حل المجالس الشعبية المحلية

باسم الشعب

مجلس الدولة

محكمة القضاء الإدارى

الدائرة الأولى

بالجلسة المنعقدة علناً فى يوم الثلاثاء الموافق 28 /6 /2011 م

برئاسة المستشار/ كمال ذكى عبد الرحمن اللمعى نائب رئيس مجلس الدولة ورئيس محاكم القضاء الإدارى

وعضوية السيد الأستاذ المستشار/ عبد المجيد أحمد حسن المقنن نائب رئيس مجلس الدولة

والسيد الأستاذ المستشار/ عمر ضاحى عمر ضاحى نائب رئيس مجلس الدولة

وحضور السيد الأستاذ المستشار/ هشام سلامة مفوض الدولة

وسكرتارية السيد/ سامى عبد الله خليفة أمين السر

أصدرت الحكم الآتى

فى الدعاوى التالية:

أولاً: الدعوى رقم 22575 ورقم 30195 لسنة 65 قضائية

المقامتين من/ محمود حسن أبو العينين

ثانياً: الدعوى رقم 26438 لسنة 65 قضائية

المقامة من/ بدر الدين عوض عبد القادر

ثالثاً: الدعوى رقم 28010 لسنة 65 قضائية

المقامة من/ أشرف محروس المغازى

رابعاً: الدعوى رقم 29549 لسنة 65 قضائية

المقامة من/ مختار كمال مصطفى أبو هانى

خامساً: الدعوى رقم 31455 لسنة 65 قضائية

المقامة من/ ـ حمدى الدسوقى محمد الفخرانى

ـ ياسمين حمدى الفخرانى

ـ سامح أحمد إبراهيم فوده

ضــــد كل من:

ـ رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة بصفته

ـ رئيس مجلس الوزراء بصفته

ـ وزير التنمية المحلية بصفته

ـ وزير الداخلية بصفته

ـ وزير العدل بصفته

الإجراءات

بتاريخ 13 /3 /2011 أقيمت الدعوى الأولى بصحيفة أودعها المدعى قلم كتاب هذه المحكمة طلب فى ختامها الحكم بقبولها شكلاً ووقف تنفيذ ثم إلغاء قرار جهة الإدارة السلبى بالامتناع عن إصدار قرار بحل الحزب الوطنى الديمقراطى مع ما يترتب على ذلك من آثار ومصادرة ممتلكاته وأمواله ومقاره وحرمان أعضائه والمنتمين إليه من ممارسة أى نشاط سياسى أو حزبى، ثم عدل طلباته بصحيفة معلنة أودعت قلم كتاب المحكمة إلى طلب الحكم بوقف تنفيذ ثم إلغاء قرار جهة الإدارة السلبى بالامتناع عن إصدار قرار بحل المجالس الشعبية المحلية على مستوى الجمهورية مع ما يترتب على ذلك من آثار.

وبتاريخ 27 /4 /2011 أقام ذات المدعى فى الدعوى سالفة الذكر الدعوى رقم 30195 لسنة 65ق بصحيفة أودعت قلم كتاب هذه المحكمة وطلب فى ختامها ذات الطلبات التى اختتم بها صحيفة تعديل الطلبات فى دعواه الأولى على النحو سالف البيان، أى أنه يطعن على ذات قرار الامتناع عن حل المجالس المحلية على مستوى الجمهورية.

وبتاريخ 5 /4 /2011 أودع المدعى فى الدعوى رقم 26438 لسنة 65ق صحيفتها قلم كتاب هذه المحكمة ثم أقام المدعى فى الدعوى رقم 28010 لسنة 65 قضائية دعواه بإيداع صحيفتها قلم كتاب هذه المحكمة بتاريخ 13 /4 /2011، وأودع المدعى فى الدعوى رقم 29549 لسنة 65ق صحيفة دعواه بتاريخ 20 /4 /2011، وأخيراً أقام المدعون فى الدعوى رقم 31455 لسنة 65ق دعواهم بإيداع صحيفتها قلم كتاب المحكمة بتاريخ 5 /5 /2011، وقد أختتمت صحف الدعاوى سالفة البيان بطلبات مماثلة وهى وقف تنفيذ ثم إلغاء قرار جهة الإدارة السلبى بالامتناع عن حل المجالس المحلية على مستوى الجمهورية مع ما يترتب على ذلك من آثار وتنفيذ الحكم فى الشق العاجل من هذه الدعاوى بمسودته دون إعلان.

وقد ساق المدعون سنداً لطلباتهم سالفة البيان أسباباً متشابهة خلاصتها أن مصر أصبحت بعد ثورة 25 يناير 2011 فى عهد جديد بعد أن زال عنها النظام السابق وانقضى الحزب الوطنى بحكم المحكمة الإدارية العليا، الأمر الذى يستوجب زوال ما تبقى من جذور ذلك النظام أو متصلاً بحزبه المذكور، وأن المجالس المحلية الشعبية التى أجريت انتخاباتها فى ظل سيطرة وهيمنة ذلك الحزب ونظامه البائد ما تزال قائمة رغم أنها نتاج انتخابات مزورة وباطلة استولى فيها الحزب الوطنى على ما يقرب من 98% من مقاعدها على مستوى الجمهورية وتبلغ 1750 مجلساً محلياً على مستوى المحافظات والمدن والقرى وبالتالى يتعين حلها حتى يستقيم الحال فى البلاد فى ظل ما تنتظره من انتخابات تشريعية ورئاسية خاصة وأن هذه المجالس أصبحت عبئاً على البلاد لما تسببت فيه من فساد للحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية وما يزال أعضاؤها وهم أكثر من 54 ألف شخص يقودون الثورة المضادة لثورة الشعب بل إن بعضهم شارك فى المظاهرات التى خرجت لتأييد النظام السابق.

وأضاف المدعون أنه لما تقدم يكون امتناع الجهة الإدارية وعلى رأسها المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذى يدير البلاد بعد الثورة عن حل هذه المجالس يمثل قراراً سلبياً غير مشروع مما يتعين معه الحكم لهم بطلباتهم سالفة البيان.

وقد عينت المحكمة جلسة 29 /3 /2011 لنظر الشق العاجل من الدعوى رقم 22575 لسنة 65قضائية، وفيها حضر المدعى وقدم حافظة مستندات ومذكرة وقررت المحكمة التأجيل لجلسة 17 /5 /2011 وفيها قدم المدعى صحيفة تعديل طلباته المشار إليها إلى وقف تنفيذ ثم إلغاء قرار الامتناع عن حل المجالس المحلية الشعبية وقدم مذكرة بدفاعه فى حضور محامى الدولة وقررت المحكمة التأجيل لجلسة 21 /6 /2011 وكانت قد نظرت الشق العاجل من الدعويين رقمى 28010 و 29549 لسنة 65ق على النحو المبين بمحاضر الجلسات، حيث قدم المدعى فى الأولى أربع حافظات لمستندات طويت على صزر أحكام سبق صدورها بشأن انتخابات المجالس الشعبية، وقد قررت المحكمة ضم هاتين الدعويين معاً ليصدر فيهما حكم واحد بجلسة 21 /6 /2011 وخلال حجزهما للحكم قدم المدعى فى الدعوى رقم 29549 لسنة 65ق مذكرة بدفاعه، وأودعت هيئة قضايا الدولة بصفتها نائبة عن الجهة الإدارية مذكرة دفعت فيها بعدم إختصاص محاكم مجلس الدولة عموماً بنظر طلب حل المجالس المحلية، وبعدم قبول هذا الطلب لإنتفاء القرار الإدارى وطلبت إعادة الدعوى رقم 28010 لسنة 65ق للمرافعة، وبجلسة 21 /6 /2011 قررت المحكمة قررت المحكمة إعادة الدعويين للمرافعة لذا الجلسة لضم هاتين المذكرتين.

وكانت المحكمة قد حددت لنظر الشق العاجل من الدعوى رقم 26438 لسنة 65ق جلسة 24 /5 /2011 وفيها حضر المدعى وحضر كل من المحامين نبيه الوحش، أشرف محمود حسن، بشير الدين محمود محمد، وطلبوا التدخل فى الدعوى وقررت المحكمة التأجيل لجلسة 14 /6 / 2011 وفيها قدم المدعى حافظة مستندات طويت على صورة حكم المحكمة الإدارية العليا بإنقضاء الحزب الوطنى وأيلولة ممتلكاته وأمواله ومقاره للدولة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فى الدعوى المذكورة بجلسة 21 /6 /2011، وفيها أعيدت للمرافعة لذات الجلسة لنظرها مع الدعاوى المشار إليها بصدر هذا الحكم، أما الدعوى رقم 30195 لسنة 65ق. فقد حددت المحكمة لنظر الشق العاجل منها جلسة 21 /6 /2011 وفيها حضر المدعى وقدم الحاضر عن الجهة الإدارية مذكرة بدفاعها.

