حيازة العملة المزيفة بقصد الترويج والتعامل :

الحيازة تقتضي العلم والهيمنة على الشيء سواء كان لشخص يحوز الشيء أي يحمله معه أو يبسط سلطانه عليه في منزله أو مخازنه أو مع تابعه أو في شيء من متعلقاته أو في مكان يعلمه(1). لهذا فقد عرف المشرع الإنجليزي الحيازة في المادة 17/هـ من قانون جرائم سك العملة لعام 1936 بما يأتي (يعتبر الشيء في حيازة الشخص إذا كان في نطاق حراسته الشخصية أو كان في حراسة شخص آخر بعلم الأول وإرادته أو كان في مبنى أو مكان يخصه أو يشغله بنفسه أو كان لاستعماله أو لفائدته الشخصية أو استعمال أو فائدة شخص آخر) (2). وحيازة العملة المقلدة أو المزيفة أو المزورة يقصد الترويج أو التعامل بها وهو وجودها تحت سيطرة الجاني لهذا الغرض ولو كان قد اكتسب حيازتها عن طريق غير مشروع ، كالسرقة أو خيانة الأمانة أو عن طريق مشروع كالضمان أو الرهن(3). وحيازة العملة تعتبر بمثابة فعل تحضيري للترويج أو للتعامل في العملة المزيفة، أو لإخراجها من البلاد ولكن كثيراً من التشريعات ارتأى اعتبارها جريمة قائمة بذاتها ، ذات طابع وقائي أو احترازي فتدخل بالعقاب متى ثبت أن الحيازة كانت بقصد ترويج العملة المزيفة والتعامل بها . ويكفي لتوافر الجريمة أية صورة من الحيازة الكاملة أو الناقصة أو الحالية ويدخل فيها الإحراز من باب أولى لان كل محرز هو في نفس الوقت حائز ولكن ليس كل حائز يصح أن يكون محرزاً (4).

ومن هنا يعتبر حائزاً المالك غير الحائز ، والحائز لحساب الغير ولو لم يكن مالكاً. ولهذا فإن الحيازة جريمة مستمرة وتخضع في النهاية لقواعد هذا النوع من الجرائم في شأن سريان القوانين الجديدة وبدء تقادم الدعوى ، ومدى قوة الشيء المقضي والاختصاص بالتحقيق والمحاكمة(5). ولهذا فانه يحكم ضوابط حيازة العملة المزيفة نفس القواعد الخاصة بحيازة أدوات التزييف ولذلك فان هذه الجريمة تتميز عن باقي أفعال الاستعمال بشروط معينة ويجب تحقيقها وهذه الشروط هي :

1.حيازة نقود معدنية أو أوراق نقد مزيفة أو نقود معدنية منقوصة أو مغير تركيبها أي يجب أن تكون في حوزة الجاني عملة مزيفة ويشترط ان تكون العملة المزيفة محل الحيازة مشابهة للعملة الصحيحة طبقاً للمعايير السابقة في جريمة التقليد ، فحيازة عملة شرع في تزييفها لا تكون جريمة الحيازة المعاقب عليها ، لذلك فقد حكم في أمريكا (بان من العناصر الرئيسية في جريمة الحيازة ان تكون العملة محل الحيازة مشابهة للعملة الأصلية بحيث يكون من شانها خداع الشخص الأمين غير المشكوك فيه ، ذو الحذر والملاحظة العادي ، ولا يشترط ان تكون المشابهة على درجة كبيرة تخدع الخبراء والصيارف أو الأشخاص الحذرين . ولا تهم المدة التي بقيت فيها العملة المزيفة في حيازة الجاني(6).

2.أن يعلم الجاني بان هذه العملة مزيفة أو منقوصة عند تلقية حيازتها . والعلم يجب إثباته بدليل مباشر بدليل مستمد من ظروف وتصرفات المتهم ، ويستخلص منها استدلال معقول على علمه بذلك ، فعدد الأوراق التي يعثر عليها في حيازة الجاني والظروف التي عثر عليها فيها تكون أساساً كافياً لاستخلاص علم المتهم وعلى قصده في استعمالها كصحيحة ، كما يمكن إثبات ذلك إذا كان في حيازته كمية كبيرة من العملات المزيفة .

وفي قوانين بعض الولايات الأمريكية تنص على انه إذا كانت العملات المعروضة حقيقية ولكن حائزها يعتقد بزيفها فإنه تتحقق بشأنه جريمة الحيازة على الرغم من كون العملة حقيقية طالما يؤمن بأنها مزيفة ، كذلك فان حيازة أية عملات مشابهة للعملات الحقيقية تعتبر جريمة إلاّ إذا كانت بعلم من السلطات المركزية تلحق دائماً الأضرار بالأمن القومي الأمريكي(7).

3.يشترط ضرورة توافر القصد الجنائي العام وهو العلم والإرادة والقصد الجنائي الخاص أي أن يقع ذلك بقصد الترويج أو التعامل بالعملة المزيفة(8)، وعلى ذلك فان الحيازة المجردة لعملة مزيفة دون قصد الترويج أو التعامل غير معاقب عليها ، مع أن مثل هذا الفعل قد يمثل خطراً على أمن المعاملات . وقد راعت ذلك بعض القوانين الأجنبية فقانون العقوبات البلغاري يعاقب من يحوز عملات مزيفة مع علمه بذلك دون أن يبلغ السلطات (م 237) كما أن قانون العقوبات اليوغسلافي يعاقب من يعلم أن عملة قد زيفت أو أن عملة مزيفة موجودة في التداول ولم يبلغ السلطات (221/ 5) وكذلك القانون البلجيكي (169) وكذلك القانون الأسباني مادة (290) والإيطالي (694) ، الفنزويلي (1191) وكذلك القانون الفرنسي فقد كان يعاقب على من يعلم بوجود مصنع للتزييف ولا يبلغ عنه خلال مدة معينة ، وقد ألغي هذا النص(9).

ولذلك فإن المشرع العراقي قد نص في المادة (280) عقوبات عراقي حيث جرم فعل حيازة العملة المزيفة بقصد الترويج أو التعامل لها دون اشتراط ان يكون الجاني محرزاً بنفسه العملة المزيفة بل يكفي أن تتوافر لديه السيطرة القانونية عليها تاركاً للغير إحرازها لحسابه إلاّ أنه يشير إلى تجريم هذا الفعل في المادة (281) عقوبات عراقي والتي تتناول تجريم تزييف واستعمال العملة الورقية وكذلك نص القانون اليمني على تجريم فعل الحيازة في المادة (204). وقد تباينت التشريعات الحديثة في معالجة فعل الحيازة ، فالقسم الأكبر اعتبر هذا الفعل جريمة قائمة بذاتها وساوت بينه وبين أفعال الاستعمال والتزييف من حيث التجريم والعقاب كالقانون الدانماركي، المادة (166) وفصل 27/4 فنلندي والمادة 434/3 إيطالي والمادة 472 أمريكي والمادة 147 ألماني والايرلندي واليمني والمصري والعراقي ، وان كانت تشريعات أخرى قد سارت على عقاب فعل الحيازة العملة المزيفة بعقوبة اقل من عقوبات الترويج والتقليد كما في القوانين بلجيكا وبلغاريا وسويسرا أو أسبانيا (10).

أما القسم الثالث من التشريعات فلم تنص على تجريم فعل الحيازة اكتفاءً بتجريم فعل الترويج كما في قوانين اليونان والنمسا وفرنسا وليبيا ويبرر ذلك إلى أن من يروج عملة مزيفة يحوزها قبل ذلك في معظم الحالات ، ولكن هناك حالات يتحقق فيها ترويج العملة دون حيازتها كحالة الوساطة في الترويج(11).

ومع هذا ينطبق النص الخاص بتجريم حيازة العملة المزيفة . ان حيازة العملة المزيفة إذا كان الهدف منها ليس الترويج وإنما كان لغرض آخر كأن يكون بقصد ثقافي أو علمي أو استجابة لهواية معينة(12). ففي هذه الحالة يتم التجريم على أساس حيازة عملة مزيفة مشابهة للعملة الصحيحة وكان من شان هذه المشابهة إيقاع الناس في الغلط وفقاً لنص المادة (285) عقوبات عراقي المذكور آنفاً ، وكذلك ان تصاحب هذه الجريمة بان يحصل التسليم بقصد الغش أي بقصد الخداع للغير للتوصل إلى الحصول على ميزة للنفس أو للغير أو إلى التسبب في خسارة للغير ، أو أن يفعل الجاني ذلك بنية احتمال وقوع مثل هذا الغش ويكون واجب التطبيق باعتباره النص الأشد وفقاً للقواعد العامة(13). اما عن موقف القضاء المقارن فقد استقر على أن هناك حالات يتحقق فيها ترويج العملة المزيفة دون الحيازة كما في حالة الوسيط في الترويج ، إذ قضى أن بعض المتهمين لم يكن حائزاً لورقة من هذه الأوراق المقلدة المضبوطة ، إذ لا يتطلب الاستعمال أو الترويج أن يكون الفاعل وقتئذٍ حائزاً للعملة التي يروجها ، بل يصبح التعامل بعملة لم تصل إلى يد المروج ، فالوسيط في ترويج العملة يعد مروجاً ولو كانت الحيازة لغيره(14)، وكذلك قضى أنه لا يلزم أنه يكون الجاني حائزاً بنفسه الأوراق التي يتعامل بها ، إذ يكفي أن تكون الحيازة لغيره ما دام يعلم هو أن هذه الأوراق مقلدة، سواءً أكان عمله قبل العرض للتعامل أم في أثنائه(15).

_____________________

1- د. محمد محي الدين عوض، قانون العقوبات السوداني معلقاً عليه ، المطبعة العالمية – القاهرة ، 1967، ص285.

-2 Glanville Wiliams، Textbook of criminal، Law، second edition، 1983، London، P. 29.

3- الأستاذ محمد عبد الحميد الألفي ، المصدر السابق ، ص30.

4- المستشار ، عمرو عيسى الفقي ، جرائم التزييف والتزوير ، المكتب الفني للإصدارات القانونية، 1999، ص22.

5- المستشار ، فرج علواني هليل ، جرائم التزييف والتزوير ،ـدار المطبوعات الجامعية ، 1993

6- د. عادل حافظ غانم ، المصدر السابق ، ص325.

-7 Corpus Juris، vxx، Op. Cit.، P. 22.

8- لما كان المقرر أن جريمة الحيازة بقصد الترويج وان استلزمت فضلاً عن القصد الجنائي العام قصداً خاصاً هو نيته لدفع العملة المقلدة إلى التداول ، مما يتعين معه على الحكم استظهاره ، إلاّ أن المحكمة لا تلتزم بإثباته في حكمها على استقلال متى كان ما أوردته عن تحقق الفعل المادي يكشف بذاته عن توافر تلك النية الخاصة التي يتطلبها القانون وذلك ما لم تكن محل منازعة من الجاني فانه يكون متعيناً حينئذ على الحكم بيانها صراحة وإيراد الدليل على توافرها . وكان الحكم المطعون فيه قد اثبت في حق الطاعن انه حاز بقصد الترويج العملة الورقية المقلدة المضبوطة ، أورد على ذلك أدلة سابقة من أقوال الشهود واعتراف المتهمين والمتعاملين معهم من الناس من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها ، لما اورد في تحصيله لواقعة الدعوى انه والمتهمين الثالث والخامس يروجون العملة المقلدة ، وكان الطاعن لا يدعي أن هناك هدفاً غير الترويج من حيازته للعملة المضبوطة فان معناه في هذا الشأن يكون غير سديد لما كان ذلك وكان من المقرر إن عدم تحدث الحكم صراحة وعلى استقلال عن علم الطاعن بتقليد الأوراق المالية التي يتعامل بها لا يعيبه ما دامت الواقعة كما أتثبتها الحكم تفيد توافر هذا العلم لديه ، وكان فيما أورد الحكم ما يوفر علم الطاعن بتقليد هذه الأوراق ، وهذا العلم من حق محكمة الموضوع ان تستقل به وتستخلصه من الوقائع والعناصر المطروحة عليها ، فان عنصر منعي الطاعن في هذا الشأن يكون غير سديد. (نقض مصري 6/6/1989 في الطعن رقم 2485 لسنة 59 ق.م) . نقلاً عن الأستاذ محمد عبد الحميد الألفي ، المصدر السابق ، ص 34 .

9- د. عادل حافظ غانم ، المصدر السابق ، ص327.

0[1]- د. عادل حافظ غانم ، المصدر السابق ، ص321

1[1]- أدوارد غالي الدهبي ، المصدر السابق، ص34 ، هامش 2.

2[1]- د. احمد فتحي سرور ، المصدر السابق ، ص356 ، د. فوزية عبدالستار، المصدر السابق، ص208.

3[1]- آ. نصت المادة 456-1 يعاقب بالحبس كل من توصل إلى تسليم أو نقل حيازة مال منقول مملوك للغير لنفسه أو إلى شخص آخر وذلك بإحدى الوسائل الآتية .

ب.باتخاذ اسم كاذب أو صفة غير صحيحة أو تقرر أمر كاذب عن واقعة معينة متى كان من شأن ذلك خدع المجني عليه وحمله على التسليم.

4[1]- في الجناية المرقم 1766 جنايات الأزبكية سنة 1955 نقلاً عن د. رؤوف عبيد والمصدر السابق ، ص16.

5[1]- نقض جنائي مصري 11/11/1963م المكتب الفني ، س14 ، ص795 ونقض 8/12/1964 ، المكتب الفني س15 ، ص795 نقلاً عن الأستاذ فرج علواني هليل ، المصدر السابق ، ص28.

جريمة طبع أو نشر صور لوجة عملة ورقية :

لقد جاء النص على تجريم هذه الأفعال في الفقرة /2 من المادة (285) عقوبات عراقي لتكملة للفقرة السابقة ، إذ أن هذه الفقرة يتطلب لانطباقها طبع أو نشر أو استعمال صور تمثل وجهاً أو جزء من وجه لعملة متداولة قانوناً في العراق أي انه العملة إذا كانت متشابهة من الوجهين فان مرتكب الجريمة يخضع لحكم الفقرة /1 من نفس المادة وليس لحكم هذه الفقرة . كما نصت المادة (285) عقوبات في فقرتها /2 على (ويعاقب بالعقوبة ذاتها من طبع أو نشر أو استعمل للأغراض المذكورة في الفقرة المتقدمة وبغير ترخيص من السلطة المالية المختصة صوراً تمثل وجهاً أو جزءاً من وجه لعملة متداولة في العراق أو لورقة من الأوراق المصرفية المأذون بإصدارها قانوناً ) وعلة التجريم هي خطورة هذه الأفعال على الثقة العامة في العملة باعتبارها تمثل مرحلة متقدمة في مشروع قد يستهدف التقليد ، وقد يفضي إليه ، فإذا كان أحد وجهي العملة قد طبع فان طبع الوجه الآخر يكفي لإتمام عملية التقليد وإذا كان جزء من هذا الوجه قد طبع فان إكمال طبعه وطبع الوجه الآخر محتمل ، وهذه الصورة يمكن استعمالها في الاحتيال على بعض المتعاملين ولهم الحق في حماية القانون(1). وقد عاقبت المادة (474) عقوبات أمريكي على طبع أو تصور أوراق مشابهة للعملة الورقية أو لأي جزء منها أو باع هذه المطبوعات(2) ، وكذلك عاقبت المادة (144) عقوبات فرنسي على طبع أية عملة لها تشابه ولو من حيث الشكل مع العملات ذات التداول القانوني أو السندات المالية بحيث يمكن إن تقبل بدلاً من العملات أو السندات الصحيحة . وبهذا الشأن أيضاً نصت المادة (724) عقوبات إيطالي على تجريم إصدار أي نوع من الأوراق والمطبوعات سواء كان ذلك في جزء أو كل لورقة مالية أي سند ذا قيمة مالية(3). وفي مصر فان الفقرة (2/204) مكرر عقوبات المضافة بالقانون المرقم 68 لسنة 1956 لا تستلزم لتجريم هذا الفعل ، أن تكون المطبوعة على درجة من المشابهة من شانها إيقاع الجمهور في الغلط كما هو الحال في الصور الأخرى من أفعال التزييف ، إذ أن مجرد طبع جزء من وجه عملة ورقية يكفي لقيام هذه الجريمة .

____________________________

1- د. محمود نجيب حسني ، المصدر السابق ، ص 188 .

-2 Gorpus Juris، Op. Cit، p. 359.

3- د. عادل حافظ غانم ، المصدر السابق ، ص105 ، هامش رقم (2) .

المؤلف : نجيب محمد سعيد الصلوي
الكتاب أو المصدر : الحماية الجزائية للعملة

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .