قراءة في بعض مضامين القانون رقم 90-12 المتعلق بالتعمير

بقلم :الدكتورة.سمية رفاش دكتورة في القانون

مقدمة

في الوقت الذي انخرط فيه المغرب في مسلسل إصلاحات تروم إعادة تأهيل و دعم أسسه الاقتصادية ،الاجتماعية ، المجالية و محاربة ظواهر الفقر من اجل تحقيق أهداف الحكامة على جميع الأصعدة و ترشيد عملية تدبير الاستثمارو تحسين مناخ الأعمال بهدف الرفع من جاذبية المجالات الجهوية و تقليص الفوارق الاقتصادية بين كافة الجهات ،إذ عمد إلى إجراء تعديلات مهمة لترسانته القانونية ، واتخاذ مجموعة من التدابير التي همت التنظيم الإداري و مسار اللامركزية من خلال التعديلات الدستورية التي تهدف أساسا إلى تكريس دورفعال للجهة في مجال التنمية الاقتصادية، و لاسيما فيما يتعلق بدستور 2011 الذي يعزز دور الجهة من خلال مشروع الجهوية الموسعة، و ما يواكبه من نصوص تنظيمية و تطبيقية كالقانون التنظيمي للجهات و غيرها، فانه يلاحظ أن العديد من النصوص القانونية مازالت تعرف العديد من النقائص و بحاجة إلى إعادة الصياغة بروح جديدة تتماشى مع الأهداف الإستراتيجية الكبرى.

من بين هذه النصوص القانونية يمكن أن نذكر القانون رقم 90-12 المتعلق بالتعمير الذي و إن كان يتطرق للعديد من الجوانب التي تهم مسالة التعمير، فهو من النصوص التي تكتسي طابعا تقنيا، و التي تكشف مع مرور الوقت عن العديد من النقائص ،اذ تعد حاليا متجاوزة لكونها لاتساير التطورات التي يعرفها المغرب في تنزيل مقتضيات القوانين التي تهم مجالات التنمية الجهوية ، التنمية المستدامة و غيرها من شروط الحكامة الجيدة ،كما انه من النصوص التي لاتستجيب لمتطلبات الحكامة الجيدة كمفهموم يتوخى تحقيق التوازنات المجالية ، الاقتصادية و الاجتماعية . من هذا المنطلق فقد دعا جلالة الملك في الرسالة الموجهة إلى المشاركين في أشغال الملتقى الوطني لانطلاق إعداد مدونة التعمير بتاريخ فاتح أكتوبر 2005 إلى ضرورة “الانكباب على مراجعة و تحديث منظومة التعمير التي و إن عرفت بعض الإصلاحات في العقدين الماضيين ،فإنها ظلت محدودة و مازالت بعض تشريعاتها ترجع إلى بداية القرن الماضي …” . فأية قراءة يمكن تقديمها لمضامين القانون رقم 90-12 المتعلق بالتعمير ؟

نص قانوني مقتضب بمقاربة لاتراعي مرتكزات الحكامة و التنمية

أولا على الصعيد الهيكلي ، فانه يلاحظ أن مقتضيات هذا القانون التي تتضمن ما مجموعه خمسة أبواب (93 مادة) تظل من منظورنا مقتضبة تحتاج إلى مقتضيات تكميلية على صعيد بعض المواد و إلى إجراء تعديل البعض منها، كما أنها بعيدة عن المفاهيم الجديدة للتنمية المجالية.

فبعد تقديم تعريفات أولية تهم بعض المفاهيم البسيطة الواردة في إطار مضامين بعض مواد هذا النص القانوني،و التي تتعلق أساسا بتحديد مفهوم كل من الجماعات الحضرية المراكز المحددة ،المناطق المحيطة بالجماعات الحضرية ، المجموعات العمرانية و التي نجد أنها لم تتطرق لبعض المفاهيم الحديثة التي ينبغي أن تأخذ بعين الاعتبار الجوانب الاقتصادية و الاجتماعية، و ذلك انطلاقا من كون المقتضيات المتضمنة في هذا الإطار القانوني لم تأخذ بعين الاعتبار أولويات التنمية، فقد خصص الباب الثاني لاستعراض بعض وثائق التعمير و مجالات تدخلها بالإضافة إلى بعض النقط التقنية التي تهم إجراءات إعداد هذه الوثائق..، لاسيما فيما يتعلق بمخطط توجيه التهيئة العمرانية الذي يعد في نظرنا الوثيقة التعميرية الوحيدة في هذا النص القانوني التي تأخذ نوعا ما بعين الاعتبار اكراهات التنمية من خلال تحديد نطاق تطبيقها الذي يهم رقعة أرضية تستوجب تنميتها أن تكون محل دراسة إجمالية بسبب الترابط القائم بين مكوناتها في المجالات الاقتصادية ، الاجتماعية و التجارية و الذي يمكن أن يشتمل (المادة 2)،بغرض تحديد اختيارات التهيئة التي يتطلبها تحقيق تنمية متناسقة على الصعيدين الاقتصادي و الاجتماعي للرقعة الأرضية المعنية مع تحديد الأغراض العامة المخصصة لها الأراضي و تعيين مواقع بعض المناطق (المادة 4) و ذلك لمدة لاتتجاوز 25 سنة .

الملاحظ بخصوص هذا الباب عدم التطرق للاكراهات المجالية التي يمكن ان تظهر من خلال وثائق التعمير ذات صلة بمسالة التنمية المجالية ،حيث لم يتم التطرق لبعض الوثائق التعميرية الأخرى كالمخطط الجهوي للتنمية الاقتصادية ، مخطط التنمية الجماعية PCD ، و التصميم المديري لتهيئة الساحل، كما انه لم يتم التطرق لتصاميم التنمية سوى ضمن بعض الأحكام العامة الواردة في هذا الباب.علاوة على ذلك يلاحظ أن الإجراءات المعتمدة في تبني الوثائق التعميرية لا تتم وفق مقاربة تشاركية تندمج من خلالها رؤية الساكنة المحلية و فعاليات المجتمع المدني.

أيضا من الوثائق التعميرية التي يطرحها القانون رقم رقم 90-12 المتعلق بالتعمير، نجد تصميم التنطيق الذي يهدف حسب المادة 13 من هذا النص القانوني إلى تمكين الإدارات و الجماعات المحلية من اتخاذ التدابير التحفظية اللازمة لإعداد تصميم التهيئة، و الحفاظ على توجهات مخطط توجيه لتهيئة العمرانية عن طريق تحديد اختصاص مختلف المناطق للأغراض التي يجب أن تستعمل لها بصورة أساسية : منطقة سكنية ،منطقة صناعية،منطقة تجارية…

من جهة أخرى، و فيما يخص مسألة الأبنية،فانه يلاحظ أن القانون موضوع الدراسة قد تناول هذه المسالة من زاوية تقنية صرفة ، كما انه لم يميز بشكل واضح بين رخصة البناء الخاصة بالمشاريع الاستثمارية الكبرى كالتجزئات السكنية و غيرها، أو تلك المبرمجة ضمن مجالات الملك العمومي البحري التي لم يتم التطرق إليها بشكل مفصل ، و دائما في نفس السياق فان القانون رقم 90-12 المتعلق بالتعمير يمنح رئيس الجماعة اختصاصات واسعة و بتح له إمكانيةلا اللجوء الى الاستثناء في العديد من الحالات الأمر الذي يتيح له مجالات واسعة للتدخل .

خاتمة

في الختام، و اعتبارا لما سلف لا بد من التأكيد على أن نجاعة أية سياسة تعميرية لا يمكن أن تتم دون تبني إطار قانوني للتعميرشامل يتناول بشكل مفصل كافة الجوانب التعميرية منسجم مع كافة النصوص القانونية التي لها صلة بمسالة التعمير، و أن يكون منفتحا على المفاهيم الجديدة للحكامة الجيدة و ما تقضيه مثلا من ضرورة إعداد وثائق التعمير وفق مقاربة تشاركية و تعاقدية، تراعي الاكراهات التنموية للمجالات المعنية و تراعي في نفس الوقت رهانات سياسة المدينة التي تهم أساسا التنمية المستدامة و الكثافة السكانية و البنيات التحتية.. ، و تضمن في نفس الوقت تحقيق التوازن بين الاكراهات البيئية والأهداف التنموية التي ينبغي أن يتم إعدادها في إطار مخططات تعتمد مقاربة تشاركية.الأمر الذي يفرض ضرورة الإسراع بتبني مشروع مدونة التعمير قيد الدراسة كمشروع يحمل العديد من النقط الايجابية مقارنة بمقتضيات القانون90-12 المتعلق بالتعمير

بقلم :د.سمية رفاش

إعادة نشر بواسطة محاماة نت