الحضانة ليست حقا للأم ؟ الحضانة حق للطفل؟

بقلم د. فائزة الباشا

الحضانة لغة؛ يقصد بها حَضَنَ الطائر بيضه ( حَضْنًا ) من باب قتل ، و ( حِضَانًا ) بالكسر أيضا ضمه تحت جناحه فالحمامة حَاضِنٌ ؛ وهو وصف مختص ، ويقال حَاضِنَةٌ على الأصل ويُعدّى إلى المفعول الثاني بالهمزة فيقال ( أَحْضَنْتُ ) الطائر البيض إذا جثم عليه ، و(احْتَضَنْتُ ) الشيء جعلته في حضني والجمع أَحضان. [المصباح المنير (1/76) ] وهي مصدر الحاضن والحاضنة ، والمحاضن : ويقصد بها الأماكن التي تَتحضن فيها الحمامة على بيضها والواحد محضن ، وحضن الصبي يحضنه حضنا : ربّاه ، والحاضن والحاضنة ؛ وصف مشترك للشخص المنوط به المحافظة على الطفل وتربيته ، ، وحضان جمع حاضِنٍ ، والحَضانة بالفتح فعلها ؛ ومن المعاني الخاصة ؛ الحديث عن الأَنصارِ يوم السَّقيفة حيث أَرادوا أَن يكون لهم شركة في الخلافة فقالوا لأَبي بكر رضي الله عنه أَتريدونَ أَن تحضنونا من هذا الأَمرِ أَي تخرِجونا ، لذلك يقال حضنت الرجل عن هذا الأَمر حضنا وحضانة إذا نحيته عنه وانفردت به دونه (لسان العرب – 3/220 ـ221 / 3) .

يفاد مما تقدم أن للحضانة معاني لغوية واصطلاحية متعددة ؛ إلا أن الأهم الشروط المتطلبة في الحاضن أو الحاضنة ، وفى مقدمتها أن يكون مستحق الحضانة مؤهلا لتربية وتنشئة ورعاية المحضون ، وعليه فأنها لا تكون إلا لأشخاص تتوافر لديهم القدرة العقلية والصحة النفسية ، ولذلك يحرص أصحاب الجاه والسلطان على أن يكلفوا أساتذة أكفاء للسهر على أبنائهم ، لأن المربي حاضن لأبنائه الطلاب وتلاميذه لالتزامه بالإشراف عليهم وتطوير قدراتهم ، ومما لاشك فيه أن تربية الطفل في مراحل عمره الأول تلعب دورا مباشر في تحصينه وتهيئته لمواجهة الحياة وصعوباتها وفى تقوية الأنا العليا لديه ، وإلا ما مصير المجتمع إذا أوكلنا إلى آباء وأمهات غير أكفاء الاضطلاع بمهمة تربية أبنائهم ؟ ويؤسفنا القول أن ما نعيشه من تناقضات داخل المجتمع يوجب علينا الحديث عن الحاضن أو الحاضنة بصورة قاسية تفرض على مؤسسات الدولة التشريعية القيام بدور حاسم إلى جانب المؤسسات الاجتماعية والتعليمية التي غيبت نفسها في أبراجها العاجية .

ولقد أكدت النظرية العالمية الثالثة على أن الطفل تربية أمه ، اتفاقا مع أحكام الشريعة الإسلامية التي عبر عنها البند 20 من الوثيقة الخضراء لحقوق الإنسان بالقول :” فالإنسان لا تصلح له ولا تناسب طبيعته إلا الأمومة الحقة والرضاعة الطبيعية …” ، والمادة 16 من قانون تعزيز الحرية التي نصت على أنه لايجوز حرمان الأطفال من أمهم مادامت أهلا لذلك والعكس ، ونظمت أحكام الحضانة كأثر للزواج أو لانفصام عراه في الفصل السابع من القانون رقم 10 بشأن أحكام الزواج والطلاق لسنة 1984م في المواد من 62 إلى 70 ، باعتبارها حقا مشتركا للأبوين في حالة قيام الزوجية وتنتقل للأم ثم لأمها ثم للأب ثم لأمه ثم لمحارم الطفل ، وللمحكمة أن تتدخل ما فيه مصلحة المحضون ، إذا قدرت أن الحاضنة سواء كان الأم أو الأب أو غيرهما ليس بأهل لها ، لما تفرضه عليه – أو عليها – من التزام بحسن الخلق والسمعة ، ومن باب أولى الاتزان النفسي والعقل والإدراك كما سبق القول ، الأمر الذي يحتاج منا إلى تأهيل القضاة خاصة الشباب ممن ليس لديهم تجارب في الحياة ولاينظرون إلا للأوراق التي تقدم إليهم دون تمحيص وبصيرة تؤهلهم على تحسس مصلحة الصغير وحقه في أن يكون في رعاية من هو كفؤ ومؤهل عاطفيا وأخلاقيا ، فكيف نحرمه من هذا الحق ؟ بقبول تنازل الأم عن الحضانة لأنها تعيش ضغط نفسي يثقل كاهلها لشعورها باستحالة الحياة مع والده من جهة ، أو لأن أهلها رفضوا وجوده أطفالها معهم ولا مأوى إليها ، رغم أن مسكن الحضانة من حقهم بسبب ما يحدث من تلاعب بات جليا وواضحا للعقول التي تعقل ، فتكون النتيجة حرمان الطفل من حقه في الحصول على حنان والدته وحبها خلال مراحل نشأته الأولى ، لأن القاضي اعتمد الاتفاق الذي تم بين الأبوين ومن بين بنوده تنازل الأم عن حضانة أطفالها ، وهو ما يحدث اليوم أمام محاكمنا لأن فهمنا لأحكام الحضانة قاصر ، وهو ما حاولت التنبيه إليه في عدد من المقالات بالحديث عن المصلحة الفضلى للطفل ، وأن الحضانة حق له وليست حقا من حقوق الأم ، فالأم تقوم بدورها الطبيعي الذي خلقت له ، فأن لم تكن أهلا له سقطت عنها الحضانة وانتقلت لمن هو أهلا لها ، وقد تنتقل للمجتمع ، الذي يجب أن لايقبل بتربية والد متعاطي مخدرات لأبنائه ، أو من تحرش بطفلته جنسيا والقبول بذلك باسم العادات ينبئ عن حالة الفصام التي نعيشها .

ولأن التنازل الذي يرتب أثره يشترط فيه أن يصدر عمن يملك التصرف أو صاحب الحق ؛ وإذا اتفاقنا أن الحضانة حق للطفل ؛ فأن الأم لا تملك الحق في التنازل عنها لأنها إلتزام بذمتها مادامت أهلا ، وهو ما يفرض على المحكمة العليا أن تتصدى لهذا الموضوع إذا قدمت إليها أم تعيش ألم فراق أبنائها طعنا بسبب خضوعها لرغبات الآخرين أو لرغبتها في إنهاء الزواج تحت أي شرط .

هذا وإلى أن تتصدى محكمتنا إلى هذا الموضوع يتعين التذكير بأن القضاة يجب أن يرفضوا هذا التنازل إلا في حال توافر سبب مسقط لحضانة الأم مثل سوء الأخلاق أو ضعف العقل أو فقدانه ، لأن التنازل مشوب بعيب من عيوب الإرادة ؛ لانطوائه على شبه الإكراه التي لا يستطع إدراكها إلا القاضي الفطن ، لا الذي يعتمده بحجة أن التنازل تم بالرضا ؛ وأين الرضا تحت ضغط الطلاق أو عدم وجود مأوى للأبناء ؛ وهذا مبرر نسوقه لرفض شرط التنازل عن الحضانة ، إلا أن الحجة الأقوى أنه لايجوز التنازل لأن الأم لاتملك هذا الحق باعتباره كما أشرنا حقا للمحضون