو حق خالص للفرد له ان يزاوله دون قيد او شرط ام ان الانتخاب وظيفة اجتماعية ملزم الفرد بادائها ضمن سياق المجتمع وليس على وفق هواه الفردي كما اشار بعض فقهاء القانون الدستوري الى ان الانتخاب هو سلطة قانونية مصدرها القانون والدستور لذلك ساعرض لهذه الاراء باختصار على مقدار حاجة البحث وعلى وفق الاتي :
‌أ. الانتخاب حق للفرد : يعتبر الانتخاب حق لكل فرد في المجتمع ويترتب على ذلك تطبيق مبدأ الاقتراع العام أي مساهمة جميع أفراد المجتمع البالغين سن الرشد في الانتخاب، و لكن بما أنه حق شخصي فلا يترتب عليه أي إلزام، أي أن للفرد حق في أن يمارس هذا الحق ويشترك في عملية الانتخابات ويدلي برأيه، أو من حقه أيضاً أن يمتنع عن ذلك[14].

‌ب. الانتخابات وظيفة اجتماعية : ويقصد به إن الانتخاب عمل أو نشاط يؤديه الفرد بتكليف من الأمة التي ينتمي إليها للمساهمة في إدارة شؤونها وليس حق فردي مطلق ويرى فقهاء القانون الدستوري إن هذا الاختلاف في التكييف ظهر عقب قيام الثورة الفرنسية عندما بدأ النقاش يحتدم على من صاحب السيادة حيث عمدت الطبقة البورجوازية بعد الثورة الفرنسية إلى المناداة بمبدأ سيادة الأمة بدلًا من مبدأ السيادة الشعبية طمعاً في احتكار السلطة بين يديها، ومبدأ سيادة الأمة يقول بأن السيادة الشعبية لا تعود إلى أفراد الجماعة وإنما إلى شخصية معنوية مستقلة عن الأفراد الطبيعيين، وهذه الشخصية المعنوية هي الأمة، وإن الأفراد الذين يمارسون عملية الانتخاب والتصويت إنما يقومون بذلك نيابة عن الأمة ويؤدون وظيفة وهم لا يحصلون على هذا الحق إلا من الدستور ومن قوانين الدولة التي لا تعترف بهذا الحق لا لمن تراهم أهلا لذلك، وهذا يؤدي الى نتيجة مهمة تتمثل باجبار الشخص على القيام بالانتخاب قسراً وتضع عقوبات لم يتخلف عن ذلك دون عذر مقبول، اما من نادي بان تكون السيادة للشعب فان ذلك يعني إن السيادة الشعبية او سيادة الشعب تتجزأ وتتوزع على جميع أفراده وكل فرد له حق او جزء من السيادة ويكون حق الانتخاب هو حق للناخب وليس التزام مفروض عليه ولا يجوز تقييده أو الحد منه ولا يجوز توقيع جزاء على من لم يمارسه ولا يجوز إجباره على ممارسته[15].

ج. سلطة قانونية : يرى بعض الكتاب وفقهاء القانون الدستوري بان أن الانتخاب ليس بحق ولا وظيفة اجتماعية وإنما هو سلطة قانونية مصدرها الأساسي هو الدستور الذي ينظمها من أجل إشراك المواطنين في اختيار الحكام، ولتحقيق المصلحة العامة، لان القانون هو من ينظم عملية الانتخابات وكيفية أدائها وللمشرع وحده ان يحدد الشروط اللازمة للقيام بذلك ويعدل فيها سواء بالتقييد او التيسير طبقاً لما يتطلبه الصالح العام، وان يجعل الانتخاب مقصورا على بعض دون الآخر وهذا الرأي يكاد يكون الراجح في الفقه الدستوري[16]

