رقابة الرأي العام :

من اجل معرفة دور الرأي العام بوصفه ضمانة اساسية من ضمانات الحقوق المدنية والسياسية يلزم بيان مفهوم الرأي العام اولا واهميته ثانيا واخيرا ذكر اهـم وسائـل التأثير فيه .

اولا / مفهوم الرأي العام :

ليس للراي العام تعريف واحد يتفق عليه الباحثون والدارسون(1). فقد عرفه الفقيه (مينار) بانه (مجموعة من الاجتهادات التي يكونها قطاع كبير من الافراد في مسألة هامة وفي فترة معينة تحت تاثير الدعاية(2)) . وعرفه الدكتور رمزي الشاعر بانه ( اجتماع كلمة الجماهير على امر معين ، فهو بمثابة تعيير ارادي عن وجهة نظر الجماعة(3)) . وهناك من عرفه بانه ( وجهة نظر الاغلبية تجاه قضية معينة تهم الجماهير وتكون مطروحة للنقاش والجدل ، بحثا عن حل يحقق الصالح العام(4)) ولعل هذا التعريف هو الاقرب الى مضمون الرأي العام والافضل توفيقا بين الاتجاهات والرؤى المختلفة للراي العام .

ثانيا / اهمية الرأي العام

يمثل الرأي العام احد الضمانات المهمة في مجال حماية الحقوق المدنية والسياسية ، وترجع تلك الاهمية الى كونه الدافع الى حرص سلطات الدولة على تطبيق ما ورد في الدستور من مبادئ تتعلق بالحقوق والحريات ، فالسلطة التشريعية تاخذ بنظر الاعتبار ما يطرحه الرأي العام من افكار ومقترحات بشان مشروعات القوانين المتعلقة بالحقوق ، والسلطة التنفيذية تدفع الى الالتزام باحترام تلك الحقوق والحريات والحذر في استخدام سلطاتها التي تحد منها(5). هذا ويلاحظ ان الرأي العام الفعال لايمكن ان يوجد الا في دول حظيت شعوبها بفرص وافية للارتقاء بافرادها اقتصاديا وثقافيا واجتماعيا ، وتجارب عديدة من الكفاح الدستوري ، فالرأي العام لا يتكون او يباشر في دولة ما الا اذا توافرت للافراد حقوقهم الاساسية مثل الحق في حرية الرأي والتعبير والاجتماع وتكوين الجمعيات والاحزاب ، ذلك ان هذه الحقوق هي التي تسمح للراي العام بالتكوين والتطور(6).

ثالثا / وسائل التاثير في الرأي العام

تعد وسائل الاعلام والاحزاب السياسية اهم العوامل واكثرها تأثيرا في توجية الرأي العام وتحديد مساراته ، ومن منطلق تلك الاهمية سوف نتناول كل منهما وعلى النحو الآتي :

1. وسائل الاعلام : لوسائل الاعلام اهمية لا يمكن انكارها في تكوين الرأي العام، ويأتي في مقدمة هذه الوسائل الصحافة التي اصبحت في الوقت الحاضر من اهم وسائل التعبير عن الرأي العام في المجتمع والتأثير فيه وتوجيهه شرط ان تمارس نشاطها بحرية ومن دون قيود الا ما كان ضروريا للحفاظ على النظام العام .

وتؤدي الصحافة دور مهما في مجال حماية حقوق الافراد وحرياتهم من خلال مراقبة اعمال السلطتين التشريعية والتنفيذية ، فهي تراقب اعمال السلطة التشريعية عن طريق نشر مناقشات البرلمان حول مشاريع القوانين المتعلقة بالحقوق ، وبالتالي تتيح للراي العام فرصة الاطلاع على هذه الاعمال والضغط على السلطة التشريعية لا لغاء النصوص المخالفة للحقوق والحريات ، كذلك تراقب اعمال السلطة التنفيذية وتناقشها في ما يتعلق بإدارة الشؤون العامة وتوجهها الى ما فيه ضمان الحقوق والحريات وتحقيق المصلحة العامة . واخيرا دورها في اتاحة المجال للمواطنين لعرض آرائهم وافكارهم ونقد الاجهزة الحكومية اضافة الى تقديم المشورة بشأن مشروعات القوانين المنظمة للحقوق والحريات(7).

