الحق في التكامل الجسدي هو مصلحة الجسم في الاحتفاظ بمادته بصورة كاملة من غير نقص أو تعديل، وهو بذلك يقوم على الاعتبار الموضوعي، ومرد ذلك أن مادة الجسم لها قيمة ذاتية كامنة فيها وأي عبث فيها يعد انتقاصاً من الحق في تكاملها الطبيعي(1). وعليه لا يشترط في الفعل الماس بالتكامل الجسدي أن يؤدي إلى الشعور بالآلام أو التدهور في المستوى الصحي(2). ولغرض التعرف على الطبيعة القانونية للحق في التكامل الجسدي لابد لنا من معرفة أهم المعالم التي تميز هذا الحق من خلال دراسة أهم الخصائص التي ينفرد بها عن سواه من الحقوق، وهذه الخصائص هي:

أولاً: الحق في التكامل الجسدي بعدِّه حقاً مقيداً

ويقصد بذلك أن لكل فرد أن يحتج بحقه في التكامل الجسدي أمام بقية الأفراد، ولا ينصرف إلى الذهن بأن المقصود بالحق المطلق أن يتصرف فيه الفرد كيفما يشاء فلهذا الحق قيود اجتماعية وللفرد من جهة أن يقوم بكل ما يحفظ له هذا الحق من تصرفات مشروعة بصورة أصلية عند انتفاء نص التجريم أو بصورة استثنائية عند توافر نص التجريم مع قاعدة مبيحة تزيل صفة التجريم عن التصرف كما في استعمال الحق أو أداء الواجب(3). ومن جهة أخرى يفرض هذا الحق واجباً سلبياً عاماً على الكافة في عدم التعرض لهذا الحق وعدم القيام بأي تصرف يخل بمضمونه(4).

ثانياً: الحق في التكامل الجسدي بعدِّه حقاً غير قابل للتصرف والانتقال للورثة

فالحق في التكامل الجسدي هو أحد الحقوق اللصيقة بالشخصية والتي لا يمكن أن تفارقها، وهو بعبارة أخرى يرتبط مع الشخصية وجوداً وعدماً(5). فلا يمكن أن نتصور انتقال هذا الحق إلى الورثة لأنه ينتهي بانتهاء الشخصية والتي تنتهي بالوفاة. أما بالنسبة للتصرف بالحق من قبل صاحبه فإن هذا الحق مقرراً أصلاً لحماية الجسم ولا يجوز للفرد أن يعطل هذه الحماية بإرادته ويتنازل عن هذا الحق بصورة كلية سواءً أكان ذلك بعوض أو بغير عوض(6). وسبب ذلك هو أن نطاق هذا الحق يتعدى مصلحة الفرد ليشمل مصلحة المجتمع(7). وهذا ما سنوضحه في الفصل الثاني من الباب الثاني من رسالتنا هذه، إلا أن التنازل عن جزء أو عضو من أعضاء الجسم لشخص آخر من أجل إنقاذه من خطر يهدد حياته أو يشلها يعد عملاً مشروعاً(8). وإن كان هدراً لبعض مكونات الجسم البشري وتفريطاً بالسلامة الجسدية التي يحميها القانون إلا أن المصلحة التي تتحقق من عملية التنازل هذه تفوق المصلحة المتحققة من عدم التنازل، لذلك أسبغ المشرع على مثل هذه الأعمال صفة المشروعية.

ثالثاً: الحق في التكامل الجسدي بعدِّه حقاً تبعياً

الحقوق بشكل عام إما أن تكون تبعية أو أصلية، والحقوق التبعية هي تلك التي لا يمكن أن تنشأ إلا متصلة بحق آخر وهو حق أصلي، وتكون مرتبطة به وجوداً وعدماً فتنشأ بنشأة الحق الأصلي وتنتهي بانتهائه(9). ورابطة التبعية هذه ترجع إلى عدة أسباب منها أن يكون أحد الحقين معداً لحماية حق آخر أو لتحقيق أهدافه أو لتوسيعه أو لتكميله(10). وبالنسبة للحق في التكامل الجسدي فإنه يعد تابعاً لحق أصلي رئيس آخر هو حق الحياة، فحق الحياة هو الأصل الذي يحتاج إلى إسناد وحماية وتوسيع وهذا ما يقوم به الحق في التكامل الجسدي.

رابعا: الحق في التكامل الجسدي بعدِّه حقاً غير قابل للسقوط بالتقادم

يفترض التقادم سكوتاً من قبل الشخص صاحب الحق يؤدي إلى سقوط ذلك الحق بعد مضي مدة من الزمن يحددها القانون، وبالنسبة للحق في التكامل الجسدي فلا يمكن لنا أن نتصور تقادم هذا الحق بسكوت الفرد عن استعماله وعدم الدفاع عنه مهما طال الزمن، وسبب ذلك هو أهمية مثل هذه الحقوق اللصيقة بالشخصية قياساً إلى الحقوق الأخرى(11).

خامساً: الحق في التكامل الجسدي بعدِّه حقاً غير مالي

إن الحق في سلامة الجسم شأنه شأن سائر الحقوق اللصيقة بالشخصية لا يعد حقاً ماليا(12). لذلك فهو لا يقدر بالمقياس الذي تقدر به الحقوق المالية وهو النقود، غير أن الاعتداء على هذا الحق كما في جرائم الإيذاء لا يمنع من وجوب إصلاح الضرر بالتعويض النقدي(13) مما يعني نشوء حق للمتضرر في التعويض وهو حق مالي مستقل عن حق الإنسان في التكامل الجسدي ينشأ نتيجة لفعل الإيذاء(14). وبعبارة أخرى فإن مبلغ التعويض لا يعد تقديراً لقيمة العضو المتضرر في جسم الإنسان بل هو جبر لما لحق المتضرر من خسارة وما فاته من كسب(15). ولا يختلف الحال بالنسبة للفقهاء المسلمين في دفع الدية(16) المستحقة للمتضرر فلا تعد تقديراً لقيمة العضو أو الجزء المعتدى عليه بل هي تعويض لحق المتضرر في الاقتصاص من الجاني(17). وسبب ذلك هو أن الفقهاء المسلمين لا يعدون جسم الإنسان مالاً من الأموال التي يجوز التعامل فيها فالمال في الفقه الإسلامي هو كل شيء له قيمة في الأسواق(18)، وهذا ما لا ينطبق على جسم الإنسان.

___________________

1- الدكتور محمود نجيب حسني، المصدر السابق، ص543.

2- الدكتور سلطان الشاوي، الجرائم الماسة بسلامة الجسم، بحث منشور في مجلة العلوم القانونية، المجلد العاشر، العدد الثاني، 1994، ص9.

3- الدكتور محمود محمود مصطفى، شرح قانون العقوبات، القسم العام، الطبعة العاشرة، مطبعة جامعة القاهرة، القاهرة، 1983، ص146 وما بعدها.

4- الدكتور عبد الحي حجازي، المدخل لدراسة العلوم القانونية، جامعة الكويت، الكويت، 1970، ص214.

5- الدكتور محمود نجيب حسني، شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، القاهرة، 1986، ص317.

6- الدكتور عبد الحي حجازي، المصدر السابق، ص215.

7- الدكتور محمود نجيب حسني، الحق في سلامة الجسم، المصدر السابق، ص565.

8- أنظر (المادة الثانية/أ) من قانون عمليات زرع الأعضاء البشرية رقم (85) لسنة 1986 وكذلك المادة (الثانية/1) من قانون مصارف العيون رقم (113) لسنة 1970.

9- الدكتور إبراهيم أبو الليل، المدخل إلى نظرية القانون ونظرية الحق، جامعة الكويت، الكويت، 1986، ص189.

10- الدكتور عبد الحي حجازي، المصدر السابق، ص325.

11- المادة (6) من قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي.

12- نصت المادة (61/1) من القانون المدني العراقي بأنه (كل شيء لا يخرج عن التعامل بطبيعته… أو بحكم القانون يصح أن يكون محلاً للحقوق المالية) وبما أن المادة (3) من قانون عمليات زرع الأعضاء البشرية رقم (85) لسنة 1986 منعت بيع وشراء الأعضاء البشرية، فيكون الحق في سلامة الجسم حقاً غير مالياً.

13- أنظر المادة (202) من القانون المدني العراقي.

14- الدكتور عبد الحي حجازي، المصدر السابق، ص214.

15- أنظر المادة (207/1) من القانون المدني العراقي.

16- إن الدية تطلق على مبلغ من المال يدفع للمتضرر في الجروح التي لا تفضي إلى الوفاة، أنظر الدسوقي، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، الجزء الرابع، دار إحياء الكتب العربية، مصر، بلا سنة نشر، ص255.

17- الدكتور عبد الخالق النواوي، التشريع الجنائي في الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي، المكتبة العصرية، بيروت، بلا سنة نشر، ص434.

18- المادة (126) من مجلة الأحكام العدلية.

المؤلف : حسين عبد الصاحب عبدة الكريم الربيعي
الكتاب أو المصدر : جرائم الاعتداء على حق الانسان في التكامل الجسدي

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .