ما القرار الإداري الذي يُمكِن للمحكمة إلغاؤه أو تعديله؟

المحامي صلاح بن خليفة المقبالي

إن الدعوى أمام محكمة القضاء الإداري لا بد لها أن تستوفي شروط قبولها ليقع نظر القضاء عليها، وفي زاويتنا القانونية لهذا الأسبوع سنتحدث عن دعوى إلغاء القرارات الإدارية، التي خلع عليها المشرع العماني مسمى “دعوى مراجعة القرارات الإدارية النهائية”

ومن اسم الدعوى يتجلى بأنه يشترط في القرار الإداري ليكون محلاً لدعوى الإلغاء أن يكون قراراً إدارياً نهائياً. ويقصد بـ”النهائي” وفقاً لما هو مستقر في الفقه والقضاء هو عدم خضوع القرار الصادر من الإدارة لتصديق جهة أخرى ، وبمعنى آخر أن يكون القرار قد استنفد جميع المراحل التحضيرية اللازمة لإصداره ، وصدر من السلطة التي تملك البت في أمره نهائياً دون أن يكون لازماً لنفاذه وجوب عرضه على سلطة أعلى لاعتماده أو التصديق عليه.

وتختلط الصفة النهائية بالنفاذ ، لأن القرار النهائي هو القرار الذي يكون نافذاً بمجرد صدوره ، إلا أن النهائية لا تمنع جواز سحبه من الجهة التي أصدرته أو وقف تنفيذه، وكذلك لا يمنع من الطعن في القرار أن تقوم الجهة المختصة بإصداره بطلب رأي بعض الجهات على سبيل الاستئناس ما دام لها وحدها في النهاية سلطة التقدير في الأمر بغير لزوم من تدخل لاحق من أي سلطة أخرى للتصديق على قرارها.

والأمر يزداد تشعباً في مجال القرارات الإدارية المركّبة والتي تأتي على مراحل عدة حتى صدور القرار الإداري النهائي بشأنها، وخير مثال لهذه القرارات المركّبة هو قرار التعيين، فهو يبدأ بقرار الإعلان عن وجود وظيفة شاغرة، وينتقل منه إلى مرحلة المفاضلة والتي تكون إما بصورة اختبار تحريري أو مقابلة شخصية أو كلاهما معاً، ثم يصدر قرار التعيين، وكل مرحلة من مراحل إصدار قرار التعيين هي مرحلة مستقلة بذاتها منتجة لأثرها فكل مرحلة، تشكل قرارا إداريا مستقلا يقبل الطعن عليه استقلالاً دون الحاجة إلى انتظار صدور القرار النهائي عن هذه العملية المركبة، لكن يجدر التنبُه إلى أنه متى ما صدر القرار الإداري النهائي الناتج عن هذه العملية المركبة فإن جميع المراحل والقرارات السابقة تندمج في القرار النهائي وتشكل معه وحدة واحدة لا تتجزأ، فمتى ما صدر القرار الإداري النهائي فلا يمكن أن يتم إقامة الدعوى على أحد تلك القرارات استقلالاً، وعليه فإن القرار الذي يصلح محلاً للطعن بالإلغاء يجب أن ينفذ كي يصبح المركز القانوني الذي يحدثه حالا ومؤثراً، أما الإجراءات التنفيذية أو إجراءات التنظيم الداخلي التي لا تؤثر في مركز قانوني ، فلا ينطبق عليها وصف القرار الإداري.

وهذا هو الوصف الذي ينطبق على القرارات الإدارية التي نص عليها المشرع العماني في قانون محكمة القضاء الإداري في المادة ( 6 ) في تعديله الأخير الصادر في سنة 2009م في البنود ( 1 ، 2 ، 3 ، 7).

وفي هذا الصدد قرر عدلُ قضاءِ محكمة القضاء الإداري في مبادئها بأنه من المستقر عليه أنَّ دعوى عدم الصحة إنَّما تُرفع بطلب مراجعة القرارات الإدارية النهائية، كما أنَّ المستقر عليه كذلك فقهاً وقضاءً أنَّ القرار الإداري هو إفصاح الجهة الإدارية عن إرادتها الملزمة بمالها من سلطة، بمقتضى القوانين واللوائح بقصد إحداث مركز قانوني أو إلغائه أو تعديله متى كان ذلك ممكناً وجائزاً قانوناً ابتغاءَ مصلحة عامة، وعليه فإنَّه إذا لم يكن من شأن القرار إحداث مركـز قانوني، أو تعديله، أو إلغاؤه؛ فإنَّه لا يعد قراراً إدارياً بل لا يتعدى كونه إجراء تحضيرياً أو عملاً تمهيدياً لا يحدث بذاته أثراً قانونياً، مما يخرجه من مجال دعوى عدم الصحة – الإلغاء – التي لا توجه سوى للقرارات الإدارية التي تحدث بذاتها أثراً قانونياً. وتكون دعوى عدم صحة( إلغاء ) مثل تلك الإجراءات أو الأعمال غير مقبولة لتخلف مناط قبولها وانحسار وصف القرار الإداري المرتب لأثر قانوني عنها. (الاستئناف رقم (55( لسنة (4) ق.س).

إعادة نشر بواسطة محاماة نت