2.الاحزاب السياسية : يؤدي النظام الحزبي القائم على تعدد الاحزاب السياسية دورا مهما في توجيه الرأي العام وتبصيره بالجوانب الايجابية والسلبية في المسائل السياسية والاقتصادية والاجتماعية، كذلك فأن هذا النظام يسمح بقيادة الجماهير بطريقة منظمة ويعمق من درجة الوعي السياسي لديها ، ذلك انه يقوم على تعدد الآراء وتنوعها ، وهذا التعدد والتنوع يثري الحياة الفكرية ويساعد على بلورة الافكار المختلفة. هذا ويلاحظ ان الدور الايجابي لهذا النظام لا يقف عند ذلك الحد ، بل ان الآراء والحلول التي يثمرها هذا النظام لابد وان تصل الى اسماع الحكام ، فتتم مراجعتها ودراستها تمهيدا لاتخاذ القرارات السياسية والادارية التي تستجيب لاتجاهات ورغبات الرأي العام . ومن هنا قيل بحق ان نظام تعدد الاحزاب السياسية يمثل حلقة الوصل بين الرأي العام والسلطة المنتخبة من الشعب فيعد بهذا الوصف مرأة صادقة للراي العام(8).

اضافة الى ماتقدم ، فأن نظام تعدد الاحزاب السياسية يؤدي الى وجود معارضة علنية منظمة تراقب الحكومة وتجبرها على احترام الحقوق والحريات هذا من جانب ، ومن جانب اخر ، فأن هذا النظام يسمح بتغيير الحكام باسلوب سلمي ، فيتبادل ممثلو الاحزاب المختلفة الحكم تبعا للاغلبية التي يحصلون عليها في الانتخابات التي تتم دوريا كل اربع او خمس سنوات خلافا لنظام الحزب الواحد الذي لا يكون فيه محل لتبادل الحكم(9).

___________________________

1-علل بعض الباحثين هذه المسالة بعدم وجود نظرية متكاملة للراي العام فضلا عن اختلاف وجهات النظر تبعا لاختلاف الافكار السياسية والمذهبيات المتعددة ، بينما يرى الدكتور رمزي الشاعر ان العلة تكمن في اختلاف التخصصات والخبرات بالنسبة للباحثين في مجال الرأي العام . صالح حسن سميع – ازمة الحرية السياسية في الوطن العربي– الطبعة الاولى – الزهراء للاعلام العربي– 1988 – ص583 ورمزي الشاعر النظرية العامة في ا لقانون الدستوري- مطابع دار السياسة – الكويت – 1972 – ص671

2- احمد بدر – الرأي العام طبيعته وتكوينه وقياسه ودوره في السياسة العامة- دار غريب للطباعة – القاهرة – 1977 – ص41

3- رمزي الشاعر – مصدر سابق – ص298

4- صالح حسن سميع – مصدر سابق – ص583

5- جعفر صادق مهدي – مصدر سابق – ص97

6- سعاد الشرقاوي – مصدر سابق – ص96

7- احمد العزي النقشبندي – مصدر سابق – ص209 وجعفر صادق مهدي – مصدر سابق – ص97

8- صالح حسن سميع – مصدر سابق – ص600

9- سعاد الشرقاوي – مصدر سابق – ص118

رقابة الرأي العام في القانون الأساسي العراقي لعام1925 :

رقابة الرأي العام تمثل العامل الرئيسي في ردع الحكام واجبارهم على احترام الدستور بصورة عامة وحقوق الافراد بصورة خاصة ، وعليه سنتناول دور الرأي العام في حماية الحقوق المدنية والسياسية فـي ظل القانون الأساسي العراقي وعلـى النحو الآتي : –

اولا/ الصحافة : –

لم ينص القانون الأساسي العراقي على حرية الصحافة صراحة الا انه كفلها مـن خلال كفالته للحق في حرية الرأي والنشر ، فقـد نصت المادة الثانية عشر ( للعراقيين حرية ابداء الرأي والنشر … ضمن حدود القانون). والواقع أن هذا النص بالرغم من كفالته لهذة الحرية ، لا يقدم ضماناً جدياً للصحافة ما دام قد جعل نطاق حرية ابداء الرأي والنشر محدده بالقانون من دون أن يحضر على السلطة التشريعية أن تسن قانوناً يفرض عليها بعض القيود التي تتنافى مع حرية الصحافة ، كالرقابة والاجازة او نظام الانذار والتعطيل والالغاء والحجز والمصادرة الادارية والتأمين النقدي. أن اغفال القانون الأساسي لهذه الامور اضافة الى عدم تمثيل مجلس الامة للشعب تمثيلاً حقيقياً ادى الى أن تصدر السلطة التشريعية قوانين كانت مجحفة وهذه الحرية ، بحيث جاءت وفيها تقييداً للمبدأ الدستوري ذاته ، بحيث جعلته غير ذي اثر ، فكانت الرقابة على المطبوعات تشلها وسيف التعطيل مصلت على الصحافة واصدار صحيفة او مجله متوقف على اجازة وزير الداخلية فأن شاء اجاز وان شاء امتنع(1). فقد خضعت الصحافة العراقية لقانون المطبوعات العثماني الصادر عام 1909 وتعديلاته حتى عام 1931 استناداً الى المادة (113) من القانون الأساسي العراقي ، ويعد قانون المطبوعات رقم (82 ) لسنة 1931 اول قانون مطبوعات بصدره المشرع العراقي ، وقد منح هذا القانون بموجب المادة (3) وزير الداخلية سلطة البت في اصدار مطبوع ما ، كما فرض بموجب المادة (4) على صاحب الاجازه تقديم تأمينات نقدية خلال شهر من تاريخ قبول الطلب ، كذلك اقـر القانون مبدأ انذار الصحيفة فـي المادة (13) وتعطيلهـا فـي المادتين (14 و 15 )والغاء اجازتها في المادة (17) ، وفي عام 1932 عدل هذا القانون بالقانون رقم (56 ) لسنة 32 19والذي فرض قيوداً اخرى فيما يتعلق بتوسيع الحالات التي يجوز فيها لوزير الداخلية انذار صاحب المطبوع او تعطيل الصحيفه او الغاء اجازتها . قد بقي هذا القانون وتعديلاته مطبقاً في العراق حتى الغيا بصدور قانون المطبوعات رقم (57) لسنة 1933 .