كما نظرت المحكمة الشق العاجل من الدعوى رقم 31455 لسنة 65ق بجلسة 21 /6 /2011 وفيها حضر المدعون وقدم الحاضر عن الجهة الإدارية مذكرة بدفاعها.

ولما كانت المحكمة طبقاً لما تقدم قد نظرت الدعاوى المشار إليها جميعاً بصدر الحكم بجلسة المرافعة فى 21 /6 /2011 فقد قررت ضمها جميعاً للإرتباط وليصدر فيها حكم واحد بجلسة اليوم، وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.

المحكمة

بعد الإطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، والمداولة قانوناً.

من حيث إن المدعين فى الدعاوى المشار إليها بصدر الحكم يطلبون الحكم بقبول هذه الدعاوى شكلاً، وبصفة عاجلة وقف تنفيذ قرار الجهة الإدارية السلبى بالامتناع عن حل المجالس الشعبية المحلية على مستوى الجمهورية مع ما يترتب على ذلك من آثار وتنفيذ الحكم فى هذا الطلب بمسودته دون إعلان، وفى الموضوع بإلغاء هذا القرار مع ما يترتب على ذلك من آثار.

ومن حيث إنه عن الدفع بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى الذى أبدته هيئة قضايا الدولة فى مذكرة دفاعها فإنه غير سديد ومردود عليه بأن مؤدى نص المادة 145 من قانون الإدارة المحلية رقم 43 لسنة 1979 المستبدلة بالقانون رقم 50 لسنة 1981 ومعدلة بالقانون رقم 145 لسنة 1988 حسبما سيرد تفصيلاً بهذا الحكم فيما بعد أن امتناع الجهة الإدارية المختصة عن حل تلك المجالس يشكل قراراً إدارياً سلبياً مما تختص هذه المحكمة بنظر طلب وقف تنفيذه وإلغائه طبقاً لنص الفقرة الأخيرة من المادة العاشرة من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 مما يتعين معه رفض هذا الدفع وتكون المحكمة مختصة ولائياً ونوعياً بنظر الدعوى، كما تلتفت المحكمة عن الدفع بعد قبول الدعوى لإنتفاء القرار الإدارى استناداً إلى ذات الأسباب.

أما عن توافر شرط المصلحة فى المدعيين فإنه لما كانت المادة 12 من قانون مجلس الدولة المشار إليه تنص على أنه “لاتقبل الطلبات الآتية: الطلبات المقدمة من أشخاص ليست لهم فيها مصلحة شخصية” وقد استقر قضاء المحكمة الإدارية العليا فى شأن تطبيق مفهوم هذا النص على أن الصفة والمصلحة تندمجان فى دعوى الإلغاء، وأن الدعوى هى الوسيلة القانونية التى يلجأ بمقتضاها صاحب الشأن إلى القضاء لحماية حقه أو للحصول عليه، وبالتالى يجب أن يكون لرافعها مصلحة قانونية فى إقامتها وأن تكون هذه المصلحة شخصية ومباشرة وقائمة وحالة ويتعين توافر هذه المصلحة عند رفع الدعوى واستمرارها حتى صدور حكم نهائى فيها وإلا كانت مفتقرة لشرط هام من شروط قبولها، ولا يلزم أن يمس القرار المطعون عليه بدعوى الإلغاء حقاً ثابتاً للمدعى على سبيل الاستئثار والانفراد، وإنما يكفى أن يكون المدعى فى حالة قانونية خاصة من شأنها أن تجعل هذا القرار مؤثراً مباشرة فى مصلحة شخصية له ولو شاركه فيها غيره، وغنى عن البيان أن مساهمة المواطن فى الحياة العامة ليست حقاً له فقط كمواطن بل هو واجب عليه يلتزم بأن يحرص على أدائه وأن يتخذ من الوسائل ما يكفل له ذلك فى حدود القانون، وقد حرص المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذى حظى بشرف إدارة البلاد عقب نجاح ثورة الشعب فى الخامس والعشرين من يناير عام 2011 على تأكيد ذلك فى الإعلان الدستورى الصادر عنه بتاريخ 30 /3 /2011 حيث نصت المادة الثالثة منه على أن “السيادة للشعب وحده وهو مصدر السلطات، ويمارس الشعب هذه السيادة ويحميها ويصون الوحدة الوطنية” ولذلك فلكل مواطن يشرف بالانتماء لهذا الوطن مصلحة شخصية ومباشرة فى الطعن على قرار الامتناع عن حل المجالس الشعبية المحلية خاصة فى هذه الظروف التى تمر بها البلاد ولما لهذه المجالس من اختصاصات ـ على ما سيرد بالحكم ـ تؤثر مباشرة فى حياة المواطنين كافة.وترتيباً على ما تقدم فإن شرط المصلحة متوافر فى المدعين جميعاً وتلتفت المحكمة عن الدفع الذى أبدته هيئة قضايا الدولة فى هذا الشأن خاصة فى مذكرتها المودعة بالدعوى رقم 31455 لسنة 65ق.

