أثر الفصل والعزل على بعض حقوق الموظف

المؤلف : مهدي حمدي الزهيري
الكتاب أو المصدر : اثرالجريمة التي يرتكبها الموظف العام انهاء علاقتة الوظيفية
إعادة نشر بواسطة محاماة نت

سنلقي الضوء في هذا( الموضوع )على اهم الاثار التي يمكن ان يرتبها كل من الفصل والعزل على بعض حقوق الموظف وذلك بايجاز شديد.
1-الحقوق التقاعدية
ان بعض القوانين نصت على جواز حرمان الموظف المعاقب بالفصل او العزل من المعاش او المكافاة او كليهما بعضا او كلا. ان هذه الحقوق لا يجوز مساسها دون نص في القانون، وفي العراق لا يوجد ما يمنع الموظف المفصول او المعزول انضباطيا من استحقاقه الحقوق التقاعدية فضلا عما نصت عليه الفقرة (8) مـن المادة الثالثة من قانون التقاعد المدني رقم 33 لسنة 1966 المعدل من انه ( لا يمنع عزل الموظف او فصله او تركه الخدمة لاي سبب كان عدا الاستقالة من استحقاقه الحقوق التقاعدية مع مراعاة الاحكام الواردة في هذا القانون والقوانين الاخرى).(1)

وبالرجوع إلى نص الفقرة الاولى من المادة الثانية من القانون رقم 19 لسنة 1970.(2) المعدل بالقانون رقم (18) لسنة 1972(3) الذي يخفض راتب المفصول او المعزول لعدم النزاهة او الرشوة او سوء الخلق إلى راتب الدرجة الادنى من راتبه الذي انتهت اليه خدمته نجد ان من يفصل او يعزل انضباطيا لغير الاسباب الواردة فيه لا يشمل بهذا التخفيض وبذلك يكون الاصل هو ان الموظف المفصول او المعزول انضباطيا يستحق حقوقه التقاعدية المنصوص عليها في المادة الثانية من قانون التقاعد المدني رقم 33 لسنة 1966 المعدل باستثناء الحالات التي يرد فيها نص قانوني يفيد بغير ذلك.

2-الحق في العودة إلى الوظيفة
لا تجوز عودة الموظف إلى وظيفته في حالة العزل لان تنحية الموظف عن الخدمة هنا نهائية بنص القانون اما الموظف المفصول فيجوز اعادته إلى الوظيفة ولكن الادارة غير ملزمة في ذلك ؟…. وهنا نجد من الضروري الزام الادارة باعادة الموظف إلى الوظيفة بانتهاء مدة فصله المحددة بقرار الفصل … الا اذا فقد احد شروط التعيين خصوصا وان المشرع قد قرر ذلك(4) واستقر عليه قضاء مجلس الانضباط العام بالنسبة للموظف المفصول خلال مدة بقائه في السجن حيث يعاد وجوبا إلى الوظيفة بعد خروجه منه الا اذا فقد شرطا من شروط التعيين.(5)

3-حق الموظف في اجازاته المتراكمة.
يمنح الموظف المنتهية خدمته بتنسيق الملاك او المحال على التقاعد الرواتب الاسمية للاجازات الاعتيادية التي يستحقها كاملة على ان لا تتجاوز مدتها (180) يوما وذلك في غير حالتي العزل والفصل.(6) وقد تقرر الحكم نفسه فيما يتعلق باستحقاق من يتمتع بالعطلات المدرسية رواتب العطلة الصيفية التي لا تتجاوز (180) يوما.(7) وبذلك يقف العزل او الفصل حائلا بين الموظف وبين استحقاقه لمبالغ هذه الاجازات.

4-انصاف رواتب الموظف الموقوفة خلال مدة سحب اليد.
قد تسحب يد الموظف قبل ان تسفر نتيجة التحقيق عن فصله او عزله(8) وبذلك يتقاضى خلال مدة سحب اليد انصاف رواتبه التي كان يتقاضاها قبل سحب يده وتكون الانصاف الاخرى موقوفة لحين نتيجة التحقيق فاذا اسفرت النتيجة عن فصل الموظف او عزله فلا يدفع له شيء من الرواتب الموقوفة بصرف النظر عما اذا كان الفصل او العزل يستند على قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع الاشتراكي او أي قانون اخر(9). وذلك بشرط ان يكون قرار الفصل او العزل قد استند على تحقيقات اصولية. وقد قضى مجلس الانضباط العام باستحقاق الموظف المفصول لهذه الانصاف من الرواتب لكون الفصل قد وقع بلا تحقيقات اصولية.(10) اما انصاف الرواتب التي تسلمها قبل صدور قرار فصله فلا تسترد منه.(11)

5-عدم جواز معاقبة الموظف بعقوبة اخرى عن الفعل نفسه.
من مقتضيات مبدا شرعية العقوبة الانضباطية عدم جواز فرض اكثر من عقوبة عن ذنب واحد وقد استقر الفقه على اعتبار هذا المبدأ عاما يطبق عند غياب النص.(12) كما استقر قضاء مجلس الانضباط العام على الاخذ به،(13) ونص عليه قانون الانضباط لسنة 1991.(14) ولا تعد معاقبة الموظف جنائيا وتاديبيا عن الفعل الواحد ازدواجا في العقوبة لان الهدف من العقوبة الجنائية ضمان مصلحة المجتمع في حين يهدف العقاب التأديبي ضمان مصلحة الوظيفة العامة كما ان تشديد العقوبة لا يعني فرض اكثر من عقوبة عن فعل واحد.(15)

ولو امعنا النظر في بعض هذه الاثار وخصوصا ما يتعلق منها بالحقوق التقاعدية للموظف نجد ان القانون يكفل هذه الحقوق لكونها لا تمس شخص الموظف فحسب وانما تمتد اثارها إلى افراد عائلته ولهذا فانها مكفولة في مختلف حالات انهاء الخدمة (عدا الاستقالة) ولا تقتصر على حالات الانهاء الانضباطي للعلاقة الوظيفية وهذا ما استقر عليه قضاء مجلس الانضباط العام والفقه في العراق …، لا بل ان القانون لا يكتفي بضمان هذه الحقوق فحسب بل يحتسب مدة انهاء العلاقة الوظيفية خدمة لأغراض معينة في بعض الاحيان كما قضى بذلك ديوان التدوين القانوني (مجلس شورى الدولة حاليا) بقراره المرقم 66/1972 في 5/2/1972 حيث عد مدة بقاء المفصولين والمطرودين والمعزولين والمحالين على التقاعد لا سباب سياسية خدمة مستمرة لاغراض الترفيع والتقاعد سواء اكانوا اثناء تلك المدة قد حكموا بالحبس لاسباب سياسة ام لم يحكموا بذلك.(16)

مع ملاحظة عدم احتساب خدمة الموظف الذي يقصى من الخدمة لثبوت عدم توفر شروط التوظيف فيه عند تعيينه لاول مرة(17) اما بعد احتلال العراق في /4/2003 فاننا وان كنا لا نريد الخوض في تفاصيل ما حصل في هذه المرحلة لكون البحث في الموضوع الذي نحن بصدده ينصب على الوضع في الظروف الطبيعية وليس الاستثنائية الا اننا وجدنا من المناسب الاشارة إلى قرارات سلطات الاحتلال بانهاء خدمة بعض الموظفين فقد ورد في الفقرة (5) من امر سلطة الائتلاف رقم (2) حول حل الكيانات العراقية (.. ولا يصرف أي معاش لاي شخص ينتمي للحزب كاحد كبار اعضائه..) ثم ورد في الفقرة (6) من الامر نفسه (… ولا يتلقى مثل هذا الشخص أي معاش او أي مبلغ مالي يصرف له عند انهاء خدماته…

وسوف يعتبر أي شخص كان يحمل رتبة عقيد او رتبة اخرى تعادلها او تتجاوزها في ظل النظام السابق عضوا من كبار اعضاء البعث الا اذا سعى هذا الشخص لاثبات انه لم يكن منتميا للحزب ولم يكن احد كبار اعضائه…) والملحق المرفق بهذا الامر اورد ذكر (25) كيانا منحلا.(18) وعلى الرغم من ان بحثنا ينص على انهاء العلاقة الوظيفية المتمخض عن ارتكاب الموظف جريمة الا اننا وددنا بصدد هذا الموضوع الاشارة إلى ما ياتي:
1. ان هذه القرارات عدت ان كل من كان منتميا لحزب البعث بمستوى معين مجرما يستحق العقاب بغض النظر عما اذا كان ارتكب فعلا او امتناعا يجرمه القانون وقت وقوعه ام لا.
2. رتبت على هذه الجريمة (الانتماء لحزب البعث لمستوى معين)اثارا كان من بينها اقصاؤه من الخدمة دون انتظار حكم القضاء (جنائيا كان ام تاديبيا) لمعرفة ما اذا كان الحكم فيها من النوع الذي تترتب عليه هذه الاثار ام لا.
3. عدت ان كل من كان برتبة عقيد او ما يعادلها او يتجاوزها ينطبق عليه وصف الجريمة المذكورة دون تحديد المراد بعبارة (يعادلها او يتجاوزها) وبقي ذلك خاضعا للاجتهاد.
4. القت على الموظف الموصوف في الفقرة (3) عبء اثبات عدم ارتكابه لهذه الجريمة وبذلك اصبح المبدا المعروف قانونا بان (المتهم برئ حتى تثبت ادانته) مقلوبا إلى ان (المتهم مجرم حتى تثبت براءته) ، رغم ان الاصل في الانسان البراءة.
5. ذهب ضحية هذه القرارات عشرات وربما مئات الالاف من الموظفين الذين لا يمكن ان يكونوا مذنبين جميعا وعليه ينبغي ان يعالج الامر بطريقة قانونية من خلال اعادتهم جميعا إلى وظائفهم ما داموا ابرياء (متهمين) حتى تثبت ادانة من تثبت ادانته منهم وحينئذ تنهي العلاقة الوظيفية لمن يقضي قرار الحكم ذلك بشأنه ويمكن للادارة قبل ذلك ان تسحب يد من ترى ان مصلحة التحقيق تقتضي سحب يده وفقا للقانون وليس من خلال انهاء العلاقة الوظيفية للجميع ومن ثم اعادة من يستطيع اثبات براءته.
6. لم يكتف قرار سلطة الائتلاف بانهاء العلاقة الوظيفية لهذا العدد الكبير من الموظفين بل حرمهم من ابسط الحقوق التي استقر القانون (تشريعاً وفقهاً وقضاء) في العراق وفي مختلف العهود على كفالتها ولعل من اهمها حقوقهم التقاعدية .
نخلص مما تقدم إلى وجوب تطبيق حكم القانون على الجميع دون استثناء وطالما ان القانون يتضمن قواعد عامة مجردة تكفل مساءلة المجرم عن الجريمة التي ارتكبها لينال جزاءه العادل (بعثيا كان ام غير بعثي) فلا مبرر لهذا العقاب الجماعي لمجرد ان قسما من البعثيين او منتسبي الدوائر المنحلة قد ارتكب جرائم معينة اذ ان ذلك لا ينفي ان يكون غيرهم قد ارتكب بعض هذه الجرائم ومع ذلك لم تنه علاقته الوظيفية في حين يمكن ان يكون من بين من انهيت علاقتهم الوظيفية ابرياء لم يرتكبوا ما يستوجب اتخاذ ما اتخذ بحقهم.

هذا من جهة ومن جهة اخرى فان هذه القرارات تفتقر إلى الاساس القانوني الذي يسندها كونها تتنافى مع مبدا الشرعية لعدم شرعية السلطات التي اصدرتها وهي سلطات الائتلاف (الاحتلال) فضلا عن مخالفتها للمادة (54) من اتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1949 التي تقضي بعدم جواز ان تقوم دولة الاحتلال بتغيير حالة الموظفين والقضاة في الاراضي المحتلة او ان توقع عليهم عقوبات او تتخذ ضدهم اجراءات تعسفية، وعليه فان هذه العقوبات تفتقر إلى الشرعية القانونية، ويرى البعض انها تمثل انتهاكا للقانون الانساني الدولي اذ تنص المادة (15) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على انه (لا يدان أي فرد باي جريمة بسبب فعل او امتناع عن فعل لم يكن وقت ارتكابه يشكل جريمة بمقتضى القانون الوطني او الدولي) في وقت لم تجر اية محاكمة عادلة لاي من الذين انهيت خدماتهم على نحو ما تقدم ووفقا لما تحدده المادة (14) من العهد المذكور ، كما ان حل مؤسسات معينة (لا يمكن ان تقوم دولة بدونها) يكون من حق حكومة شرعية (منتخبة بموجب دستور مصادق عليه من جمعية تاسيسية منتخبة بصورة مباشرة) وهي التي يمكنها حينئذ تطهير هذه المؤسسات من العناصر الفاسدة لا سلطة الاحتلال.(19)
___________
1- منشور في الوقائع العراقية/ العدد 1259 في 19/6/1966.
2- منشور في الوقائع العراقية / العدد 1839 الصادر في 11/2/1970.
3- منشور في الوقائع العراقية/ العدد 217 الصادر في 13/7/1972 وهناك تعديل اخر لهذا القانون حصل بالقانون رقم 138 لسنة 1973 وعد نافذا باثر رجعي منذ نفاذ القانون رقم 19 لسنة 1970 ولكنه لم يمس جوهر موضوعنا.
4- قرار مجلس قيادة الثورة المنحل المرقم 997 في 30/7/978.
5- قرارا المجلس رقم 420/87/88 في 27/3/988 ورقم 550 /88 في 20/7/988. اشار اليهما د. غازي فيصل مهدي: شرح احكام قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع الاشتراكي رقم 14 لسنة 1991/ مطبعة العزة/ بغداد 2001، ص55.
6- الفقرة (1) من المادة الخامسة والاربعين من قانون الخدمة المدنية رقم 24 لسنة 1960 المعدل.
7- الفقرة (2) من المادة نفسها.
8- المادتان 16و17 من قانون الانضباط رقم 14 لسنة 1991.
9- المادة (19/اولا) من القانون رقم 14 لسنة 1991.
10- قرارا مجلس الانضباط العام رقم 16/65 في 13/2/965 المنشور في مجلة ديوان التدوين القانوني/ ع1و2/س4/ك1 1965 ص211 ورقم127/66 في 14/6/1966، المنشور في مجلة ديوان التدوين القانوني /ع1/ص9 973 ص100.
11- المادة (17/ثانيا) من القانون رقم 14 لسنة 1991.
12- د. غازي فيصل مهدي/ شرح احكام قانون/ مصدر سابق ص60.
13- قرار مجلس رقم 21/65 في 17/2/965. مجلة ديوان التدوين القانوني ع1و 2/س4/ك1 1965 ص213.
14- المادة (20) من القانون.
15- د. غازي فيصل مهدي/ شرح احكام قانون…/ مصدر سابق ص61.
16- اشار اليه في علي محمد ابراهيم الكرباسي/ الوظيفة العامة في احكام قوانين الخدمة المدنية -التقاعد الملاك- الانضباط/ الخدمة المدنية (شرح وتعليق) / دار الحرية للطباعة /بغداد 1988 ص113.
17 المادة (الثانية والستون) من قانون الخدمة المدنية رقم (24) لسنة 1960 المعدل.
18- القرار منشور في الوقائع العراقية /العدد 3977 في 17/6/2003. وقد صدرت بعد ذلك قرارات صرفت بموجبها منح ورواتب لبعض هذه الفئات واعيد البعض إلى الخدمة دون ان تشملهم جميعا.
19- اديب الجادر/ الاوضاع الراهنة لحقوق الانسان في العراق/ مقال منشور في صحيفة العرب الاسبوعية/ العدد 14 الصادر في 31/3/2004 ص5.