بحث و دراسة عن حرية و مسؤولية الصحافة بين القانون الدولي و القانون المغربي

تمهيد:

إن حرية الصحافة والإعلام مفهوم يتجاوز الإطار الضيق الذي يتم حصره فيه في الكثير من الأحيان، لأن ممارسة هذه الحرية لا يمكن أن تتم بشكل جدي، إلا إذا توفرت مجمل الشروط، من ضمانات لحرية التعبير، واحترام للتعددية السياسية والثقافية والإيديولوجية، وتوفير الحق في الحصول على المعلومات والمعطيات التي تهم المواطن حول سير الشأن العام، والحق في الوصول إلى وسائل الإعلام السمعية والبصرية وتوفير الخدمة العمومية في هذه المرافق، ومحاربة احتكار الصحافة والإعلام من طرف مجموعات سياسية ومالية نافدة.

إن للصحافة دورا أساسيا في تقوية البناء الديمقراطي عبر توفير فضاءات ذات مصداقية، لممارسة الاختلاف ومقارعة الحجة بالحجة، وإغناء النقاش السياسي بشكل جدي ومسؤول وتطوير حرية الفكر والعقل النقدي.

يرى ”كوهين إليوت” أن: “آداب الصحافة أخلاق مهنية تتناول المشكلات المتصلة بسلوك الصحفيين والمحررين والمصورين، وجميع من يعملون في إنتاج الأخبار وتوزيعها”، وانطلاقا من هذا التعريف، فإن معادلة الحرية والمسؤولية في مجال الصحافة تعبر عن سلوك معين، وبالتالي وجب وضع قانون لتحديد هذا السلوك حتى لا يحيد عما رُسم له.

لو بحثنا تاريخيا عن بدايات حرية الصحافة، وعن جانب هام من جوانبها وهو ما يُعرف بحرية الرأي والتعبير لوجدنا بأن الاهتمام بها كان واضحا في العديد من دول العالم خصوصا الأوروبية منها، فمنذ القرن السابع عشر الميلادي أصدر البرلمان البريطاني عام 1689 “قانون حرية الكلام في البرلمان”. ثم جاءت الثورة الفرنسية لتصدر “إعلان حقوق الإنسان والمواطن” عام 1789، وتشير المادة 11 من هذا الإعلان الفرنسي إلى “حرية نشر الأفكار والآراء” التي تعتبرها من الحقوق الأساسية للإنسان، كما تؤكد على حق كل مواطن في “الكلام، والكتابة، والطباعة بشكل حر”.

أما على المستوى الوطني، فإن النقابة الوطنية للصحافة المغربية عبرت في إحدى تقاريرها مؤخرا عن مخاوفها من تفاقم الإعتداءات واتساعها، وتسجل أن هذه الهجمات تراوحت ما بين التهديد عبر الهاتف والإستفزاز، وصولا إلى إصدار أحكام قاسية بالسجن لعدة سنوات، ومنع إصدار بعض الصحف نهائيا، مرورا بالحجز والمصادرة، وحملات مداهمة مقرات الصحف والمطابع، والمغالاة في استدعاء الصحافيين واستنطاقهم في مخافر الشرطة أو لدى الضابطة القضائية، أو في أماكن غير معلنة وفي شروط مهينة.

لعل ما أورده التقرير السابق يوحي من الوهلة الأولى بمستوى حرية الصحافة بالمغرب، التي لم ترتق بعد لمستواها المطلوب، تماشيا مع الإصلاحات الكبرى التي تقوم بها المملكة، وموازاة للتغيرات العربية والدولية التي شهدها العالم مؤخرا.

من خلال هذا العرض، سنحاول جاهدين إبراز مقومات حرية ومسؤولية الصحافة في القانون الدولي من جهة، ومقومات حرية ومسؤولية الصحافة في القانون المغربي من جهة أخرى، لنحدد ما مدى مواكبة القوانين المغربية لنظيرتها الأجنبية، وما مدى ارتباط مفهوم الحرية بمفهوم المسؤولية باعتبار هذه الأخيرة قيدا – حسب رأي – أو باعتبارها فاعلا أساسيا لممارسة الحرية، ومعطى لا يمكن فصله بحال من الأحوال عن العمل الصحفي – رأي آخر-.

من خلال هذا التأطير البسيط، سنعمل على تقسيم موضوعنا وفق التصميم الآتي:

المبحث الأول: حرية ومسؤولية الصحافة في القانون الدولي.

المطلب الأول: حرية الصحافة في القانون الدولي.

المطلب الثاني: مسؤولية الصحافة في القانون الدولي.

المبحث الثاني: حرية ومسؤولية الصحافة في القانون المغربي.

المطلب الأول: حرية الصحافة في القانون المغربي.

المطلب الثاني: مسؤولية الصحافة في القانون المغربي.

المبحث الأول: حرية ومسؤولية الصحافة في القانون الدولي

قد عرفت الصحافة في الدول الغربية تحولا عميقا من خلال تحقيقها لعدة مكتسبات، لعل أبرزها فتح المجال أمام حريات أوسع ونطاقات أشمل، وقد برزت نتائج هذا التحسين والرقي في المهام الجديدة للعمل الصحفي حيث أصبح سلطة رابعة يعتد بها في هذه الدول، لكن وبالمقابل، فتح المجال لحريات أوسع ما فتئ يبرز مساوئ عديدة تتمثل في رفع السقف للأقلام، حتى بدأ بعضها يخرج عن السياق العام للدولة، بل ومنها من يهدد أمنها القومي ويخل بأخلاقها العامة التي ارتضاها المجتمع وأجمع عليها بشكل أو بآخر.

ومن هذا المنطلق، ارتأينا تقسيم هذا المبحث لمطلبين، حيث سنتطرق في الأول لحرية الصحافة في القانون الدولي، بينما سنخصص المطلب الثاني لمسؤوليتها على مستوى القوانين الدولية.

المطلب الأول: حرية الصحافة في القانون الدولي

الفقرة الأولى: حرية الصحافة في القوانين الغربية

يشكل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي يضمن حق كل شخص بالتمتع بحرية الرأي والتعبير في المادة 19، ونفس المادة بالنسبة للعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، حيث نص على أنه: ”من حق كل إنسان في اعتناق الآراء دون مضايقة، والتعبير عنها ونقلها إلى الآخرين دونما اعتبار للحدود، وبالوسيلة التي يختارها”.

كما أكد الميثاق الأوروبي لحقوق الإنسان سنة 1950 على حرية الرأي والتعبير، وكذلك الميثاق الأمريكي لحقوق الإنسان سنة 1969، وكذا الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب سنة 1979.

وهذه القوانين والمواد ستكون انطلاقة لسيرورة تطور حرية الصحافة في القوانين، ومنها: القوانين الغربية، لذلك سنأخذ نموذجين هما: التشريعين السويدي والفرنسي.

– أولا: القانون السويدي:

يمكن اعتباره معيارا لباقي القوانين الدولية، فإذا كان الإعلان العالمي للحقوق المدنية والسياسية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان قد أشارا إلى حرية الإعلام بشكل محتشم، فإن القانون السويدي منذ سنة 1766 قد تفوق عليهما في ذلك، حيث نص أيضا على الحق في الوصول إلى المعلومة، فالقانون السويدي يعتبر أساس هذه الموجة في تأطير هذا الحق.[1]

ورغم هذا السقف العالي من الحرية في ميدان الصحافة، نجد الفصل 7 من القانون السويدي يورد 18 نقطة على سبيل الحصر، اعتبرها كجرائم ومخالفات مهنية في حال ارتكابها توجب العقوبة. وكما قلنا سلفا: تمتلك السويد نظاما راقيا يعتبر أفضل نموذج لدعم حرية الصحافة، بل نموذجا للحرية والديموقراطية للمجتمع ككل. فالقانون يسمح ويحمي حق كل المواطنين في الإطلاع على الوثائق العامة المحفوظة لدى المؤسسات الحكومية، ويحمي حرية الصحافي في التعبير بمختلف الآراء دون أي محاسبة قانونية حسب المادة 19، هذا بالإضافة إلى أن القانون السويدي ينص على أنه لا يعاقب أي موظف يكشف للصحفيين معلومات معينة، مما يتيح أكبر قدر من الحرية أمام تدفق المعلومات.

– ثانيا: القانون الفرنسي:

في القانون الفرنسي لسنة 1794 الذي كان ينظم حق الولوج إلى الأرشيف،[2] كما تم النص قبل ذلك في التصريح الفرنسي لحقوق الإنسان والمواطن سنة 1789 في المادة 15 منه، وقد تم تكريس عدة حالات لحرية التعبير والرأي انسجاما مع الدستور، ومن ضمن مقتضيات حرية الصحافة: حماية مصادر الصحافي، بحيث لا يمكن إجراء تفتيش مقر عمله أو إقامته بل وحتى سيارته إلا من طرف قاض بمقتضى أمر قضائي مكتوب ومعلل، يحدد طبيعة الجريمة أو الجرائم موضوع التحريات، وكذا الأسباب المبررة للتفتيش تحت طائلة بطلان إجراءات التفتيش والحجز؛ وطبقا لهذا القانون،[3] فإنه لا يمكن للصحفي أن يعترض على حجز بعض الوثائق، وفي هذه الحالة يتم إحالة الملف على قاضي الحريات والإعتقال الذي يبث في هذا التعرض خلال أجل 8 أيام.

بالإضافة إلى أنه في فرنسا وفي التصريح الخاص بحقوق الإنسان والمواطن في المادة 11، سيتم التنصيص أيضا على حرية إيصال الأفكار والآراء وهي من السمات العليا التي يمتلكها كل فرد.

لكل مواطن إذن أن يتكلم ويكتب ويطبع بحرية، دون أن يصبح محلا للمساءلة إلا عند إساءة استعمال هذه الحرية كما هي محددة في القانون.

الفقرة الثانية: القوانين العربية

نصت المادة 32 من الميثاق العربي على أنه سيضمن الحق في الإعلام وحرية الرأي والتعبير، وكذلك الحق في استقاء الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين بأي وسيلة ودونما اعتبار للحدود الجغرافية، وتمارس هذه الحقوق والحريات في إطار المقومات الأساسية للمجتمع، ولا تخضع إلا للقيود التي يفرضها احترام حقوق الآخرين أو سمعتهم، وحماية الأمن الوطني أو النظام العام والصحة العامة أو الآداب العامة.

لذلك كانت هذه المادة منطلقا لتكريس تلك الحقوق والحريات، والتي تمت المصادقة عليها من طرف الدول العربية بالإضافة إلى عدة مواد ومواثيق دولية. وعليه، سنتناول بالتحليل المشرع المصري والجزائري، باعتبار الأول من القوانين المتطورة والمتقدمة في هذا المجال، والثاني لقربه من المغرب جغرافيا وثقافيا.

– أولا: المشرع المصري:

في دستور 1971 (من المادة 206 إلى المادة 2011) تحدث عن سلطة الصحافة واستقلاليتها، حيث خص فصلا كاملا لذلك، لكن حق الوصول إلى المعلومات تم تناوله لأول مرة في الدستور المصري عام 2012 حين نصت المادة 47 على: ”الحصول على المعلومات والبيانات والإحصاءات والوثائق والإفصاح عنها وتداولها، حق تكفله الدولة لكل مواطن بما لا يمس حرية الحياة الخاصة وحقوق الآخرين، ولا يتعارض مع الأمن القومي، وينظم القانون قواعد إيداع الوثائق وحفظها وطريقة الحصول على المعلومات والتظلم ممن رفض إعطاءها وما قد يترتب على هذا الرفض من مساءلة”، وقد تعرضت هذه المادة لعدة انتقادات، من بينها عنصر الغموض الذي يكتنفها، كمصطلح ”الأمن القومي”، وهذا المعنى المبهم للكلمة يعطي فرصة لتبرير حجب المعلومات.

أما في المسودة النهائية لدستور 2013،[4] فقد تم إلغاء الشروط المقيدة لحق الحصول على المعلومات من نص المادة 68 وتم إحالة كل هذه الأمور على القانون.

وبالنسبة لقانون الصحافة،[5] فقد تم التنصيص على حرية الصحافة وتأكيدها لدرجة وصفها بالسلطة الشعبية، وبأنها مكفولة تمارس رسالتها بحرية كاملة لتعبر عن مختلف اتجاهات الرأي، وهذا الإتجاه نفسه الذي سار فيه دستور 1971 في المواد 47 – 48 و49.

إلا أنه ما تجب الإشارة إليه، هو رغم أن حرية الصحافة بمفاهيمها الشمولية، قد تم التنصيص عليها في الدساتير المصرية وكذا القوانين المنظمة للقطاع، فإن قانون الطوارئ لسنة 1981 وحتى الآن، لازال يشكل تحديا لحرية الصحافة.

– ثانيا: المشرع الجزائري:

في القانون العضوي لسنة 2012،[6] نجده تحدث عن حرية الإعلام دون ذكر التفاصيل الأخرى المرتبطة به كحق الوصول إلى المعلومة بصفة عامة، وهو ما يمثل تراجعا في حق الصحفيين،[7] حيث أنه كان يُأْمَلُ أن يتم تفصيل ما جاء في دستور 1989 المعدل سنة 1996، والذي ينص على أن لا يتم حجز مطبوع أو تسجيل أو وسيلة من وسائل التبليغ والإعلام إلا بمقتضى أمر قضائي.

كما نص أيضا على أن الإعلام يمارس بحرية مع احترام كرامة الشخصية الإنسانية ومقتضيات السياسة الخارجية والدفاع الوطني (المادة 3).

كما جاء في المادة الثانية، على أن الحق في الإعلام يجسده حق المواطن في الإطلاع بصفة كاملة وموضوعية على الوقائع والآراء التي تهم المجتمع على الصعيدين الوطني والدولي، وحق مشاركته في الإعلام بممارسة الحريات الأساسية في التفكير والإدلاء بالرأي والتعبير طبقا للمواد 35-36-39 و40 من الدستور.

المطلب الثاني: مسؤولية الصحافة في القانون الدولي

تواجه حقوق الإنسان وحرياته بصفة عامة، جملة من القيود والمسؤوليات عند ممارسته لهذه الحقوق والحريات، ومنها نجد حرية الصحافة، إذ أن هذه الأخيرة تُقَلَّص بمجموعة من القيود القانونية لغرض تنظيم ممارستها، وعليه تنص المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوف الإنسان، وكذا العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والدساتير والقوانين الداخلية للدول على بعض قيود حرية التعبير، لتفادي ممارستها على نحو سلبي قد يشكل مساسا بالمسائل التالية:

1- حقوق وسمعة الآخرين: فهذا المبدأ يرد على ممارسة حقوق الإنسان الأساسية فيما يعرف بمبدإ خطر سوء استخدام الحقوق، فلا يجوز لأحد أن يبرر انتهاك حقوق الآخرين استنادا إلى حقوقه الخاصة، وفي مجال حرية الرأي والتعبير، فإن الهدف الأساسي من ممارسة هذه الحرية هو إنارة الرأي العام ومده بالمطبوعات والمعلومات المفيدة، وليس التعرض لسمعة الآخرين وسبهم وإذاعة الأخبار المغرضة عنهم.

2- حماية الأمن القومي: وهذا المفهوم بالأساس يعني سلام الجماعة واستقرارها، والتدابير التي تتخذها الدولة لحماية الأراضي والإستقلال الوطني من أي خطر أو ضرر خارجي، أو أي نشاط عنف يضر بوجود الدولة ذاتها. مع الإشارة إلى أن حرية التعبير لا تعد تهديدا للأمن القومي إلا إذا ثبت أن هناك علاقة مباشرة بين التعبير واحتمال وقوع العنف.

3- حماية النظام العام: فهو يتعلق بالكيان الداخلي للمجتمع، ويعني مجموع الأسس التي يقوم عليها كيان جماعة سواء كانت: سياسية، اقتصادية، اجتماعية أو أخلاقية. وتجدر الإشارة إلى أنه ما يعتبر من النظام العام في دولة ما، قد لا يعتبر كذلك في بلد آخر، ونفس الشيء من حيث الزمان.

4- مفهوم الآداب العامة: يرتبط هذا المفهوم بالنظام العام، وهي تعني مجموعة القواعد الأخلاقية التي يعتبرها الناس في أمة معينة وفي جيل معين المعيار الأخلاقي والأدبي الذي يسود عليهم ويضبط علاقاتهم الإجتماعية، ويلتزمون باحترامها ولا يتفقون على مخالفتها إلا بنص خاص.

5- مفهوم الصحة العامة: يرتبط بالأمن الإنساني والحق في الصحة كما نصت عليه المواثيق الدولية، وأن أي انتهاك من شأنه أن يعرض الصحة العامة في المجتمع للضرر عبر وسائل الإعلام والتعابير المختلفة، كإفشاء معلومات عن مرض لم يُتأكد منه بعد، أو كارثة مشكوك فيها، يكون محلا للتقييد.

وهناك قيود أخرى وردت في تقارير الأمم المتحدة لها طابع إلزامي، ويجب عدم مخالفتها عند ممارسة حرية الرأي والتعبير، وتتعلق بحظر الدعاية للحرب والدعوة للكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية أو للتمييز العنصري، مع تجريم الأفكار القائمة على أساسها.[8]

كما أن الإتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان تنص في مادتها 10 على أن: ”هذه الحريات تتضمن واجبات ومسؤوليات، لذا يجوز إخضاعها لشكليات إجرائية وشروط وقيود وعقوبات محددة في القانون حسبما تقتضيه الضرورة في مجتمع ديموقراطي، لصالح الأمن القومي وسلامة الأراضي وأمن الجماهير وحفظ النظام ومنع الجريمة وحماية الصحة والآداب، واحترام حقوق الآخرين ومنع إفشاء الأسرار وتدعيم السلطة وحياد القضاء”.

وقد اعتبرت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، أن حرية الصحافة تلزمها حماية خاصة حتى تتمكن من أداء وظائفها، كلعبها لدور الحارس العام، ودورها في تقديم المعلومات والأفكار التي تهم الرأي العام. كما أكدت على أن عقوبة السجن بسبب تعييب الحكومة أو التشهير بها، إنما هي عقوبة لا تتناسب مع الأهداف القانونية المرجوة.[9]

وتقول المحكمة الدستورية العليا بمصر أن: ”حرية التعبير وتفاعل الآراء التي تتولد عنها لا يجوز تقييدها بأغلال تعوق ممارستها، سواء من ناحية فرض قيود مسبقة على نشرها أو من ناحية العقوبة اللاحقة التي تتوخى قمعها، بل يتعين أن ينقل المواطنون من خلالها (علانية) تلك الأفكار التي تجول في عقولهم، فلا يتهامسون بها سرا، بل يطرحونها جهرا ولو عارضتها السلطة العامة […] فالحقائق لا يجوز إخفاؤها، ومن غير المتصور أن يكون النفاذ إليها ممكنا في غياب حرية التعبير.” (قضية رقم 17 لسنة 1995).[10]

وهكذا يتضح من المواثيق الدولية والإتفاقيات السابقة، أن أية تقييدات على حرية التعبير يجب أولا إخضاعها لما يعرف بالفحص الثلاثي الأجزاء:

– نص القانون؛

– الضرورة؛ وتعني وجود ”حاجة اجتماعية ملحة” للتقييد، والذي بدوره يتناسب مع الهدف المنشود منه.

– تحقيق هدف مشروع أجدر بالرعاية؛ كالأمن الوطني، الخصوصية…[11]

وعلى هذا الأساس نجد أن العديد من دول العالم، وضعت في قوانينها الداخلية جملة من القيود تحد ممارسة حرية التعبير في المجال الصحفي.

ففي فرنسا يمنع القانون أي كتابة أو حديث علني من شأنه إثارة الأحقاد والكراهية ضد أي مجموعة دينية أو عرقية، ويمنع الأفكار أو الآراء أو الصور التي تعد مسيئة أخلاقيا من الناحية الجنسية.

وفي الدانمارك تعتبر الصحافة حرة غير خاضعة للرقابة، إلا أن هناك أشياء معينة لا يسمح بنشرها، فلا يمكن لوسائل الإعلام – ومنها الصحافة – فضح أسرار الدولة أو الإساءة لأشخاص أو إيصال وجهات نظر مسيئة (عنصرية، تمييز…)، وذلك حتى لا يتم استغلال الحرية استغلالا تعسفيا، وتعمل بالتالي على زعزعة الإستقرار الأمني والسلمي المنصوص عليهما دوليا.

وبناء على ذلك، فإن حرية التعبير وإن لم تكن مطلقة فإن القيود الواردة عليها حسب المواثيق الدولية، يجب أن تكون في أضيق الحدود لضبط ممارسة الأفراد لها، وللحيلولة دون استغلالها بشكل مغاير للغاية والأهداف التي أُقرت من أجلها، وهو الوصول إلى توازن عادل بين حقوق الأفراد وحرياتهم في مجتمع ديموقراطي، فالتفاعل بين مبدإ حرية الرأي والتعبير وبين هذه القيود محددة بنص القانون، وضرورية لتحقيق أهداف وغايات محددة.

ومن الإستنتاجات التي يمكن الخروج بها بخصوص ما سبق:

– أن يتم إجراء تعديلات على التشريعات الوطنية للتوافق مع المعايير الدولية.

– في حال فرض عقوبات على حرية الصحافة، يجب أن يراعى مبدأ التناسب.

– بما أن الأصل في حرية التعبير هو الوجوب، فإن التقييدات المطبقة عليها يجب أن تكون استثناء وعلى الدولة أن يكون تدخلها ضمن أضيق الحدود، بما في ذلك إقرار قوانين قد تحد من حرية الصحافة.

المبحث الثاني: حرية ومسؤولية الصحافة في القانون المغربي

تعد حرية التعبير وإبداء الرأي من قبيل الحقوق المقدسة للإنسان، والتي تعتبر الصحافة أهم تجسداتها، فهي تعني في المقام الأول عدم خضوعها للرقابة والترخيص والضرائب، وتمكن رؤساء تحرير الصحف من صلاحية تقرير سياسة الصحيفة، وكذا الحق في التحقيق والحصول على المعلومات، وأيضا حرية نشر هذه المعلومات والآراء، وذلك حتى تتحقق الأهمية المرجوة من الصحافة.

وكون الصحافة لن يتأتى لها أن تؤدي الدور المنوط بها إلا بكفالة حريتها – وحتى لا تتحول هذه الحرية إلى فوضى – فإنه من المهم جدا تحديد هذه الأهمية بدقة، ونبين على أنه بالرغم من أهمية هذه الحرية يجب أن تبقى محدودة وتخضع لقيود. وهو ما سنتطرق له في مطلبين: حيث سنتناول في المطلب الأول حرية الصحافة في القانون المغربي، وفي المطلب الثاني سنتطرق إلى القيود الواردة على هذه الحرية في إطار المسؤولية.

المطلب الأول: حرية الصحافة في القانون المغربي

الفقرة الأولى: حرية الصحافة في دستور 2011 وقانون 03-77

– أولا: حرية الصحافة في دستور 2011:

يعتبر الدور الكبير الذي يلعبه الإعلام ومكانته في المجتمع كمحرك للنقاش الديموقراطي العمومي، لذا فالدستور المغربي الجديد نص في الباب الثاني على مجموعة من الحريات والحقوق الأساسية التي يجب أن يتمتع بها الإنسان ككل، والصحافة بشكل خاص، فقد نص عبر العديد من مواده على احترام حقوق الإنسان بما في ذلك حرية الرأي والتعبير اللذين أوردهما في الفصل 25 حيث جاء فيه: ”حرية الفكر مكفولة بكل أشكالها… حرية الإبداع والنشر والعرض في مجالات الإبداع الأدبي والفني والبحث العلمي والتقني مضمونة”، وبهذا النص يضمن الحرية في الفكر والرأي والتعبير باختلاف أنواعها، ولتوفير هذه الحرية كان لابد من توفير شروطها، فنص بذلك الفصل 27 على الحق في الحصول على المعلومة الموجودة في حوزة الإدارة العمومية والمؤسسات المنتخبة والهيآت المكلفة بمهام المرفق العام، وهذا التنصيص له قيمة دستورية مهمة، إذ تمنح الصحفي السند الدستوري في الولوج إلى كل المعطيات وفق القانون، وتمنح المعلومة حق التداول بالنسبة للجميع، وقد خص الدستور هذا الحق من خلال بند آخر يتحدث عن حماية مصادر المعلومة، وهذا يعطي إشارة قوية إلى تفعيل قيم الحرية ودعامة للشفافية والمساواة في الفرص، ووسيلة لفضح الفساد والمخالفين للقانون، ووسيلة أيضا لوضع المواطنين في صورة السياسات العمومية وتمكينهم من المعلومة، وذلك من شأنه مساعدتهم على الإختيار عن وعي وإدراك، والتصرف على أساس المعرفة بالأشياء والقرارات وسياقاتها.

يأتي الفصل 28 ليضمن صراحة حرية الصحافة، ويمنع تقييدها بأي شكل من أشكال الرقابة القبلية، مع الحفاظ على الرقابة البعدية، ويضمن حق التعبير ونشر الأخبار والأفكار والآراء بكل حرية ودون قيد، فمن خلال الفصل 28 من الدستور يتضح أن المشرع وفقا للمذكرات التي تقدمت بها النقابات والجمعيات الصحفية بالمغرب، وتضامن بعض الأحزاب الوطنية، أراد أن يدعم مجال الحريات العامة نظرا للدور الكبير الذي تلعبه الصحافة في المجتمع.

كما حدد الدستور في الفصل 28 الهيأة التي تسهر على احترام هذه التعددية، وهي الهيأة العليا للإتصال السمعي البصري، والتي نص عليها الفصل 165 من الدستور مع تفصيل بعض مهامها، ويعتبر هذا امتيازا محسوبا للميدان الإعلامي عموما، إذ أصبحت ”الهاكا” مؤسسة دستورية بنص القانون، وإغفال مهامها أو عدم التقيد بها يطعن في مستوى جعلها مدسترة.

– ثانيا: حرية الصحافة في قانون 03-77:

يعد قانون 03-77 خطوة متقدمة في المسلسل الهادف إلى وضع الإطار القانوني لتحرير المجال الذي انطلق مع تأسيس ”الهاكا”، وإصدار قانون بإنهاء احتكار الدولة للبث الإذاعي والتلفزي.

ويهدف القانون إلى النهوض بممارسة حرية الإتصال السمعي البصري، وضمان حرية التعبير الفردية والجماعية، والإلتزام بأخلاقيات المهنة واحترام حقوق الإنسان بما تحمله من عدم المساس بكرامته وبالحياة الخاصة للمواطنين، وبالتعددية الفكرية وبمبادئ الديموقراطية.

كما ينص القانون كذلك على دعم وتطوير القطاع العمومي للإتصال السمعي البصري، ومده بمقومات الجودة للقيام بمهام المرفق العمومي، ويهدف إلى تحفيز وتشجيع الإستثمار الخاص بهذا القطاع، وخلق مناخ منتج يعتمد على دعم وتطوير الإنتاج السمعي البصري في هذا المجال.

وقد نص القانون في المادة 3 على أن الإتصال السمعي البصري حر، وذلك يعني أن القطاع يمكنه العمل بكل حرية مع مراعاة الضوابط، حيث يقوم بإعداد برامجه بدون تقييد، مع الحفاظ على الطابع التعددي لتيارات التعبير.

ومن مجمل الحريات أيضا التي تحسب للصحافة بصفة خاصة وللإعلام بصفة عامة، هو ما جاءت به المادة 6، حيث يمكن للهيأة العليا بتنسيق مع الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات أن تقوم بتغيير الترددات أو مجموعات الترددات المخصصة لمتعهد الإتصال السمعي البصري، كما يمكنهم سحب الترددات إذا لم تعد ضرورية لهم من أجل القيام بالمهام المحددة في دفاتر التحملات، شريطة ان يتم ذلك دون انقطاع الخدمات ودون إلحاق الضرر بجودة استقبال البرامج.

ولإنهاء احتكار الدولة للمجال الإعلامي، فقد حرر القانون 03-77 المجال للمبادرة الحرة في القطاع السمعي البصري.

الفقرة الثانية: حرية الصحافة في قانون 2002

جاء قانون الصحافة المغربي بمجموعة من الحقوق والحريات التي تجعل من الصحافة سلطة فعلية في التأثير على مختلف المجالات، فقد استهل المشرع المغربي هذا القانون بإعلان حرية إصدار الصحف والطباعة والنشر وترويج الكتب، وذلك خلافا لما كان عليه القانون السابق، حيث لم يأتي ذكر الصحافة، بل تطرق فقط للطباعة وترويج الكتب. ومن الحريات التي تمس الإعلام كذلك، أن هذا القانون ساوى بين مختلف وسائل الإعلام حكومية كانت أم حزبية أم نقابية ام مستقلة في حق حصولها على المعلومات من مختلف مصادرها، شريطة أن لا تكون هذه المعلومات سرية بمقتضى القانون، موضحا أن ممارسة هذه الحريات ينبغي أن يتم في نطاق مبادئ الدستور وأحكام القانون وأخلاقيات المهنة.

وأوضح الفصل 2 على أنه من الضروري الإشارة إلى اسم المطبعة وعنوانها، باستثناء المطبوعات المعروفة كبطائق الزيارة والدعوات، وذلك للدور الكبير الذي تحتله الطباعة من جهتها، كمركز فعال في المؤسسة الإعلامية، بحيث تستحق نفس الحرية، بل يمكن اعتبار حرية الطباعة بمثابة المحرك الأساسي لحرية الصحافة وذلك لتأثيرها المباشر عليها.

ومن الحريات التي تساعد الصحافة على أداء وظيفتها إمكانية نشر كل الجرائد أو المطبوعات أو الدوريات بحرية بعد القيام بالإجراءات المقررة في الفصل الخامس.[12]

بالإضافة إلى هذه الحريات، هناك حريات أخرى تتمثل في ضمان حق نشر الأخبار والمعلومات ذات المصلحة العامة، والحق في إبداء الرأي والنقد والتعليق، وذلك في إطار القانون وآداب المهنة، وإلزام الإدارة والمؤسسات العمومية والجماعات المحلية بتعيين مخاطب للصحفيين المهنيين.

أما فيما يخص الصحفي المهني، فقد خصه هذا القانون بمجموعة من الحريات كعدم منعه من مزاولة مهنته بسبب ارتكابه جريمة لا علاقة لها بممارسة مهنة الصحافة، وإقرار الحق في حمايته من أي إهانة او اعتداء على شخصه أو كرامته أو أدوات عمله، وله الحق في التحري التام في جميع الوقائع والأحداث المتعلقة بالحياة العامة، كما له الحق في الحصول على المعلومات والوثائق من الإدارات والمؤسسات العمومية، وفي حالة الرفض وجب تعليله، وإلا عُدَّ الأمر شططا في استعمال السلطة.[13]

ومرورا بقانون الصحافة لسنة 2002، يجب أن نعرج على ما جاء في مشروع قانون الصحافة لسنة 2011، والذي لازال ينتظر الموافقة عليه ليومنا هذا، ومن المترقب أن يضيف مكاسب جديدة لمجال الصحافة والصحفيين المهنيين، حيث لم يتضمن أية عقوبة حبسية في حق الصحفيين فيما يتعلق بالنشر، كما يسحب من الحكومة حق منع صدور أية صحيفة مغربية أو دخول أية صحيفة أجنبية إلا بقرار قضائي، وينص كذلك على عدم إيقاف أية جريدة مغربية عن الصدور أو التوزيع إلا بمقرر قضائي، ولم يعد من اختصاص وزارة الإتصال منع دخول أو توزيع أية جريدة أجنبية بالمغرب إلا بمقرر قضائي أيضا، وهذا ما نادت به العديد من الهيآت الحقوقية الوطنية والدولية.

ويقترح مشروع قانون الصحافة فصل الدعوى العمومية عن الدعوى المدنية، بحث يمكن للمتضرر أن يلجأ إلى المحكمة للمطالبة بالتعويض المادي فقط دون إلزامية المرور عن طريق النيابة العامة كما جاء في القانون السابق، إذ كان يترتب عليه التعويض أو الغرامة أو الحبس أو هما معا.

كما يعيد مشروع قانون الصحافة الجديد النظر في جرائم القذف والسب، حيث تم توضيحها وتبسيطها، على عكس الغموض الذي كان يكتنف القانون الأسبق.[14]

وفي مقابل إلغاء العقوبات الحبسية، تم الرفع من الغرامات المالية كتعويض لعقوبة الإكراه البدني، وهو ما فتح نقاشا وتساؤلات عديدة من طرف المعنيين والممارسين والفاعلين في ميدان الصحافة والإعلام.

المطلب الثاني: مسؤولية الصحافة في القانون المغربي

تعتبر الجريمة الصحفية كغيرها من الجرائم الأخرى، تستلزم توفر الركن المادي والمعنوي وعلاقة السببية بين الركنين لإمكانية قيام المسؤولية الجنائية عنها، إلا أن ما يميز الجريمة الصحفية هو ضرورة توافر عنصر قد لا تعرفه الجرائم الأخرى، ويتعلق الأمر بعنصر العلانية سواء بالقول أو الكتابة أو التخطيط، وذلك تبعا لنوعية وسيلة الإعلام المقترفة للجريمة.

في إطار الجريمة الصحفية دائما، يمكن القول بأنها تكتسي ”طابعا تضامنيا” بين مجموعة أشخاص عاملين في إطار المؤسسة الصحفية، ومرد ذلك هو كون العمل الصحفي ناتج عن مجموعة من المجهودات المبذولة من الأشخاص المذكورين (أي العاملين في إطار المؤسسة الصحفية). ومن ثم يطرح تساؤل هام حول الشخص المسؤول عن الفعل الصحفي المخالف للقانون الزجري للصحافة: أهو كاتب المقال أم مدير النشر أم صاحب المطبعة أم المسؤول عنها أم يسألون بصفة جماعية؟

إن تطبيق القواعد العامة للقانون الجنائي على جرائم الصحافة يجعل مفهوم المسؤولية واسع النطاق أكثر مما يُتَصَوَّر، إذ سيمتد ليشمل الفاعل الأصلي والمشاركين والمساهمين في كل مرحلة تمر منها الصحيفة، وحالةَ انتفاء مسؤولية الفاعل الأصلي تنتفي مسؤولية المشاركين والمساهمين تبعا لذلك في حدود معينة.

يظهر الإختلاف أيضا بين المقتضيات الجنائية وقانون الصحافة فيما يخص قرينة البراءة، فقانون المسطرة الجنائية يعتبر المتهم بريئا إلى أن تثبت إدانته، عكس قانون الصحافة الذي يعتبر المتهم ظنينا عليه إثبات براءته.‏

تنطوي المسؤولية في إطار الجريمة الصحفية على خاصيات ومميزات هامة تظهر من خلال ما ينص عليه الفصل 67 من قانون الصحافة المعروض أسفله:

”يعاقب الأشخاص الآتي ذكرهم بصفتهم فاعلين أصليين بالعقوبات الصادرة زجرا للجرائم المرتكبة عن طريق الصحافة وذلك حسب الترتيب التالي:

1- مدير النشر أو الناشرون كيفما كانت مهنتهم أو صفتهم.

2- أصحاب المقالات المتسببون إن لم يكن هناك مديرون أو ناشرون.

3- أصحاب المطابع إن لم يكن هناك أصحاب مقالات.

4- البائعون والموزعون والمكلفون بالإلصاق إن لم يكن هناك أصحاب المطابع.

5- وفي الأحوال التي تكون فيها الكتابة أو الصورة أو الرسم أو الرمز أو طرق التعبير الأخرى المستعملة في ارتكاب الجريمة قد نشرت في الخارج، وفي جميع الأحوال التي لا يمكن فيها معرفة مرتكب الجريمة أو تعذرت متابعته لسبب من الأسباب، يعاقب بصفته فاعلا أصليا صاحب المقال أو واضع الرسم أو الصورة أو الرمز أو طرق التعبير الأخرى أو المستورد أو الموزع أو البائع”.

من خلال الفصل أعلاه، يظهر لنا أن المشرع أقام نوعا من المسؤولية عن فعل الغير، وهي المسؤولية المفترضة، فلم يهدف إلى معاقبة الفاعل المادي للجريمة الصحفية إلا في حالات خاصة، كما أقر المشرع نوعا أخر من المسؤولية ويتعلق الأمر بالمسؤولية بالتعاقب، فضلا عن المسؤولية المشتركة.

إلى جانب أصناف المسؤولية الجنائية المذكورة، أقر المشرع المسؤولية المدنية في حق أرباب الجرائد والمكتوبات الدورية بموجب المادة 68 من قانون الصحافة.

سنفصل هذا المطلب الخاص بالمسؤولية إلى فقرتين: الأولى خاصة بالمسؤولية الجنائية، والثانية نخصصها للمسؤولية المدنية.

الفقرة الأولى: المسؤولية الجنائية

في إطار المسؤولية الجنائية عن الجرائم الصحفية، سنعتمد تقسيما أهم ما يميزه هو وجود شبه إجماع فقهي عليه، ومن ثم سنقسم هذه المسؤولية إلى ثلاث أصناف:

* الصنف الأول: المسؤولية المفترضة.

* الصنف الثاني: المسؤولية المشتركة.

* الصنف الثالث: المسؤولية المتدرجة أو بالتعاقب.

– أولا: المسؤولية المفترضة:

تعتبر المسؤولية المفترضة من السمات الأساسية التي تميز المسؤولية الجنائية في إطار جرائم الصحافة، فالمشرع المغربي جعل من المدير فيما يخص الصحف اليومية أو متولي الطبع فيما يخص الصحف غير اليومية المسؤول الحقيقي عن الجريمة، فهو بذلك يكون قد نص على حالة استثنائية متعلقة بالمسؤولية عن فعل الغير، وذلك لوضع حد للعراقيل الناتجة عن تعدد المسؤولين وتسهيلا لوسائل الإثبات، فضلا عن أن المدير أو الناشر الذي يتولى مهام إدارة الجريدة، يفترض فيه أن يراجع ويراقب ما يتم نشره، ويعد ارتكاب الجريدة التي يرأسها لجريمة معينة قصورا منه في القيام بالمهام المنوطة به وإخلالا بواجبه، ومن ثم تتم مساءلته جنائيا عن الإهمال.

تبعا لما سبق، تكون مسؤولية المدير مفترضة بشكل مطلق، حتى في حالة تفويضه كلا أو بعضا من مهامه إلى شخص أخر، أو حتى التعرف على صاحب المقال المعتبر جريمة.

إن المسؤولية الجنائية ملازمة لصفة المدير تتأكد بورود اسمه على الصفحة الأولى، وذلك ما ينص عليه الفصل 9 من قانون الصحافة.

لا يمكن أن يدفع المدير المسؤولية عنه بإثباته غيابه وقت النشر أو عدم كفاية وقته لمراجعة ما وقع نشره، فجهل المدير بالمقال المنشور في جريدة يديرها لا يفلته من الجزاء، إذ أن مسؤوليته مبنية على افتراض قانوني.

ما يمكن أن يقال عن المسؤولية المفترضة هو كونها مجحفة، نظرا لتخويلها إمكانية متابعة شخص عن أفعال لم يقترفها بعيدا عن مبدأ شخصية العقوبة.

إن المسؤولية المفترضة التي تحدثنا عنها، تمتد لتشمل الطابع والبائع والموزع والملصق وليس المدير وصاحب المطبعة فقط، إلا أن هذه المسؤولية تبقى احتمالية لكون الأشخاص المذكورين لا يُسألون إلا في حالة تعذر مساءلة من سبقهم في الترتيب.

– ثانيا: المسؤولية المشتركة:

بالرجوع إلى الفصل 67 من قانون الصحافة، يمكن القول أن هناك ثلاثة أصناف من الشركاء:

* صاحب المقال أو المؤلف.

* الشركاء حسب المفهوم الذين أتى به القانون الجنائي.

* أصحاب المطابع.

– صاحب المقال أو المؤلف: لا يطرح تحديد صاحب المقال أي إشكال، إذ يعتبر صاحبه هو الكاتب إذا كان مكتوبا طبعا، إلا أن هذه المسؤولية ليست بالسهولة المتوقعة، خاصة إذا تعلق الأمر بنشر أخبار منطوية على السب والقذف في حق الغير.

قدم المشرع المغربي مسؤولية المدير على مسؤولية صاحب المقال، وجعل من هذا الأخير مشاركا، أما المدير فهو الفاعل الأصلي، وذلك تفاديا للحالات التي يعمل فيها مدير النشر على نشر مقالات بأسماء مستعارة.

– الشركاء حسب المفهوم الذين أتى به القانون الجنائي: بخصوص هذا الصنف من الشركاء، يستفاد من الفصل 68 من قانون الصحافة أن المشرع أشار إليهم كاحتمال فقط، إذ أجاز متابعتهم دون تحديد شروط وظروف مشاركتهم خلافا لما فعله بالنسبة لكاتب المقال وصاحب المطبعة.

تجد المشاركة المقصودة بهذا الصدد أساسها القانوني فيما ينص عليه الفصل 129 من القانون الجنائي، إذ تتم بالمساعدة أو الأمر أو التحريض تحت تأثير الإغراء أو التهديد أو تقديم أية وسيلة من وسائل ارتكاب الجريمة مع العلم بذلك، أو المساعدة في الأعمال التحضيرية.

– أصحاب المطابع: على خلاف صاحب المقال الذي يتابع كشريك، يستفيد صاحب المطبعة من امتياز هام، إذ لا يمكن متابعته كشريك إلا في حالة إصدار المحاكم حكمها بعدم مسؤولية مدير النشر جنائيا، أي في حالة متابعة كاتب المقال كفاعل أصلي.

عموما، يمكن القول إن صاحب المطبعة يوجد في وضعية خاصة، فمتابعته كشريك لا تتم إلا في حالات استثنائية وهي براءة المدير.

– ثالثا: المسؤولية المتدرجة أو بالتعاقب:

يظهر من خلال المادة 67 من قانون الصحافة أن المشرع المغربي حريص على إيجاد مسؤول دائم عن جرائم الصحافة، فرتب الأشخاص الذين تقع عليهم المسؤولية ترتيبا تسلسليا يقضي بعدم إمكانية متابعة أي شخص إلا في حالة انعدام الشخص الذي قدمه عليه القانون في الترتيب.

إن المتهم الرئيسي، وبالدرجة الأولى الذي اختاره المشرع، هو مدير النشر أو أصحاب الطبع، ثم يليه صاحب المقال الذي يتابع كفاعل رئيسي في حالة عدم معرفة المدير الرئيسي، وإذا تعذرت معرفة الكاتب، تنتقل المسؤولية إلى الطابع، وهكذا دواليك طبقا لما بينه الفصل 67 المذكور.

في هذا الإطار، لا بد من التميز بين حالة الغياب وحالة عدم إمكانية الملاحقة، فالغياب يعني تعذر تعيين المسؤول، أما صعوبة الملاحقة فتعني صعوبة إنزال العقاب على المتهم رغم معرفته، نظرا لظروف يوجد فيها كإصابته بخلل عقلي مثلا.

إن قيام المسؤولية الجنائية وفق الأصناف التي تعرضنا لها، لا ينفي قيام المسؤولية المدنية، وذلك هو موضوع الفقرة الموالية.

الفقرة الثانية: المسؤولية المدنية

إذا كان المشرع المغربي قد أولى عناية كبيرة بخصوص تحديد المسؤولية الجنائية في إطار الجريمة الصحفية، بتفصيله لكل الإحتمالات والإفتراضات الممكنة بشكل يجعل من المحتم وجود مسؤول جنائي عن الجريمة المذكورة، فإنه لم يبد نفس الحرص عندما تناول المسؤولية المدنية، إذ تطرق لها باقتضاب بموجب الفصل 69 الذي ينص على الآتي:

”إن أصحاب الجرائد والمكتوبات الدورية ووسائل الإعلام السمعية البصرية والإلكترونية، مسؤولون عن العقوبات المالية الصادرة لفائدة الغير على الأشخاص المبينين في الفصلين 67 و68 إذا تعذر تنفيذ هذه العقوبات المالية على المحكوم عليهم”.

يستفاد من هذا النص أن أرباب الجرائد يتحملون وحدهم المسؤولية المدنية التي يحكم بها على المسؤولين جنائيا لفائدة الغير عما لحقهم من ضرر، وذلك بغض النظر عما إذا كان المدير مسؤولا جنائيا أم لا، فالمشرع قد طبق “نظرية المسؤولية المدنية” عن فعل جنائي ارتكبه الغير تطبيقا أعم من مسؤولية المؤاجر عن فعل الأجير، أو مسؤولية الأب عن ولده القاصر، ويتضح من خلال المادة 69 أن المشرع جعل هذه المسؤولية وجوبية ولازمة لأرباب الجرائد، إذ لا يستطيعون الإفلات منها كيفما كانت الظروف، إلا أنه لم يضع احتمال عدم معرفة رب الجريدة أو المطبوع الدوري، ومن ثم صح لنا التساؤل عن الحل اللازم في حالة جهل مدير النشرة أو مالكها أو في حالة إعسارهما، أي على من تقع المسؤولية المدنية عن دفع التعويض؟ وهل يمكن حل التصريح بانعدام أي مسؤول مدني؟ أم أنه ينبغي اللجوء إلى المسؤولية الشخصية عن الفعل الضار؟

أمام عدم وجود إجابة عن هذه التساؤلات في إطار ظهير 15 نونبر 1958، خصوصا وأن المادة 69 من قانون الصحافة تناولت المسؤولية المدنية بشكل ضيق وغامض، نرى ضرورة التطرق إلى هذه المسؤولية من زاوية القواعد العامة.

تدخل مسؤولية الصحفي المدنية عن أفعاله الضارة بالغير – وبمناسبة مزاولة مهامه طبعا – في إطار المسؤولية عن العمل الشخصي، وهي أول حالات الخطأ الواجب الإثبات في إطار المسؤولية التقصيرية، وكما هو معلوم، فلقيام هذه الأخيرة لا بد من توافر ثلاث شروط أساسية وهي كالآتي:

– أولا: عنصر الضرر:

يعد الضرر القابل للتعويض هو ذلك الضرر المادي أو المعنوي الذي يصيب المضرور في شخصه، أو ضررا مرتدا يصيب الغير نتيجة إصابة المضرور.

1- الضرر المادي: قد يقترف الصحفي جريمة تؤدي إلى إلحاق ضرر مالي بالغير، فالضرر المادي هو ذلك الذي يمس حقا ماليا أو مصلحة مالية مشروعة للمضرور، فإذا قام الصحفي مثلا، وهو يزاول مهامه بنشر سر من أسرار مصنع معين، كتركيبة دواء لشركة مختصة بصناعة الأدوية، قد يجعل الشركات المنافسة تستغل هذا الأمر، ومن ثم إلحاق أضرار مادية بالشركة صاحبة التركيبة المذكورة، وهو أمر يستلزم طبعا الحكم بالتعويض للشركة المتضررة.

2- الضرر المعنوي: هو ضرر لا يؤدي في حد ذاته إلى خسارة مالية أو نقص في الذمة المالية للمضرور، بل يمسه في نواحي أخرى قد تتعلق بشخصه، وقد يكون هذا الضرر المعنوي ناتجا عن ضرر مادي كحالة الضرر المعنوي الناتج عن المس بالسلامة الجسدية أو الناتج عن ضياع شيء أو حيوان، إلا أن هناك ضررا معنويا آخر مستقل تماما عن الضرر المادي، وهو الذي يهمنا في موضوعنا بالأساس، وذلك وفق حالات نعرض لها ولصورها أسفله:

* المس بالشرف: صورته نشر أخبار كاذبة عن المضرور تتضمن افتراءات، كالإعلان عن حمل مزعوم خارج العلاقة الزوجية لامرأة متزوجة، وحالة السب والقذف الموجهين إلى المضرور بعبارات ساقطة. وعموما كل الحالات المتضمنة لخرق سافر لحقيقة أمر وواقع المضرور، فجل حالات المس بالشرف يعاقب عليها القانون الجنائي وقانون الصحافة.

* المس بالحياة الخاصة للأفراد: وتحرص جل التشريعات على حمايتها، ومن صورها الإعلان عن زواج أو حمل مغنية شهيرة أو علاقة غرامية للاعب شهير لكرة القدم، أو الإعلان عن الشذوذ الجنسي لشخصية سياسية مرموقة أو الإخبار بمرض يشكو منه.

* المس بالحق في صورة الفرد: باعتبار صورة الفرد امتدادا لشخصيته وجب حمايتها بموجب القانون، وأي نشر لها بدون إذنه يعتبر فعلا معاقبا عنه حتى ولو تعلق الأمر بمتهم لازال ملفه في مرحلة التحقيق.

* المس بالحقوق الأسرية: وأبرز صورة لها قيام صحفي بنشر أخبار عن علاقة شخص بزوجته أو أولاده أو خدمه، وعموما كل من يعيش معه من أسرته.

* المس باسم الفرد: وكمثال عنها قيام صحفي باستعارة اسم شخص معروف بصدقه وأمانته لاعتباره شاهدا أو حاضرا في قضية معينة تخدم أغراض هذا الصحفي أو أغراض جهات أخرى.

3- الضرر المرتد: الضرر المرتد هو ذلك الضرر اللاحق بالغير من جراء الضرر الحاصل للمضرور الأصلي، فجريمة السب والقذف في حق مسؤول عن هيئة عمومية قد يلحق ضررا مرتدا بهذه الهيأة ككل، وقد يكون الضرر المرتد ناتجا عن ضرر مادي كحالة سر من أسرار المصنع الذي سبق وتطرقنا له، فإذا كان هذا المصنع قد أبرم عقودا مع صيدليات لتزويدها بتلك الأدوية بأثمنة باهضة – ولكن بعد إفشاء السر وتخفيض الشركات المنافسة لثمنها – يضع تلك الصيدليات في وضعية صعبة.

قبل ختم هذه الفقرة، لابد من الإشارة إلى أن الضرر القابل للتعويض هو ذلك الضرر المحقق أي الواقع فعلا، كما يستحق التعويض عن الضرر المستقبل، إلا أن الضرر المحتمل الوقوع لا يستحق التعويض عنه.

– ثانيا: عنصر الخطأ:

الخطأ هو الإخلال بالتزام قانوني مع إدراك المخل بذلك، فالفصل 77 من ق.ل.ع أشار إلى الفعل الضار الذي يرتكبه الإنسان عن بينة واختيار، وبالنسبة للصحفي، فإن الخطأ الذي يرتكبه يتمثل بالأساس في مخالفة أحكام القانون الجنائي، أو قانون الصحافة حسب الحالات.

– ثالثا: علاقة السببية:

للقول بتوافر علاقة سببية لابد من البحث فيما إذا كان الضرر الحاصل للمضرور هو نتيجة طبيعية وحتمية لخطأ الضار، وفي حالة وجود سبب آخر هو الذي أنتج الضرر تنتفي علاقة السببية، وتنتفي تبعا لذلك المسؤولية عن الفعل الضار.

إن علاقة السببية لا تطرح إشكالا كبيرا بخصوص مسؤولية الصحفي، وفي حالة ثبوتها يكون لزاما على من ألزمه المشرع بتحملها تعويض المضرور عما لحقه من أضرار.

خاتمة:

إن التشريعات الصحفية أو الإطار القانوني أو البعد التشريعي، هي القواعد التي لها صفة الإلزام، والمتصلة بالنشاط الصحفي والإتصالي، والتي تتولى تنظيم ممارساته ووضع المعايير التي تحكم أنشطته المختلفة، وتنقسم التشريعات الصحفية بشكل عام إلى تشريعات تتصل بالمضمون، وأخرى تتصل بالمؤسسات من حيث تنظيماتها وإداراتها وتحديد حقوقها وواجباتها، وتشريعات تتصل بالمهنة، ثم هناك تشريعات الصحافة الدولية، ولهذه التشريعات مصادر متعددة تتمثل في، والقانون الدولي العام، وقوانين الصحافة أو المطبوعات، كما يدخل تحت ذلك أيضاً المواثيق المهنية.

ولإيجاد تلك العلاقة المبهمة ما بين الحرية والمسؤولية، يمكن القول أن المسؤولية الصحفية تتجلى بشكل دقيق في احترام أخلاقيات المهنة، باعتبارها مجموعة من القواعد والواجبات المسيرة لمهنة الصحافة، أو هي مختلف المبادئ التي يجب أن يلتزم بها الصحافي أثناء أدائه لمهامه، أو بعبارة أخرى هي تلك المعايير التي تقود الصحفي إلى القيام بعمل جديد يجد استحسانا عند الجمهور، كما أنها أيضا جملة المبادئ الأخلاقية الواجب على الصحافي الإلتزام بها بطريقة إرادية في أدائه لمهامه بشكل حر ومستقل، كمعايير سلوكية تقوده إلى إنتاج عمل ينال به استحسان الرأي العام.

وعموما يمكن أن نخلص إلى أن ضبط الحرية بالمسؤولية لابد له من توفر العناصر الآتية:

أولاً: عدم خضوع المطبوعات لرقابة سابقة، من جانب السلطة، لأن هذه الرقابة السابقة تنازل عن الحرية، وهو أمر غير مقبول في جميع الأحوال، حتى في الظروف الإستثنائية في حالات الحرب والطوارئ، إلاّ في أضيق الحدود.

ثانياً: تحديد المجال الذي يخول للمشرع تقييد حرية الصحافة فيه، بمعنى ألاّ يكون في وسع المشرع وضع تشريعات تجرم شيئاً ينفع المجتمع.

ثالثاً: حق الفرد أو الجماعة في إصدار الصحف من دون اعتراض من السلطة.

وإذا ما تقررت حرية الصحافة في نصوص الدستور أو القانون، فإن ذلك لا يعني بالضرورة توافر حرية الصحافة، وإنما يتعين توافر ضمانات تدعم هذا الحق، وهي:

أولاً: مبدأ الفصل بين السلطات.

ثانياً: الرقابة القضائيـة.

ثالثاً: وجود نظام نيابي قائم على الأحزاب ومستند إلى رأي عام قوي.

رابعاً: تمتع رجال الحكم بقدر كبير من الحكمة والنزاهة والخبرة والكفاءة والغيرة على مصالح الوطن.

ولا تكتمل النظرة القانونية إلى حرية الصحافة إلاّ بوجود مثلث ذهبي له أضلاع ثلاثة:

الضلع الأول: يتصل بالملكية والمالك، فلابد من إقرار حق إصدار الصحيفة، بغير توقف على ترخيص سابق، وتضييق معنى الإخطار إلى مجرد الإعلام، بظهور الصحيفة. وألاّ يشترط في الإصدار إلاّ الشروط القانونية في مواطن كامل الأهلية، من دون تقييد ذلك بقيود مالية، أو بمعنى آخر إطلاق حرية إصدار الصحف، مع تنوع أشكال ملكية الصحف.

الضلع الثاني: العنصر الإنتاجي، أو العنصر البشري أي الصحفيين، إذ لا تتوافر حرية الصحافة من دون النص صراحة في الدستور على كفالة حق التعبير، وحرية الرأي من دون رقابة سابقة، وتحريم التعطيل الإداري للصحف، والأخذ بنظام المحاسبة اللائقة للصحفيين على أن تكون محاسبة قضائية، مكفولة بشروط قانونية عادلة، ويقتضي ذلك حماية التنظيم النقابي، المنتخب انتخاباً حراً وديمقراطياً، والحفاظ على استقلالية التنظيم النقابي، وكفالة هذا الحق الديموقراطي في الإنشاء والنشاط.

الضلع الثالث: إقرار حق القارئ، في استقاء الأنباء الموضوعية والمحايدة، أي في أن يعلم ويتصـل، وهذا هو الحق الجديد من حقوق الإنسان، من دون تمييز بسبب الدين أو اللغة أو العنصر أو الجنس أو الرأي أو الموقف السياسي أو الفكري، وبذلك تتحقق المشاركة الإيجابية، وإلاّ ظلت المعلومات تتدفق من أعلى إلى أسفل، من السلطة إلى المحكومين، أو من الدولة الأقوى إلى الدولة الأضعف، أو من الشعوب الصناعية الغنية إلى الشعوب النامية الفقيرة، وقد أكدت اللجنة الدولية لدراسة مشكلات الإتصال ”لجنة ماكبرايد” في تقريرها النهائي، على حرية الصحافة في إطار مفهوم الحق في الاتصال.

من خلال كل هذه المقومات، ينتظر الكل قانون صحافة معتدل في المغرب، يأتي بمكتسبات جديدة توافق ما توصلت إليه الدول الأخرى في هذا المجال من إنفتاح وحرية وإقرار للمسؤولية واحترام لأخلاقيات المهنة.

الهوامش:
[1] Gustafsson. K. Gand Hadenuis. S.Savedish.Press polisy. Thesew-lish institue 1991.

[2] قانون سنة 1881 هو أول قانون خاص بالإعلام ظهر في العالم ليكون قانونا صحفيا يمنح حق التعبير بكل حرية.

[3] قانون رقم 1-2010 بتاريخ 04-2010.

[4] صدرت نتيجة الإستفتاء الشعبي بمصر بــ ”نعم” للدستور بتاريخ 19/01/2013.

[5] قانون رقم 96 لسنة 1996 الخاص بتنظيم الصحافة (المادة 1 – 3).

[6] قانون عضوي تم إنشاؤه سنة 2012 رقم 12-05 المؤرخ في 18 صفر 1433/ الموافق لـ 12 يناير 2012 والذي يتعلق بالإعلام.

[7] تجدر الإشارة على سبيل الإضافة إلى أن المشرع التونسي في قان سنة 2011 قد أضاف إلى حرية التعبير معطى جديدا وهو حرية المعتقد، وهذا بحد ذاته تجديد إضافي في البلدان العربية.

[8] دور القانون الدولي في حماية حرية الرأي والتعبير (م م هديل مالك، م م نضال عباس).

[9] يحيى شقير، صحفي في جريدة العرب، مدرب وخبير قوانين الإعلام – المعايير والآليات الدولية الخاصة بحرية الرأي والتعبير.

[10] سرحان عبد العزيز محمد، المدخل لدراسة حقوق الإنسان في القانون الدولي، دراسة مقارنة في الشريعة الإسلامية والدساتير العربية – مصر.

[11] مرجع سابق، يحيى شقير.

[12] محمادي المعكشاوي، المفيد في شرح قانون الصحافة والنشر بالمغرب، مطبعة النجاح الجديدة – الدار البيضاء – الطبعة 2009.

[13] أسماء أصبير، الصحافة المغربية بين النص التشريعي وحدود المقدس – ط 2009.

[14] كعبارة ”المس بالنظام العام”، حيث أن حمولتها كبيرة ولها من المعاني ما هو مطلق، وعلى المستوى القانوني وجب تقييد المفردات والمصطلحات وتبسيطها، ليعرف الناس أوجه التجريم حتى يتفادوا العقاب.