ومن حيث إن الدعاوى الماثلة قد استوفت سائر أوضاعها الشكلية.

ومن حيث إنه طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه المقرر فى قضاء مجلس الدولة أنه يشترط للحكم به توافر ركنين مجتمعين فإن تخلفا أو تخلف أحدهما امتنع على المحكمة القضاء بذلك أولهما ركن الجدية ويتصل بمشروعية القرار بأن يكون بحسب الظاهر من الأوراق مخالفاً للقانون بما يرجح إلغاءه عند الفصل فى طلب الإلغاء، والثانى هو ركن الاستعجال، بأن يترتب على تنفيذ القرار أو الاستمرار فى تنفيذه نتائج يتعذر تداركها إذا قضى فيما بعد بإلغاء القرار المطعون فيه.

ومن حيث إنه عن ركن الجدية فإنه تجدر الإشارة بداية إلى أن المجالس الشعبية المحلية التى ما زالت قائمة حتى الآن فى جمهورية مصر العربية كانت تستمد شرعية وجودها ضمن نظام الحكم من الدستور السابق للبلاد ـ دستور 1971. حيث كانت تنص المادة 162 منه على أن: “تشكل المجالس الشعبية المحلية تدريجياً على مستوى الوحدات الإدارية عن طريق الانتخا بالمباشر، على أن يكون نصف أعضاء المجلس الشعبى على الأقل من العمال والفلاحين..”.

وقد جاء النص على هذه المجالس فى الدستور المشار إليه فى باب نظام الحكم وكفرع عن السلطة التنفيذية التى ضمت رئيس الجمهورية والحكومة ثم الإدارة المحلية، وقد بيّن قانون نظام الإدارة المحلية الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 43 لسنة 1979 كيفية انتخاب أعضاء هذه المجالس وبيّن تشكيلاتها على مستوى وحدات الإدارة المحلية المختلفة والاختصاصات المنوطة بها.

ومن حيث إنه صار واقعاً ملموساً اعترف به الجميع على المستوى المحلى والإقليمى والعالمى أن ثورة الشعب المصرى فى الخامس والعشرين من يناير عام 2011 قد نجحت نجاحاً باهراً حيث هب هذا الشعب العظيم بكل طوائفه وأطيافه يصرخ فى وجه النظام السابق لما آل إليه حال البلاد فى عهده، حيث طال الفساد كل شئ وتردت الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين وعزت عليهم خيرات بلدهم وثرواته وهم يرونها تحت سيطرة الفاسدين الذين جحدوا كل شئ وأنكروا عليهم حقوقهم فى وطنهم الذى ولدوا فيه وعاشوا على أرضه خلفاً لأسلافهم وأجدادهم. وقد أجبرت هذه الثورة العظيمة الرئيس السابق للبلاد على أن يتخلى عن منصبه للمجلس الأعلى للقوات المسلحة الذى يتولى إدارة البلاد ودافع عن ثورة شعبها الذى أيده وألتف حوله وما زال، وقد أصدر المجلس المذكور بتاريخ 13 /2 / 2011 إعلاناً دستورياً أعلن فيه حل مجلسى الشعب والشورى وتعطيل العمل بدستور 1971، وكأثر مباشر لهذه الثورة وإزاحة رأس النظام الحاكم آنذاك رغماً عنه عن السلطة سقط هذا النظام وتهاوت أركانه فى سرعة هائلة ونزع الغطاء عن ممثليه فبانت عورات لهم كانوا يخفونها عن الشعب ويتجملون من خلفها بأقنعة زائفة لم يرد الله لهم ستراً منها بعد أن أمهلهم زمناً طويلاً للإصلاح دون جدوى فأخذهم أخذ عزيز مقتدر حيث ألقى القبض عليهم لما نُسب إليهم من فساد وإفساد للحياة العامة والخاصة فى مصر وإضرار بمصالح الوطن ونهب وسلب لثرواته وتفريط فيها بأبخس الأثمان واكتسابهم من وراء ذلك أموالاً طائلة لأنفسهم دون حق وأدخل السجن منهم عدد غير قليل بعد إدانتهم بأحكام قضائية ومن لم تصدر ضده أحكام ما زال قيد التحقيق والمساءلة لم تبرأ ساحته بعد، وفى 16 /4 /2011 أصدرت المحكمة الإدارية العليا ـ الدائرة الأولى (أحزاب) حكماً تاريخياً كتبت به شهادة وفاة حزب ذلك النظام ـ الحزب الوطنى الديمقراطى ـ الذى كان أعضاؤه يسيطرون على وظائف ومناصب ومؤسسات وهيئات الدولة حيث قضت بانقضاء الحزب المذكور وتصفية أمواله وأيلولتها إلى الدولة، ولعله من العلم العام الذى لا يخفى على أحد أن الأغلبية العظمى من أعضاء المجالس الشعبية المحلية القائمة فى البلاد إن لم يكن كلهم هم أعضاء ذلك الحزب المنقضى وكانت هذه المجالس من بين أدوات ذلك النظام وبها ينفذ سياساته وأفكاره وكان أعضاؤها لا يتحركون إلا تنفيذاً لمراد من كانوا يديرون هذا الحزب ووفقاً لأهوائهم وبما يحقق رغباتهم، ومن غير المقبول أن يزاح رأس ذلك النظام كأثر لثورة الشعب فى 25 يناير 2011 بل ويسقط النظام كله بقادته ورموزه وأعضائه وأدواته وحزبه، ومع ذلك تظل المجالس المحلية الشعبية قائمة حتى الآن رغم فقدانها لأصل شرعيتها فى الدستور بعد أن عُطلت أحكامه وانقطع عن هذه المجالس حبل الانتماء الحزبى، وتبرأ منها الشعب فلم يعد لها دور فى سياسة أو إدارة الوطن ولم تعد تمثل أحداً فيه وبالتالى بات حلها وإبعادها بتشكيلها الحالى عن أى دور فى الحياة العامة للبلاد حتماً مقضياً وصار واجباً على السلطة المختصة أن تبادر إلى القيام به واتخاذ الإجراء القانونى اللازم لذلك.

ومن حيث إنه لما كانت المادة 62 من الإعلان الدستورى الصادر عن المجلس الأعلى للقوات المسلحة وتسير عليه البلاد حتى وضع دستور جديد تنص على أن “كل ما قررته القوانين واللوائح من أحكام قبل صدور هذا الإعلان الدستورى يبقى صحيحاً ونافذاً….” وكانت المادة 145 من قانون الإدارة المحلية سالف الذكر المستبدلة بالقانون رقم 50 لسنة 1981 والمعدلة بالقانون رقم 145 لسنة 1988 تنص على أن: “يصدر بحل المجلس الشعبى المحلى للمحافظة أو لغيرها من وحدات الإدارة المحلية قرار من مجلس الوزراء بناء على ما يعرضه الوزير المختص بالإدارة المحلية لأسباب تقتضيها المصلحة العامة ويقدرها مجلس الوزراء” ومؤدى هذا النص أن المشرع منح مجلس الوزراء سلطة تقدير الأسباب التى من شأنها أن تؤدى إلى حل المجلس الشعبى المحلى ويتحقق من خلال هذا الإجراء مصلحة عامة للبلاد، ولا شك أن سلطة مجلس الوزراء فى هذا التقدير ليست مطلقة دون رقابة من القضاء فقد استقر قضاء مجلس الدولة من زمن بعيد على ألا تفلت أعمال الإدارة من رقابة المشروعية ولو كانت سلطتها فى اتخاذها تقديرية، وإذا كان قضاء مجلس الدولة قد سلم للإدارة بحقها فى تلك الحالة فى اختيار الوقت الذى تتدخل فيه وتصدر قرارها حين لا يكون إلزام عليها بالتدخل فى وقت محدد فإنه استقر على عدم مشروعية تراخيها فى التدخل متى كانت المصلحة العامة فى اتخاذ الإجراء ظاهرة كالشمس فى كبد النهار ولا تحتمل تأخيراً ولا تستحق تقاعساً بل إن التراخى فى التدخل يضر بتلك المصلحة العامة التى تتكون من مجموع مصالح المواطنين، والقاضى الإدارى فى هذه الحالة يراقب الوجود المادى للواقع التى ترتكن إليها السلطة المختصة فى امتناعها عن التدخل ثم يراقب صحة تكييفها لهذه الوقائع وما إذا كان من شأنها أن تؤدى إلى هذا الامتناع من عدمه ثم يزن كل ذلك بميزان القانون والشرعية ليحكم فى النهاية بصحة موقف الإدارة أو بعدم سلامته ومخالفته لمبدأ المشروعية فيردها عنه إلتزاماً بسيادة القانون.

وليس من شك فى أن ما سلف بيانه من سقوط النظام السابق كله وانهيار أدواته ورموزه وزوال حزبه كأثر لثورة الشعب المصرى تعد أسباباً كافية لإصدار قرار بحل المجالس الشعبية المحلية بحسبان أنها كانت أداة من أدوات ذلك النظام وركيزة من ركائزه فى الحكم، وفى حلها عين المصلحة العامة لهذا الوطن لا تصارعها مصلحة أخرى ولا توجد مصالح معها تتم المفاضلة بينها حتى يمكن القول بأن مجلس الوزراء يجرى تقديراً للمصلحة العامة الأولى بالرعاية فحل هذه المجالس يمثل مصلحة عامة واحدة قامت فيما تقدم بيانه مبررات وأسباب التدخل لتحقيقها، ذلك أن هذا الشعب العظيم الذى أودع فى تاريخ البشرية وضميرها حضارة قديمة استمرت قروناً من الزمان نهلت من خيرها كل الشعوب والأمم يستحق أن يكون له نواب يمثلونه فى المجالس النيابية والتنظيمات الشعبية التى تراقب عمل الحاكم وتصرفات الإدارة وتكون على قدره وشموخه، نواب ومؤسسات تأخذ بيد ثورته العظيمة إلى طريق الصلاح والتنمية والعلم والتقدم فى شتى المجالات فترعى خطى الإصلاح المنشود على أرض الواقع وتراقب عمل وحدات الإدارة المحلية ليل نهار حتى تصل بالبلاد إلى بر الأمان وتلحق بدول كانت تسير خلفها قبل أن يبتلى الوطن بمن اعتلوا سدة الحكم فى غفلة من أبنائها المخلصين الأطهار.

إن واقع الحال فى كافة محافظات مصر وما كشفت عنه ثورة الشعب فى يناير 2011 لخير شاهد على وجوب حل هذه المجالس الشعبية المحلية وأن الامتناع عن حلها رغم ذلك يشكل قراراً سلبياً غير مشروع وفضلاً عما تقدم بيانه فقد ثبت بيقين أن تلك المجالس قد أخلت إخلالاً جسيماً بمصلحة هذا الوطن وقصرت فى أداء مهامها وتقاعست عن ممارسة الاختصاصات التى حددها لها المشرع فى القانون رقم 43 لسنة 1979 المشار إليه على مستوى كل وحدات الإدارة المحلية وهى المحافظات والمراكز والمدن والأحياء والقرى فقد أناط بها المشرع فى نطاق المحافظة مهمة الرقابة والإشراف على المرافق والأعمال التى تدخل فى نطاق المحافظة والتأكد من تنفيذ خطط التنمية المحلية الاقتصادية والاجتماعية وإقرار مشروعات خطط التنمية والمشروعات العامة بما يفى بمتطلبات الإسكان والتشييد واقتراح مشروعات التخطيط العمرانى وإعداد الخطط والبرامج الخاصة بمحو الأمية وتنظيم الأسرة فى نطاق المحافظة وإقرار القواعد العامة لنظام تعامل أجهزة المحافظة مع الجماهير فى كافة المجالات، وبالنسبة لباقى الوحدات المحلية فقد اختص المشرع مجالسها الشعبية المحلية بمهام يدور مضمونها مع ما تقدم بالنسبة للمحافظة ومنها ما نصت عليه المادة 41 من القانون المشار إليه وأهمها الرقابة على مختلف المرافق ذات الطابع المحلى، وعلى الرغم من هذه الاختصاصات بالغة الأهمية فى حياة المواطنين كافة فإن واقع حال البلاد كما تقدم يشهد على أن تلك المجالس لم تنهض بما هو مطلوب منها تجاه هذا الوطن ولذلك دب الفساد جنبات كافة وحدات الإدارة المحلية وانتشرت الرشاوى لإنجاز المصالح الخاصة بالمخالفة للقانون وعم الجهل والفقر والمرض الغالبية العظمى من الشعب بعد أن أهملت تلك الجهات إنجاز أية أعمال ترفع من شأن المواطن وتحفظ عليه بدنه وعقله ووقته وجهده وفشلت سياسة المحافظات فى توصيل خدمات مرافق الدولة إلى المواطن فقدمت له تعليماً رديئاً لا يستفيد منه المواطن أو الوطن وتوارت جامعات مصر بعيداً عن ركب العلم والعلماء، وانتشرت العشوائيات فى كافة مدن مصر وأصبحت تمثل خطراً داهماً يهدد الوطن بمن فيه ومن عليه، وانهارت أسس التخطيط العمرانى فى مدننا وقرانا وشوارعنا وأحيائنا وضرب الطامعون عرض الحائط بخطوط التنظيم وأصول البناء وحصلوا عن طريق فساد هذه المحليات على موافقات تبرر لهم مخالفاتهم أو ارتكبوها دون أن يحاسبهم أحد، وضربت فوضى المرور والمركبات ـ التى تجوب شوارع الوطن وكل شبر فيه ـ كل أمن أو هدوء ينشده أبناء هذا الوطن، وأكلت التعديات الظالمة أكبر ثروة يملكها هذا الوطن وهى أرضه الزراعية التى عاش على خيرها وسقاها بدمه ومياه نيلها العظيم عبر العصور والأيام وترك كل من يريد أن يفسد فى الأرض بأن يشيد عليها ما يشاء من أبنية بحجج واهية فى وقت تشكو فيه صحراء مصر الشاسعة الغربة والوحدة وتنشد من يستصلحها أو يستزرعها أو يسكنها ولا مجيب، كل هذا التدمير والإهمال لثروات هذا الوطن وخيراته ما كان ليحدث أو يكون بهذا القدر الهائل لو كانت المجالس المحلية التى شكلت فى ظل النظام السابق وبأعضاء ينتمون لحزبه البائد قد قامت بمهمتها التى حددها لها القانون أو راعت بها حق هذا الوطن عليهم ولكن هذه المخالفات حدثت ليلاً ونهاراً وعلى مدى الأيام والسنين تحت بصر وأعين النظام السابق وأدواته ومنها المجالس الشعبية المحلية التى كان يفترض أن تكون الجهاز الرقابى الأول الذى يقف حائط صد أول فى وجه الفساد وأهله فى كافة المحافظات والمراكز والمدن والأحياء والقرى وتسهر على رقابة عمل الحكومة وتصرفاتها فى نطاق هذه الوحدات وتحرص على التأكد من حسن قيام أجهزتها المختلفة بأداء مهامها على نحو يتفق وصحيح القانون حتى تقدم للمواطنين خدمات ترفع من قدرهم وتحقق آمالهم فى كافة المجالات الاجتماعية والاقتصادية وفى مجال التعليم والصحة والأمن والعمل والإنتاج وكفالة حرياتهم الأساسية إلى غير ذلك. ولكن هذه المجالس نكلت عن كل ذلك حتى وصلت البلاد إلى ما هى فيه من أوضاع متردية وفساد إدارى ومالى فى كل ما يتصل بأداء هذه الأجهزة التى يفترض أن هذه المجالس كانت تراقب أداءها وسلوك القائمين عليها.

ومن حيث إن المحكمة تخلص مما تقدم بيانه إلى أن هذه المجالس الشعبية المحلية القائمة قد فقدت أصل شرعية بقائها فى نظام الحكم بمصر كأثر مباشر لنجاح ثورة الشعب فى الخامس والعشرين من يناير 2011 وكنتيجة حتمية لتعطيل العمل بالدستور السابق الذى كان ينص عليها ويجعلها من أجهزة نظام الحكم وجزءاً من السلطة التنفيذية فيه، وكانت أحد أدواته فى تنفيذ سياسته وأفكاره التى دمرت وأفسدت كل شئ جميل فى هذا الوطن، كما أنها من ناحية أخرى لم تنهض بالاختصاصات المحددة لها فى القانون وتبرأ منها الشعب بعد نجاح الثورة بعد أن سقط نظام الحكم الذى كان يرعاها ويوفر لها أسباب البقاء وسقطت كافة رموزه وقادته وانقضى حزبه وزال من الوجود على ساحة الشأن العام لهذا الوطن، وبذلك صار وجود هذه المجالس لا سند له من الدستور ولا القانون ولا فى ضمير هذا الشعب وثورته الناجحة وصار من غير المقبول فى القانون أو الواقع أن يسمح لها بالاستمرار فى حياة هذا النظام الجديد الذى اختار الشعب الثائر وهى تحمل أفكاراً وسياسات وأسلوب أداء ينتمى إلى زمن ولى ونظام وأفراد انتزعوا نزعاً من سدة حكم هذا الوطن وأصبحت هذه المرحلة فى حاجة ماسة إلى مجالس شعبية محلية تعبر عن حقيقة عن هذا الشعب وترعى ثورته وتسهر على رقابة حكومته حتى تحقق آماله وطموحاته، وبذلك تكون البلاد فى حالة ضرورة قصوى توافرت فيها كافة الأسباب لمجلس الوزراء أن يتدخل ـ وعلى الفور ـ دون نزاع أو تأخير بإصدار قرار بحل هذه المجالس على مستوى الجمهورية فى كافة وحدات الإدارة المحلية دون إنتظار لعرض من الوزير المختص بالإدارة المحلية، ولما كان مجلس الوزراء لم يتدخل حتى الآن ويحل هذه المجالس فإن موقفه يشكل قراراً سلبياً غير مشروع ويتنافى مع مبدأ المشروعية الذى تخضع له كافة سلطات الدولة وبذلك يتوافر ركن الجدية اللازم لوقف تنفيذ هذا القرار، أما عن ركن الاستعجال فإنه متوافر أيضاً بالنظر إلى الظروف التى تمر بها البلاد وأن المصلحة العامة تستوجب حل هذه المجالس، ومتى تحقق ركنا الطلب العاجل فإن المحكمة تقضى بوقف تنفيذ قرار مجلس الوزراء بالامتناع عن حل المجالس الشعبية المحلية على مستوى الجمهورية بكافة تشكيلاتها وفى كافة وحدات الإدارة المحلية مع ما يترتب على ذلك من آثار أهمها ضرورة التدخل على وجه السرعة وإصدار قرار بحل تلك المجالس، ولا ينال من ذلك ما تنص عليه المادة 144 من قانون نظام الإدارة المحلية رقم 43 لسنة 1979 من أنه لا يجوز حل هذه المجالس بإجراء شامل فذلك حظر مقصود به الظروف العادية التى تجيز هذا الحل ولا ينطبق على الظروف والأحوال الاستثنائية التى تمر بها البلاد الآن على نحو ما سلف بيانه.

ومن حيث إنه عن طلب تنفيذ الحكم الماثل بموجب مسودته دون إعلان فإن المحكمة لا ترى موجباً للأمر بذلك.

ومن حيث إنه عن مصروفات الطلب العاجل فى هذه الدعاوى فإن الجهة الإدارية تلتزم بها عملاً بحكم المادة 184 مرافعات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة: “بقبول الدعوى شكلاً، وبوقف تنفيذ قرار مجلس الوزراء السلبى بالامتناع عن حل المجالس الشعبية المحلية القائمة على مستوى الجمهورية فى كافة وحدات الإدارة المحلية مع ما يترتب على ذلك من آثار أخصها إصدار قرار بحل هذه المجالس وألزمت الجهة الإدارية مصروفات هذا الطلب وأمرت بإحالة الدعاوى إلى هيئة مفوضى الدولة لإعداد تقرير بالرأى القانونى فى طلب الإلغاء