وقد نهج هذا القانون منهج القانون السابق فيما يتعلق بالشروط الواجب توفرها فيمن يرغب في اصدار مطبوع وتقديم التأمينات ، وقد عدل هذا القانون بالقانون رقم (33 ) لسنة 1934 ، واهم ما جاء في قانون المطبوعات رقم (33 ) لسنة 1934 منحه صحف الاحزاب السياسية حماية معينة ، فقد نصت المادة (10) منه ( ليس للحكومة أن تعطل صحيفة سياسية حزبية معلنا فيها انها لسان حال حزب سياسي مجاز قانوناً الا بحكم من المحكمة) ، وبذلك قدم هذا النص اهم ضمانة لحرية الصحافة من خلال منعها السلطة التنفيذية من اتباع نظام التعطيل واناطة ذلك بالسلطة القضائية . الا أن هذا النص لم يطبق على صعيد الممارسة الفعليه حيث عطلت عام 1946 صحف جميع الأحزاب ومنعت من الصدور لمجرد أن تقيم الحكومة الدعوى على صحيفة حزب من الأحزاب بحجة أن صحيفة الحزب اعتبرت اداة جرمية ارتكبت بواسطتها جريمة ، لذلك يجب أن يحجز العدد موضوع الشكوى والأعداد القادمة التي لم تصدر بعد . وقد بلغ اضطهاد الصحف ذروته عام 1954 عندما الغي قانون المطبوعات رقم (57) لسنة 1933 وتعديله استناداً الى المادة (41) من مرسوم المطبوعات رقم (24) لسنة 1954 ، حيث جاء فيها ( تلغى اجازات الصحف والمجلات كافة الممنوحة بمقتضى قانون المطبوعات رقم (57) لسنة 1933 وقانون تعديله رقم (33) لسنة 1934 بعد مضي (30) يوما اعتباراً من تاريخ نفاذ هذا المرسوم ويشمل الالغاء اجازات الصحف والمجلات المعطلة والمتوقفة عن النشر لأي سبب كان). واستناداً الى هذا المرسوم اصدرت وزارة الداخلية امراً بالغاء اجازات الصحف والمجلات الممنوحة بموجب قانون المطبوعات رقم (57) لسنة 1933 وتعديله والبالغ عددها (255) صحيفة ومجلة ، واجازت لاصحاب الامتيازات الملغاة طلب تقديم امتيازات جديدة ، الا أن الوزارة لم تجز سوى ست صحف ومجلة اسبوعية (2).

جدير بالذكر أن قوانين المطبوعات انفة الذكر جاءت خالية من الاشاره الى نظام الرقابة السابقة ، الا أن الصحافة العراقية خضعت لهذا النظام بموجب مرسوم الادارة العرفية رقم ( 18) لسنة 1935 ، حيث نصت المادة (14  الفقرة/3 ) . لقائد القوات العسكرية أن يتخذ بأعلان او بأوامر كتابية او شفوية تدابير كثيرة منها الامر بمراقبة الصحف والنشرات الدورية قبل نشرها وايقاف نشرها من غير اخطار سابق ، كذلك مرسوم صيانة الامن العام وسلامة الدولة رقم (56)لسنة 1940 الذي اجاز لوزير الداخلية مراقبة الصحف والمجلات والنشرات والكتب وجميع المطبوعات الاخرى ( المادة/5  الفقرة /2 ) واخيراً منح مرسوم الطوارئ رقم (1)لسنة 1956 رئيس الوزراء بناء على قرار مجلس الوزراء حق اصدار البيانات والاعلانات والاوامر والقرارات بشأن مراقبة الصحـف والمجلات والنشرات وجميع المطبوعات الاخرى ( المادة/2  الفقرة/2 ) . يتضح مما تقدم ، أن ما ورد في المادة الثانية عشر من القانون الأساسي العراقي اصبح في حكم العدم .

ثانيا/ الاحزاب السياسية : –

يمكن تقسيم الحياة الحزبية في العراق منذ عام 1921 وحتى عام 1958 الى ثلاثة مراحل : –

– المرحلة الاولى : – تمثلت في الفترة من 1921  1932 ، حيث سمح فيها بالعمل الحزبي العلني ودخلت احزابها في اللعبة البرلمانية التي كانت حديثة العهد في العراق ، فقد تألفت عشرة احزاب تأليفاً رسمياً (3). وكان لبعضها اثر ظاهر في توجيه الشعب الى الاهداف الوطنية ، كما كان للبعض الاخر اثر سيء في هذا التوجيه ، وبسبب من الظروف الداخلية ولغموض اهدافها وضعف تكوينها وعدم استنادها الى قواعد جماهيرية واعية ، اختفت تلك الاحزاب من على مسرح الحياة السياسية العراقية ، ولم يبق في تلك الفتره سوى حزب ( الاخاء الوطني ) ، الذي قاد المعارضة داخل المجلس النيابي وخارجه والذي عطلت اعماله بقرار صدر في 29 نيسان 1935 بدافع من وزارة ياسين الهاشمي مبرراً ذلك بالدعوه الى (نبذ التحزبات القديمة) والى ( تكوين جبهة واحدة تعضد الخطط الاصلاحية المنوى تطبيقها) و (عليه توقف جلسات الحزب وتعطل اعماله السياسيه على أن يسعى رجاله لتوحيد كلمة الامة وادماج الاحزاب في هيئة واحدة) (4). وفي هذا الصدد يعقب الاستاذ مجيد خدوري ( أن السبب الرئيسي لذلك رغبة ياسين الهاشمي نفسه في أن تكون له يد مطلقة لادارة شؤون البلاد) . وقد كشف ياسين الهاشمي نفسه في أن هذه الخطوة كانت تمهيداً لاقامة نظام الحزب الواحد ، فقد كتب في 19 نيسان 1935 ، أي قبل اتخاذ قرار تعطيل اعمال حزبه رسالة الى ناجي شوكت  سفير العراق في تركيا حينذاك ، قال فيها (باشرت بأعداد العدة لتأليف حزب واحد وذلك بدعوة مؤتمر الاخاء الوطني لتعطيل اعماله السياسية تمهيداً لهذا التأليف)(5).

