الالتزام بالإعلام في عقد الرحلة.

أبوبكر مهم

أستاذ بكلية الحقوق بسطات

مقدمة:
من الأكيد أن ضرورة إنارة طريق المستهلك ودعم مركزه التفاوضي، يجعله في حاجة ماسة إلى كل المعلومات الضرورية التي تشد أزره وتساعده على اتخاذ القرار السليم فيما يريد أن يقدم عليه، ولا يتأتى له ذلك، في نظرنا، إلا بإلزام المحترفين بتزويده بكافة المعلومات اللازمة الكفيلة بجعله يتعاقد وهو على بينة من أمره وتجعله في وضعية تسمح له بتقدير مدى ملاءمة العقد الذي يريد الدخول فيه.

واستجابة لهذا الهاجس فقد عمل القانون المتعلق بتحديد

تدابير لحماية المستهلك على التنصيص على التزام بالإعلام يقع على المحترفين، حيث أوجب على كل محترف بائع منتوج أو مقدم خدمة، قبل إبرام العقد، أن يضع المستهلك في وضعية تسمح له بمعرفة الخصائص الجوهرية للمنتوج أو الخدمة.

وتظهر أهمية هذا الالتزام بالإعلام بشكل واضح في عقد الرحلة الذي يرتبط ارتباطا وثيقا بالمجال السياحي الذي توليه الدولة أهمية بالغة، نظرا لأن ازدهار النشاط السياحي يؤدي بدوره إلى ازدهار وانتعاش كل أوجه المهن والأنشطة الاقتصادية المرتبطة به، وبالتالي الازدهار العام للاقتصاد الوطني، هذا بالإضافة إلى أنه يعتبر مصدرا مهما من مصادر العملة الصعبة.

ولما كانت وكالات الأسفار تلعب دورا رئيسيا في تحريك النشاط السياحي وإنعاشه، نظرا لقيامها بالأعمال والخدمات المتعلقة بالسفر وتوفيرها أسباب الراحة والطمأنينة للمسافرين خلال عمليات الانتقال والزيارات والإقامة، وهي بحكم مزاولتها لهذه الأعمال تتصل بالجمهور اتصالا مباشرا، فإن تأثير هذه الوكالات على حركة السياحة كبير مما يجعل استغلال وإدارة هذه الوكالات يقتضي عناية خاصة من قبل سلطات الوصاية ويحتاج إلى خبرة وأمانة وثقة ومقدرة مالية، وذلك بهدف حماية المتعاملين معها، وبقصد حماية سمعة البلاد من عبث وتلاعبات بعض الوكالات، ومن أجل ذلك كان تدخل المشرع ضروريالتنظيم العلاقة التي تربط الزبناء بهذه الوكالات، هذه العلاقة التي تترجم في إطار ما يسمى بعقد الرحلة.

وهكذا يظهر أن الحاجة إلى إعلام المستهلك بكل ما يتعلق بالرحلة في هذا النوع من العقود (المبحث الأول) لا يجد مصدره فقط في إطار العلاقة بين طرف قوي وهو وكالات الأسفار وطرف يوجد في حالة ضعف كبير نظرا لجهله بالظروف التي ستجرى فيها الرحلة، بل أكثر من ذلك يجد مصدره في حماية سمعة البلاد لاسيما وأن المغرب يراهن بشكل كبير على مجال السياحة لتنمية اقتصاده ، لذلك فإن المشرع خاصة في القانون رقم 96-31 المتعلق بالنظام الأساسي لوكالات الأسفار لم يدخر جهدا في إحاطة هذا العقد بسياج من الضمانات سعى من خلالها بالأساس إلى توفير إعلام جيد للمستهلك ( المبحث الثاني).

المبحث الأول : الحاجة إلى التزام بالإعلام مشدد في عقد الرحلة

عقد الرحلة هو عقد تتعهد بمقتضاه وكالة السياحة والسفر بأن تقدم لزبنائها عدة خدمات تتدرج بتدرج طبيعة النشاط وتشتمل في حدها الأدنى على حجز الأماكن على مختلف وسائل النقل أو الحجز في الفنادق وغيرها من أماكن الإقامة، وفي حدها الأقصى على تنظيم الرحلة الشاملة لحسابها وتقديم الخدمات المرتبطة بها، مقابل مبلغ يتم تقديره عادة حسب نوع الخدمة وطبيعتها.

ولما كان هذا العقد، خاصة في حالة ما يسمى بالرحلة الشاملة، يتميز بتقديم عدة خدمات مستقبلية لا يكون المستهلك عادة على معرفة كاملة بمحتواها بل هو يتعاقد مستوثقا بالمعلومات التي تقدمها له وكالات السياحة والأسفار؛ فقد برزت عدة مشاكل على المستوى العملي ترجع بالأساس إلى استغلال هذه الوكالات لجهل المستهلكين والثقة التي يضعها هؤلاء فيهم، فيعمدون إلى بعض الممارسات التعسفية قد تصل أحيانا إلى حد إلغاء الرحلة برمتها بصفة مفاجئة، أو تقديم خدمات دون المستوى المطلوب ولا تستجيب لما كان يتوقعه المستهلك، أو تقديم معلومات غير كافية حول مضمون الخدمات المقترحة، ولذلك ظهرت الحاجة إلى ضرورة تقديم معلومات كافية للمتعاملين مع هذه الوكالات، حتى يكون بإمكانهم تكوين فكرة جيدة عن طبيعة الخدمات المقدمة لهم والطريقة التي سيتم بها تنفيذ هذه الالتزامات.

لأن هذا الإعلام هو الكفيل بتحقيق نوع من المساواة بين أطراف عقد الرحلة الذي يتسم باختلال التوازن بين التزامات الزبون غير المتخصص والذي لا يعلم الشيء الكثير عن الظروف التي ستمر فيها الرحلة، والمحترف أي وكالة السياحة والسفر التي من المفروض فيها أن تكون على معرفة بكل ما يتعلق بتنظيم الرحلات، ولذلك فإن الزبون لا يتوجه إليها إلا لعلمه بأنها متخصصة في تقديم الخدمات للسائحين والمسافرين الأمر الذي يجنبه المتاعب خلال رحلته.

فالمستهلك ينشد أولا وقبل كل شيء الهدوء والطمأنينة وقضاء وقت ممتع خلال مرحلة تجواله، ولذلك فإن الوكالات تلتزم اتجاهه بأن تحيطه علما بكل ما يتعلق بالرحلة والخدمات المرتبطة بها حتى يكون على بينة من أمره سواء في المرحلة السابقة على التعاقد أو أثناء تنفيذ العقد، وهذا الالتزام بالإعلام يبقى قائما على عاتق هذه الوكالات سواء اضطلعت فقط بأعمال الوساطة كحجز تذاكر السفر والإيواء والوساطة في إبرام العقود مع مقدمي خدمات أخرى كالفندقي والناقل والمرشد السياحي وصاحب المطعم….، إذ يكون عليها تزويد المستهلك في هذه الحالة بكل المعلومات المتعلقة بوقت السفر ووجهته ووقت تواجده بالمحطة أو المطار ونوع الخدمة المقدمة؛ أو اضطلعت بأعمال المقاولة،كما هو الشأن في حالة تقديمها للخدمات السياحية ذات السعر الإجمالي، إذ يكون على الوكالة إخبار المستهلك قبل بداية الرحلة بجميع المعلومات المرتبطة بها حتى يكون على دراية بكيفية سريان الرحلة، وبالخصوص تلك المعلومات المتعلقة بوسائل النقل المستعلمة والفنادق المخصصة لإيواء الزبناء والأماكن التي ستتم زيارتها وتحديد الأسعار، وكل ذلك من أجل حماية هؤلاء الزبناء المتعاملين مع هذه الوكالات وتمكينهم من قضاء رحلة هادئة وتحقيق الهدف المتوخى منها وبالخصوص الاستمتاع والترفيه.

هذا ونظرا لمكانة هذا الالتزام بالإعلام في هذا النوع من العقود، فقد خصص له القانون سواء في المغرب أو الدول التي تراهن على السياحة كرافعة للتنمية حيزا مهما وهو ما سوف نراه في المبحث الموالي.

المبحث الثاني : بعض مظاهر الالتزام بالإعلام في عقد الرحلة.

نظرا لأهمية الالتزام بالإعلام في عقد الرحلة والذي يقوم- في نظرنا- على عدم المساواة الذي يفرض التحلي بحسن النية والأمانة في إبرام العقود وتنفيذها، فقد عمل القانون رقم96-31المتعلق بالنظام الأساسي لوكالات الأسفار، على تكريسه صراحة في المواد 10 و11و12، حيث ألزم وكيل الأسفار بأن ينشر ويوزع إما باسمه أو باسم المؤسسة المنتجة للخدمة السياحية عددا كافيا من المطويات أو الكتيبات التي تتضمن المعلومات المتعلقة بالسفر أو الخدمات والأسعار المقترحة عن كل رحلة أو خدمة ذات سعر إجمالي (المادة 10).

وفيما يخص الرحلة الشاملة أو الخدمة ذات السعر الإجمالي، فقد نص على ضرورة تحرير عقد بشأنها، تقدم قبل توقيعه معلومات مفصلة حول مضمون الخدمة المقترحة وأسعارها وكيفية التسديد وشروط إبطال العقد وكذا الشروط المتعلقة بعبور الحدود (المادة11).

والمعلومات التي تقدمها الوكالة في هذا الإطار تكون ملزمة لها، ما لم يتم إطلاع الزبناء قبل إبرام العقد على التغييرات التي تكون قد أدخلت على مضمونه، وهنا تجدر الإشارة إلى أنه لا يمكن إدخال أي تغيير على المعلومات المذكورة إلا إذا كان وكيل الأسفار قد نص في العقد صراحة على هذا الاحتمال (المادة 12).

وهكذا، فإن ضرورة تكوين الزبون لفكرة جيدة وكاملة عن الرحلة والظروف التي ستمر فيها وتقييمه لطبيعة الخدمات المقدمة، يلقي على عاتق وكالة السياحة والسفر التزاما ثقيلا بالإعلام، لأن الزبون لا يقدم على إبرام العقد إلا بالاعتماد على المعلومات المقدمة إليه من طرفها، ولذلك يحظى هذا الواجب بالإعلام بأمانة وإخلاص بأهمية خاصة في عقد الرحلة، مادام لا يمكن للزبون إلا أن يضع ثقته في وكالة السياحة والسفر وفي المعلومات التي تقدمها له هذه الأخيرة بهذا الصدد، لأنه لا يستطيع التحقق منها بنفسه قبل بدء الرحلة، ولذلك فهو يضع ثقته المشروعة في هذه الوكالات نظرا لخبرتها في هذا المجال وفي المعلومات المقدمة له من جانبها، مما يفرض على هذه الأخيرة التحلي بدرجة عالية من الأمانة في تعاملها مع زبنائها وذلك بالمبادرة بتنويرهم وإسداء النصح لهم والحرص على الوفاء بالتزاماتها وأداء الخدمات الموعودة بالكفاءة اللازمة.

واستجابة لهذا الهاجس الحمائي أيضا ونظرا للعناية التي يحظى بها قطاع السياحة في أوربا، فقد قام التوجيه الأوربي رقم 314/30 الصادر في 13 يونيو 1990 المتعلق بالعطل والأسفار والرحلات الشاملة في المادة 4 منه بإلزام كل منظم رحلة بأن يقدم للمستهلك كتابة أو بأية وسيلة ملائمة قبل بداية الرحلة مجموعة من المعلومات من بينها:
-ساعات وأماكن التوقف (les escales) وكذلك الإشارة إلى المكان الذي سيجلس فيه المسافر (في الطائرة، الباخرة أو القطار).

– اسم وعنوان ورقم هاتف الممثل المحلي للمنظم أوdétaillantduوعند عدم وجوده اسم وعنوان ورقم هاتف الهيئات (organismesles) المحلية التي يمكنها أن تقدم المساعدة للمستهلك في حالة مواجهته لصعوبات، وعند عدم وجود هؤلاء الممثلين وهذه الهيئات، فإنه يجب أن يتوفر المستهلك في جميع الأحوال على رقم للاتصال المستعجل أو على كل معلومة تسمح له بربط الاتصال مع المنظم أو (le détaillant) .

-بالنسبة لرحلات وإقامة القاصرين بالخارج، يجب تزويدهم بالمعلومات المتعلقة بكيفية ربط الاتصال مع الطفل أو المسؤول عنه في مكان إقامته.

وهذه الرغبة في إعلام المستهلك الذي يتعامل مع وكالات السياحة والأسفار وتنويره، هي التي دفعت أيضا المشرع الفرنسي إلى إلزام البائع (أي وكيل السياحة والسفر) في المادة 15 من القانون رقم 92-645 الصادر بتاريخ 13 يوليوز 1992 المتعلق بتحديد شروط ممارسة الأنشطة المتعلقة بتنظيم وبيع الأسفار أو الإقامة، بإعلام المعنيين بالأمر كتابة قبل إبرام العقد بمحتوى الخدمات المقترحة المتعلقة بالنقل والإقامة والثمن وطرق الأداء وشروط إبطال العقد وكذلك تلك المتعلقة بعبور الحدود.

وفي هذا الإطار أيضا نصت المادة 96 من المرسوم التطبيقي رقم 94-490 الصادر في 15 يونيو 1994 على أنه يجب أن يقدم البائع للمستهلك قبل إبرام العقد في وثيقة مكتوبة تتضمن الغرض الاجتماعي وعنوانه والإشارة إلى الرخصة الإدارية بالممارسة، معلومات حول الأثمان والتواريخ والعناصر الأخرى المنشئة للخدمة المقدمة بمناسبة السفر أو الإقامة، وتعطي المادة 96 أمثلة عن المعلومات التي يجب وضعها رهن إشارة المستهلك نذكر منها : وجهة الرحلة، خصائص ومميزات وسائل النقل المستعملة، طرق الإيواء، الوجبات المقدمة، الإجراءات الإدارية والصحية التي يجب إجراؤها وخصوصا في حالة عبور الحدود وكذلك آجال القيام بهذه الإجراءات.

وهكذا يظهر أن عقد الرحلة يولد التزاما على عاتق وكالة الأسفار في مواجهة زبنائها بتزويدهم بكل المعلومات اللازمة والضرورية حتى ينعموا برحلة هادئة وآمنة، ولاسيما المعلومات المتعلقة بأماكن الزيارة والجولات السياحية وحالة الطرق ووسائل النقل ومخاطر الرحلة.

ولا يقتصر الالتزام بالإعلام على مجرد التحذيرات و المعلومات المختصرة عن الرحلة بل يجب أن ينصب كذلك على الاحتياطات الواجب اتخاذها لتجنب وقوع أي حادث.

وينبني الالتزام بالإعلام في عقد الرحلة على ما يبدو- شأنه شأن جميع الالتزامات المرتبطة بالخدمات التي تقدمها وكالات الأسفار- على مبدأ حسن النية في إبرام وتنفيذ العقود الذي يقضي بعدم استغلال جهل المتعاقد وخيانة الثقة المشروعة التي يضعها هذا الأخير في وكالة الأسفار.

وهكذا فإن مبدأ حسن النية التعاقدي هو الذي يوجب على المتعاقد وخاصة إذا كان محترفا متخصصا كوكالات الأسفار، أن يضع رهن إشارة الزبناء قبل إبرام العقد كل المعلومات الضرورية عن مضمون العقد وبرنامج الرحلة والمخاطر التي يتضمنها و طرق الوقاية منها، وبصفة عامة كل ما من شأنه أن ينير الطريق للمتعاقد الآخر.

وهذا المبدأ أيضا هو الذي يجعل المحترف ( أي وكالة الأسفار) مسؤولا إزاء زبنائه عن حسن تنفيذ الالتزامات الناتجة عن العقد، سواء كان عليه أن ينفذها شخصيا أو بواسطة مقدمي خدمات آخرين وبعبارة أوضح أن يحترم ما التزم به.

فالعلاقة التعاقدية تقتضي التحلي بالأمانة والصراحة المطلقة بين الأطراف، وخاصة عندما تتسم هذه العلاقة بعدم المساواة في إمكانية الوصول إلى المعلومات، الشيء الذي يبرر إثقال كاهل الطرف الذي يتحكم في مجريات العملية (المحترف) بإخبار الآخر بكل المعلومات الضرورية التي تساعده على تكوين فكرة واضحة حول العقد الذي يقبل على إبرامه.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت