أعطى المشرع لكل مواطن حق الشكوى و الإبلاغ عن الجرائم الجنائية و كذلك عن المخالفات التأديبية فهو حق دستوري مكفول لكل مواطن .

و لكن على الشاكي أو المبلغ تحري الصدق في بلاغه بحيث يكون على يقين من صحة ما أبلغ عنه و يملك الدليل عليه .

إلا أنه في بعض الأحيان قد نجد الشكوى أو البلاغ يفتقران إلى الصحة و يكون الدافع من ورائهما التشهير بالأبرياء – فمن هنا نقول أن ضمير المبلغ في غياب ، لأن من لديه ضمير لا يستخدم حقه في الشكوى من أجل تلويث سمعة الأبرياء إذ أن قصد المشرع من كفالة حق الشكوى و الإبلاغ عن الجرائم هو للقضاء على الجريمة و ليس للتشهير بالأبرياء و عليه دق ناقوس الخطر من الضمير الغائب في الشكوى و البلاغ و إزاء ذلك جرم المشرع ” البلاغ الكاذب ” في المادة 305 من قانون العقوبات حيث نصت على ” و أما من أخبر بأمر كاذب مع سوء القصد فيستحق العقوبة و لو لم يحصل منه إشاعة غير الإخبار المذكور و لم تقم دعوى بما أخبر به ” و نشير إلى أنه ساق هذه المادة بعد المواد 302 حتى 304 التي تحدثت عن جريمة القذف و العقاب عليها .

وترتيباً على ما تقدم فإنه يشترط لقيام جريمة البلاغ الكاذب ما يلي :

1- ثبوت كذب الوقائع المبلغ عنها .

2- علم الجاني بكذب هذه الوقائع مع سوء نيته في الإبلاغ عنها بنية الإضرار بالمبلغ ضده رغم علمه ببراءته من تلك الوقائع .

3- رفع البلاغ إلى أحد السلطتين القضائية أو الإدارية .

و في هذا قضت محكمة النقض بأنه ” لما كان من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الركن الأساسي في جريمة البلاغ الكاذب هو تعمد الكذب في التبليغ مما مقتضاه أن يكون المبلغ عالماً علماً يقينياً لا يداخله شك في أن الواقعة التي أبلغ بها كاذبة و أن المبلغ ضده برئ منها “طعن رقم 17463 سنة 63 ق جلسة 19/5/2003 .

و يثور التساؤل حول شكل البلاغ ؟؟؟ بمعنى هل يشترط أن يكون التبليغ كتابة من عدمه حتى تقوم جريمة البلاغ الكاذب ؟؟؟

أجابت عن ذلك محكمة النقض حيث ذهبت إلى أن ” القانون لا يشترط لتوافر جريمة البلاغ الكاذب أن يكون التبليغ بالكتابة بل يكفي أن يكون المبلغ قد أدلى ببلاغه شفاهة في أثناء التحقيق معه مادام الإدلاء به قد حصل بمحض إرادته و من تلقاء نفسه ” حكم في الطعن رقم 106 لسنة 25 ق جلسة 10/5/1955 .

كما تثور تساؤلات أخرى ألا و هي :

هل يشترط في جريمة البلاغ الكاذب أن يكون البلاغ مصرحاً فيه باسم المبلغ ضده ؟؟؟

و هل يشترط أن يحصل التبليغ من الجاني مباشرة ؟؟؟

و هل يشترط أن يكون المبلغ أسند الأمر المبلغ عنه إلى المبلغ ضده على سبيل التوكيد ؟؟؟

أجابت عن هذه التساؤلات محكمة النقض حيث ذهبت إلى ” أنه إذا كان الثابت بالحكم أن المبلغ أبلغ جهة البوليس عن سرقة ادعى حصولها واتهم فيها إنساناً ذكر عنه ما لا يصدق إلا على شخص بعينه لم يذكر اسمه بالكامل لغاية في نفسه و كان ذلك بقصد الإيقاع به فإن جميع العناصر القانونية لجريمة البلاغ الكاذب تكون متوافرة في حقه ” حكم في الطعن 765 لسنة 13 ق جلسة 5/4/1943.

كما ذهبت إلى أن ” التبليغ في جريمة البلاغ يعتبر متوافراً و لو لم يحصل التبليغ من الجاني مباشرة متى كان قد هيأ المظاهر التي تدل على وقوع جريمة تعمد إيصال خبرها إلى السلطة العامة ليتهم أمامها من أراد إتهامه بالباطل ” .

حكم في الطعن رقم 677 لسنة 46 ق جلسة 17/1/1977 ، 2298 لسنة 58 ق جلسة 15/6/1989 .

كما ذهبت إلى أنه ” لا يشترط في جريمة البلاغ أن يكون المبلغ قد أسند الأمر المبلغ عنه إلى المبلغ ضده على سبيل التوكيد بل إنها تقوم و لو كان قد أسنده إليه على سبيل الإشاعة او على وجه التشكيك أو الظن أو الاحتمال متى توافرت سائر عناصر الجريمة “.

حكم في الطعن 1903 لسنة 36 ق جلسة 21/2/1967 .

أما عن العقوبة المقررة لجريمة البلاغ الكاذب فنجد المشرع قرر لها نفس العقوبة المقررة لجريمة القذف ، حيث جاءت المادة 305 التي أعقبت المادتين 303 ، 304 اللتين تحدثتا عن جريمة القذف و عقوبتها – بقولها ” و أما من أخبر بأمر كاذب مع سوء القصد فيستحق العقوبة و لو لم يحصل منه إشاعة غير الإخبار المذكور و لم تقم دعوى بما أخبر به ” – و هذه العقوبة هي الغرامة و حدها الأدنى خمسة آلاف جنيه و حدها الأقصى خمسة عشر ألف جنيه و يلاحظ أن العقوبة بهذا الشكل جاءت بموجب القانون رقم 147 لسنة 2006 الذي ألغى عقوبة الحبس في الأحوال العادية و قام برفع الحدين الأدنى و الأقصى لعقوبة الغرامة .

و قولنا في الأحوال العادية فيقصد منه أن المجنى عليه شخصاً عادياً فهو ليس موظفاً عاما ً و لا شخصاً ذي صفة نيابية عامة و ليس مكلفاً بخدمة عامة .

أما إذا كان كذلك و كانت الجريمة قد وقعت عليه بسبب أداء (وظيفته أو النيابة أو الخدمة العامة ) فعليه تكون العقوبة هي ” الحبس مدة لا تجاوز سنتين و بغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه و لا تزيد عن عشرة آلاف جنيه أو إحدى هاتين العقوبتين ” و ذلك طبقاً لنص المادة 303 من قانون العقوبات .

و هنا يطرح تساؤل نفسه ، ألا و هو :

هل هناك فارق بين الجريمتين ” القذف و البلاغ الكاذب ” ؟؟؟

الإجابة بنعم .

1- حيث أن جريمة القذف تشترط العلانية في حين أن جريمة البلاغ الكاذب لا تشترط ذلك .

2- كما أن جريمة القذف تتم سواء كانت الواقعة المسندة إلى المجني عليه صحيحة أو كاذبة ، أما البلاغ الكاذب يشترط أن يكون التبليغ عن أمر مكذوب حتماً .

3- و البلاغ الكاذب يشترط أن يحصل التبليغ عن أمر مستوجب عقوبة فاعله أما القذف فلا يشترط ذلك إذ يكفي أن تثير الواقعة المسندة إلى المجني عليه احتقاره عند أهله -” هذا المعنى مستفاد من كتاب جرائم السب و القذف و البلاغ الكاذب للمستشار مصطفى مجدي هرجه ” .

و لكن هل تقع مسئولية تأديبية على الموظف مقترف جريمة البلاغ الكاذب بجانب مسئوليته الجنائية ؟؟؟

نعم ، حيث ذهبت المحكمة الإدارية العليا إلى ” أنه و لئن كان حق الشكوى و الإبلاغ عن الجرائم الجنائية و المخالفات التأديبية مكفول لكل مواطن إلا أن مناط ممارسة هذا الحق و الواجب في ذات الوقت أن يكون الشاكي أو المبلغ عن الجرائم و المخالفات على يقين من صحة ما أبلغ عنه و يملك الدليل على ذلك و أنه إذا ألقى الشاكي أو المبلغ بادعاء و اتهامات بأقوال مرسلة لا دليل على صحتها فهو إما أن يكون حسن النية و لكن بنى ادعاءاته على الشك و التخمين و هو ما يمكن وصفه بالرغم من حسن النية بالتهور و فساد التقدير و إما أن يكون سئ النية و القصد يبغي بشكواه الكيد للغير و النكاية بهم و الإساءة إليهم نتيجة لحقد أو كراهية أو حماقة و في كلتا الحالتين قد أساء إلى الأبرياء و شهر بهم و نسب إليهم ما يشين سمعتهم بغير حق مما يشكل في حقه مخالفة تأديبية تستوجب مؤاخذته عنها “.

حكم في الطعن 2173 لسنة 30 ق جلسة 27/2/1988 ، 5190 لسنة 42 ق جلسة 14/5/2000 .

وفي الختام … تجدر الإشارة إلى أنه من حق المجني عليه في جريمة البلاغ الكاذب مطالبة الجاني بالتعويض عما لحقه من أضرار من جراء البلاغ الكاذب و عليه تكون على الجاني مسئولية مدنية في هذا الشأن .

بقلم الأستاذة : شرين النحريري – وكيل أول النيابة

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .