جريمة الرشوة في القانون السوداني

إعادة نشر بواسطة محاماة نت 

الرشوة واقعٌ يمشي بين الناس، ليس في السودان وحده بل في القارة الافريقية جُلَّها إن لم نقل كلها، ولا ننسى الوطن العربي وهما الأقليمين اللذين ينتمي اليهما السودان، وبالعودة للرشاوى نجد أنها اشتهرت في السودان بـ (مسح الشنب)، أما المصريون فيقولون (شَخْشِخْ جيبك) – كناية عن الرشوة-، اما الجزائريون والليبيون فيطلقون عليها مصطلح (حق القهوة)، فيما يسمِّيها المغاربة (حق الحلاوة).

ومما سبق يتضح جلياً أن الرشوة وباء لم يسلم منه إلا من رحم ربي.. وبالعودة للسودان يؤكد عارفون ببواطن الأمور أن أكثر المجالات التي استشرت فيها الرشاوى في الآونة الاخيرة هي (الاستثمار) الاجنبي منه والوطني، والسبب هو كثرة النوافذ الموصِّلة إلى (التصديق النهائي)،

وكذلك للظروف الاقتصادية السيئة التي يمر بها الكثيرون. ضُبط متلبِّساً! سنبدأ تحقيقنا هذا بقصتين حقيقتين، الأولى (بطلها) موظف بإحدى الشركات الكبرى والتي كانت لها تعاملات مالية مع شركة اخرى، فاحتاج المتهم وهو موظف بالشركة الاولى الى مستندات موقَّعة من قبل الشركة الثانية فذهب الى مقرها وطلب من احد موظفيها التوقيع على المستندات مقابل الحصول على مبلغ (5) آلاف جنيه (خمسة ملايين بالقديم)، فردَّ عليه من قُدِّم اليه الطلب بأنه سيفكر في (الموضوع)، وسرعان ما قام بابلاغ صاحب الشركة الذي بدوره أبلغ الشرطة بمحاولة المتهم برشوة موظفه، فجاءت الشرطة وطلبت من الموظف الاتصال على المتهم –موظف الشركة الكبرى- وابلاغه بانه موافق على التوقيع على الأوراق واستلام مبلغ الرشوة، ثم تحديد ساعة استلام وتسليم المبلغ والمستندات،

ونفذ الموظف ما طلبته الشرطة وتم تحديد المكان وبالفعل حضر المتهم وسلم الموظف المبلغ المتفق عليه وفي المقابل استلم المستندات منه وفي تلك اللحظات كانت الشرطة تختبئ في موقع قريب منهما وبمداهمتها للمتهم القت القبض عليه متلبساً بالجرم، وتم تقديمه للمحاكمة أمام المحكمة الجنائية التي حكمت عليه بالجلد والسجن ستة اشهر.

(الرشوة الدولارية) أما القصة الاخرى والتي كانت حديث المدينة في أواخر العام قبل الماضي، حيث تداولها الناس بصوت مسموع، أما تفاصيلها فتقول ان مسؤولاً سودانيًا كبيرًا قبض «7» ملايين دولار بعد أن قام بـ (تسهيلات) لإتمام إحدى الصفقات طرفها مستثمرون أجانب وقد صُنِّفت تلكم الرشوة كأكبر عملية (كوميشن) في تاريخ السودان.

وقد فتح ذلكم (النبأ) الذي تناقلته بعض وسائل الإعلام، الباب واسعا للحديث حول (رشاوى) يتلقاها موظفون من مستثمرين، وجعل البعض يميلون لتصديق الحديث الدائر عن صفقات استثمارية حامت حولها كثير من الشهبات، ولسد هذه الذرائع عقدت وزارة الاستثمار في عهد وزيرها السابق د. مصطفى إسماعيل العديد من الورش والندوات لمعالجة (30) مُعوِّقاً تجابه العمل الاستثماري وتتطلب مراجعة شاملة لقوانين الاستثمار بالبلاد، من بينها مكافحة كل أشكال الفساد والرشاوي. يظل السؤال الذي يفرض نفسه بقوة يدور حول قدرة الجهات السؤولة على مواجهة «الرشوة» التي تفسد جوانب من الحياة لا سيما الخدمة المدنية. حدث ولا حرج…