وفي العراق فان الرأي الغالب هو اعتبار الانتخاب سلطة قانونية يمنحها الدستور والقانون إلى الأفراد على الرغم مصدر السلطات هو الشعب إلا أن السيادة للقانون على وفق ما ورد في المادة (5) من الدستور التي جاء فيها الآتي (السيادة للقانون، والشعب مصدر السلطات وشرعيتها، يمارسها بالاقتراع السري العام المباشر وعبر مؤسساته) وهذا أتاح للمشرع ( مجلس النواب) سلطة تقييد ذلك الحق بالقدر الذي يتمتع به بموجب خياراته التشريعية وتعزز ذلك بما جاء في تطبيقات القضاء الدستوري في العراق ممثلاً بالمحكمة الاتحادية العليا، حيث قضت برد الطعن الوارد على بعض قانون تعديل قانون الانتخابات رقم 45 لسنة 2013 عندما اعتبرت بعض القيود التي اقرها مجلس النواب بقانون التعديل الثالث هي من الخيارات التشريعية المتاحة لمجلس النواب وعلى وفق ما جاء في قرار المحكمة الاتحادية العليا رقم 32/اتحادية/2018 في 5/3/2018 الذي قضت فيه بدستورية نص الفقرة (رابعا) من المادة (8) من قانون انتخابات مجلس النواب رقم 45 لسنة 2013 المعدل التي جاء فيها الآتي (رابعاً: أ. أن يكون حاصلاً على شهادة البكالوريوس أو ما يعادلها. ب . للقوائم الانتخابية تخصيص نسبة لا تزيد عن (20%) من عدد المرشحين لشرائح المجتمع من حملة الشهادة الإعدادية أو ما يعادلها. حيث اعتبر ذلك من الخيارات المتاحة للمشرع العراقي حتى وان عدل عن رأيه لأنه في قانون سابق اصدر مجلس النواب تعديل لقانون الانتخابات عدل فيه شرط حصول المرشح على شهادة البكالوريوس بدلا من شهادة الإعدادية بموجب قانون التعديل الأول رقم (1) لسنة 2018 ثم عاد ورجع إلى قبول ترشح حملة شهادة الإعدادية مرة أخرى بموجب قانون التعديل الثاني والقانون الأول كان محل نظر من قبل المحكمة الاتحادية العليا عندما قضت بان للمشرع الخيار في تحديد شرط الشهادة وذلك بموجب قرارها التفسيري رقم 15/ اتحادية/2018 وأوضحت في كلا القرارين للمشرع أن يمارس خياره التشريعي باختيار البدائل والحلول ولا رقابة عليه في هذا الجانب طالما لم يتقاطع مع أي قيد دستوري ويعد هذا الأمر جوهر العمل بمبدأ الفصل بين السلطات[17]

الفرع الثاني

دور القضاء في حماية حق الانتخاب

إن القضاء بجميع أنواعه ( الدستوري، الاعتيادي ، الإداري) من أهم مهامه هو الحفاظ على المبادئ الدستورية وحمايتها والحرص على تطبيق القانون تطبيقاً صحيحاً، ولان العملية الانتخابية التي يعتبر الناخب واحد من أهم عناصرها لأنها كما مر ذكره تتكون من (الناخب والمرشح، واليات الانتخاب)، وتنفيذ العملية الانتخابية يتم على وفق عدة تشريعات منها الدستور النافذ وقوانين أخرى تتعلق بالانتخابات ، منها قانون الانتخابات وقانون المفوضية العليا المستقلة للانتخابات ، وقوانين ذات علاقة بالمرشح مثل قانون العقوبات وقانون هيئة المسائلة والعدالة، فضلاً عن التشريعات الفرعية مثل الأنظمة والتعليمات التي تصدرها المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، وهذه المجموعة التشريعية الانتخابية يتم تنفيذها بواسطة مؤسسات وأشخاص القانون العام مثل هيئة المساءلة والعدالة وهيئة النزاهة فضلا عن المفوضية المستقلة للانتخابات ، ولان هذه الأمور تكون بقرارات وإجراءات تصدر عن تلك المؤسسات التي أشير إليها، فان القانون لم يحصنها بل جعل لها طرق للطعن إما أمام القضاء الاعتيادي أو الإداري ، بينما المصادقة النهائية على الانتخابات تكون لأعلى سلطة قضائية في البلاد الممثلة بالمحكمة الاتحادية العليا في العراق على وفق ما أشارت إليه الفقرة (سابعاً) من المادة (93) من الدستور والفقرة (سابعاً) من المادة (4) من قانون المفوضية العليا المستقلة للانتخابات رقم 11 لسنة 2007 المعدل لذلك لابد من الوقوف على الحماية القضائية التي وفرها الدستور والقانون لحماية حق الانتخاب من اجل أن تكون معبرة عن رأي الشعب وان كان بشكل نسبي وسأعرض للموضوع من وجهة القضاء الدستور، المحكمة الاتحادية العليا، ومن ثم من وجهة نظر القضاء الاعتيادي وعلى وفق الآتي:

أولاً : حماية القضاء الدستوري لحق الانتخاب

إن مهمة القضاء الدستوري في العراق ، ممثلاً بالمحكمة الاتحادية العليا ، له عدة مهام نص عليها الدستور وبعض القوانين الأخرى ومن مهامه النظر في دستورية القوانين ومنها القوانين ذات الصلة بالعملية الانتخابية فضلاً عن المصادقة النهائية على نتائج الانتخابات التي تعلنها المفوضية المستقلة للانتخابات ، وفي كلا المهمتين فان القضاء الدستوري في العراق كان له الدور الكبير في حماية حق الانتخاب من الاعتداء أو الإلغاء أو التحويل وتغيير إرادة الناخب عبر قرارات عدة أصدرتها المحكمة الاتحادية العليا وسأعرض لها على وفق الآتي:

1. قرار المحكمة الاتحادية العليا العدد 99ـ 104ـ 106/اتحادية/2018 في 21/6/2018 الذي قضت فيه بعدم دستورية نص المادة (3) من قانون التعديل الثالث لقانون انتخابات مجلس النواب رقم 45 لسنة 2013، ويذكر إن تلك المادة كانت قد ألغت نتائج التصويت في الخارج والنازحين في بعض المحافظات، واعتبرت المحكمة الاتحادية العليا إن هذه المادة القانونية تتعارض والمواد (14، 20، 38) من الدستور، لان إلغاء أصوات الناخبين يشكل هدراً لهذه الأصوات ومصادرة لإرادة الناخبين، طالما هؤلاء الناخبين لم يرتكبوا أي مخالفة، وبذلك فان أي تشريع يعطل حق الناخب بالتصويت سواء بمنعه أو إلغاء صوته لاحقاً، هو مخالفة للمبادئ الدستورية على وفق ما جاء في الدستور وفي قضاء المحكمة الاتحادية العليا بموجب عدة قرارات كانت قد أصدرتها سابقاً.

2. قرار المحكمة الاتحادية العليا رقم 12/اتحادية/2012 في 14/6/2012 حيث قضى بعدم دستورية نص المادة (3) من القانون رقم 26 لسنة 2009 قانون تعديل قانون الانتخابات رقم 16 لسنة 2005 لان تحـويل صــوت الناخـب بدون إرادته من المرشح الذي انتخبه إلى مرشـح من قائمـة أخرى لم تتجـه إرادته الانتخـابية يعتبر تعديـاً على حقوقه الدستورية ويشكل مخالفة لنص المادة (20) من الدستور التي جاء فيها الآتي (للمواطنين رجالاً ونساءً، حق المشاركة في الشؤون العامة، والتمتع بالحقوق السياسية، بما فيها حق التصويت والانتخاب والترشيح)

3. قرار المحكمة الاتحادية العليا العدد 82/ اتحادية/2015 في 7/11/2015 الذي قضى بعدم دستورية قرار مجلس النواب باستبدال احد الأعضاء على خلاف إرادة الناخب حيث اعتبرت المحكمة الاتحادية العليا إرادة الناخب المعبر عنها عبر التصويت في الانتخابات هي المعيار لاختيار العضو الذي يحل محل العضو الذي أصبح مقعده شاغراً في مجلس النواب

4. قرار المحكمة الاتحادية العليا العدد 36/ اتحادية/2013 في 26/8/2013 الذي قضى بعدم دستورية الخطوة الثالثة من نظام توزيع المقاعد النيابية الصادر عن المفوضية العليا المستقلة للانتخابات رقم (12) لسنة 2013 وكان هذا النظام قد حدد نسبة الكوتا النسائية على خلاف كما نص عليه الدستور وجاء في أسباب الحكم بعدم الدستورية ان هذه الخطوة تتعارض مع المواد (14، 16، 20، 38/أولا) من الدستور وإنها على خلاف إرادة الناخب لأنها تجعل من صوت الناخب ان يذهب إلى غير من صوت له ويغير من إرادته.

ومن خلال ما تقدم نجد ان المحكمة الاتحادية كانت صمام الامان للحفاظ على المكاسب الدستورية التي تحقق للفرد العراقي في دستور عام 2005 وقضت بعدم دستورية النصوص القانونية التي شرعها مجلس النواب او المفوضية العليا المستقلة للانتخابات عندما تعارضت هذه النصوص مع المبادئ الدستورية المتعلقة بحق الفرد بالانتخاب.

ثانياً : القضاء الاعتيادي وحق الانتخاب

إن القضاء الاعتيادي الذي ينطوي تحت لواء مجلس القضاء الأعلى كان له دور حاسم في صيانة حق الناخب وحمايته من الخرق عند تطبيق النصوص القانونية التي صدرت على وفق مقتضى الدستور ومنح المشرع القضاء الاعتيادي مهمة التصدي للطعون المقدمة تجاه المفوضية العليا المستقلة للانتخابات عند تنفيذها العملية الانتخابية حيث أن الفقرة (ثالثاً) من المادة (8) من قانون المفوضية العليا المستقلة للانتخابات رقم 11 لسنة 2007 المعدل قضت بتشكيل هيئة قضائية في محكمة التمييز الاتحادية من ثلاث قضاة من أعضاء محكمة التمييز تختص بالنظر في الطعون المقدمة تجاه قرارات المفوضية العليا المستقلة للانتخابات وعلى وفق النص الآتي (تقوم محكمة التمييز بتشكيل هيئة تسمى الهيئة القضائية للانتخابات تتألف من ثلاثة قضاة غير متفرغين للنظر في الطعون المحالة إليها من مجلس المفوضين أو المقدمة من قبل المتضررين من قرارات المجلس مباشرة إلى الهيئة القضائية) ولابد من الإشارة الى اختلاف الطعن الانتخابي عن المنازعة الانتخابیة لان الطعن هو الوسیلة القانونیة التي تثير النزاع الانتخابي أمام الجهة المختصة بالفصل، كما أن الطعن خصوصیته فهو دعوى ضد إجراءات ولیس ضد أشخاص والغایة منه هو التحقق من سلامة العملیة الانتخابیة، أما سبيل المنازعة الانتخابية له محل آخر، فإذا تعلق بارتكاب إحدى الجرائم الانتخابية فان المحاكم الجزائية المختصة هي التي تتولى النظر فيه على وفق أحكام الفقرة (أولاً) المادة (8) من قانون المفوضية العليا المستقلة للانتخابات رقم 11 لسنة 2007 المعدل كذلك قد يكون النزاع من اختصاص المحكمة الاتحادية العليا مثلما حصل في كل عملية انتخابية، ومن الجدير بالذكر بين المتضررين الذين لهم الحق في الطعن بقرارات مجلس المفوضين هو (الناخب) وذلك عندما يتم شطب اسمه أو عدم تسجيله أو منعه من ممارسة حقه في الانتخابات في ضوء أحكام القانون النافذ وعلى وفق ما جاء في نص المادة (3) من نظام الشكاوى والطعون الانتخابية لمجلس النواب العراقي رقم 6 لسنة 2018 حيث أعطت للناخب حق الشكوى ومن ثم حق الطعن أمام الهيئة القضائية في محكمة التمييز الاتحادية، وبذلك وفر القانون الحماية للناخب في المحافظة على حقه في الانتخاب وممارسته في ضوء القانون النافذ.

الخاتمة

من خلال ما تقدم عرضه نرى مدى الاهتمام الذي حضي به صوت الناخب على مستوى الدستور الذي اعتبر حق الانتخاب من المبادئ الأساسية والحقوق الرئيسية للفرد الى المنظومة التشريعية التي أولته العناية والاهتمام ثم إنشاء مؤسسة مستقلة لإدارة العملية الانتخابية فضلاً عن الاهتمام العالمي والدولي بحق الانتخاب أو الاقتراع ووجدت لتامين ممارسة هذه الحق عدة تشريعات دولية سواء كانت على شكل إعلان عالمي أو عهود أو اتفاقيات دولية وهذه بالمجل تسمى الشرعة الدولية لحقوق الإنسان، ومن هذه الأهمية التي يتصف بها هذا الحق الدستوري كان للقضاء الدستوري اثر واضح في حمايته من الاعتداء التشريعي عندما تصدت إلى النصوص القانونية التي حاولت إلغاء هذا الحق أو تحويل إرادة الناخب إلى غير ما يهدف وقضت بالحكم بعدم دستورية هذه النصوص القانونية وإعادة إلى حق الانتخاب دوره الفاعل في تكوين العملية السياسية التي ترتكز عليها كل السياسات العامة الأخرى ويشير احد المختصين في شؤون الانتخابات بان “العمليات الانتخابية عندما تكون ناجحة تُقدم سبلاً لتوجيه النزاع الاجتماع ينحو حوار بنَّاء قائم على الاحترام وقواعد مشتركة لاختيار الممثلين الموثوقين عن الشعب ممن يستطيعون شغل مناصب في السلطة التنفيذية والتشريعية وغيرها من المؤسسات. وفي الوقت الراهن، ثمة إدراك على نطاق واسع بأن الضامن الأساسي للسلم الاجتماعي هو وجود مؤسسات ديمقراطية قوية مثل مؤسسة الانتخابات تعتبر الانتخابات التي تمنح صوتاً للشعب في جوهرها وسيلة بالغة الأهمية لإدارة النزاع الاجتماعي عبر مداولات وعمليات صنع قرار سلمية يضطلع من خلالها “الفائزون ” تنفيذ المبادرات والبرامج السياسية الموعودة ويحظى “الخاسرون” بفرصة العملكمعارضةمخلصةوفرصةالمحاولةمجدداًفي انتخابات مستقبلية”[18] كما اتضح بان الانتخاب هو الوسيلة المثلى لإسناد السلطة في الوقت الحاضر، باعتباره الإجراء الذي يتم بمقتضاه تحديد وتعيين المسؤولين عن إدارة شؤون البلاد نيابة عن الشعب، وإن أساس التمثيل النيابي الحقيقي المعبر عن روح وقيم الدستور النافذ هو قانون الانتخابات، فإذا تمكنا من توفير الوسيلة الصحيحة التي تحقق التمثيل النيابي الصحيح فان العملية السياسية والتشريعية تكون بأبهى صورها لان كل مفاصل الدولة تعتمد على مجلس النواب بوصفه الممثل الحقيقي لإرادة الشعب، فضلا عن الدستور الذي اخذ بنظام الحكم النيابي وليس الرئاسي أو المختلط وعلى وفق حكم المادة (1) من الدستور التي جاء فيها الآتي (جمهورية العراق دولةٌ اتحاديةٌ واحدةٌ مستقلةٌ ذات سيادة كاملة، نظام الحكم فيها جمهوريٌ نيابيٌ(برلماني (ديمقراطيٌ، وهذا الدستور ضامنٌ لوحدة العراق) وهذا المبدأ الدستوري كان نصب أعين المحكمة الاتحادية العليا وجعلته نبراس عملها تجاه المنازعات الدستورية في أكثر من مجال وليس في المجال الانتخابي فقط.

القاضي

سالم روضان الموسوي

 

المصادر

1. اوليفيه دوهاميل و ايف ميني ـ المعجم الدستوري ـ ترجمة منصور القاضي ـ منشورات المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر ـ طبعة بيروت الأولى عام 1996
2. بندر تركي العتيبي ـ دور المحكمة الجنائية الدولية الدائمية في حماية حقوق الإنسان ـ منشورات جامعة نايف للعلوم الامنية طبعة الرياض عام 2008
3. ربيع أنور فتح الباب متولي ـ النظم السياسية ـ منشورات الحلبي الحقوقية ـ ط1 عام 2013
4. الدكتور رياض عزيز هادي ـ حقوق الإنسان تطورها، مضامينها، حمايتها ـ توزيع المكتبة القانونية في بغداد بلا سنة طبع
5. القاضي سالم روضان الموسوي ـ حجية احكام المحكمة الاتحادية العليا في العراق واثرها الملز دراسة مقارنة ـ منشورات مكتبة صباح ـ طبعة أولى عام 2017
6. شارلز بيتر ـ فكرة حقوق الإنسان منشورات المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في الكويت عام 2015
7. الدكتور غالب علي الداودي ـ المدخل إلى علم القانون ـ طبعة عمان السادسة عام 2000ـ
8. مالوك براون ـ الانتخابات ومنع نشوب النزاعات منشور أصدرته UNDP
9. القاضي مدحت المحمود ـ العدالة الدستورية ـ مقال منشور في الموقع الالكتروني للمحكمة الاتحادية العليا بتاريخ 7/7/2018 https://www.iraqfsc.iq/news.4135/
10. الدكتور محمد عبدالرحمن الدسوقي ـ مدى التزام الدولة بغير إرادتها في القانون الدولي العام ـ منشورات الحلبي الحقوقية ـ بيروت ط 1 عام 2012
11. الدكتور محمد المجذوب ـ القانون الدستوري والنظام السياسي في لبنان منشورات مكتبة الحلبي الحقوقية ـ طبعة بيروت
فريد زكريا ـ مستقبل الحرية ـ ترجمة رضا خليفة ـ منشورات الهيئة المصرية العامة للكتاب طبعة القاهرة عام 2009

[1]للمزيد انظر الكاتب الأمريكي شارلز بيتر ـ فكرة حقوق الإنسان منشورات المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في الكويت عام 2015

[2]موسوعة ويكبيديا

https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%82%D9%88%D9%82_%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D8%A9

[3] القاضي مدحت المحمود ـ العدالة الدستورية ـ مقال منشور في الموقع الالكتروني للمحكمة الاتحادية العليا https://www.iraqfsc.iq/news.4135/

[4] ربيع أنور فتح الباب متولي ـ النظم السياسية ـ منشورات الحلبي الحقوقية ـ ط1 عام 2013 ـ ص 314

[5] اوليفيه دوهاميل و ايف ميني ـ المعجم الدستوري ـ ترجمة منصور القاضي ـ منشورات المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر ـ طبعة بيروت الأولى عام 1996ـ ص 540

[6]للمزيد انظر الدكتور رياض عزيز هادي ـ حقوق الإنسان تطورها، مضامينها، حمايتها ـ توزيع المكتبة القانونية في بغداد بلا سنة طبع ـ ص 4

[7]الدكتور محمد عبدالرحمن الدسوقي ـ مدى التزام الدولة بغير إرادتها في القانون الدولي العام ـ منشورات الحلبي الحقوقية ـ بيروت ط 1 عام 2012ـ ص 86

[8] الدكتور رياض عزيز هادي ـ مرجع سابق ـ ص93

[9]الدكتور غالب علي الداودي ـ المدخل الى علم القانون ـ طبعة عمان السادسة عام 2000ـ ص232

[10]للمزيد انظر بندر تركي العتيبي ـ دور المحكمة الجنائية الدولية الدائمية في حماية حقوق الإنسان ـ منشورات جامعة نايف للعلوم الامنية طبعة الرياض عام 2008 ـ ص 38

[11]اوليفيه دوهاميل و ايف ميني ـ المعجم الدستوري ـ مرجع سابق ـ ص152

[12]الدكتور محمد المجذوب ـ القانون الدستوري والنظام السياسي في لبنان منشورات مكتبة الحلبي الحقوقية ـ طبعة بيروت ـ ص385

[13] فريد زكريا ـ مستقبل الحرية ـ ترجمة رضا خليفة ـ منشورات الهيئة المصرية العامة للكتاب طبعة القاهرة عام 2009ـ ص120

[14]الدكتور محمد المجذوب ـ مرجع سابق ـ ص 316

[15]الدكتور محمد المجذوب ـ مرجع سابق ـ ص 318

[16]الدكتور محمد المجذوب ـ مرجع سابق ـ ص 319

[17] للمزيد انظر القاضي سالم روضان الموسوي ـ حجية احكام المحكمة الاتحادية العليا في العراق واثرها الملز دراسة مقارنة ـ منشورات مكتبة صباح ـ طبعة أولى عام 2017 ـ ص 44

[18]مالوك براون ـ نقلا عن منشور أصدرته UNDP ـ الانتخابات ومنع نشوب النزاعات ـ ص 16

إعادة نشر بواسطة محاماة نت