تنص المادة (429) من القانون المدني العراقي على أن: “الدعوى بالتزام، أياً كان سببه، لا تسمع على المنكر بعد تركها من غير عذر شرعي خمس عشر سنة، مع مراعاة ما وردت فيه من أحكام خاصة“(1). ويخلص من هذا النص أن القاعدة العامة في مدة التقادم تكون خمس عشر سنة ميلادية، وهذه المدة تسري بالنسبة إلى كل التزام ما لم ينص القانون المدني في خصوصه على مدة أخرى، وهذه المدة أخذت عن الشريعة الإسلامية في نظامها المعروف بـ(منع سماع الدعوى)، حيث روعي في تحديدها أنها مدة مناسبة لا هي طويلة بحيث ترهق المدين ولا هي بالقصيرة بحيث تباغت الدائن، يضاف إلى ذلك كونها المدة التي اعتاد الناس عليها منذ حقب طويلة(2).

وعلى الرغم من كون القاعدة العامة للتقادم هي خمس عشر سنة، فإن هناك حقوقاً غير قابلة للتقادم، وهي الحقوق التي لا يجيز النظام العام التعامل فيها، كالحقوق المتعلقة بالحالة المدنية ما لم يترتب عليها حقوقاً مالية كالحق في النسب ما لم تترتب عليه حقوقاً مالياً مثل نصيب الوارث في التركة فإنه يخضع لنظام التقادم، كما أن الحقوق المتعلقة بالاسم فإنها لا تخضع للتقادم، ودعوى الصورية لا تسقط بالتقادم سواء رفعت من أحد المتعاقدين أو من الغير لأن المطلوب فيها هو تقرير أن العقد الظاهر لا وجود له وهي حقيقة قائمة ومستمرة لا يؤثر فيها التقادم، وإذا أخذ الدائن رهناً حيازياً ضماناً لحقه فما دام هذا الرهن في يده فإن حقه لا يتقادم، لكون وجود الرهن في حيازته يعتبر قطعاً مستمراً للتقادم، أما حق الراهن أو المودع في استرداد الوديعة فإنه يسقط بالتقادم بموجب الدعوى الشخصية، لكنهما يستطيعا الاسترداد بموجب دعوى الاستحقاق العينية القائمة على حق الملكية فهي لا تتقادم لكونها متعلقة بحق الملكية وكانت حيازة المودع لديه حيازة عارضة(3).

وإذا كانت هناك حقوقاً تتقادم بمدد خاصة استناداً إلى نصوص تشريعية، فإنه يجب تفسير هذه النصوص تفسيراً ضيقاً، بحيث لا تسري إلا على الحالات المحددة قانوناً بالذات، وما خرج عن هذه الحالات فإنه يرجع به إلى أصل القاعدة، وتكون مدة تقادمه خمس عشر سنة، فإذا وفى شخص بالوكالة عن المدين ديناً فإنه يتقادم بمدة قصيرة كالفوائد تسقط بخمس سنوات والضرائب تسقط بثلاث سنوات، ولكن رجوع الموكل على الوكيل (المدين) بموجب دعوى الوكالة فإنه لا يسقط إلا بمرور خمس عشرة سنة(4).

ومن الحالات التي ورد فيها نص خاص بمدد تقادم خاصة مغايرة للأصل العام، فقد نصت المادة (431) من القانون المدني العراقي على أن: “لا تسمع الدعوى على المنكر بعد تركها من غير عذر شرعي سنة واحدة في الحقوق الآتية: 1- حقوق الأطباء والصيادلة والمحامين والأساتذة والمعلمين والمهندسين والخبراء ووكلاء التفليسة والسماسرة، وبوجه عام كل من يزاول مهنة حرة، على أن تكون هذه الحقوق واجبة لهم جزاء عما أدوه من عمل وما تكبدوه من مصروفات…“، كما نصت المادة (430) من ذات القانون على أن “1- كل حق دوري متجدد كالأجرة والفوائد والرواتب والإيرادات المرتبة، لا تسمع الدعوى به على المدين بعد تركها من غير عذر شرعي خمس سنوات….“. من العرض المتقدم يتوضح لنا بأن أساس التقادم يختلف باختلاف الموضوع الذي يرد عليه، فأساس التقادم الخمسي يقوم على عدم إرهاق المدين بتراكم الديون عليه وبالتالي يجوز له أن يتمسك بالتقادم ولو اعترف صراحة أو ضمناً بعدم الوفاء بديونه، في حين أن أساس تقادم الحقوق الخاصة ببعض أصحاب المهن الحرة هو قرينة الوفاء، وهذا هو أساس التقادم الحولي(5).

وفي هذا الموضع تبرز لنا ذاتية التقادم الجنائي وانفراده بخصوصية، حيث أن أساس التقادم الجنائي لا يختلف باختلاف الموضوع الذي يرد عليه كما هو الحال في المجال المدني، بل يبقى أساس التقادم الجنائي هو السرعة في الإجراءات لتحقيق الاستقرار القانوني.

________

1- ويقابلها في التقنين المدني المصري نص المادة (374) حيث نصت على: “يتقادم الالتزام بانقضاء خمس عشرة سنة، فيما عدا الحالات التي ورد عنها نص خاص في القانون”.

2- ينظر: د. عبد الرزاق أحمد السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني، نظرية الالتزام بوجه عام، الجزء الثاني والثالث، طبعة تحتوي على آخر المستجدات في التشريع والقضاء والفقه، تنقيح المستشار أحمد مدحت المراغي، منشأة المعارف، الإسكندرية 2004، ص901.

3- ينظر: د. عبد الرزاق السنهوري، المرجع السابق، ص902-903.

4- ينظر: د. عبد الرزاق السنهوري، المرجع السابق، ص903-905.

5- ينظر: د ضا حمدي الملاح، ذاتية الدعوى الجنائية، أطروحة دكتوراه، كلية الحقوق/جامعة القاهرة، 2003، ص244.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .