الوضعانية الواقعية

هذا المنحى من التفكير هو أقرب إلى الوضعانية الفلسفية منه إلى الوضعانية القانونية لأنه يرى أن الوسط الاجتماعي هو المكان الذي ينبغي أن نبحث فيه عن القواعد القانونية (الأعراف والعادات..) وعن روحية المشترع وخاصة عن مدى ملاءمة التطبيق القانوني مع احتياجات المجتمع. ليس القانون سوى منتج اجتماعي، ظاهرة اجتماعية. وكل ربط بين القانون والأفكار المثالية مثل القانون الطبيعي والعدالة والعقل ليست سوى ظاهرة ملحقة. في هذا الخط يمكن وضع مدارس كبيرة من مثل أفكار بنتام (الفلسفة المنفعية) وإيهرينغ (ليس القانون إلا تمثيلاً للمصالح المحمية) وطبعاً كارل ماركس الذي يرى في القانون الوضعي مجرد ترجمة للمصالح الاقتصادية للطبقة الحاكمة (وضعانية اجتماعية sociological positivism ).

الفقرة الأولى: الوضعانية السوسيولوجية

أبُ الوضعانية السوسيولوجية دون أدنى شك هو مونتسكيو. يؤسس لهذا النهج في مؤلفه “روح القوانين”. شيئان يميزان القانون: النسبية (القانون يتبدل تبعاً للظروف) والحتمية: يخضع القانون لما يشبه قانون السببية، فإن هو إلا نتاج أسباب موضوعية متعلقة بالوسط الاجتماعي. كذا مجتمع يعطي كذا قانون. نلاحظ هنا التقارب بين مونتسكيو وماركس.

– السوسيولوجيا القاعدية The normative sociology

هي تمثل طموح السوسيولوجيا في إيصال نتائج أبحاثها إلى البرلمانات وإصدارها في تشريعات. تُطرح هنا بالكامل إشكالية الكينونة وواجب الكينونة the sein and the sollen ولكن يبقى أن نتائج هذه الأبحاث ليست دوماً ذات مصداقية عليا. ثم تبقى إشكالية مفتوحة على مصراعيها: إلى إي مدى ما تقوله وتفعله غالبية الناس هو الصحيح؟ وهل إذا أثبتت الوقائع الإحصائية، على سبيل المثال، أن غالبية اللبنانيين يتفهمون أن يرتشي الموظف اللبناني بسبب ضعف راتبه، فإن ذلك يجب أن يؤدي إلى ضرورة تشريع الرشوة؟

الفقرة الثانية: النظريات الأمير كية الشمالية

أميركا هي معقل الأمبيرية والبراغماتية. كان من الطبيعي أن تنشأ حركة قانونية ترفض الدوغماتية الأوروبية وتطالب بضرورة أن يعكس القانون الواقع الاجتماعي والحياة الحقيقية للناس.

فكانت أولاً مدرسة الاجتهاد السوسيولوجي والتي يأتي منظروها من المحاكم ومن الجامعات، أي أساتذة وقضاة. لا يكون القانون فعالاً إن لم يكسب انتماء الناس له، ثم إن على القانون أن يتبدَّل تبعاً للتحولات الإجتماعية.

– هولمس Holmes

التوقعات لما ستفعله المحاكم عملياً، ولا شيء أكثر، هذا ما يعتقد هولمس أنه القانون ولا شيء أخر . ترتكز حياة القانون على التجربة، لا على المنطق، ترتكز على معرفة التاريخ وعلم الاجتماع والاقتصاد. بنظر هولمس عمل المحاكم هو الأساس. فهي التي تقوم بدور ترجمة طموحات ومصالح الجماهير الشعبية في قواعد قانونية.