– المرحلة الثانية : – تضمنتها الفترة 1933  1945 ، حيث لم تتألف احزاب سياسية سوى حزب ( الوحدة الوطنية ) وذلك في كانون الاول عام 1934 والذي ضم أعضاء المجلس النيابي الذي جاءت به الوزارة الايوبيه محاولة منها توحيد صفوف الاحزاب والهيئات والسياسية ، الا أن تلك الفترة شهدت نشوء جمعيات ونواد ثقافية ذات طابع سياسي ، كجمعية الاصطلاح الشعبي عام 1936 ونادي المثنى عام 1935 (6).

– المرحلة الثالثه : – تمثلـت فـي الفترة مـن 1946 ولغايـة 1958. ففي 27 كانون الاول ، اصدر الوصي عبد الاله بياناً اعلن فيه العزم على السماح بتأليف الاحزاب والجمعيات السياسية والاتجاه نحو حياة ديمقراطية صحيحة بالانتظام في الحياة الحزبية على النحو الذي يكفله الدستور . وبناء على ذلك ، تقدمت ست فئات سياسية بطلب الموافقة على تكوين احزاب لها الى حكومة توفيق السويدي ، فأجازت في 2 نيسان 1946 خمسة منها وهي حزب الاستقلال وحزب الاحرار والحزب الوطني الديمقراطي وحزب الشعب وحزب الاتحاد الوطني ، ورفضت اجازة حزب التحرر الوطني بحجة انتماء عناصر شيوعية بارزة فيه ثم اجيزت اربعة احزاب اخرى هي حزب الاصلاح (7). وحزب الاتحاد الدستوري وحزب الجبهة الشعبية وحزب الامة الاشتراكي (8). وفي 29ايلول 1947 سحبت الحكومة اجازة حزبي الشعب والاتحاد الوطني استناداً الى المادة العاشرة بدلالة المادة الرابعة من قانون تأليف الجمعيات لسنة 1922 لخروجهما عن الاهداف التي اجيز من اجلها الحزبان ولانهما عمدا الى تشكيل نظام الخلايا الخطر وحثهما على الثورة وخلق الاضطرابات اضافة الى اعتمادها في الايرادات على مصادر مجهولة (9). وفي 12 ايلول 1954 سحبت الحكومة اجازة الحزب الوطني الديمقراطي وفقاً للمادة العاشرة وبدلالة المادة الرابعة من قانون تأليف الجمعيات لسنة 1922 لخروجه عن منهاجه الذي اجيز بموجبه وتعاونه مع الهيئات غير القانونية التي لم تحترم قوانين البلاد ونظمها(10).في 29 ايلول 1954 اصدر وزير الداخلية استناداً الى المادة (25) من مرسوم الجمعيات رقم ( 19 ) لسنة 1954 بياناً الغى بموجبه جميع الاحزاب والنوادي لتنتهي بذلك الحياة الحزبية العلنيه ، وقـد جاء في الاسباب الموجبة للحل .

1.أن بعضها اخـذ يجاهر بالدعوة الى مذاهب ومبادئ يعاقب عليها القانون .

2.ان بعضها اخذ يدعو الى استغلال طرق الشغب واشاعة الفوضى خدمة لأغراض مؤسسات اجنبية .

3.أن بعضها استغل الامتيازات التي منحها القانون لها ولصحافتها فأخذ يحرض الناس في الصحف التي تنطق بلسانه على الشغب والقيام بأعمال ثورية لقلب نظام الحكم .

4.أن بعضها قد طغت عليه الانانية الفردية فجعلت مصلحة الحزب فوق مصلحة البلاد .

وعلى الرغم من أن كلمة ( بعض ) تفيد الحصر لا العمومة ، الا أن وزارة الداخلية عمدت الى الغاء جميع الاحزاب والجمعيات استناداً الى المادة (25) من المرسوم ، حيث جاء فيها ( تلغى الجمعيات المؤسسة قبل نفاذ هذا المرسوم وتصفى بمقتضى احكامه) . وقد بلغ عدد الجمعيات الملغاة بحكم هذا المرسوم (468) ما بين جمعية وناد في انحاء العراق كافة وقد استمر الحال حتى عام 1958(11).

__________________

1- عبد الله اسماعيل البستاني – مصدر سابق – ص61 .

2- عادل غفوري خليل – مصدر سابق – ص 266 .

3- الحزب الوطني العراقي – حزب النهضة العراقي – الحزب الحر العراقي – حزب الامة – الحزب الوطني العراقي في الموصل – حزب الاستقلال العراقي في الموصل – حزب التقدم – حزب الشعب – حزب العهد العراقي – حزب الاخاء الوطني . عبد الجبار حسن الجبوري – الاحزاب والجمعيات السياسية في القطر العراقي ( 1908 – 1958 ) – دار الحرية للطباعة – بغداد -1977 .

4- عادل غفوري خليل– مصدر سابق – ص70 .

5- أحلام حسين جميل – الأفكار السياسية للأحزاب العراقية في عهد الانتداب (1922 – 1932 ) بغداد – 1985 – ص 84 .

6- عادل غفوري خليل– مصدر سابق – ص70 .

7- في 14 تموز 1951 تقرر دمج حزب الاصطلاح بحزب الامة الاشتراكي وذلك للتشابه ووحدة الاهداف الموجوده في منهجي الحزبين . عبد الجبار حسن الجبوري – مصدر سابق – ص 188 .

8- يعد حزب الاتحاد الدستوري بزعامة نوري السعيد وحزب الامة الاشتراكي بزعامة صالح جبر من الاحزاب المساندة للسلطة ، حيث عملت السلطات الحاكمة في محاولة منها لمواجهة ازدياد نشاط الاحزاب السالفة الذكر على ايجاد حركة حزبية مضادة ، فتأسس حزب الاتحاد الدستوري وحزب الامة الاشتراكي بغية ضرب الحياة الحزبية . ليث الزبيدي – مصدر سابق – ص56 . عبد الرزاق الحسني – تاريخ الوزارات العراقية – الجزء السابع – مصدر سابق – ص24 .

9- عبد الرزاق الحسني – تاريخ الوزارات العراقية – الجزء السابع – مصدر سابق – ص180.

10- عبد الرزاق الحسني – تاريخ الوزارات العراقية – الجزء التاسع – مصدر سابق – ص153

11- في عام 1956 حاول قادة الحزب الوطني الديمقراطي وحزب الاستقلال تكوين حزب واحد تحت عنوان ( حزب المؤتمر ) ، الا أن الحكومة رفضت أجازته . فاضل حسين– الفكر السياسي في العراق المعاصر (1914–8 195) – المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم – معهد البحوث والدراسات العربية – بغداد – 1984 – ص78 وعادل غفوري خليل – مصدر سابق – ص 275 ومابعدها.

رقابة الرأي العام في دستور 16 تموز 1970 المؤقت :

نتناول في هذا الموضوع دور الصحافة والأحزاب السياسية في حماية الحقوق المدنية والسياسية في دستور 16 تموز 1970 المؤقت وعلى النحو الآتي:-

*الصحافة :-

نظم دستور 16 تموز 1970 المؤقت حرية الصحافة في المادة (26) منه حيث جاء فيها (يكفل الدستور حرية الرأي والنشر والاجتماع والتظاهر وتأسيس الاحزاب السياسية والنقابات والجمعيات وفق أغراض الدستور وفي حدود القانون وتعمل الدولة على توفير الأسباب اللازمة لممارسة هذه الحريات التي تنسجم مع خط الثورة القومي التقدمي ). مما تقدم يتضح ان الدستور المؤقت كفل حرية الصحافة من خلال كفالته للحق في حرية الرأي والنشر ، وهذا يشكل تراجعا عما نصت عليه الدساتير العراقية السابقة(1). والتي نظمت حرية الصحافة في مادة مستقلة عن الحق في حرية الرأي باعتبارها وسيلة مهمة من وسائل التعبير عن الرأي . ولابد من الاشارة الى ان قانون المطبوعات رقم( 206) لسنة 1968 هو القانون المعمول به في ظل دستور 1970 المؤقت لتنظيم الصحافة العراقية، كما ان نظام الرقابة السابقة الذي خضعت له الصحافة العراقية استنادا الى الفقرة (11) من المادة الرابعة من قانون السلامة الوطنية رقم (4) لسنة 1965 ظل نافذا حتى اواخر عام 1974 ، فقد تم رفع نظام الرقابة السابقة ليحل محله نظام الرقابة الذاتية التي يمارسها رئيس التحرير او المحرر المسؤول وحتى الصحفي او الكاتب(2).

*الاحزاب السياسية :-

يعتبر دستور 16 تموز 1970 المؤقت اول وثيقة دستورية في مرحلة النظام الجمهوري ينص صراحة على تأسيس الاحزاب ، فالوثائق الدستورية الاخرى كانت قد اشارت الى مسالة الجمعيات والنقابات فقط(3). حيث جاء في المادة (26) من الدستور المؤقت (يكفل الدستور حرية الرأي والنشر والاجتماع والتظاهر وتأسيس الاحزاب السياسية والنقابات والجمعيات وفق اغراض الدستور وفي حدود القانون وتعمل الدولة على توفير الاسباب اللازمة لممارسة هذه الحريات التي تنسجم مع خط الثورة القومي التقدمي). كما ان قانون الاحزاب السياسية رقم (30) لسنة 1991 يعد اول تشريع قانوني مستقل للاحزاب السياسية في تاريخ العراق السياسي تم بموجبه رسم وتحديد الاطار القانوني للاحزاب السياسية في العراق (4). حيث جاء في المادة الثانية من القانون( لكل عراقي وعراقية حق تأسيس حزب سياسي او الانتماء اليه او الانسحاب منه وفق احكام القانون). لكن بالرغم من ان الدستور اقر صراحة تأسيس الاحزاب السياسية ونظم القانون احكامها، يلاحظ ان النظام الحزبي كان قائما على اساس صيغة الحزب القائد ممثلا( بحزب البعث العربي الاشتراكي) والجبهة الوطنية.

_______________________________

1- دستور 29 نيسان 1964 المؤقت و 21 أيلول 1968 المؤقت .

2- ميثم حنظل شريف –مصدر سابق–ص93.

3- رعد ناجي الجدة – تشريعات الجمعيات والاحزاب السياسية في العراق – مصدر سابق – ص88

4- رعد ناجي الجدة – تشريعات الجمعيات والاحزاب السياسية في العراق – مصدر سابق – ص85

المؤلف : مروج هادي الجزائري
الكتاب أو المصدر : الحقوق المدنية والسياسية وموقف الدساتير العراقية منها

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .