بسم الله الرحمن الرحيم
باسم صاحب السمو أمير الكويت
الشيخ/ صباح الأحمد الجابر الصباح

محكمة التمييز
الدائرة الجزائية الأولي
بالجلسة المنعقدة علنا بالمحكمة بتاريخ 16 رجب 1434هـ الموافق 26/5/2013م
برئاسة السيد المستشار/ صالح خليفة المريشد المريشد وكيل المحكمة
وعضوية السادة المستشارين المستشارين/ محمود دسوقي دياب وكيل المحكمة
وعبد الرحمن هيكل و عادل الحناوي و حسين الصعيدي
وحضور الأستاذ/ رامي شومان رئيس النيابة
وحضور السيد/ صفوت المفتي أمين سر الجلسة
“صدر الحكم الآتي”
في الطعن بالتمييز المرفوع من:
1 ……
2 ……
3 ……
“ضــــد”
النيابة العامة.
والمقيد بالجدول برقم 465 لسنة2012 جزائي.

“الوقائع”

اتهمت النيابة العامة كلاً من:
1- …………………… – الطاعن الأول –
2 …………………… – الطاعن الثاني –
3- …………………… – الطاعن الثالث –
بأنهم في يوم 9/6/2011- بدائرة دولة الكويت:
المتهمان الأول والثاني – الطاعنان الاول والثاني:
نشرا في العدد رقم 11665 من جريدة الرأي الكويتية الصادر بتاريخ 9/6/2011 تصريحاً صحفياً تحت عنوان (المدى اللوجستية 5 شكاوى ضد المجلس السابق إلى النيابة) حرره المتهم الثاني وضمنه على خلاف الحقيقة على لسان المتهم الأول وقائع وعبارات من شانها المساس بكرامة المجني عليهم كل من يوسف صقر الفهد وعبدالوهاب عبدالرحمن المطوع وأسامة على المطوع والإضرار بسمعتهم والإساءة إليهم على النحو المبين بالتحقيقات.
المتهم الثالث – الطاعن الثالث –
بصفته رئيساً لتحرير الجريدة السالفة أجاز نشر الخبر موضوع التهمة الأولى دون أن يتحرى الدقة والحقيقة في شأن ما نشر فيه على النحو المبين بالتحقيقات.
وطلبت عقابهم بالمواد 2/3 و 4 و 9 و 17/1 و 21/7 و 23 و 24/1 و 27 فقرة 1 بند 3 والفقرة الثانية من القانون رقم 3 لسنه 2006 في شأن المطبوعات والنشر.
وأدعى المجنى عليهم مدنياً قبل المتهمين – الطاعنين – بمبلغ 5001 دينار كويتي على سبيل التعويض المؤقت.
ومحكمة الجنايات قضت حضورياً للمتهم الأول – الطاعن الأول – وغيابياً للمتهمين الثاني والثالث – الطاعنين الثاني والثالث – بتاريخ الحادي والعشرين من فبراير سنه 2012:
أولا- ببراءة المتهمين – الطاعنين – مما نسب إليهم .
ثانياً- برفض الدعوى المدنية .
استأنفت النيابة العامة هذا الحكم للثبوت, كما استأنفه المدعى بالحقوق المدنية الأول يوسف صقر الفهد.
ومحكمة الاستئناف قضت بتاريخ العشرين من يونيو سنة 2012:
بقبول استئناف النيابة العامة شكلاً وفي الموضوع:
أولا: في الاستئناف المرفوع من النيابة العامة عن الدعوى الجزائية – بإلغاء الحكم المستأنف ومعاقبة المتهمين – الطاعنين – بتغريم كل منهم مبلغ ثلاثة الاف دينار كويتي عن الاتهام المسند اليهم.
ثانيا: في الدعوى المدنية بإحالتها إلى المحكمة المدنية المختصة.
فطعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق التمييز.

“المحكمة”

بعد الاطلاع على الأوراق, وسماع المرافعة, وبعد المداولة.

أولا:- عن الطعن المرفوع من الطاعن الأول فلاح حجرف الحجرف:

من حيث إنه لما كان من المقرر أن الطعن بالتمييز في المواد الجزائية حق شخص لمن صدر الحكم ضده يمارسه أو لا يمارسه حسبما يرى فيه مصلحته, وليس لأحد غيره أن ينوب عنه في مباشرة هذا الحق إلا بإذنه, ولذلك يتعين أن يكون التقرير بالطعن إما من المحكوم عليه شخصياً أو من الوالي الطبيعي عليه إذ كان قاصراً أو ممن يوكله لهذا الغرض توكيلاً يخول لمن قرر بالطعن استعمال هذا الحق نيابة عنه.
لما كان ذلك, وكان الثابت من الاوراق أن المحكوم عليه الأول فلاح حجرف الحجرف لم يباشر حقه في الطعن بنفسه وإنما قرر بالطعن عنه المحامي يعقوب الصانع ولم يفصح في تقرير الطعن عن رقم التوكيل الذي يخوله هذا الحق, كما خلت الأوراق من ثمة توكيل يخول الأخير حق الطعن نيابة عن المحكوم عليه الأول, فإن الطعن يكون قد قرر به من غير صفة , ويتعين من ثم الحكم بعدم قبول طعن الطاعن الاول شكلاً ومصادرة الكفالة, ولا يغير من ذلك كون المحكوم عليه الأول محامياً وما نصت عليه المادة 24 من القانون رقم 42 لسنه 1964 في شأن تنظيم مهنه المحاماة أمام المحاكم المعدل من أنه ” للمحامي الموكل في دعوى أن ينيب عنه في الخصومة أو في المرافعة أو في غير ذلك من إجراءات التقاضي محامياً آخرً تحت مسئوليته دون توكيل خاص مالم يكن في التوكيل نص يمنع ذلك” إذ البين من صريح النص المذكور وواضح دلالته أنه خول هذا الحق للمحامي الموكل في دعوى – استثناءً من الأصل من وجوب أن تكون نيابة شخص عن آخر في مباشرة إجراءات التقاضي بموجب توكيل رسمي – فأجاز له أن ينيب عنه محامياً أخرً في المرافعة أو في غير ذلك من إجراءات التقاضي دون توكيل خاص حرصاً من الشارع في التيسير على المحامين في ممارسة المهنة وبشرط أن يكون التوكيل الصادر للمحامي الأصيل قد خلا من نص يمنع ذلك, ومن ثم فلا يصح التوسع في هذا الاستثناء أو القياس عليه إذ قصر النص هذا الاستثناء على المحامي الذي وُكل في دعوى بعينها وهو مالم يتوفر في حق المحكوم عليه الأول الذي هو خصم أصلي في الدعوى الصادر فيها الحكم المطعون فيه.

ثانياً: عن الطعن المرفوع من كل من الطاعنين الثاني محمد هاجم الجاموس والثالث يوسف أحمد الجلاهمة:

