ما الفرق بين القانون ولائحته التنفيذية؟
المحامي صلاح بن خليفة المقبالي

يُصدر الكثير من القوانين، ثم تتبعها اللوائح التنفيذية لها، وآخرها كان صدور اللائحة التنفيذية لقانون حماية المستهلك التي استغرقت قرابة سنتين منذ صدور القانون في نهاية 2014م، وهنا تتبادر أسئلة في أذهان الناس عن الفرق بينهما، وسنجيب بإذن الله تعالى في زاويتنا القانونية عبر “أثير” عن هذا السؤال بصورة مبسطة تسهل على عموم الأذهان.

في بداية الأمر نبين المقصود بالقانون، وهل كل ما يوجد بالدولة من تنظيمات يصح أن يطلق عليها لفظ القانون، فلدى أعراف أهل القانون لا يطلق اصطلاح القوانين على كل الأنظمة الموجودة، وإنما هو اصطلاح لفئة معينة من القواعد المنظمة لمسألة ما، فالقوانين تتدرج في سلم هرمي رأسها النظام الأساسي للدولة، ويليه القوانين، ثم اللوائح التنفيذية، فالقرارات الإدارية، فالتعميمات والتنظيمات الداخلية لكل وحدة من وحدات الجهاز الإداري للدولة، وبهذا التدرج لا يجوز أن يخالف الأدنى الأعلى، وإلا كان المخالف باطلاً على ذلك، ويقرر القضاء هذا البطلان بموجب حكم يصدره في هذا الصدد.

والقانون هو مجموعة القواعد العامة والمجردة التي تنطبق على كافة الأفراد بالدولة، فلا بد أن تكون القواعد ذات طابع عام أي أن تنظم شأناً لكافة الأفراد بالدولة وليست لفرد واحد، ويرى الفقهاء أنه لا يخرجها من صفة العمومية إن جاءت هذه القواعد لتنظم شأنا لشريحة معينة من المجتمع، إذ المقصد بالعمومية ألا تكون القواعد مخاطبة لأشخاص مسمين بعينهم وإنما بصفاتهم كأن تصدر الدولة قانونا ينظم شؤون المهندسين فهو لم يصدر لفلان أو فلان بل صدر لتنظيم عمل كل من يحمل صفة المهندس، وليس هذا فقط بل يجب أن تكون هذه القواعد مجردة أي إنها لا تأتي لتنظيم حالة معينة أو حالة خاصة فقط، والفرق بينه وبين الدستور أو النظام الأساسي كما سمته بلادنا الحبيبة سلطنة عمان – وحسنًا فعلت – هو أن هذا الأخير ينطوي على مبادئ عامة تحكم سياسات الدولة ونظام الحكم بها والمبادئ التي يقوم عليها.

هذا هو القانون بصورة مبسطة، ولكن ما هي اللوائح التنفيذية للقانون؟ أولاً لا بد أن يعلم الكل أن اللوائح التنفيذية ما هي إلا قرارات وزارية حالها في ذلك حال القرارات الأخرى التي يقصد بها إفصاح الجهة الإدارية عن إرادتها الملزمة بما لها من سلطة وفق القوانين واللوائح في الشكل الذي يتطلبه القانون، وذلك لإنشاء أو تعديل أو إلغاء مركز قانوني بغية تحقيق المصلحة العامة، والتي تصدر على سبيل المثال بنقل موظف ما، فهي تقبل الطعن أمام القضاء الإداري بدعوى مراجعة القرارات الإدارية النهائية، إلا أنها تختلف عن القرارات الفردية بأنها تأتي بقواعد عامة مجردة تتشابه في ذلك مع القانون، فتخرج في إطارها الشكلي أو المادي بصورة القانون، فتتشابه معه وتلتبس على الأذهان.

وللتفريق بينهما يوجد معياران يتنافسان في هذا المجال بصفة تقليدية، المعيار الشكلي أو العضوي، والمعيار الموضوعي أو المادي، ويعتمد المعيار الشكلي أساساً على الجهة المصدرة للعمل لتحديد نوعه، في حين يستند المعيار الموضوعي إلى جوهر العمل ومادته، وبناء على ذلك؛ فإن معنى التشريع أو القانون وفقاً للمعيار الشكلي يشمل كل ما يصدر عن البرلمان أو من يمتلك سلطة سن القوانين في الدولة – كجلالة السلطان قابوس المعظم – حفظه الله ورعاه– من أعمال في نطاق الوظيفة التشريعية المحددة له في النظام الأساسي، بينما يتضمن معنى القانون طبقاً للمعيار الموضوعي جميع القواعد القانونية التي تتمتع بصفة العمومية والتجريد بصرف النظر عن مصدرها، وهذا التعريف الأخير يثير الكثير من اللبس عند التطبيق، وعلى ذلك تعتنق معظم الدول في العالم ومن بينها السلطنة المعيار الشكلي في تحديد القانون، فيكون كل ما يصدر من جلالة سلطان البلاد المفدى يحمل صفة القانون، أما ما يصدر من الوزراء أو رؤساء الهيئات والمؤسسات العامة من قرارات ويحمل طابع العمومية والتجريد فهي لوائح تنفيذية.

وبعد هذا التفريق والتقسيم، يا ترى ما هي الفائدة منه؟ ولماذا لا تصدر هذه القواعد العامة والمجردة في صورة واحدة كقانون؟ فلماذا تنص معظم القوانين على أن وزيرا ما يصدر اللائحة التنفيذية لذلك القانون؟

إن الإجابة عن كافة هذه التساؤلات تجمل في مسألة جوهرية تتعلق بآلية إصدار كل من القانون واللائحة التنفيذية له، فالقانون يمر بمراحل كثيرة وصعبة لإصداره وقد يأخذ فترة طويلة حتى يصدر، أما اللائحة فهي أكثر مرونة من ذلك، ولا تتطلب هذا الجهد الكبير، فلب المسألة هي مراحل الإصدار وتعقيداتها المتعددة، فيترك القانون المسائل التفصيلية التي لا تتسم بالديمومة والثبات ومسألة تنظيمها وإصدارها للائحة التنفيذية، إذ يكون من السهولة بمكان أن يتم تعديلها في أي لحظة تقتضي الضرورة، وتكون أسرع في الإصدار وأسهل للعمل، واللائحة تأتي كذلك على تفصيلات تبين فيها آلية التطبيق السليم وما يندرج من حالات ضمن القاعدة القانونية التي يأتي بها القانون، سواء ً بتعديد هذه الحالات أو وضع الشروط التي تحدد صفة هذه الحالات، وإصدار اللوائح التنفيذية للقوانين ليست كلها على حد سواء فبعض القوانين تصدر لوائحها بسرعة كبيرة والبعض الآخر يأخذ فترة زمنية يراها البعض بأنها طويلة، وهذا الأمر مرده إلى نوع القانون والشأن الذي ينظمه، فننظر لكل قانون على حدة ولا يقاس عليه في ميعاد صدور لائحته التنفيذية، هذا من جانب، ومن جانب آخر فالجهات الإدارية بصفتها القائمة على المصلحة العامة هي التي تحدد مدى ملاءمة إصدار اللائحة التنفيذية في ذلك الوقت بما لها من سلطة منحها لها المشرع، وهذا كله يخضع لدراسات مستفيضة تطول في بعض الحالات وتقصر في البعض الآخر.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت