المعالجات الحديثة للقانون الطبيعي:

شهد القرن التاسع عشر انحدار مدرسة القانون الطبيعي إلى الحضيضJ

وقد حلت محلها الوضعية القانونية التي كانت مرتبطة بنهوض الوضعية

العلمية (التي سنبحثها في الفصل التالي) وا >درسة التاريخية التي كانت

مرتبطة بالهيجلية »على الأقل في شكلها الأ >اني «. وقد تضافرت قوى

مختلفة على التقليل من الحماس للقانون الطبيعي. وكان أبرز تلك القرى

بلا ريب ردة الفعل على ا >بالغة في العقلانية التي سادت في القرن الثامن

عشر لدى فلاسفة »الاستنارة J« والشعور بأن القانون الطبيعي كان خلوا من

أي أساس علمي أو آمر J وأنه تجاهل الدور الحيوي للعوامل التاريخية في

تطوير القانون. يضاف إلى ذلك أن ارتباط حقوق الشعب الطبيعية (وكذلك

الأفراد) بالانتفاضة الثورية الفرنسية أعطى هذا ا >ذهب ما يسمى ب

»نكهة بلشفية « في نظر الدوائر الرجعية الحاكمة في أوائل القرن التاسع

عشر. ومع ذلك فإن فكرة القانون الطبيعي لم تنطفئ (فهي .لك فعلا قوة

القدرة على البقاء غير القابلة للانطفاء) وباتت عن ذاتها بشتى الأشكال

في عصرنا الحاضر. وقد استعادت قوتها على البقاء بسبب الأخطاء

والفضائح البربرية التي ارتكبت في الحرب S العا >يت S وما بينهما. وسوف

نتكلم قليلا عن مختلف kاذج نظرية القانون الطبيعي في عصرنا الحاضر

ثم نتناول خاصة وأهمية أحياء القانون الطبيعي الحديث وخاصة في أوروبا

وأميركا.

و .كن تقسيم نظريات القانون الطبيعي إلى ثلاثة أصناف: كاثوليكية

وفلسفية واجتماعية »سوسيولوجية «. فالنظرية الكاثوليكية التي ما تزال

مؤثرة في البلدان التي .ارس فيها الكنيسة الكاثوليكية سلطة معتبرة ما

تزال تحتفظ بالشكل الذي أورده القديس توما الاكويني J وإن كانت هناك

محاولات لتكييف هذه ا >فاهيم وفق الأوضاع الحديثة J وأصبح يطلق عليها

اسم »نيو تومزم «New – Thomism -القومية الجديدة-وقد انتشرت الأشكال

الفلسفية للقانون الطبيعي في القارة الأوروبية وأخذت شكل »الكانتيه

الجديدة «Neo-Kantism أي أنها حاولت تطوير فكرة »كانت « عن عالم القانون

الأخلاقي. وقد عالج »كانت « ذلك على أنه يتضمن أمرا مطلقا J بأننا يجب

أن نتصرف بشكل .كن أن يترجم به تصرفنا إلى قانون كوني. وهذه

81

القانون الطبيعي والحقوق الطبيعية

الأوامر كانت تجد حقيقتها ا >طلقة في مبدأ الوحي أو الإلهام J ولكنها ظلت

مبدأ شكليا بدون محتوى خاص متميز. وقد جهد الفلاسفة القانونيون

للكنتية الجديدة أمثال »ستملر «Stammler و »فيشيو «Vecchio لاستخلاص

أحكام تضمنها القانون الكوني لكانت. وقد اعترف ستملر أن أحكاما كهذه

لا .كن أن تكون غير قابلة للتغيير في كل العصور والظروف J ووصفت

معالجته بأنها (قانون طبيعي ذو محتوى متغير) وقد كان لهذا النوع من

ا >عالجة الفلسفية وتركيزه الذي لا لزوم له على ا >نطق أثر ضئيل في

البلدان الآخذة »بالقوان S العامة «Commonlaw والتي .يل إلى الحلول

ا >ستندة إلى ا >لاحظة والتجربة.

ويتخذ كلا نوعي النظرية اللذين سبقت الإشارة إليهما نظرة

مثالية للقانون الطبيعي J و يعاملان الطبيعة كشيء يفرض معيارا مثاليا

و يرتكز إلى حد كبير على افتراضات تعسفية عن عقلانية الإنسان.

غير أن النظرية الاجتماعية »السوسيولوجية « عن القانون الطبيعي

من جانب آخر تتبنى معالجة أكثر واقعية. وكان التطور الهام في هذا

الصدد هو محاولة تطبيق الأساليب العلمية ا >نبثقة عن العلوم

الاجتماعية لكي تستخلص وتستنبط الحقائق الأولية عن حوافز الإنسان أو

حاجاته و kاذج السلوك التي تبدو لا غنى عنها لتحقيق هذه العوامل الإنسانية

في اﻟﻤﺠتمع. إن التركيز القوي على العلوم الاجتماعية في الولايات ا >تحدة

الأميركية أدى إلى تطور يفوق أي تطور .اثل في أي مكان آخر. فهنا نرى

القانون الطبيعي يدافع عنه ضد هجمات الوضعية وذلك باستخدام

أسلحة من ترسانة الوضعية نفسها. وسوف نناقش صحة محاولة تبرير

القانون الطبيعي علميا عند مناقشة »الوضعية « حيث أن مكانها ا >ناسب

هناك.

ويجب أن نضيف إلى ذلك أنه من ا >ألوف لدى المحام S البارزين أن

يعلنوا في خطبهم العامة عن تأييدهم للقانون الطبيعي بشكل عام. ولكن

هذا التأييد .يل إلى الغموض بحيث .كن اعتباره جزءا من طبيعة الخطابة

على غرار خطباء روما القد .ة J اكثر من اعتباره محاولة جادة لإعطاء

محتوى لفكرة القانون الطبيعي وتقييم مساهمته في القانون في عا >نا

الحديث هذا.