معنى المفاجأة :

لغرض بيان معنى المفاجأة يقتضي توضيح معناها اللغوي والاصطلاحي.

أولاً- المعنى اللغوي:

فاجَأه مُفَاجَأةً وفِجَاءً بالكسر والمد و(فَجِئه) بالكسر، (فُجِأَةً) بالضم والمد. و(فَجَأه) بالفتح ايضاً(1). فَجِئَه الأمرُ وفَجَأَه، وأفَتَجَأه وفاجأَه يُفاجئِهُ مُفاجَأَةً وفجِاءً : هجم عليه من غير أن يشعر به، وقيل: إذا جاءه بُغْتَةً من غير تقدم سبب(2).

وفَجِاَءَةً: بَغتَةً ولم يكن يتوقعه.

الفَجْأَةُ : ما فاجأ الإنسان

الفُجاءَةُ : الفَجْأَةُ . وموت الفجأة والفجاءة: وما يأخذ به الإنسان بغتةً وهو موت السكتة(3).

ثانياً- المعنى الاصطلاحي:

المفاجأة بشكل عام تعني الاختلاف بين ما يعتقده الشخص بشأن أمر ما، وما تحقق في الواقع. أما معنى المفاجأة بالزنى، هو اختلاف بين ما كان الزوج (أو المحرم) يعتقده في شأن سلوك زوجته (أو احدى محارمه) وما تحقق له حينما شاهدها متلبسة بالزنى، فالمفاجأة اختلاف بين العقيدة والواقع(4). فالمفاجأة معناها المباغتة، أي أن لا يكون الشخص عالماً بسوء أخلاق زوجته أو احدى محارمه سابقاً، بل أن الحالة المريبة التي تحصل يصطدم بها اصطداماً ويفاجأ بها مفاجأة(5)، إذ يباغت الزوج- أو القريب قرابة ذات حرمة- بمشهد الزنى، وبدون هذه المباغتة لا يتوفر الاستفزاز المطلوب(6). وتتحقق المفاجأة للرجل إذا كان واثقاً من اخلاص زوجته أو محرمه ولا يتوقع على الاطلاق خيانتها لما عهده فيها من عفة ونقاء، فيرى منها – فجأة – خلاف ما كان يتوقعه(7)، إذ يرى الخيانة البشعة من الزوجة أو تدنيس العرض والشرف من إحدى المحارم. وقد نصت المادة (409) عقوبات عراقي على أنه (… من فاجأ زوجته أو إحدى محارمه…) فهل ينصرف معنى المفاجأة إلى الزوج وهو الجاني أم إلى الزوجة أو احدى المحارم وهي المجني عليه؟

للاجابة على ذلك نقول أنه يوجد في الفقه رأيان:

الأول: وفيه يذهب الفقيه الفرنسي جارسون إلى إن الزوج يستفيد من العذر في جميع الحالات التي يضبط فيها زوجته متلبسة بالزنى ولو لم يكن ضبطه لها أي مفاجأة بالنسبة له، كما إذا كان واثقاً من خيانتها وذلك لأن القانون بقوله (من فاجأ زوجته) لم يتطلب حصول المفاجأة الا بالنسبة للزوجة دون الزوج(8) .

الثاني: ويذهب إلى ان القول بأن القانون يوجب وقوع المفاجأة على الزوجة لا الزوج لأنه يتحدث عمن فاجأ زوجته لا عن من تفاجئه زوجته، وهو قول فيه تمسك بظاهر النصوص، فظاهر النص يوحي بأن المفاجأة تكون للزوجة لا للزوج، غير ان المستقر في الفقه أن المفاجأة المعتبرة هي التي تقع للزوج لا للزوجة لأن ضبط المرأة متلبسة بالزنى هو مفاجأة لها في جميع الأحوال(9). فصياغة النص تفترض أن يكون الجاني هو المفاجئ أي الذي يظهر حين لا يتوقع أحد ظهوره(10)، والادق هو أن المفاجأة يجب أن تكون للزوج (أو المحرم) إذ بغير ذلك لا تتحقق حكمة التخفيف(11)، بعَد أن حكمة العذر تتجسد في الاستفزاز الذي بتأثيره يندفع الزوج أو الرجل المحرم نتيجة المفاجأة إلى اتيان فعله الاجرامي في الحال(12). لذلك يذهب رأي في الفقه إلى ان كلمة (فاجأ) غير دقيقة لأنها تفيد ان المفاجأة كانت للزوجة وليس للزوج، وكان ينبغي ان يستعمل المشرع عبارة (من فوجئ بزوجته او احدى محارمه) إذ هو الذي يتفق مع غرضه(13)، ويكون اكثر انسجاماً مع الهدف الذي يرمي إليه وهو التخفيف عن الجاني- زوجاً أو محرماً- الذي دفعته المفاجأة إلى ارتكاب فعل القتل أو الاعتداء، كما استعملها قانون العقوبات الليبي في المادة (375) منه والأردني في المادة (340/1) منه. ونؤيد الرأي الثاني الذي يفيد بوقوع المفاجأة على الزوج وليس على الزوجة أو احدى المحارم وبالتالي نعتقد أن نص المادة (409) عقوبات عراقي تحتاج من المشرع –وهو لا يغفل عن الاصطلاح المناسب- إلى تعديل في الصياغة لتحل عبارة (… من فوجئ بزوجته…) محل عبارة (… من فاجأ زوجته…) لكي يفهم من النص أن المفاجأة تقع على الزوج أو المحرم، فهو الذي أهاله منظر الزنى وأغضبه إذ لم يكن يتوقعه على الإطلاق، فالمفاجأة هي سبب التخفيف في العقاب المفروض على الزوج أو المحرم، ولو لم تكن متعلقة به لما أحدثت هذا التخفيف.

