التدابير الإصلاحية

د . يا سين دركزلي

التدابير الإصلاحية mesures correctives هي مجموعة من الإجراءات، نصّ عليها القانون، لتفرض بحق الحدث حين ارتكابه جريمة ما، والقصد من هذه التدابير معالجة حالات الأحداث وإصلاح الجانحين منهم، ورعايتهم وإعادتهم إلى السلوك الاجتماعي القويم.

أنواع التدابير الإصلاحية

التدابير الإصلاحية المقررة في كثير من التشريعات العربية ولاسيما في قانون الأحداث السوري هي:
1) تسليم الحدث إلى أبويه أو إلى أحدهما أو إلى وليه الشرعي: يُعد هذا النوع أسهل التدابير وأقربها من مصلحة الحدث والقصد منه حمايته، وتحكم به المحكمة متى توافرت في أبويّ الحدث أو في أحدهما، أو في وليه الشرعي، الضمانات الأخلاقية وكان باستطاعتهم أن يقوموا بتربيته حسب إرشادات المحكمة أو مراقب السلوك المكلف رسمياً مراقبة تربية الحدث، وتقديم التوجيهات والإرشادات له وللقائمين على تربيته.
2) تسليم الحدث إلى أحد أفراد أسرته: تفرض المحكمة هذا التدبير إذا لم تجد في أبويّ الحدث أو في وليه الشرعي الضمانات الأخلاقية الكافية، أو إذا وجدت أنه ليس باستطاعتهم القيام بتربيته، وعلى الشخص الذي يسلم إليه الحدث أن يتعهد باتباع إرشادات المحكمة ومراقب السلوك.
3) تسليم الحدث إلى مؤسسة أو جمعية مرخصة صالحة لتربية الحدث: ويفرض هذا التدبير إذا لم يكن بين ذوي الحدث من هو أهل لتربيته، وعلى مراقب السلوك في هذه الحالة أن يراقب تربية الحدث. وأن يقدم له وللقائمين على تربيته الإرشادات اللازمة.
4) وضع الحدث في مركز الملاحظة: ومركز الملاحظة هو المركز المخصص للأحداث الذين يقرر القاضي توقيفهم فيه، قبل صدور الحكم النهائي بحقهم، ومدة التوقيف الاحتياطي تقررها المحكمة، ولا يجوز أن تتجاوز الشهر الواحد إلا إذا وجدت المحكمة أن مصلحة الحدث تقتضي ذلك.
5) وضع الحدث في معهد خاص بإصلاح الأحداث: ومعهد إصلاح الأحداث هو مؤسسة تربوية مخصصة للأحداث المحكومين والمقرر وضعهم فيها من قبل المحكمة. ومدة وضع الحدث في المعهد لا تقل عن ستة أشهر. وتنتهي بإتمامه الحادية والعشرين من عمره.
6) الحجز في مأوى احترازي: إذا تبين للمحكمة أن جنوح الحدث ناتج عن مرض عقلي، كالجنون أو العته، فرضت بحقه تدبير الحجز في مأوى احترازي ليعالج من مرضه، ويُعد هذا النوع من التدابير تدبيراً احترازياً، إذا فرض على الراشدين، ومدة الحجز هذه غير محددة، وتستمر حتى يٌشفى الحدث.
7) الحرية المراقبة: وهي مراقبة سلوك الحدث، أو العمل على إصلاحه بإسداء النصح له، ومساعدته في تجنب السلوك السيئ، وتسهيل اندماجه في المجتمع.
وللمحكمة، من خلال نظام تدابير الحرية المراقبة، أن تمنع الحدث من ارتياد كل محل ترى فيه خطراً على سلوكه، ولها أن تفرض عليه الحضور في أوقات معينة أمام أشخاص أو هيئات تعينهم، وأن تأمر بالدوام على بعض الاجتماعات التوجيهية المفيدة، أو أي أمر آخر تراه ضرورياً لإصلاحه.
ومدة الحرية المراقبة تراوح بين ستة أشهر وثلاث سنوات، وإذا أتم الحدث الثامنة عشرة من عمره قبل انتهاء مدة الحرية المراقبة، فإن ذلك لا يحول دون الاستمرار في تطبيق هذا التدبير.
8) منع الإقامة: منع الإقامة تدبير إصلاحي، يمكن فرضه على الحدث حين ترى المحكمة ضرورته وفائدته له، وهي تعيّن الأماكن التي لا يحق للحدث الإقامة فيها بصورة دائمة أو مؤقتة.
9) منع ارتياد المحلات الفاسدة: كالخمارات والمقامر. أما ارتياد الحدث الملاهي والأماكن العامة، فهو غير ممنوع إلا إذا ارتكب جرماً بسبب ذلك. وللمحكمة منعه من ارتياد كل مكان آخر ترى المنع من ارتياده مفيداً له.
10) المنع من مزاولة عمل ما: المنع من مزاولة عمل من الأعمال لتدبير إصلاحي يفرض على الحدث بقصد حمايته، لذلك فإنه لا يشترط لفرض هذا التدبير أن يكون قد اقترف جريمته خرقاً لواجبات المهنة أو الفروض الملازمة لعمله، بل تفرضه المحكمة إذا تبين لها أن هذا العمل خطر عليه وأن منعه من مزاولته مفيد له، ووسيلة لإصلاحه.
ومدة المنع من مزاولة العمل بوصفه تدبيراً إصلاحياً غير محددة، وتقدر بحسب ظروف الحدث، ومستلزمات إصلاحه.
11) الرعاية: وهي تدبير خاص يعهد به إلى معاهد إصلاحية معترف بها من الدولة. ويفرض هذا التدبير بحق الحدث إذا وجد متشرداً أو متسولاً لا معيل له ولا يملك مورداً للعيش. أو يعمل في أماكن أو يمارس أعمالاً منافية للأخلاق والآداب العامة. كما يمكن فرض هذا التدبير بحق كل حدث تستدعي حالته ذلك. ويوفر المعهد الإصلاحي للحدث التعليم والتدريب المهني والعمل المناسب وتقديم النصح والإرشاد اللازمين ليباشر حياته أو يكسب عيشه بطريقة شريفة.
وإذا تعذر وضع الحدث المفروض عليه تدبير الرعاية في إحدى مؤسسات الرعاية يجوز للمحكمة أن توفر له عملاً في إحدى المهن الصناعية أو التجارية أو الزراعية، ويتولى مراقب السلوك رقابته تحت إشراف المحكمة.

حالات إيقاع التدابير الإصلاحية

تفرض التدابير الإصلاحية وحدها بحق الأحداث الذين أتموا السابعة ولم يتموا الثامنة عشرة من عمرهم، إلا إذا كانت الجريمة المرتكبة جناية، وكان مرتكبها قد أتم الخامسة عشرة من عمره، فتفرض عليه عقوبة الحبس بالإضافة إلى بعض التدابير الإصلاحية، ولاسيما ما كان منها تأديبياً.
ويفرض تدبير الوضع في مركز الملاحظة في أثناء نظر الدعوى في أثناء سيرها وقبل إصدار الحكم النهائي.
أما تدبير الوضع في معهد الإصلاح فإنه يفرض في حالة وجود انحراف ظاهر في سلوك الحدث.
أما الأحداث الذين أتموا الخامسة عشرة فلا تفرض بحقهم التدابير الإصلاحية إذا ارتكبوا جرائم من نوع الجناية، وإنما تطبق بحقهم العقوبات المنصوص عنها في القانون.

الآثار المترتبة على فرض التدابير الإصلاحية

يتوقف تحقيق الهدف من فرض التدابير الإصلاحية على مدى توافر الضمانات الأخلاقية لدى الأشخاص الذين يتسلمون الحدث وعلى مدى استطاعتهم القيام بتربيته، والتقيد بتعهدهم باتباع إرشادات المحكمة ومراقب السلوك.
كما يتوقف ذلك على نجاح المؤسسات المعدة لمعالجة حالات الأحداث وحمايتهم وتأديبهم وإصلاحهم وتأهيلهم للعودة إلى السلوك القويم.
والتدابير الإصلاحية ذات طبيعة خاصة تختلف عما سواها من التدابير التي تفرض بحق الراشدين الذين يرتكبون الجرائم نفسها، وقد وضعت لتلائم سن الحدث ونفسيته وتربيته وهي أقرب إلى العلاج والحماية والتأهيل وإعداد الحدث إعداداً نافعاً ومفيداً عند انقضاء مدة التدبير المفروض بحقه.
وقد ثبت من تطبيق التدابير الإصلاحية تطبيقاً علمياً صحيحاً جدوى هذه التدابير وتأثيرها الجلي فيمن طُبقت بحقه من الأحداث.