وبحسب التقرير السنوي لمنظمة الشفافية الدولية عن مؤشر الفساد في العالم احتل السودان المركز الرابع في ترتيب الدول الاكثر فسادا في العالم والمركز 176 في ترتيب الدول الاكثر شفافية، والذي يغطي 180 دولة في العالم وفقا لمقياس تصاعدي يتدرج من الصفر إلى عشر درجات، حيث يعتبر ملف الفساد في الشأن السوداني من أعقد الملفات المفتوحة الآن. تعطيل عجلة الاقتصاد أما عن تأثير الرشوة في الجانب الاقتصادي فتحدث لـ (السوداني) الخبير الاقتصادي عبدالله الرمادي قائلاً: إن الرشوة تعتبر إحدى التشوهات في ممارسات التعامل التجاري بين الناس،

حيث يلجاً اليها الشخص ليحصل على حق لا يستحقه وفي ذلك ظلم لانه انتزاع حق ليس له وسيكون ذلك خصماً على الاقتصاد ككل، وأضاف الرمادي بأن الرشوة هي إحدى الامراض الاجتماعية التى تفرزها حالات الفقر الناتجة عن سوء إدارة الاقتصاد وبالاخص في دولة كالسودان، مشيراً إلى أن الرشوة تحدث خللا في التوازن الاقتصادي مما يعطل ذلك عجلة الانتاج الاقتصادي.

وضرب الرمادي أمثلة للرشوة الضارة ضرراً مباشرا تلك التي تؤثر في إيرادات الخزينة العامة فمثلاً إذا كانت الرشوة لتمرير قضايا من غير جمارك أو تخصيص القيمة الجمركية فان ذلك يؤدي إلى فقدان نسبة الخزينة العامة لمبالغ طائلة، وقد تكون صوراً من صور الرشوة لتهريب بعض المنتجات السودانية إلى الخارج وفي ذلك أيضاً تفقد الخزينة العامة مبالغ طائلة من خلال رسوم الصادر، وأهم من ذلك خلال فقدان عائد الصادر وكل ذلك يؤثر في إيرادات الدولة في ميزان المدفوعات.

حكمها في الدين وعن حكمها في الدين تحدث لـ(السودانى) الباحث الاسلامى علاء الدين عبدالماجد قائلاً: الرشوة من كبائر الذنوب، ملعون صاحبها على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم: فعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنه قال: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي) وفي رواية: والرائش وهو الساعي بينهما.

وقال تعالى: (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ 42) “سورة المائدة”. وقال الحسن، وسعيد بن جبير هو: طلب الرشوة حرام، قبولها حرام، كما يحرم عمل الوسيط (الرائش) بين الراشي والمرتشي.

هذا في الرشوة التي يتوصل بها صاحبها إلى ما ليس له به حق، أو لدفع ظلم عنه أو ضرر، فإنها جائزة عند الجمهور، ويكون الإثم فيها على المرتشي دون الراشي. قال ابن الأثير: فأما ما يُعطى توصلاً إلى أخذ حق أو دفع ظلم فغير داخل فيه. روي أن ابن مسعود “أُخذ بأرض الحبشة في شيء فأعطى دينارين حتى خُلي سبيله، ورُوي عن جماعة من أئمة التابعين أنهم قالوا: لا بأس أن يصانع الرجل عن نفسه وماله، إذا خاف الظلم”.

الجانب القانوني تحدث لـ(السودانى) المحامي محمد صلاح عن الرشوة وعقوبتها من الجانب القانوني قائلاً “تعتبر الرشوة من الجرائم الخاضعة لنصوص القانون الجنائي، وقد نص عليها القانون الجنائي السوداني لسنة 1991م في المادة 88. ثم عُدلت هذه المادة أخيراً بعد التوقيع على اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد 2014 والتي صادق عليها المجلس الوطني لتكون أكثر وضوحاً وشمولية حيث ضمت في طياتها الموظف الوطني والأجنبي والقطاع الخاص والعام فتكون بذلك متكاملة الأطراف، والأمر الذي يجدر الإشارة إليه أن المادة أشارت إلى أن مجرد (الوعد) بتقديم خدمة لأي موظف لا بإتمام الفعل المادي من حيث الوعد والتسليم وأداء الخدمة ومراعاة الاستفادة أو عدمها فمجرد قيام الشخص بوعد موظف تعتبر هذه جريمة كاملة يجرمها القانون يكون مستحقاً للعقوبة المقررة، ولعل هذا تقييد يحسب للمشرع السوداني من حيث الضبط والحرص على عدم إيجاد ثغرات لمعتادي هذه الجريمة، ثم الأمر الذي زاد من قوة النص المعدل تغيير العقوبة من عامين إلى خمسة أعوام وهذا فيه تضييق وزجر لكل مرتكب لجريمة الرشوة.