جزء من رسالة ماجستير عن اشكالية تنازع الاختصاص القضائي في نطاق المحاكم الجنائية الدولية

سعد النعاس

تناولت في فقرة من رسالتي لنيل درجة الماجستر ما قد يترتب من اشكالية قانونية تترتب فيما اذا ثارت حالة من حالات تنازع الاختصاص القضائي بين المحاكم الجنائية الدولية ( ومن ضمنها المحكمة الجنائية الدولية الدائمة) والقضاء الجنائي الوطني . وهو ما تحقق واقعياً في قضية سيف الاسرم القذاقي ، حيث حدث التنازع الايجابي بين المحكمة الجنائية الدولية والقضاء الجنائي الليبي .

ويقصد بتنازع الاختصاص دخول دعوى بشأن جريمة واحدة أو جرائم مرتبطة حوزة جهتين من جهات التحقيق أو الحكم فتقرر كل منهما اختصاصها ، وهو ما يسمى بالتنازع الايجابي، أو أن تقرر كل منهما عدم اختصاصها ويكون الاختصاص منحصراً فيهما ، وهو ما يسمى بالتنازع السلبي .

وطبقاً للشارع الليبي إذا حدث التنازع بين جهتين من جهات التحقيق أو الحكم تابعتين لمحكمة ابتدائية فيرفع طلب تعيين الجهة التي تفصل فيها إلى المحكمة الابتدائية منعقدة بهيئة غرفة المشورة . ( مادة 199 إجراءات جنائية ليبي ).

أما إذا صدر حكمان بالاختصاص أو بعدم الاختصاص من جهتين تابعتين لمحكمتين ابتدائيتين أو من محكمتين من محاكم الجنايات أو من محكمة عادية ومحكمة استثنائية يرفع طلب تعيين المحكمة المختصة إلى المحكمة العليا . (مادة 200 إجراءات جنائية ليبي ).

أما التقنين الاجرائي الإيطالي فقد حدد محكمة النقض منعقدة بغرفة المشورة كجهة لحل حالات التنازع ([4) ، باستثناء حالة ما اذا وقع التنازع بين قاضي الجلسة التمهيدية وقاضي الحكم فتكون الفاعلية لقرار الاخير ([5] ) .

وكذلك تناول فقهاء الشريعة الإسلامية أحكام تنازع الاختصاص ، حيث تباين الفقهاء فيما إما إذا قُلد قاضيان وكانت ولايتهما عامة على عموم البلد ، فلم يجزها بعضهم لما يفضي إليه ذلك من تنازع الولاية و تضارب الأحكام بينهما وتجاذب الخصوم إليهما ، في حين جوز ذلك فريق آخر وارتأوا اختصاص اقرب القاضيين إلى الخصمين، فإن استويا قيل بالقرعة بينهما ، وقيل يمنعان من اللجوء إلى القضاء حتى يتفقا على أحدهما ([6] ) .

أما إذا حدث التنازع في الاختصاص بين قاضيين ليسا ذو ولاية عامة فيرى أبو يوسف أن العبرة للمدعي وقال محمد لا بل العبرة للمدعي عليه ، ويعلل أبو يوسف ذلك بأن المدعي منشئ للخصومة فيعتبر قاضيه ، بينما يعلل محمد رأيه بأن المدعي عليه دافع لها ، والظاهر أن الخيار للمدعى عليه ([7] ) ، وارتأى فريق آخر أن مكان المدعى عليه إنما هو فيما إذا كان قاضيان كل منهما في محلة وقد أمر كل منهما بالحكم على أهل محلته فقط ، أما إذا كان كل منهما مأذونا بالحكم على أي من حضر عنده من مصري وشامي وحلبي وغيرهم فيتعين الأخذ بقول أبي يوسف لموافقته لتعريف المدعى عليه أي فإن المدعي هو الذي له الخصومة فيطلبها قبل أي قاض أراد وبه ظهر أنه ([8] ) .

أما إذا كان أحد الخصمين من أفراد الجيش فالاختصاص للقاضي العادي ولا اختصاص لقاضي العسكر ([9] ).

أما في نطاق المحاكم الجنائية الدولية الخاصة ( ومن ضمنها المحكمة الجنائية الدولية الدائمة) فلم تبين أنظمتها الأساسية ولا الاجرائية أحكام ما قد يثور بينها وبين القضاء الجنائي الوطني من تنازع للاختصاص . فما هو الحكم لو أصرت دائرة من دوائر المحاكم الجنائية الدولية الخاصة على اختصاصها بنظر الدعوى ، وأصر القضاء الجنائي الوطني في إحدى الدول على نظر ذات الدعوى بمقولة أن تلك الدعوى ليست من ضمن اختصاص تلك المحكمة الجنائية الدولية ، أو صدر حكمان بعدم الاختصاص من القضاء الوطني وإحدى المحاكم الجنائية الدولية الخاصة ، فلا شك أن هذه الفروض تثير عديد الإشكاليات والتي يترتب عليها إما محاكمة الشخص عن ذات الجرم مرتين ، أو فرار مجرم من العقاب ، وكلا الأمرين تأبهما العدالة .

وقد يرد علينا البعض بأن سمو المحاكم اختصاص المحاكم الجنائية الدولية الخاصة على اختصاص القضاء الجنائي الوطني يزيل مظنة توافر أي فرض من تلك الفروض ، ونحن نرى أن ذلك ممكن في أحوال تنازع الاختصاص الايجابي ، أما أحوال تنازع الاختصاص السلبي فطبيعتها تأبى ذلك ، فكلا الجهتين ترفض النظر في القضية ، وحتى في أحوال التنازع الايجابي فمن المفترض أن يُرفع التنازع إلى جهة محايدة ، لا أن تكون الجهة الواحدة الخصم والحكم في الآن نفسه .

كما قد يرد البعض بان النظام الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية الدائمة ينص على ان الاختصاص الاصلي هو للقضاء الوطني ، ولكن الاشكالية في نطاق المحكمة الجنائية الدولية في نطاق تنازع الاختصاص تكمن في نقطتين :

1- ان هناك نصوص قانونية مطاطة في النظام الاساسي للمحكمة تتيح للمحكمة ان تقضي بغير ذلك وبالاخص المادة 17 من النظام الاساسي .

2- ان ذلك يخالف قاعدة قانونية ومنطقية في تنازع الاختصاص ، وهي انه لا يجوز لاحد طرفي التنازع ان يكون الخصم والحكم في ان الوقت .

والحل الذي نقترحه تحديد جهة قضائية محايدة للفصل في حالات التنازع في الاختصاص التي يمكن أن تطرأ بين المحاكم الجنائية الدولية الخاصة ( ومن ضمنها المحكمة الجنائية الدولية الدائمة ) وبين القضاء الجنائي الوطني لإحدى الدول ، ولتكن محكمة العدل الدولية .

الهوامش

_________________________________________________________-
[1]) ) طعن جنائي ليبي رقم 03/50 ق ، جلسة 26/06/2003 ، غير منشور .
انظر أيضاً طعن جنائي ليبي رقم 01/26 ق ، جلسة 20/03/1979 ، مجلة المحكمة العليا ، س 16 ، ع 2 ، ص 129.
انظر أيضاً طعن جنائي ليبي رقم 01/27 ق ، جلسة 08/02/1983 ، مجلة المحكمة العليا ، س 20 ، ع 3 ، ص 218.
انظر أيضاً طعن جنائي ليبي رقم01/19 ق ، جلسة 12/12/1972 ، مجلة المحكمة العليا ، س 9 ، ع 2 و 3 ، ص 105.
[2]) ) وفي ذلك قضت المحكمة العليا بأنه : ” إذا أصبح قرار الغرفة الصادر بالتجنيح نهائياً رغم ما ينطوي عليه من خطأ في القانون نتيجة مخالفة المادة 154 من قانون الإجراءات الجنائية فإن التضارب بينه وبين الحكم النهائي الصادر من محكمة الجنح بعدم الاختصاص لجنائية الواقعة يعد من صور تنازع الاختصاص السلبي الذي يرفع فيه الأمر إلى محكمة النقض حتى لا يفلت متهم من المحاكمة ” .
طعن جنائي ليبي رقم 01/11 ق ، جلسة 09/05/1964 ، مجلة المحكمة العليا ، س 1 ، ع 3 ، ص 49 .
[3])) طعن جنائي رقم 01/26 ق ، جلسة 20/03/1979 ، مجلة المحكمة العليا ، س 16، ع 2 ، ص 129.

([4]) Art. 32 Risoluzione del conflitto 1. I conflitti sono decisi dalla Corte di Cassazione con sentenza in camera di consiglio secondo le forme previste dall’art.127. La Corte assume le informazioni e acquisisce gli atti e i documenti che ritiene necessari.

([5]) CAPO V Conflitti di giurisdizione e di competenza
Art. 28 Casi di conflitto
1……. a)……….. b)……… 2. Le norme sui conflitti si applicano anche nei casi analoghi a quelli previsti dal comma 1. Tuttavia, qualora il contrasto sia tra giudice dell’udienza preliminare e giudice del dibattimento, pr– # وصلة ممنوعة 1775 # –e la decisione di quest’ultimo.
[6]) ) أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب البصري البغدادي المارودي ، الأحكام السلطانية والولايات الدينية ، ص 73.
[7]) ) زين بن إبراهيم بن محمد بن محمد بن بكر ، البحر الرائق شرح كنز الدقائق ،، ج7 ، ص 193 . إبراهيم بن أبي اليمن محمد الحنفي ، لسان الحكام ، ص 222. البحر الرائق ، ج7 ، ، ص 193 .

[8]) ) محمد أمين المشور بابن عابدين ، حاشية رد المحتار على الدر المختار ( حاشية ابن عابدين ) ، ج5 ، ص 542.

[9]) ) حاشية رد المحتار على الدر المختار ( حاشية ابن عابدين ) ، ج5 ، ص 542.