____________________

1- ينظر محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي، مختار الصحاح، دار الكتاب العربي، بيروت-لبنان، بلا سنة طبع، ص491.

2- ينظر أبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور الأفريقي المصري، لسان العرب، ج1، دار صادر- دار بيروت، 1374هـ – 1955م، ص120.

3- مجموعة مؤلفين، المعجم الوسيط، ج2، اشرف على طبعه عبد السلام هارون، مطبعة مصر، القاهرة، 1381هـ – 1961م، ص680.

4- ينظر د. محمود نجيب حسني، شرح قانون العقوبات القسم الخاص، مرجع سابق، ص137.

5- ينظر جميل الأورفه لي، مرجع سابق، ص341.

6- ينظر د. حميد السعدي، مرجع سابق، ج3، ص229.

7- ينظر د. محمد سعيد نمور، شرح قانون العقوبات القسم الخاص، ج1، ط1، الجرائم الواقعة على الأشخاص، الدار العلمية الدولية للنشر والتوزيع، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان – الاردن، 2002، ص93.

8 ينظر د. عمر السعيد رمضان، شرح قانون العقوبات القسم الخاص، دار النهضة العربية، المطبعة العالمية، الاسكندرية، 1964-1965، ص235، هامش رقم /4.

9- ينظر د. محمد زكي أبو عامر، قانون العقوبات- القسم الخاص، دار المطبوعات الجامعية، الاسكندرية، 1977، ص543. د. عوض محمد، مرجع سابق، ص115.

10- ينظر د. محمد الفاضل، مرجع سابق، ص492.

11- ينظر د. مأمون محمد سلامة، قانون العقوبات – القسم الخاص، ج2، دار الفكر العربي، القاهرة، 1982، ص88. مصطفى مجدي هرجه، مرجع سابق، المجلد الثاني، ص319.

12- ينظر د. فخري عبد الرزاق الحديثي، شرح قانون العقوبات- القسم الخاص، مرجع سابق، ص169.

13- ينظر د. محمد صبحي نجم، الجرائم الواقعة على الاشخاص، مرجع سابق، ص87.

معنى القتل في الحال عند المفاجأة بالزنا :

إن القتل في الحال يعني أن يتزامن عنصر المفاجأة بالزنى وما يترتب عليه من استفزاز مع ارتكاب القتل(1). أي ان تقع جريمة القتل فوراً كي يمكن القول بوجود حالة نفسية ثائرة انتابت الجاني أمام مشهد الخيانة(2). فهذا الشرط –القتل في الحال- ذو طابع زمني مرده إلى الوقت الذي فصل بين المفاجأة والفعل(3). وإن اشتراط القتل في الحال لا يعني حتماً أن يتم الفعل في نفس لحظة المفاجأة(4)، إذ القول بذلك يضيق نطاق العذر على نحو غير مقبول ويؤدي إلى نفي العذر على الرغم من توافر علته، فإذا ارتكب القتل بعد وقت قصير من المفاجأة بسلوك المجني عليها، ولكن نفسية المتهم لم تكن قد هدأت بعد فهو يستفيد من العذر(5). أي يظل حق الزوج أو المحرم في التخفيف قائما طالما أن حالة الغضب قائمة لم يكبح جماحها مرور بعض الوقت كالذهول عقب المفاجأة والبحث عن أداة لتنفيذ الجريمة(6). وبذلك يمكن القول أن القتل في الحال قد يكون مزامناً لحالة المفاجأة أو بعد مدة قصيرة منها على أن تكون هذه المدة غير كافية لعودة الجاني إلى حالته الطبيعية وهو ما تقدره محكمة الموضوع، وتطبيقاً لذلك قضت محكمة التمييز في العراق (بإدانة متهم لقتله شقيقته بطعنه أياها بخنجر على أثر مشاهدة شخص مجهول الهوية يزني بها معتبرةً كون المسافة بين محل التلبس بالزنى وبين محل والده الذي جلب منه الخنجر تقرب من مائة ياردة لا يخرج الفعل الواقع عن متناول العذر القانوني المخفف ما دامت غير كافية لازالة سورة الغضب التي دفعته إلى ارتكاب الجريمة)(7). كما قضت بتوفر العذر المخفف في قضية قتل فيها المتهم ابنته بطعنه اياها بخنجر عدة طعنات عندما رآى رجلاً يزني بها ففر الرجل، وعندما سألها عمن زنى بها فلم تجبه وطلب منها ان تصحبه إلى جادة السيارات التي تبعد مسافة اربعين متراً عن محل الزنى فقتلها في الجادة(8). وفي هذا الصدد قضت محكمة التمييز الاردنية بأنه (ليس من الضروري ان يرتكب القتل في اللحظة التي جرت فيها المفاجأة وانما يشترط فقط أن يقع القتل قبل ان ينقضي الزمن الكافي لزوال الدهشة والغضب الناتجين عن الاهانة الآنية التي لحقت بشرفه، وتقدير الزمن الكافي لتهدئة ثائرة القتل مسألة يترك تقديرها للمحاكم)(9).

وبذلك يمكن القول أن الزوج أو المحرم الذي يتراخى عن القتل أو يرجأه إلى وقت آخر لأي سبب يكون منتقماً ولا يمكن القول بتوافر عنصر الاستفزاز لأنه يكون قد خطط لجريمته بذهنٍ صافٍ وان الاستفزاز يكون قد زال وهدأت نفس الجاني كما يكون لديه الوقت الكافي، لذلك لا يوجد مسوغ لتمتعه بالعذر المخفف بل يعاقب وفقا للأحكام العامة. وتطبيقا لذلك قضت محكمة التمييز في العراق بأن (القتل لم يكن قد وقع بالحال عندما خنق المتهم ابنته صباحا لتأثره من جراء مشاهدته بعد منتصف الليل رجلاً يواقعها)(10). كما قضت بأنه (ظهر للمتهم اعترافين احدهما في الشرطة وهو يتضمن كونه شاهد زوجته القتيلة ظهراً في فراش واحد مع عشيقها فلم ينو قتلها حالاً الا أنه عندما دخل في الفراش ليلاً طعنها وقتلها. فكان يجب حسب هذه الإفادة ان توجه تهمة ضده وفق المادة (213) عقوبات بغدادي لأنه لم يقتل زوجته حالاً بل بعد مضي ما ينوف على العشر ساعات ولم يتحقق حصول منازعة أو مشاجرة بين المتهم وزوجته)(11). كما أن الجاني قد يحرم من الاستفادة من العذر المخفف على الرغم من ارتكابه الفعل في اعقاب ضبط الزانية وشريكها، كأن يقتحم الزوج على الاثنين خلوتهما فلا يمتد به الذهول طويلاً بل يطلب من الزوجة على الفور التنازل عن ما هو مستحق لها قبله من نفقة ومؤخر صداق، ومن الشريك أن يوقع له شيكاً بمبلغ من المال فيرفضان فيقتلهما ولم يمض على ضبطهما غير لحظات، وعلة سقوط العذر هنا واضحة فالقتل لم يقع في الحال بالمعنى الذي يستقيم مع حكمة التخفيف(12). لذا فهو قتل عمد لم تدفع له الغيرة على الشرف المنتهك بل هو انتقام من الزانيين.

____________________

1- ينظر د. ماهر عبد شويش، مرجع سابق، ص210.

2- ينظر د. حميد السعدي، النظرية العامة لجريمة القتل، مطبعة المعارف، بغداد، 1968، ص464.

3- ينظر د. محمود نجيب حسني، الاعتداء على الحياة في التشريعات الجنائية العربية، مرجع سابق، ص172.

4- ينظر د. محمد صبحي نجم، مرجع سابق، ص89.

5- ينظر د. محمود نجيب حسني، مرجع سابق، ص172.

6- ينظر د. فخري عبد الرزاق الحديثي، شرح قانون العقوبات- القسم الخاص، مرجع سابق، ص170.

7- القرار رقم 1711/ج/52 في 18/12/1952. اشار إليه د. عباس الحسني وكامل السامرائي، مرجع سابق، المجلد الأول، ص220.

8- القرار رقم 1635/ج/54 في 2/12/1954. اشار إليه علي السماك، مرجع سابق، ج3، ص386.

9- تمييز جزاء 44/53 لسنة 1953. اشار إليه د. محمد سعيد نمور، مرجع سابق، ص95.

10- القرار رقم 738/ج/38 البصرة، اشار إليه سلمان بيات، القضاء الجنائي العراقي، ج3، شركة النشر والطباعة العراقية المحدودة، بغداد، 1949، ص334.

11- القرار رقم 45/ج/31 الحلة، اشار إليه سلمان بيات، مرجع سابق، ج1، 1947، ص230.

12- ينظر د. عوض محمد، مرجع سابق، ص121.

موقف القانون المقارن من صفة الجاني في حالة المفاجأة بالزنا :

لقد تباين موقف القوانين المقارنة من صفة الجاني الذي يستفيد من العذر المخفف، فبعضها قد وسعت من صفة الجاني، بينما الأخرى قد ضيقت من هذه السعة.

أولاً – القوانين التي وسعت من صفة الجاني:

إن بعض القوانين قد وسعت من صفة الجاني الذي يستفيد من العذر، ومن هذه القوانين، فضلا عن قانون العقوبات العراقي، الليبي والكويتي والسوري و اللبناني والاردني واليمني. فقانون العقوبات الليبي في المادة (375) منه قد حدد صفة الجاني بالقول (من فوجئ بمشاهدة زوجته أو ابنته او اخته أو امه…) وكذلك قانون الجزاء الكويتي في المادة (153) منه بالقول (من فاجأ زوجته … أو فاجأ ابنته أو امه او اخته…). وبذلك يكون الجاني في هذين القانونين هو فضلاً عن الزوج، الأب أو الأبن أو الأخ. وإن قانون العقوبات السوري في المادة (548) منه قد جعل الاستفادة من العذر المحل والمخفف اضافة للزوج ، للزوجة والاصول والفروع والأخوة والأخوات ذكوراً كانوا أم اناثاً لأن النص مطلق والمطلق يجري على اطلاقه. وينبغي أن نلاحظ أنه إذا كان مرتكب القتل او الإيذاء اصلاً أو فرعاً، أخا أو أختاً فلا سبيل لإعفائه من العقاب ما لم يكن الشخص الذي اقترف أثم الزنى المشهود او الصلات الجنسية الفحشاء هو أنثى، فإذا كان من الأصول فيجب أن يكون من الأمهات أو الجدات مهما علون وإن كان من الفروع فينبغي ان يكون من البنات أو الحفيدات مهما نزلن وإن كانت علاقة القرابة هي الأخوة فيجب ان تكون أختاً(1). ولا يختلف قانون العقوبات اللبناني في المادة (562) منه عن قانون العقوبات السوري إذ نصت هذه المادة على أنه (يستفيد من العذر المخفف من فاجأ زوجه أو احد اصوله أو فروعه أو أخته…). ويلاحظ على قانون العقوبات السوري واللبناني بنصهما على الأصول والفروع والأخوة انهما لا يعدان العذر متوفراً عند ارتكاب الجريمة ضد العمة او الخالة او بنت الأخ أو بنت الأخت، إذ ان هؤلاء النسوة لسن من الاصول ولا من الفروع. ونفس الأمر يلاحظ على قانون العقوبات الاردني في المادة (340) منه واليمني في المادة (232) منه. نعتقد أن التوسع في صفة الجاني او نطاق العذر ليشمل الاقارب من اهل الزوجة فيه ما يتلائم وينسجم مع عاداتنا وتقاليدنا وديننا الحنيف واخلاقنا الاصيلة كمجتمع شرقي وتأثير العفة والشرف فينا، كما انه يتوافق مع ما استقر في محيطنا من عادات النقاء والطهارة والحفاظ على الاعراض.

ثانياً- القوانين التي ضيقت من صفة الجاني:

إن هذه القوانين جعلت النص يشمل بسريانه الزوج فقط دون اقارب الزوجة كالأب والأخ، أو محارم الشخص كأمه وابنته كما هو الحال في قانون العقوبات المصري المادة (237) منه، والمغربي (الفصل 418) منه الذي نص على أنه (يتوفر عذر مخفف للعقوبة في جرائم القتل أو الجرح او الضرب إذا ارتكبها الزوج ضد زوجته وشريكها عند مفاجأتهما متلبسين بجريمة الزنى). وهناك اتجاه في الفقه يؤيد موقف هذه القوانين إذ يرى إن المشرع تخير اقرب الناس إلى الزوجة وهو الزوج لأنه الاكثر غيرة عليها وأول من يلحقه العار جراء خيانتها، فضلا عن إن التوسع في العذر أمر غير محمود وقد يؤدي إلى نتائج ضارة، وعلى هذا اشترط ان يكون الفاعل زوجاً(2). لكنه في مصر، وقد استقى الشارع المصري حكم المادة (237) عقوبات من نص المادة (324) عقوبات فرنسي الذي كان يقصر العذر على الزوج وحده فلا يستفيد منه أي قريب آخر إذ انتقد الفقهاء الفرنسيون انفسهم كالعلامة كارو هذا الحصر والتضييق في مدى شمول النص(3)، وكذلك ادى هذا الحصر إلى اثارة النقد في الفقه المصري(4) ايضاً، إذ إن هناك من يرى إن القانون قد اخطأ حين اختص الزوج وحده دون سائر الناس بذلك العذر، فهذا معناه إن أي إنسان آخر لا يجترئ على الدفاع عن اعراض الناس فلا يستطيع أب أن يذود عن نفسه ويدفع المنكر عن ابنته ولا ولد عن والدته ولا أخ عن أخته إذا شاء القدر ومكن أي من هؤلاء رؤية العلاقة المحرمة، بل افترض القانون في هؤلاء جميعاً الخسة والنذالة وبرودة الدم فلا يستطيع أياً منهم أن يدفع منكراً أو يرده الا بأضعف الايمان وهو قلبه دون يده كما فرض القانون عليهم ان يغضوا الطرف عما يرون وينصرفوا صاغرين(5)، في حين ان ثورة هؤلاء في النفس لا تقل عنها في الزوج خصوصاً في بلد كمصر، وقد يكونوا في موقف احرج من موقف الزوج إذ هو يستطيع على أية حال أن يفك رباط الزوجية أما هؤلاء فصلتهم بقريبتهم لا تنفصم(6). أما قانون العقوبات الجزائري في المادة (279) منه فقد انفرد عن بقية القوانين العربية في قصر سريان النص على الزوجين احدهما ضد الآخر دون سواهما من الاقارب.

____________________

1- ينظر د. محمد الفاضل، مرجع سابق، ص487.

2- ينظر د. عمر السعيد رمضان، مرجع سابق، ص233. د. حسن صادق المرصفاوي، مرجع سابق، ص128.

3- ينظر د. محمد الفاضل، مرجع سابق، ص484.

4- لقد عاب د. حسن ابو السعود على المشرع المصري مسلكه هذا أي نقله (الماد 237) عقوبات عن المادة (324) عقوبات فرنسي، إذ من غير المفهوم في نظره في مسائل كهذه ان نأخذ بنصوص وضعت لبيئة غير بيئتنا ولم يراعى فيها ما استقر في مصر من عرف وخلق ودين. وقد بذلت عدة محاولات في البرلمان المصري اولها سنة 1927 وأخرى في سنة 1937 لأعطاء هذا العذر للوالدين في المحاولة الأولى وللأبن وللأخ في المحاولة الثانية فباءت كلتاهما بالفشل، كما فشلت محاولة أخرى لإعطاء هذا العذر للزوجة. ينظر د. احمد حافظ نور، مرجع سابق، ص372.

5- ينظر د. عبد الخالق النواوي، التشريع الجنائي في الشريعة الاسلامية والقانون الوضعي، مرجع سابق، 299.

6- ينظر محمد عطية راغب، مرجع سابق، ص148. ويذكر أنه كان هناك نصاً مقترحاً في مشروع قانون العقوبات المصري افضل من نص المادة (237) إذ شمل نص المادة (394) من مشروع القانون الجديد هؤلاء الاشخاص جميعاً. ينظرد. جلال ثروت، نظرية القسم الخاص، مرجع سابق، ص261. هامش رقم1.

المؤلف : قاسم تركي عواد الجنابي
الكتاب أو المصدر : المفاجأة بالزنى عنصر استفزاز في القتل والايذاء

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .