سرية المراسلات في ضوء الميثاق العربي لحقوق الإنسان :

صادق مجلس الجامعة العربية على مشروع الميثاق العربي لحقوق الإنسان في شهر أيلول عام 1994م (1).وقد تضمن الميثاق العربي لحقوق الإنسان مجموعة من الحقوق ، وتعهدت الدول الأعضاء في الجامعة العربية بأن تضمن لكل إنسان على أراضيها حقوقه وحريته الأساسية التي لا يجوز المساس بها ، ويتحتم تنفيذها وتأمين الاحترام الكامل لها (2).وقد نص الميثاق العربي لحقوق الإنسان بشكل صريح وواضح على الحق في سرية المراسلات في المادة 6 منه حيث نص على أن ” للحياة الخاصة حرمة مقدسة ، المساس بها جريمة وتشمل هذه الحياة الخاصة ، خصوصيات الأسرة وحرمة المسكن ، وسرية المراسلات وغيرها من سبل المخابرة الخاصة (3). كما أكد الميثاق في المادة الثانية منه على عدم جواز تقييد أي حق من الحقوق الأساسية المقررة أو القائمة في أي دولة طرف في الميثاق استناداً الى عدم إقرار الميثاق لهذه الحقوق أو إقرارها بدرجة أقل ، كما أكد الميثاق أيضاً في المادة 7 منه على عدم جواز وضع قيود على الحقوق والحريات المقررة في الميثاق ، إلا ما ينص عليه القانون ويعتبر ضرورياً لحماية الأمن والاقتصاد الوطنيين أو النظام العام أو الصحة العامة أو الأخلاق أو حقوق وحريات آخرين(4).

_________________
1-أنظر : مجلة حقوق الإنسان الصادرة عن جمعية حقوق الإنسان في العراق ، العدد3 ،آذار ،1995،ص3

2-د.رافع خضر صالح ، الحق في حرمة المسكن ، مرجع سابق ، ص155

3- الميثاق العربي لحقوق الإنسان الصادر عام 1994م.

4-أنظر : د.رافع خضر صالح، الحق في حرمة المسكن ، مرجع سابق، ص156.

سرية المراسلات في ضوء العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية أو السياسية :

تمكنت لجنة حقوق الإنسان الدائمة بالمنظمة الدولية من أعداد العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. والذي وافقت عليه الجمعية العامة للأمم المتحدة في 16 ديسمبر عام 1966(1).. وبحكم ما اتسم به العهد من طابع عالمي وملزم، فإنه يعد خطوةً هامة على الطريق لحماية حقوق الإنسان على الصعيد الدولي. وتحدد مقدمة العهد المرتكزات الأساسية لها وعلى راس هذه المرتكزات نجد ما أقرته الفقرتان الأولى والثانية في المقدمة من (( الإقرار بما لجميع أعضاء الأسرة البشرية من كرامة أصلية فيهم، ومن حقوق متساوية وثابتة، يشكل أساس الحرية والعدل والسلام في العالم))، ومـن أن حقوق الإنسان إنما نجـد مصدرها في (( الكرامة المتأصلة في الإنسان)). وأكدت الفقرة الأولى من المادة الثانية بأن تتعهد كل دولة طرف في هذا العهد باحترام الحقوق المعترف بها فيه، وبكفالة هذه الحقوق لجميع الأفراد الموجودين في إقليمها والداخلين في ولايتها، دون أي تمييز. وجاءت الفقرة الثانية من نفس المادة، لتشير الى أن تتعهد كل دولة طرف في هذا العهد، إذا كانت تدابيرها التشريعية أو غير التشريعية القائمة لا تكفل فعلاً إعمال الحقوق المعترف بها في هذا العهد، بأن تتخذ طبقاً لإجراءاتها الدستورية ولأحكام هذا العهد، ما يكون ضرورياً لهذه الأعمال من تدابير تشريعية وغير تشريعية. أما الفقرة الثالثة من المادة ذاتها فقد نصت على أن تتعهد كل دولة طرف في هذا العهد بما يلي:-

أ. أن تكفل توفر سبيل فعّال للتظلم لأي شخص انتهكت حقوقه أو حرياته المعترف بها في هذا العهد، حتى لو صدر الانتهاك عن أشخاص يتصرفون بصفتهم الرسمية.

ب. أن تكفل لكل متظلم على هذا النحو أن تبت في الحقوق التي يدعى انتهاكها سلطة قضائية أو إدارية أو تشريعية مختصة أو أي سلطة مختصة أخرى ينص عليها نظام الدولة القانوني وبأن تنمي إمكانيات التظلم القضائي.

ج- أن تكفل قيام السلطات المختصة بإنفاذ الأحكام الصادرة لمصلحة المتظلمين(2).

كما تضمنت المقدمة موافقة الدول الأطراف على أن ميثاق الأمم المتحدة يفرض عليها الالتزام بتعزيز الاحترام العالمي لحقوق الإنسان.

و لكنه رغم أن هذه الموافقة تعني الاعتراف بأن المسائل المتصلة بحقوق الإنسان لم تعد من قبيل الاختصاص الداخلي الدول، فإن ما تجري عليه العديد منها في هذا المجال هو خلاف ذلك تماماً .وقد ضمن العهد حق الأفراد في الخصوصية والمراسلات، إذ نصت المادة (17) في الفقرة الأولى على “عدم جواز التدخل بشكل تعسفي أو غير قانوني في خصوصيات أحد أو عائلة أو بيته أو مراسلاته ، كما لا يجوز التعرض بشكل غير قانوني لشرفه وسمعته “آما الفقرة الثانية من نفس المادة فتنص على أنه “لكل شخص الحق في الحماية القانونية ضد مثل هذا التدخل أو التعرض “

________________________

1- وجدير بالملاحظة أن تسع دول عربية فقط هي التي صادقت على هذه الاتفاقية وهي: العراق، مصر، الاردن، سوريا، لبنان، الجزائر، ليبيا، المغرب، السودان.

2- د.منذر عنبتاوي، الشرعية الدولية لحقوق الإنسان، حقوق الإنسان، المجلد الثاني ، دراسات حول الوثائق العالمية والإقليمية، إعداد الدكتور محمود شريف بسيوني وأخرون ، دار العلم للملاين ، بيروت ،1989م، ص90

سرية المراسلات في ضوء الإعلان العالمي لحقوق الإنسان :

أخذت مسألة تدويل حقوق الإنسان تتعزز اكثر فاكثر مع إقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10 ديسمبر 1948 للإعلان العالمي لحقوق الإنسان. ويمثل الإعلان إنجازا تاريخياً رسم المسار الذي تسترشد به جميع الأعمال التي تتم في ميدان حقوق الإنسان. وهو في ذهن واضعيه بمثابة الخطوة الأولى في طريق التنظيم الفعال لحماية حقوق الإنسان على الصعيد الدولي(1). وتضمن الإعلان مجموعة من المبادئ تنادي باحترام الحقوق الأساسية للإنسان، وتهدف الى المحافظة على قيمة الإنسان وشرفه وكرامته من دون أي تمييز. واقر الإعلان الحق في الحيـاة الخاصة والمراســلات، إذ نصت المادة (12) منه على (( حماية الفرد ضد كل تدخل تعسفي في حياته الخاصة أو أسرته أو مسكنه أو مراسلاته وضد الحملات التي تقع على شرفه وسمعته، ولكل شخص الحق في الحماية القانونية ضد هذا التدخل أو تلك الحملات))(2).كما تنص المادة (29/2) على أن يخضع الفرد في ممارسة حقوقه وحرياته لتلك القيود التي يقررها القانون.

القيمة القانونية للإعلان:

صدر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في شكل توصية من الجمعية العامة للأمم المتحدة، ولم يتخذ صورة معاهدة دولية ملزمة، وهدف الإعلان باعتراف واضعيه مثالي،: فهو عبارة عن (( مثل أعلى مشترك)) ينبغي أن تسعى كافة الشعوب والأمم الى تحقيقه. إذ أنه ينادي بمبادئ عامة يمكن اعتبارها بمثابة برامج أو توجيهات ولكنها ليست قواعد قانونية دولية ملزمة. ومن الجدير بالملاحظة أن المحكمة العليا الأمريكية أنكرت الصفة الإلزامية للإعلان وكذلك فعل مجلس الدولة الفرنسي(3). والتساؤل الذي يثار في هذا الصدد: هل أن الإعلان يخلو من أي قيمة قانونية، وأنه ليس له سوى قيمة أدبية أو سياسية؟ الواقع أن هناك اتجاها يؤكد على القوة الإلزامية للإعلان أو على الأقل أن قوته وأن كانت أدنى من قوة الاتفاقية إلا أنها تتجاوز مجرد كونه توصية معنوية ليس لها أي قدر من الإلزام(4). هذا، وقد كان الإعلان بمثابة مصدر وحي للعديد من الدساتير التي اكتفى بعضها بترديد الأحكام الواردة في الإعلان العالمي، فيما حرصت بعض الدساتير والقوانين الوطنية ولاسيما الأفريقية منها على أن تشير في مقدمتها الى الالتزام بأحكام الإعلان. وعلى الصعيد الدولي، استلهمت أحكام الإعلان في وضع المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان سواء داخل إطار منظمة الأمم المتحدة أو خارجها(5).

__________________________

1- أنظر:- د. محمد يوسف علوان، حقوق الإنسان في ضوء القوانين الوطنية والمواثيق الدولية، ،كلية الحقوق، جامعة الكويت، الطبعة الأول، 1989، ص119.

2- أنظر: موسوعة حقوق الإنسان، أعداد محمد وفيق ابو اتلة، ومراجعة د. جمال العطيفي، القاهرة، 1970، ص12.

3- د. محمد يوسف علوان، المصدر السابق، ص125.

4- أنظر: د. محمد يوسف علوان، المصدر السابق، ص125.

5- أنظر: د. عبد الواحد الفار، المصدر السابق، ص59-61.

سرية المراسلات في ضوء الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان :

تم توقيع هذه الاتفاقية بين بعض الدول الأمريكية في سان خوسيه في 22/11/1969م ودخلت حيز النفاذ في 18/7/1978م(1). وقد صادق على هذه الاتفاقية 19 دولة من بين 31 من الدول الأعضاء في منظمة الدول الأمريكية. وقد أكدت هذه الاتفاقية على الحق في الحياة الخاصة وسرية المراسلات ، إذ نصت المادة 11/2 على أنه “لا يجوز أن يتعرض أحد لتدخل اعتباطي أو تعسفي في حياته الخاصة ، أو في شؤون أسرته أو منزله أو مراسلاته ، ولا أن يتعرض لاعتداءات غير مشروعة على شرفه أو سمعته ” . كما نصت الفقرة الثالثة من ذات المادة على أنه ” لكل إنسان الحق في أن يحميه القانون من مثل هذا التدخل أو تلك الاعتداءات “(2).كما وضعت الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان آليات متقدمة لضمان حماية الحقوق التي نصت عليها، وذلك من خلال إنشائها جهازين دوليين لحماية هذه الحقوق هما: اللجنة الأمريكية لحقوق الإنسان ، والمحكمة الأمريكية لحقوق الإنسان. وسمحت لأي فرد أن يتقدم بشكوى الى اللجنة الأمريكية لحقوق الإنسان ضد أي دولة عضو في منظمة الدول الأمريكية بصرف النظر عن التصديق عليها ، ودون اشتراط أن يكون مقدم الشكوى هو المعتدى عليه(3).

________________________

1- د. رافع خضر صالح ، الحق في حرمة المسكن ، مرجع سابق ، ص 153،154

2- د.رافع خضر صالح ، المرجع السابق ، ص154؛ د. مبدر الويس ، أثر التطور التكنولوجي على الحريات العامة ، مرجع سابق ، ص286.

3-د. السيد اليماني ،حماية حقوق الإنسان في النظام الأوربي والنظام الأمريكي، حقوق الإنسان ، المجلد الثاني ، دراسات حول الوثائق العالمية والإقليمية .أعداد د.محمود شريف بسيوني وأخرون ،دار العلم للملايين ، بيروت ،1989م ،ص445

المؤلف : محمد قاسم الناصر
الكتاب أو المصدر : الحق في سرية المرسلات في بعض النظم الدستورية

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .