متهم
القاضي إياد محسن ضمد

لأي نظام عدالة جنائي، بأركانه التشريعية والقضائية هدفان أساسيان يسعى لتحقيقهما بعناية، وان إغفال أي منهما او التلكؤ في تحقيقه يؤدي إلى اهتزازات كبيرة بالثقة التي يكنها المواطنون لنظام العدالة.

الهدف الأول هو ملاحقة مرتكبي الجرائم وفرض ما يستحقونه من عقوبات عليهم وفقا لما يرسمه القانون من اجراءات اصولية وعقابية، والهدف الثاني هو عدم تعريض الامن الشخصي والاجتماعي للمواطن السوي والصالح للخطر وبث الرعب والخوف بين افراد عائلته نتيجة لملاحقة قانونية مبينة على شبهات وليس على ادلة معتبرة قانونا لان ذلك يعد مؤشرا على عدم كفاءة وعدم دقة القائمين على تطبيق نظام العدالة الجنائية ومؤشر على عدم ادائهم لواجباتهم بشكل سليم.

“متهم” كلمة ليست عابرة وتحمل في معناها من الآثار النفسية والاجتماعية السلبية ما لا يمكن حده او وصفه. وهي تكرس صورة ذهنية سيئة عن الشخص لدى ابناء المجتمع، وحين يصدر امر بالاستقدام او بالقبض على شخص لم يرتكب جرما يستلزم إصداره فحينذاك سيتم المساس بكرامته الإنسانية ووجوده الاجتماعي وربما ستترتب على ذلك آثار يصعب محوها حتى بصدور قرار لاحق بالإفراج عنه فقد يخسر الشخص وظيفته نتيجة لاتهامه ويصعب إعادته اليها لاسيما اذا كان متسنما لمنصب وظيفي، وقد يؤثر اتهامه على سمعته التجارية اذا كان مشتغلا في القطاع الخاص ناهيك عما يتركه من اثار على المستوى العائلي من بث الخوف والقلق بين افراد العائلة.

والظروف الامنية غير المستقرة قد تكون سببا في اتخاذ إجراءات قانونية بحق بعض الأشخاص قبل التثبت بالدليل من وجوب مساءلتهم قانونا ما يجعل البعض يتعرض لمخاطر الاعتقال والاتهام دون مسوغ قانوني، لأجل ذلك فان بعض التشريعات اوجبت اتخاذ جملة من الإجراءات قبل توجيه الاتهام لشخص وإحالته للقضاء ومنها قانون انضباط موظفي الدولة لاسيما وان هذا القانون ينظم العلاقة بين الموظف والوظيفة العامة وكون هذا القانون يتعلق بالموظف العمومي والذي غالبا ما يتمتع بمركز اجتماعي ووظيفي مستقر فان هذا القانون منع وضع الموظف العام تحت طائلة الاتهام واوجب اتباع سلسلة من الإجراءات الإدارية والقانونية داخل المؤسسة في حال وجود مخالفات منها تشكيل اللجان التحقيقية التي تتولى جمع الادلة وبيان وجه التقصير الموجه للموظف.

وفي حال كان الفعل لا يعدو كونه مخالفة ادارية فانه يكتفي بتوجيه عقوبة انضباطية بحقه، اما في حال شكل الفعل جريمة فانه يصار الى إحالته الى المحاكم ليكون تحت طائلة الاتهام ويجري التحقيق هنا من قبل محاكم التحقيق المختصة كل ذلك لان القائمين على تشريع القوانين الإدارية يدركون مدى خطورة ان يتعرض الموظف العام لطائلة الاتهام حماية لأمنه الوظيفي والاجتماعي ويجب ان لا يصار الى ذلك الا بعد سلسلة من الإجراءات القانونية والإدارية، وإزاء ذلك فحري باي شخص اوكلت اليه مهمة تطبيق القانون الجزائي ان يدرك حجم الاثر السلبي لاتهام اي شخص وان تكون كافة القرارات المتعلقة بحريات الأشخاص متأنية في إصدارها حماية للأمن الشخصي والاجتماعي للمواطنين.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت