حق الفرد في تغيير جنسيته

المؤلف : يونس محمود كريم النعيمي
الكتاب أو المصدر : احكام التجنس في قانون الجنسية العراقية
إعادة نشر بواسطة محاماة نت

لا تعد الجنسية رابطة تلازم الفرد منذ ولادته حتى مماته بحيث لا يمكن تغييرها بل للفرد الحرية في ان يقطع علاقته القانونية والسياسية والروحية بدولته وان يختار جنسية دولة اجنبية بعكس ما كان سائدا في القرون المنصرمة (1) فقد تطور الفكر القانوني لدى الدول واصبح بامكان الفرد ان يترك جنسيته الاصلية متى شاء حيث ان عهد الولاء والخضوع الدائم للدولة قد زال اثره فلا يجوز للدولة ان تصر على اعتبار احد الاشخاص من وطنييها في الوقت الذي تتضاءل فيه ارتباطاته بها مقابل توثق صلاته ومصالحه بدولة اخرى (2) .لذلك فانه لا ينبغي الزام الفرد بالابقاء على الجنسية التي فرضت عليه بدون تدخل من ارادته التي تمتع بها منذ ولادته وانما من الضروري ان تتوفر الفرصة الكافية للتعبير عن ارادته بعد بلوغه سن الرشد بان يبقى على نفس جنسيته او ان يغيرها عن طريق اكتساب جنسية اخرى وهذا هو من المبادئ التي تعترف بها كافة تشريعات الجنسية الحديثة(3).

إن حق الفرد في تغيير جنسيته يجب ان لا يؤخذ به على وجه الاطلاق بل يجب ان لا يؤثر على مصالح الدولة الاصلية لهذا فقد تشترط بعض الدول اخبارها عند حدوث أي تغيير او اخذ موافقتها ويكون الغرض من ذلك هو التأكد من ان هذا الوطني قد اوفى بكافة الالتزامات والاعباء المترتبة عليه كأداء الخدمة العسكرية او الديون او الضرائب …الخ (4).

فعلى سبيل المثال يشترط قانون الجنسية التركي لاكتساب المواطن التركي جنسية اجنبية ان يكون قد ادى الخدمة العسكرية وان يكون قد حصل على موافقة الحكومة التركية ، وتشير المادة 11 من قانون الجنسية السعودي إلى أنه يشترط لكسب الجنسية الاجنبية من قبل السعودي ان يكون قد حصل على اذن سابق من مجلس الوزراء وان عدم حصوله على هذه الموافقة لا يفقده الجنسية السعودية الا اذا اسقطت عنه الجنسية (5).

ولا تجيز المادة 10 من قانون الجنسية المصرية رقم 26 لسنة 1975 النافذ لمن يحمل الجنسية المصرية ان يتجنس بجنسية اجنبية دون اذن سابق يصدر بقرار من وزير الداخلية وان عدم حصوله على هذه الموافقة لا يفقده الجنسية المصرية ويعد في هذه الحالة مصريا في جميع الوجوه وفي جميع الاحوال ما لم يقرر مجلس الوزراء اسقاط الجنسية منه وهذا ما اشارت اليه المادة 16 من القانون اعلاه وبذات الاتجاه اشارت المادة 15 من قانون الجنسية الاردنية رقم 6 لسنة 1954 النافذ والتي اجازت للفرد الحق في تغيير جنسيته واكتساب جنسية اجنبية الا ان هذا الحق قد علق حصوله على موافقة مجلس الوزراء واننا نلاحظ ان القانون الاردني قد اجاز مبدأ ازدواج الجنسية للاردني حتى في الحالة التي يكتسب فيها جنسية دولة اجنبية اخرى وهذا ما أشارت اليه المادة 17 وفي تقديرنا ان اخذ المشرع الاردني بهذه المادة التي تنص على مبدأ ازدواج الجنسية يتعارض مع نص م15 التي علقت اكتساب الاردني للجنسية الاجنبية على موافقة مجلس الوزراء حيث إن سياسة الاردن ومصالحها وطبيعة الكثافة السكانية فيها يجعلها بحاجة الى اكبر عدد ممكن من السكان (6).

كما ان المشرع العراقي لم يعلق اكتساب المواطن العراقي للجنسية الاجنبية على اذن مسبق من حكومة العراق ايمانا منه بما جاء بالمادة 15 من الاعلان العالمي لحقوق الإنسان وهي ان الفرد له الحرية في تغيير جنسيته ولم يرتب على ذلك سوى زوال الجنسية العراقيـة منه منعا من حصول الازدواج عكس ما ذهب اليه المشرع الاردني وهذا ما نصت عليه المادة 11 من قانون 43 لسنة 1963 النافذ والمادة 11/ف1 من قانون الجنسية العراقية والمعلومات المدنية رقم 46 لسنة 1990 غير النافذ (7).

وبذات الاتجاه ذهب قانون الجنسية الاماراتي رقم 17 لسنة 1972 في المادة 15 منه التي لم يعلق فيها اكتساب الاماراتي الجنسية الاجنبية على موافقة دولة الامارات وانما اشار إلى انه يفقد الاماراتي الجنسية الاماراتية اذا تجنس مختارا او بارادته جنسية دولة اجنبية (8).

يتضح مما سبق ان الفرد لا يستطيع ان يغير جنسيته بمجرد اعلان رغبته من جانبه ذلك ان اكتساب جنسية دولة اجنبية لا يتحقق الا اذا توافرت شروط يتطلبها قانون الدولة المانحة والدولة الاصلية ومع هذا فان توافر هذه الشروط لا ينفي حق الدولة وسلطتها التقديرية في رفض طلب الانتماء اليها ومهما كان الامر فاننا يمكننا القول ان التشريعات الحديثة قد افسحت المجال للفرد في التخلي عن جنسيته على الرغم من تعليق هذا التخلي على موافقة السلطات المختصة في الدول على نحو ما بيناه بل اننا نلاحظ ان بعض التشريعات قد افسحت المجال للفرد بان يتخلى عن جنسيته الاصلية دون حاجة إلى اخذ موافقتها ما لم يترتب على هذا التخلي الافلات من التكاليف الوطنية كالالتزام بأداء الخدمة العسكرية او الهروب من دفع الضرائب وبشرط ان يكتسب الفرد جنسية الدولة الاجنبية التي يرغب الانتماء إليها حتى لا يصبح في حالة انعدام الجنسية ونلاحظ ان اقرار مبدأ حق الفرد في تغيير جنسيته يستجيب بوجه عام لما اشارت اليه المادة 15 من الاعلان العالمي لحقوق الإنسان (9).

الا اننا نؤيد ما ذهب اليه المشرع العراقي وحسناً فعل عندما اجاز للفرد الحق في تغيير جنسيته وبصورة ضمنية عندما اسقط عنه الجنسية الاصلية بمجرد حصوله على جنسية اجنبية ما لم يعلق هذا الاكتساب على موافقة جهة معينة في الاكتساب وهذا الاتجاه ينسجم مع الواقع العملي الذي يشير إلى ان الافراد قد يكتسبون جنسية دولة اخرى دون الرجوع للحصول على موافقة حكوماتهم.

__________________________

[1]- د. غالب علي الداؤدي ، القانون الدولي الخاص (النظرية العامة واحكام الجنسية العراقية ) ، المصدر السابق ، ص100.

2- د. ممدوح عبد الكريم حافظ ، القانون الدولي الخاص وفق القانونين العراقي والمقارن ، ط2،دار الحرية للطباعة ، بغداد ، 1977 ، ص 44 وبنفس المعنى انظر د. شمس الدين الوكيل ، المصدر السابق ، ص 40 ، شاكر ناصر حيدر ، المصدر السابق ، ص 26 .

3- د. جابر ابراهيم الراوي ، شرح احكام قانون الجنسية في القانون الاردني ، المصدر السابق ، ص34.

4- د. ممدوح عبد الكريم حافظ ، المصدر نفسه ، ص 44.

5- د. غالب علي الداؤدي ، القانون الدولي الخاص (النظرية العامة واحكام الجنسية العراقية ) ط1 ، 1974 ، المصدر السابق. ،ص 102.

6- انظر المواد 10،16 من قانون الجنسية المصري رقم 26 لسنة 1975 وكذلك المادة 15 و 17 من قانون الجنسية الاردنية رقم 6 لسنة 1954.

7- د.غالب علي الداؤدي ، القانون الدولي الخاص( النظرية العامة واحكام الجنسية العراقية) ، المصدر السابق،ص102 وما بعدها.

8- انظر المادة 15/فقرة /ج في شأن الجنسية وةجوزات السفر الاماراتي الاتحادي رقم 17 لسنة 1972 .

9- د. هشام علي صادق ، الجنسية والموطن ومركز الاجانب ، المصدر السابق ، ص 69 وما بعدها. وبنفس المعنى انظر م15 من الاعلان العالمي لحقوق الإنسان وكذلك شاكر ناصر حيدر ، المصدر السابق ، ص 26 وما بعدها .