هل تؤثر الانتقائية و المزاجية في عمل مجلس النواب ؟

د. ليث كمال نصراوين

إن أهم ما يميز عمل مجلس النواب الحالي في السنة الأخيرة من عمره الانتقائية والمزاجية في اختيار الموضوعات التي يناقشها ويقرها داخل أروقة مجلس الأمة. فمن خلال استعراض إنجازات المجلس خلال الفترة السابقة نجدها جميعها تتمحور حول إقرار جملة من الامتيازات والمكتسبات المالية الخاصة بأعضائه. فقد تدافع السادة أعضاء مجلس النواب لإقرار جملة من مشاريع القوانين والتعديلات المقترحة عليها التي تضمن لهم امتيازات ومنافع برلمانية خاصة بهم، حيث أقر السادة النواب قانون التقاعد المدني الذي كافأهم براوتب تقاعدية مدى الحياة بكل سهولة ويسر يحسدون عليها، وعدلوا قانون جوازات السفر بكل شغف ولهفة محققين نصرا برلمانيا شخصيا يتمثل في حصولهم على جوازات سفر دبلوماسية مؤقتة بعد أن حالت الصحوة الإعلامية والشعبية من تحقيقهم لمآربهم الخاصة من الحصول على جوازات سفر دبلوماسية مدى الحياة.

في المقابل، فقد فشل مجلس النواب فشلا ذريعا في متابعة مشاريع القوانين وتعديلات القوانين المقترحة ذات الأهمية القصوى والتي هي على سلم أولويات الوطن والمواطن كقانون المالكين والمستأجرين وقانون الضمان الاجتماعي. فقانون المالكين والمستأجرين قد طرح على جدول أعمال الدورة الاستثنائية الأولى لمجلس النواب ونجح السادة النواب نجاحا باهرا في تهريب النصاب القانوني لجلسات المجلس لمنع مناقشة بنوده وإقرار التعديلات المقترحة التي يأملها طرفا المعادلة في عقد الايجار. وهاهم السادة النواب يتبعون النهج نفسه في تفادي مناقشة بنود القانون في الدورة الاستثنائية الثانية الحالية، حيث إن الخلافات التي دبت بين أعضاء مجلس النواب وأعضاء اللجنة القانونية قد دفعت رئاسة المجلس إلى عدم إدراج ذلك القانون على جدول أعمال الجلسة السابقة، فيكونون ذلك قد قدموا مثالا حيا للانتقائية والمزاجية التي يتعامل بها مجلس النواب مع مشاريع القوانين التي يناقشها تحت قبة المجلس.

أما بخصوص قانون الضمان الاجتماعي، فإن كان السادة النواب قد هبوا للتوقيع على مذكرة نيابية لإدراج قانون الضمان الاجتماعي على جدول أعمال الدورة الاستثنائية الحالية، إلا أن الفضل في ذلك لا يعود إلى ضمائر السادة النواب ورغبتهم الصادقة في مناقشة بنود القانون، بل أن “الشهامة” التي دبت في عروق السادة النواب سببها سلسلة الاعتصامات والمطالبات الشعبية غير المسبوقة بإيلاء قانون الضمان الاجتماعي أهمية قصوى وإقرار القانون المؤقت الذي صدر عام 2010. إلا أنه وللأسف، فقد انتهت “النخوة” النيابية بالتوقيع على المذكرة البرلمانية، ولم نعد نسمع بأي من السادة النواب يلاحق الحكومة لتنفيذ ما تضمنته على أرض الواقع.

إن قمة الانتقائية والمزاجية في العمل البرلماني في مجلس النواب الحالي يظهر جليا في عدم مبالاة مجلس النواب ورئاسته الجليلة في تطبيق التعديلات الدستورية الأخيرة لعام 2011 على النظام الداخلي لمجلس النواب. فقد طالت التعديلات الدستورية الأخيرة موضوعات على قدر كبير من الأهمية وألحقت بها تغييرات جذرية جعلت من نصوص وأحكام النظام الداخلي الحالي لمجلس النواب بحكم المنتهية الصلاحية. فقد جرى تعديل على أحكام المادة (71) من الدستور بأن انتقل الاختصاص في نظر الطعون بصحة عضوية أعضاء مجلس النواب من مجلس النواب نفسه إلى محكمة الاستئناف. وعلى ضوء ذلك فقد أصبح الفصل الخامس من النظام الداخلي لمجلس النواب كاملا الذي يحمل عنوان “الفصل في الطعون” والذي يتضمن أحكاما تنظيمية خاصة بالفصل في صحة عضوية النواب من قبل مجلس النواب بحاجة ماسة وسريعة لإلغائه لمخالفته أحكام الدستور.

كما أنه قد تم تعديل المادة (84) من الدستور الأرني الخاصة بالنصاب القانوني لجلسات مجلس النواب بأن أصبحت جلسات المجلس قانونية بحضور الأغلبية المطلقة لأعضاء المجلس على أن تستمر الجلسة قانونية ما دامت هذه الأغلبية حاضرة فيها، ذلك بعد أن كان يشترط لقانونية جلسات مجلس النواب قبل تعديل الدستور أن يحضرها ثلثا أعضاء المجلس. ومع ذلك فما زالت المادة (79) من النظام الداخلي لمجلس النواب التي تعالج نظام الجلسات تعتبر أن نصاب جلسة مجلس النواب هي ثلثا أعضاء المجلس بحيث تنص المادة على أنه إذا لم يحضر ثلثا أعضاء المجلس يؤخر افتتاحها نصف ساعة، وأنه إذا مضت هذه المدة ولم يكتمل النصاب القانوني يحدد موعد الجلسة المقبلة.

إن إقرار نظام داخلي جديد لمجلس النواب يراعي التعديلات الدستورية الأخيرة هو شأن داخلي للمجلس النيابي ويكفي للقيام بذلك صدور قرار عن مجلس النواب بهذا الخصوص، حيث سبق أن عرض هذا الموضوع على جدول أعمال الدورة الاستثنائية الأولى للمجلس الحالي وقد كان نصيبه كنصيب غيره من الموضوعات الإهمال وعدم المبالاة. فالانتقائية والمزاجية اللتان يتبعهما أعضاء مجلس النواب الحالي في عملهم البرلماني أبتا أن تسمحا للسادة النواب أن يتناولوا الموضوعات التي تخدم الصالح العام، وإنما اقتصر عملهم على إقرار الأمور التي تدر عليهم مصالح مالية ومنافع شخصية، خاصة مع اقتراب موعد الحسم الملكي بحل مجلس النواب ودعوة الشعب الأردني إلى انتخاب مجلس النواب السابع عشر، الذي بغض النظر عن آلية اقتراعه وتشكيله، فإن نجاحه من عدمه يتوقف على مدى رغبة أعضائه في الخدمة العامة والتوقف على خدمة مصالحهم الشخصية على حساب المصلحة العامة.