من حيث إن الطعن المرفوع من كل من الطاعنين قد استوفي الشكل المقرر في القانون.
ومن حيث إن الطاعنين الثاني والثالث ينعيان على الحكم المطعون فيه أنه إذ دان اولهما بجريمة نشر تصريح صحفي من شأنه المساس بكرامة المجني عليهم وسمعتهم, ودان ثانيها بجريمة إجازة نشر ذلك التصريح دون تحرى الدقة والحقيقة في شأن ما نشر فيه حال كونه رئيساً لتحرير جريدة الرأي الكويتية, قد شابه الفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب والخطأ في تطبيق القانون, ذلك بأنه دانهما برغم خلو الاوراق من دليل قطعي على ان المجني عليهم هم المقصودون بالتصريح المنشور إذ لم يذكر اسمهم, وان ما ورد بالتصريح سالف الذكر لا يخرج عن حدود حرية الرأي والتعبير اللتين كفلهما الدستور والقانون وممارسة الطاعنين الثاني والثالث لمهنتهما كصحفيين, ويعد من قبيل النقد المباح إذ أنه جاء نقلاً لواقعة حدثت بالفعل وهو ما أقر به الطاعن الاول بأقواله بالتحقيقات, ولم يقصدا به الإساءة إلى المجني عليهم او المساس بكرامتهم, بل تحقيق الصالح العام بتسليط الضوء على تصرفات الأخيرين بصفتهم أعضاءً لشركة المدى اللوجستية التي ترتبت عليها تدور الأوضاع المالية لتلك الشركة, وقام دفاعهما كذلك على ان التصريح يدخل في نطاق الإباحة التي قررتها المواد 26 و 27 و 213 و 214 و 215 و 216 من قانون الجزاء, كل ذلك يعيب الحكم ويستوجب تمييزه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى في قوله “أن المتهمين الأول والثاني نشرا خبارً في جريدة الرأي والتي يرأس تحريرها المتهم الثالث الذي اجاز النشر تصريحاً بان مجلس الإدارة السابق لشركة المدى اللوجستية تتهمه باختلاس “5 ملايين دينار” وأن هناك ثمة شكاوى ضد المجلس السابق إلى النيابة العامة بما كد مساساً بكرامة المجني عليهم والإضرار بسمعتهم والإساءة إليهم – وذلك من شهادة الشاهد بتحقيقات النيابة العامة من أن المتهمين الاول والثاني نشراً تصريحاً بجريدة الرأي والتي يرأس تحريرها المتهم الثالث والذي أجاز النشر تصريحاً بالصدد متضمناً تتهمه باختلاس 5 ملايين دينار: المدى اللوجستية 5 شكاوي ضد المجلس السابق الي النيابة العامة وقد تضمن التصريح أن المتهم الأول أنه بالإضافة الي اختلاس المبالغ المشار إليها حصل تأكل في بعض أصول الشركة وقد تم بيع سيارة مرسيدس ثمنها (16 ألف دينار) بمبلغ 480 دينار – ولفت أنه جاري حصر المخالفات لتقديم تقريره ومما أثبته الاطلاع أيضاً على التصريح المنشور بجريدة الرأي والتي يرأس تحريرها المتهم الثالث بالعدد رقم 191665 يونيو/2011 ومضمونه كتب المتهم الثاني محمد الجاموس، التالي: “قال رئيس مجلس الإدارة في شركة المدى اللوجستية فلاح الحجرف أن الشركة تقدمت بخمس شكاوى إلى النيابة العامة والتحقيقات ضد مجلس الادارة السابق تتعلق باختلاسات (9 ملايين دينار) وأضاف الحجرف في تصريح خاص للرأي – انه بالإضافة الي اختلاس المبلغ المشار اليه حصل تأكل في بعض أصول الشركة كما تم بيع بعض الأصول بأسعار زهيدة مثل بيع باص مرسيدس قيمته 16 ألف دينار تم بيعه بمبلغ 480 دينار مشيراً إلى أن رئيس مجلس الإدارة السابق امتنع عن التوقيع على تدقيق الحسابات – ولفت أنه جاري حصر المخالفات لتقديم تقرير بها إلى وزارة التجارة والصناعة ومن بينها مخالفة سحب مبلغ 14 مليون دينار نقداً حساب الشركة”.
وساق الحكم على ثبوت الواقعة في حق الطاعنين الثاني والثالث – على هذه الصورة – دليلين استقاهما مما جاء بأقوال وكيل المجني عليهم بتحقيقات النيابة العامة, ومما ثبت من مطالعة التصريح الصحفي موضوع الاتهام, وهما دليلان سائغان من شانهما أن يؤديا إلى ما رتبه الحكم عليهما.
لما كان ذلك, وكان من المقرر ان لمحكمة الموضوع تتبين حقيقة الواقعة من جماع الادلة المطروحة عليها, وهى ليست مطالبة بأن تأخذ بالأدلة المباشرة, بل لها أن تستخلص الحقائق القانونية من كل ما يقدم إليها من أدلة ولو كانت غير مباشرة, متى كان ما حصله الحكم لا يخرج عن الاقتضاء العقلي والمنطقي, فإذا كان الجاني قد احتاط ولم يذكر اسم المجني عليه صراحة في العبارات لمنشورة, فإن لمحكمة الموضوع ان تتعرف على شخص من وجهت اليه من واقع العبارات ذاتها, وظروف الواقعة والملابسات التي اكتنفتها, ولما كانت محكمة الموضوع – في الدعوى المطروحة – قد استخلصت في استدلال سائغ ان المجني عليهم هم المقصودون بعبارات التصريح, فإن ما يثيره الطاعنان الثاني والثالث في هذا الصدد يكون غير مقترن بالصواب.
لما كان ذلك , وكان الدستور الكويتي بعد أن كفل الحرية الشخصية في المادة 30منه, حرص على النص على حرية الرأي والتعبير في المادة 36, وعلى حرية الصحافة والطباعة والنشر في المادة 37, وذلك وفقاً للشروط والاوضاع التي بينها القانون, وهو ما أكده المشرع في المادة الاولى من القانون رقم 3 لسنه 2006 في شان المطبوعات والنشر فيما نصت عليه من أن حرية الصحافة والطباعة والنشر, مكفولة وفقا لأحكام هذا القانون, كما بين القانون في الفصل الثالث منه المسائل المحظور نشرها استثناء من الأصل الدستوري ذاك – وهو حرية الفكر وإبداء الرأي بما في ذلك حق النقد – وذلك حرصاً من المشرع على صيانه وحماية القيم الدينية والمقدسات ودستور الدولة والآداب العامة والنظام العام وغير ذلك مما تضمنته المواد 19 و 20 و 21 من القانون المذكور, كما حرص فيما أورده في الفقرة السابقة من المادة 21 المشار إليها على حماية كرامة الأشخاص وحياتهم ومعتقداتهم الدينية وأوضاعهم المالية وأسرارهم … إلخ كجزء من حرياتهم الشخصية, وذلك دون مصادرة الحق في إبداء الرأي والتعبير, ما دام لا يمس هذه الحقوق وتلك الحريات, وكان تقدير ما إذا كان النشر ينطوي على شيء مما حظره النص أنف البيان هو بما يطمئن إليه قاضى الموضوع من تحصيله لفهم الواقع في الدعوى, وتقديره لمرامي العبارات وتبينه لمناحيها, فله وحده أن يتعرف على حقيقة الألفاظ التي تمس الكرامة أو الحياه الشخصية أو المعتقدات الدينية أو تتضمن إفشاء لأسرارهم مما يضر بسمعتهم, حسبما يحصله من فهم الواقع في الدعوى, ولا رقابة عليه في ذلك من محكمة التمييز طالما لم يخطئ التطبيق القانوني على الواقعة, وكان القصد الجنائي في جريمة المساس بكرامة الأشخاص المؤثمة بنص الفقرة السابقة من المادة 21 من القانون رقم 3 لسنه 2006 سالف الذكر يتوافر إذا كانت المادة المنشورة في الصحف أو غيرها من وسائل التعبير المنصوص عليها قانوناً, تتضمن ما يخدش الشرف أو يمس بالسمعة أو الاعتبار أو المركز الاجتماعي, فيكون علم الناشر عندئذ محققاً, ولا يتطلب القانون في تلك الجريمة قصداً خاصاً, بل يكتفي بتوافر القصد العام, واستظهار توافر هذا القصد أو انتفائه من وقائع الدعوى وظروفها من اختصاص محكمة الموضوع بغير معقب, ما دام موجب هذه الوقائع والظروف لا يتنافر مع ما استخلصته المحكمة, ومتى تحقق القصد فلا يكون هناك محل للاحتجاج بالنقد المباح, الذى هو مجرد إبداء الراي في أمر او عمل دون أن يكون فيه مساس بشخص صاحب الأمر أو العمل بغية التشهير به أو الحط من كرامته فإذا تجاوز هذا الحد وجب العقاب عليه باعتباره مكوناً لجريمة المساس بالكرامة.
لما كان ذلك, وكان الحكم المطعون فيه بعد أن اورد الواقعة – على النحو المار بيانه – أقام قضاءه بإدانة الطاعنين الثاني والثالث تأسيساً على اطمئنان المحكمة إلى أن العبارات الواردة في التصريح الصحفي الاتهام لا تعدو أن تكون هجوماً شخصياً من كاتبه وممن أجاز نشره – على المجني عليهم إذ خلا من قضية عامه يعالجها بحيدة ونزاهة وإنما قصد به التشهير علناً بالمجني عليهم من خلال توجيه عبارات وكلمات جارحة تنطوي على مساسا بأشخاص المجني عليهم وكرامتهم, وأنها تخرج عن حدود النقد المباح وحرية الصحافة في توجيه النقد البناء الذى يسعى لتحقيق الصالح العامة. وإذ كان ما أورده الحكم المطعون فيه – فيما تقدم – يوافق النظر الصحيح في القانون, ويكفي ويسوغ التدليل على الجريمة التي دان كل من الطاعنين الثاني والثالث بها وتوافر كافة أركانها في حقهما – كما هى معرفة به في القانون – وفي الرد المجزئ في هذا الشأن , ومن ثم فإن ما يثيرانه من نعى على الحكم بخصوص عدم توافر أركان هاتين الجريمتين اللتين دانهما الحكم بهما وبأن ما تضمنه التصريح يعد من قبيل النقد المباح ابتغاء المصلحة العامة وكان عن حسن نية, وما ساقاه من قرائن على ذلك يكون فضلاً عن عدم سداده, محض جدل موضوعي حول سلطة محكمة الموضوع في استخلاص وفهم الواقع في الدعوى مما لا يجوز مصادرة عقيدتها بشأنه ولا تقبل إثارته والتحدي به أمام محكمة التمييز.
لما كان ما تقدم, فإن الطعن المرفوع من كل من الطاعنين الثاني والثالث يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً مع مصادرة الكفالة.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة:

أولاً: بعدم قبول الطعن المرفوع من الطاعن الأول فلاح حجرف الحجرف شكلاً ومصادرة الكفالة.
ثانياً: بقبول الطعن المرفوع من كل من الطاعنين الثاني محمد هاجم الجاموس والثالث يوسف احمد الجلاهمة شكلاً وفى الموضوع برفضه ومصادرة الكفالة .

أمين سر الجلسة

وكيل المحكمة

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .